المخبرون الصغار.. تفاصيل قانون بريطاني لتجنيد الأطفال للتجسس حتى على أسرهم
- الجزيرة نت الجمعة, 05 فبراير, 2021 - 01:55 مساءً
المخبرون الصغار.. تفاصيل قانون بريطاني لتجنيد الأطفال للتجسس حتى على أسرهم

[ أطفال يتابعون دروسهم من المنزل في ميلتون كينز ببريطانيا (رويترز) ]

"الجواسيس الصغار" ليس عنوانا لعمل سينمائي أو رسوم متحركة للأطفال، بل هو مشروع قانون مثير للجدل في بريطانيا، يرمي لتجنيد الأطفال ما دون سن 18 سنة، للعمل مع المؤسسات الأمنية والتجسس حتى على أسرهم.

 

مشروع القانون أسال الكثير من المداد بين القانونيين والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بالنظر لمضامينه المثيرة، وإمكانية تعريض حياة الأطفال للخطر، وأكثر من هذا هو التعاون مع المخابرات البريطانية للتجسس على الوالدين.

 

وبينما تدفع الحكومة الأمنية بالمبرر الأمني، وبأن القانون سيساعد في محاربة الجرائم وتجارة المخدرات والإرهاب، ولن يعرّض حياة الأطفال للخطر؛ يطالب برلمانيون وحقوقيون بوضع قيود صارمة على استخدام الأطفال في العمليات الأمنية وجعلهم مصدرا للحصول على المعلومات.

 

تجنيد الأطفال

 

وينص مشروع القانون على أن الأطفال ما بين سن 16 و17 سنة يمكنهم التعاون مع أكثر من 20 مؤسسة أمنية، بغرض جلب معلومات مهمة تفيد في حلّ العصابات الإجرامية أو مواجهة الإرهاب.

 

هذه المهمة الخطيرة ستتم حسب القانون في سرية تامة، ومع توفير الغطاء اللازم لهؤلاء الأطفال، بل إن الحكومة البريطانية ذهبت بعيدا باقتراحها منح هؤلاء الأطفال حق ارتكاب بعد الجنح أثناء ممارسة مهامهم السرية، في حال كان خرق القانون سوف يؤدي للكشف عن جريمة خطيرة أو يجنب البلاد هجوما إرهابيا.

 

ويمنح القانون الأطفال حق خرق القانون تحت 4 مبررات، هي: حماية الصحة العامة، والأمن العام، والمساعدة في احترام القانون الضريبي، أو استباق جريمة إرهابية.

 

ومن بين المضامين المثيرة للجدل في هذا القانون، هو إمكانية تجنيد الأطفال للتجسس على آبائهم، في حال اشتبه هؤلاء الأطفال في أن أحد الوالدين يحمل أفكارا متطرفة، أو أنه منخرط في عمل إرهابي.

 

ويضع مشروع القانون بعض القيود على تجنيد الأطفال، مشددا على أنه لا يتم اللجوء لهذا الأسلوب إلا عند الحاجة القصوى، مطالبا الجهات التي تقوم بتشغيل الطفل أن تضع الأولوية لسلامته الجسدية، والحرص على أمنه أولا.

 

ومن بين الأجهزة العشرين التي يمنحها القانون حق تشغيل الأطفال جواسيس، هناك: أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية والجيش والشرطة وعدد من المؤسسات الحكومية التي تحارب التهرب الضريبي وغسيل الأموال ومكافحة تجارة البشر والمخدرات.

 

وكاد مشروع القانون أن يمر دون إثارة كل هذا الجدل، بعد أن تم التصويت عليه بسهولة في مجلس العموم من طرف الأغلبية الحكومية، في حين طالب زعيم المعارضة كير ستارمر من نواب حزبه التغيب عن جلسة التصويت، ليتيح الفرصة لتمرير القانون، وهو ما جعل 32 من نواب حزبه يهددون بالاستقالة لمعارضتهم مضامين القانون.

 

ثم توقف مشروع القانون عند مجلس اللوردات، حيث طلب هؤلاء من الحكومة وضع المزيد من التفاصيل حول حماية الأطفال وتقييد عملهم بشكل مشدد جدا.

 

بين الأمني والحقوقي

 

ويتجاذب هذا القانون مقاربتان: إحداهما أمنية سياسية، والأخرى حقوقية إنسانية، ولم تنجح أي منهما في حسم هذا الجدل، مما دفع الحكومة لإعلان إعادة القانون من جديد إلى مجلس العموم، وقبولها فتح حوار مع بعض الشخصيات الحقوقية والسياسية لوضع المزيد من الضمانات لحماية الأطفال وضمان سلامتهم الجسدية.

 

وواجهت الحكومة معارضة شديدة من أعضاء كبار في مجلس اللوردات، من بينهم وزير الدفاع السابق جوروج يونكر، ومنظمات حماية الأطفال، وعدد من البرلمانيين من حزبي العمال والحزب الديمقراطي.

 

وينصبّ النقاش حاليا على تعديل القانون، بحيث يجعل من الحالات التي يمكن فيها استخدام الطفل جاسوسا مقيدة ومحددة بشكل كبير، ويبرر أنصار هذا التعديل أن فتح الباب على مصراعيه أمام المؤسسات الأمنية لتشغيل الأطفال قد يعرض حياتهم للخطر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعصابات المنظمة.

 

من جهته، يبرر وزير الأمن البريطاني جايمس بروكنشير هذا القانون بأن الأجهزة الأمنية لا تلجأ للحصول على المعطيات من الأحداث "إلا في حالات نادرة جدا، وفقط عندما يتم اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية الطفل من أي أذى".

 

وتؤكد الرواية الرسمية أن هذا القانون يخدم مصالح الأطفال، "حيث يساعد في إبعادهم عن دائرة الإجرام التي يجدون أنفسهم فيها، وذلك من خلال منحهم الحق في تقديم معلومات عن أنشطة إجرامية في محيطهم، خصوصا فيما يتعلق بتجارة المخدرات، وهي الظاهرة المنتشرة بكثرة، وكذلك استغلال الأطفال".

 

وتحاول الحكومة إقناع البرلمانيين الرافضين لهذا القانون بأن تجنيد أي طفل يتم تحت مراقبة هيئة مستقلة، وهي التي تحدد إن كان استخدامه في عملية أمنية قد يعرّضه للخطر، وفي حال ظهر أن حياته مهددة يتم التخلي عن العملية.

 

وفي تصريح لمؤسسة "جات فور كيدز لاو" (Justforkidslaw) للجزيرة نت، أكدت هذه المنظمة العاملة في مجال حقوق الأطفال سعادتها بقرار الحكومة مراجعة القانون، لوضع شروط صارمة جدا على استخدام الأطفال جواسيس، معتبرة أن هذا القرار جاء بعد ضعف سياسي وحقوقي كبير في الحكومة البريطانية.

 

وتقر المنظمة الحقوقية أن المعارضين والمؤيدين اتفقوا على حل وسط، حيث يقدم كل طرف بعض التنازلات شريطة حماية الأطفال، "فلا نحن ولا المفوضة الحكومية لشؤون الأطفال يمكن أن نقبل بهذا القانون، ومع ذلك نتطلع للعمل معا لضمان وجود ضمانات أكثر لمنع وجود الأطفال في مواقع الخطر أو في دائرة الجريمة".

 

وتحاول الحكومة إرضاء الأصوات الغاضبة التي بلغت حد تدخل قساوسة كبار في البلاد لإعلان معارضتهم، إضافة لشخصيات سياسية وعمومية شهيرة، وذلك ضمانا لعدم إعادته من جديد لمجلس اللوردات، حيث يكثر عدد الشخصيات التي تعارض أي مس بحقوق الأطفال.


التعليقات