شعب جائع عائم على بحر ألماس.. كيف أفقر ملياردير إسرائيلي الكونغو؟
- ساسة بوست الأحد, 19 سبتمبر, 2021 - 12:24 مساءً
شعب جائع عائم على بحر ألماس.. كيف أفقر ملياردير إسرائيلي الكونغو؟

في سن الثالثة والعشرين فقط، وصل الشاب الإسرائيلي اليافع دان جيرتلر إلى دولة «الزائير»، حيث كانت تشهد البلاد فوضى أمنية وسياسية غير مسبوقة سنة 1997، فقد شهدت فترة التسعينيات حربًا أهلية في منطقة وسط أفريقيا على غرار الحرب بين الهوتو والتوتسي في رواندا، والتي كانت الكونغو الديمقراطية (زائير حينها) مسرحًا لانعكاساتها؛ ففي سنة 1997 غزا تحالف بين الجيشين الرواندي والأوغندي حكومة موبوتو، وتحالف مع شخصيات معارضة من بينها الرئيس السابق لوران كابيلا، الذي أعلن نفسه رئيسًا للبلاد بعد سيطرة قواته على العاصمة.

 

وينحدر جيرتلر من عائلة من تجّار الألماس، إذ ورث هذه التجارة عن أبيه وجدّه، وفور إنهائه الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، انطلق ليكمل «بزنس العائلة»، والوجهة كانت الكونغو الديمقراطية، استطاع دان جيرتلر أن ينسج علاقات قويّة مع الرئيس كابيلا الأب، ثم كابيلا الابن الذي ورث الرئاسة عن أبيه في سنة 2001 بعد مقتله من طرف أحد حرّاسه الشخصيين، ليسيطر جيرتلر خلال عقديْن على مناجم البلاد المعدنية.

 

وتذكر تقارير صحافية أن جيرتلر كان يوفّر للرئيس كابيلا صفقات أسلحة مقابل الحصول على احتكار سوق المعادن في البلاد. ليس هذا فحسب، بل إن منظمات غير حكومية أفريقية أكدت أن الكونغو الديمقراطية خسرت في ظرف ثلاث سنوات فقط من التعامل مع جيرتلر، ما قيمته 1.3 مليار دولار بسبب «التسهيلات» التي يحصل عليها جيرتلر بشكل غير مشروع.

 

استطاع رجل الأعمال الإسرائيلي تكوين ثروة خياليّة تقدّرها «فوربس» بـ1.2 مليار دولار من خلال استثماراته في قطاعات المعادن والفلاحة والبنوك، بفضل علاقاته المشبوهة في هرم السلطة بالكونغو الديمقراطية مع مسؤولين متورّطين في جرائم حرب، أبرزهم الرئيس السابق جوزيف كابيلا.

 

وخلال عقدين من الزمن، استطاع جيرتلر نسج علاقات داخل الكونغو الديمقراطية، سمحت له بالحصول على صفقات ضخمة غير مشروعة لتصدير الألماس والذهب والنفط، بالإضافة إلى معدن الكوبالت ومعادن نادرة أخرى؛ والتي وثّقتها هيئات حقوقية كونجولية وأفريقية؛ بالإضافة إلى منظمات بريطانية وأمريكية ودولية، وظهوره في «أوراق بنما» و«ملفات الجنّة».

 

أدانت العديد من الجهات دان جيرتلر وسلّطت الضوء على أدواره المشبوهة في الكونغو الديمقراطية، أبرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى فرض تجميد أصوله في الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر (كانون الأول) سنة 2017 أثناء عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وقد قال مراقبون إن قرار العقوبات هذا دفع رئيس الكونغو الديمقراطية إلى عدم الترشّح مرّة أخرى للرئاسة.

 

وقبل أيام قليلة من مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض، استطاع دان جيرتلر أن يحصل على رخصة سنوية لإلغاء تجميد الأموال التي أودعها في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما سمح له غالبًا بنقل ثروته خارج الولايات المتحدة، قبل أن تُباشر إدارة الرئيس بايدن فرض العقوبات المالية عليه من جديد.

 

الرئيس الأمريكي جو بايدن قام بإعادة العقوبات المالية على الملياردير الإسرائيلي، وذلك بعد أن استطاع رجل الأعمال المتورّط في صفقات مشبوهة في الكونغو الديمقراطية، من خلال استغلال جماعات الضغط في واشنطن، أن يحصل على عفو من طرف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في آخر لحظة.

 

وقد جاءت هذه العقوبات الاقتصادية على دان جيرتلر، بسبب اتهاماته بالتورط في الفساد مع القيادة في الكونغو الديمقراطية، ما أتاح له السيطرة على مناجم الدولة الأفريقية واحتكار استخراج المعادن الثمينة التي تزخر بها البلاد، بحسب نشطاء كونجوليين؛ وهو ما كلّف البلاد 1.3 مليار دولار على الأقلّ بحسب «أفريكا بانل».

 

تقع جمهورية الكونغو الديمقراطية في جنوب الصحراء الكبرى، وهي ثاني أكبر بلد أفريقي مساحة بعد الجزائر، والغنية جدًا بثرواتها الطبيعية ومعادنها النادرة، والتي تسيل لعاب الكثير من القوى العالمية، وتزخر الكونغو الديمقراطية بـ80% من احتياطي العالم من معدن الكولتان، الذي يستخدم في صناعة المفاعلات النووية ومحركات الطائرات والأجهزة الإلكترونية المعقّدة والصواريخ.

 

وهو ما يجعلها عُرضة للتنافس الدولي الشرس على مناجمها وثرواتها الطبيعية. في الوقت نفسه فإن هذه الدولة الأفريقية الضخمة غارقة في الصراعات المسلحة؛ وهو ما سمح لأمراء الحرب بالحصول على ثروات طائلة من خلال استخدام العنف للسيطرة على هذه الثروات وبيعها للأجانب.

 

وتقول أصوات رسمية داخل كونغو الديمقراطية، كما نقلت «النيويورك تايمز» إن إلغاء تلك العقوبات على رجل الأعمال الإسرائيلي من شأنه أن يقوّض جهود مكافحة الفساد التي يقوم بها الرئيس الجديد المنتخب ديمقراطيًا، من أجل محو إرث الرئيس السابق جوزيف كابيلا، والذي كان حليف جيرتلر الرئيسي والمتورّط معه بشكل مباشر في قضايا الفساد.

 

وكانت مجموعة من الجمعيات الحقوقية الكونغولية بالإضافة إلى منظمات عالمية كـ«هيومن رايتس ووتش» وغيرها، قد أصدرت رسالة مفتوحة لوزير الخارجية والخزانة الأمريكيين يطلبون منهما التراجع عن قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية على دان جيرتلر.

 

أياد إسرائيلية في أفريقيا.. سيطرة على الثروات ودعم للدكتاتوريات

رجل الأعمال الإسرائيلي المتورّط مع طبقة «الكونغو الديمقراطية» الفاسدة في احتكار قطاع المناجم ينظر إلى نفسه بصورة مغايرة تمامًا عن تلك التي تصوّرها المنظمات الحقوقية. ففي الوقت الذي تشتكي المنظمات الحقوقية الكونغولية والعالمية من نفوذ جيرتلر لدى السياسيين من أجل السيطرة على ثروات البلاد، فإن هذا اليهودي «الملتزم» الذي لديه 11 طفلًا، والذي يقضي أغلب وقته في الكونغو الديمقراطية ليعود فقط يوم السبت المقدس إلى إسرائيل للعبادة، يرى أن مهمته في الكونغو الديمقراطية مختلفة تمامًا، إذ يعتبر نفسه «مُنقذًا» لهذه الدولة الأفريقية الفقيرة، بل صرّح بأنه «يستحق جائزة نوبل» مقابل مجهوداته في تطوير البلاد ودعم استقرارها.

 

وفي الوقت الذي امتلأت جيوب جيلتلر بأموال الألماس القادم من أفريقيا، فإن الكونغو الديمقراطية تبقى إحدى أكثر بلدان العالم فقرًا، إذ يقبع أكثر من 72% من السكّان في فقر مدقع، حسب إحصائيات للبنك الدولي لسنة 2018.

 

علاقات جيرتلر المتشعبة مع رجال أعمال يهود سمحت له بتوسيع إمبراطوريته الاحتكارية لمعادن الكونغو الديمقراطية، إذ عرف كيف يستغلّ هذه المناجم التي غالبًا ما تضمّ عمالة للأطفال، ويربطها مع شركائه من رجال الأعمال اليهود ليصدّر هذه المعادن إلى العالم.

 

أهم هذه العلاقات هي تلك التي نسجها مع مع شركة «جلنكور» (Glencore) المثيرة للجدل، والتي بالرغم من أن اسمها غير معروف في الأوساط العامة؛ إلا أنها في الحقيقة تعدّ أكبر شركة تعدين في العالم من حيث الأرباح، إذ تعدّ أكبر مورّد للزنك والكوبالت في العالم. وقد تأسست الشركة من طرف مارك ريتش، ذي الأصول اليهودية مثل دان جيرتلر، والذي يملك عدّة جنسيات؛ ومعروف بتبرّعاته السخيّة لإسرائيل؛ وقد نعته الصحف الإسرائيلية بشكل واسع بعد موته في سنة 2013.

 

ويعدّ مارك ريتش شخصية محورية في الصفقات المشبوهة، بالخصوص مع الأنظمة المفروض عليها عقوبات اقتصادية والتي تريد تسويق معادنها إلى العالم عبر قناة خلفية؛ إذ إن شركته المذكورة قدّمت خدمات لكل من نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، ونظام صدام حسين أثناء فترة الحصار الاقتصادي، بالإضافة إلى النظام الإيراني؛ كما وصفته الصحافة الإسرائيلية بأنّه «الرجل الذي باع نفط إيران لإسرائيل»، وقد كان مارك ريتش في قائمة أكثر 10 شخصيات مطلوبة لدى «مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)» الأمريكي، إلا أنه تحصّل على عفو رئاسي من طرف الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في أواخر أيّامه في البيت الأبيض؛ ولعلّ ذلك مرتبط بشدّة بتبرّعات مارك ريتش السخيّة لحملة كلينتون الرئاسية.


التعليقات