في بيلاروسيا داسوا على مفاصل أيدينا وأقدامنا
حدود بيلاروسيا وبولندا.. لا معايير واضحة لمن تصدهم السلطات   
- DW عربية الجمعة, 26 نوفمبر, 2021 - 06:21 مساءً
حدود بيلاروسيا وبولندا.. لا معايير واضحة لمن تصدهم السلطات   

[ في غابة بالقرب من بلدة ميخالوفو البولندية، التقى فريق مهاجر نيوز بمهاجرين عبروا الحدود البولندية ]

لم يهبط الليل بعد في بولندا، الجو بارد والتشديد الأمني والظهور العسكري واضح للعيان لاسيما في المناطق الحدودية مع بيلاروسيا. خصوصا تلك الأقرب من ”المنطقة الحمراء" التي يحظر دخولها على الصحفيين والجمعيات التي تساعد المهاجرين على حد سواء تطبيقا لما تنصّه حالة الطوارئ التي فرضت في البلاد نهاية أيلول/سبتمبر الماضي.

 

بالقرب من بلدة ميخالوفا الحدودية (شمال شرق بولندا) وتحديدا في غابة ضمن قرية "سيمكوف Szymki" ( تبعد نحو 5 كيلومترات من الحدود البولندية البيلاروسية) أشجارها كثيفة متشابهة، وطريقها وعر، أحيانا ممسد سهل وأحيانا مختنق بنباتات وأوراق شجر. كان فريق مهاجر نيوز يخطو بهدوء تام، متتبعين خريطة على شاشة الهاتف المحمول، تظهر فيها نقطة حمراء تشير إلى موقع محدد في هذه الغابة. تُسمع أصوات عصافير تخاطب بعضها البعض، وأصوات خطا الفريق الثقيلة المقتربة من مقصدها. في لحظة، توقّف الفريق عن اتباع الشاشة، شدّته أصوات آدمية خافتة جدا.قادتهم الهمسات إلى مجموعة متطوعين تابعين لجمعية تساعد المهاجرين، جالسين حول شيرين*، وهي مهاجرة سورية كردية في الأربعينات من عمرها من مدينة القامشلي السورية وجوانا* وهي مهاجرة سورية كردية أيضا، بدت في العشرينات من عمرها. لم تستقبل جوانا* الفريق كما توقّع، كانت خائفة وطلبت منهم التراجع، ظنا أنهم سيتسببون في عودتها إلى بيلاروسيا. ”إن تقدموا خطوة أخرى سأذهب، لا نريد أحدا هنا". في النهاية وافقت على بقاء شخصين فقط من الفريق جلسا إلى جانب شيرين*.

 

شيرين* وجوانا* كانتا ضمن مجموعة من 11 شخصا إضافة إليهما، قسم من المجموعة خرجوا سويا من سوريا إلى مينسك فبولندا وأما القسم الآخر فانضم إلى المجموعة عند الحدود البيلاروسية. كان برفقتهم أطفال، لم ير فريق مهاجر نيوز المجموعة كاملة، إذ لم يرغبوا في الحديث مع الصحفيين، لكن شيرين وجوانا تكفلتا البقاء قليلا مع المتطوعين ومن ثم حمل الطعام والماء إلى المجموعة المختبئة في الغابة بسبب خوفها الشديد من العودة إلى بيلاروسيا، إذ إنهم جميعا يأملون في الوصول إلى ألمانيا.

 

في بيلاروسيا داسوا على مفاصل أيدينا وأقدامنا

 

كان الخوف والتعب مستلقيان داخل عيني شيرين وهي تتحدث إلى الفريق الصحفي لتوضح قصتها تارة، وإلى المتطوعين لطلب مزيد من الطعام والماء لرفاقها تارة آخرى، وكانت كلما سمعت اسم بيلاروسيا، قالت "لا أريد العودة أرجوكم لا".

 

”كنا في وضع صعب هناك لا طعام ولا ماء، ركضتُ خلف أحد الحراس أطلب ماءا، ‘ماء ماء‘، قلت بالإنكليزية لكنّه نهرني وقال لا تتحدثي بالإنكليزية وليس هنالك ماء ثم دفعني". رأت شيرين شبان يضربهم حرس الحدود البيلاروسي، لذا شعرت بخلاص مبدأي بعد العبور، وأما جوانا فكانت تشعر بذعر مضاعف من الأمر غير راغبة في أي حديث مع الفريق الصحفي.

 

ثائر( 29 عاما) وهو مهاجر سوري من محافظة حمص، كان فريق مهاجر نيوز التقى به في مركز إيواء للمهاجرين في مدينة بياليستوك (شرق بولندا). عانى أيضا من عنف حرس الحدود البيلاروسي. لم يعرف لماذا ضربوه وضربوا أصدقاءه، وسرقوا سجائرهم ونقود آخرين. كان يحكي عن مصاعبه والعنف الذي طاله بخفة شديدة، حتى أنه ضحك على تفاصيل لم تبد مضحكة في وقتها. أوضح الشاب العشريني لفريق مهاجر نيوز أنه حاول العبور إلى بولندا ثلاث مرات، بدفع وتنظيم من حرس الحدود البيلاروسي ”يجمهرون المهاجرين في نقطة محددة ثم ينقلونا إلى نقاط يعرفونها، يقطعون السياج الحدودي البولندي ويقولون لنا اعبروا". مشيرا بسخرية إلى أنهم يقومون بالأمر مرتدين زيا مدنيا "ليكوّنوا اعتقادا أنهم مهاجرون ولكن هناك فرق واضح بيننا ونحن نعرف أنهم حرس بيلاروسي".

 

رمى حرس الحدود البولندي ثائر في ليتوانيا، بعد أن فشل في العبور إلى بولندا مرتين، "في المرة الثانية التي أعادنا فيها حرس الحدود البولندي إلى منطقة الحدود، نقلنا عبر شاحنة مغلقة إلى منطقة ما، استغرقتنا الرحلة نحو ساعة أو أكثر، عند الوصول خرج حارس من الشاحنة، يرتدي زيا أسودا، وبدأ يضربنا واحدا واحدا أثناء خروجنا، ثم يدفعنا باتجاه طريق سفلي. بقي هذا الشخص يراقبنا في الغابة حتى تأكد أننا هربنا منه تماما وأصبحنا في ليتوانيا. عرفنا أننا في ليتوانيا من خلال خاصية تحديد الأماكن في هواتفنا الجوالة. طبعا ضربنا الحرس الليتوان وسرقوا مني مبلغ 800 دولار أمريكي وهاتفي وأعادونا إلى بيلاروسيا. قبل العبور الثالث والأخير إلى بولندا".

 

ضرب حرس الحدود البيلاروسي ثائر ومجموعته أيضا بعد عودتهم من ليتوانيا وقبل محاولة العبور الثالثة والأخيرة إلى بولندا ”ضربني الحرس على صدري فغبت عن الوعي، داسوا على أطرافنا ومفاصلنا، حتى أنهم كادوا يخلعون يد صديقي". في اليوم نفسه، تحدث فريق مهاجر نيوز مع المهاجر يوسف، الذي عانى من عنف حرس الحدود البيلاروسي أيضا.

 

حكاية يوسف وحسام

 

بعد مقابلة ثائر ويوسف تحدث فريق مهاجر نيوز إلى آنا من جمعية ”أوتسالينيه ocalenie“، التي تساعد مهاجرين في منطقة الغابات البولندية، وأكدت توثيق الجمعية حالات كثيرة لمهاجرين ضربهم حرس الحدود البيلاروسي، كما وردتهم شهادات عن إصابات لاسيما في الوجه واليدين نتيجة دفع حرس الحدود البيلاروسي للمهاجرين على السياج البولندي. الأمر كذلك بالنسبة إلى المتحدثة باسم المجموعة الطبية ”ميديسي نا غرانيسي Medecy na granicy“ ماوغوساتا نوفوساد Ma³gorzata Nowosad، إذ قالت إنهم رؤوا مهاجرين في الغابات كانوا عانوا من عنف حرس الحدود البيلاروسي.

 

أعداد الضحايا في الغابة أكثر بكثير

 

مازال فريق مهاجر نيوز بصحبة المتطوعين والمهاجرتين في الغابة، تتحدث شيرين مع مترجمة على الهاتف وتحاول إخبارها بعدم رغبتها في الذهاب إلى المستشفى، فمن هناك سيعيدها حرس الحدود البولندي إلى بيلاروسيا. كانت شيرين تعاني أوجاعا في بطنها وكليتها، وقالت كان لديها أعراض حمل قبل الوصول إلى بيلاروسيا وأنها نزفت أثناء العبور وتعتقد بأنهافقدت جنينها. تبدو بشرتها البيضاء شاحبة وجلستها ثقيلة، لكن مع ذلك ترفض الذهاب إلى المستشفى. يحاول الطبيب المرافق للمجموعة سؤالها إذا كانت في حاجة إلى مسكّن للآلام. تلتفت شيرين إلى فتاة تترجم وتقول لها بلطف ”أرجوك حبيبتي أخبريه أن يعطيني مسكنا للألم إذا سمح".

 

مسكنات الآلام ضرورية جدا للنجاة في الغابة لاسيما وأن غالبية المهاجرين يقضون هناك أياما وأسابيع حتى، وفق ماوغوساتا نوفوساد Ma³gorzata Nowosad. ويزاد على ذلك عدم معرفة المهاجرين من الأساس أنهم سيبقون في الغابات ويتوهون فيها ويموتون هناك أحيانا.

 

أمالت شيرين بوجهها صوب فريق الصحفيين وقالت ”أخبرونا إن الأمر سهلا لكن في الواقع إنه كذب، كذب، كذب". بدت حرقة شيرين واضحة، فهي وقعت ضحية خدعة. لكن حاولت على الفور إخفاء ضيقها بسؤال المتطوعين ”هل لديكم مزيد من الطعام، وماء للشرب وجوارب؟". مهاجر آخر التقى به فريق مهاجز في بولندا، أشار إلى أن المهربين ومواقع التواصل الاجتماعي أخبروهم أكاذيب عن سهولة الرحلة ”تمشون نحو 700 متر فقط ثم تجدون سيارة بانتظاركم تنقلكم إلى ألمانيا".

 

لأسباب مثل هذه لم يتهيأ غالبية المهاجرين لعبور الغابات، ولم يدركوا أن مكروها سيصيبهم إن اضطروا إلى ذلك. تقول المتحدثة باسم مجموعة ”ميديسي نا غرانيسي Medicy na granicy“ ماوغوساتا نوفوساد Ma³gorzata Nowosad، إن ما يقلق العاملين الإنسانيين هو الطقس الشتوي القاسي، بالدرجة الأولى وبالنسبة إليها فإنه المسبب الأول لموت المهاجرين. مضيفة، توثيق إصابة مهاجرين بتقرحات وغيرها، نتيجة عبور الأسلاك الشائكة ومن ثم طريق الغابة. كما أشارت إلى أمراض آخرى تصيب المهاجرين العابرين في الغابات مثل الإسهال والإقياء بسبب قلة الطعام وشرب المياه غير الصالحة. مردفة، بأن هناك مهاجرين يعانون من أمراض تهدد حياتهم في أجواء الغابة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها. كما ذكرت مساعدة مجموعتهم لنساء حوامل وأطفال حديثي الولادة وجدوهم في الغابة.

 

يضيف المهاجر ثائر أن هناك حالات تجفاف وتجمد واحتباس سوائل في الجسم، ”إن استيقظت صباحا ستجد أن ملابسك قاسية ومتجمدة، وأحيانا ترى جليدا فوق ثيابك لاسيما في الصباح، هذا غير الظلام الحالك وبعض الحيوانات مثل الخنازير"، موضحا أن الأصوات وحدها تجعلك تشعر بالخوف والرهبة". وتنهي العاملة الإنسانية بالقول" نعتقد أن أرقام الضحايا أعلى بكثير من تلك التي أشير إليها رسيما". مضيفة أنهم سمعوا من مهاجرين وجود ضحايا على الجانب البيلاروسي أيضا.

 

لا معيار واضحا لمن يبقون في بولندا ومن يعادون إلى الحدود

 

انتظرت مجموعة المتطوعين ريثما تغيب المرأتان بين الأشجار، وعادت وفريق مهاجر نيوز أدراجهم باتجاه الطريق الرئيسية. فجأة، نفذ هدير طائرة مروحية بين الأشجار الطويلة، جلس الجميع القرفصاء كي لا تلمحهم لأنها إذا فعلت، فسيأتي حرس الحدود للبحث عن المهاجرين في هذه المنطقة، والقبض عليهم، ثم إعادتهم إلى منطقة الحدود البيلاروسية، حيث لن يسمح لهم بالعودة إلى مينسك، وسيعاد دفعهم باتجاه بولندا، وربما يستمر الأمر هكذا وتسوء أوضاعهم الصحية والنفسية من دون حل.

 

لايعرف المهاجرون إذا كان بإمكانهم البقاء في بولندا من دون صد. آنا من جمعية "أوتسالينيه" التي تساعد مهاجرين في منطقة الغابات البولندية أكدت لفريق مهاجر نيوز أن لا معيار واضحا يتخذه حرس الحدود البولندي بخصوص إعادة وإبقاء المهاجرين. وأنهم غالبا مايعيدون المهاجرين إلى المنطقة الحدودية. وقالت لمهاجر نيوز ”سمعنا عن مهاجرين حوّلهم حرس الحدود إلى المستشفى ولكن بعد انقضاء مدة علاجهم جاء الحرس وأعادهم إلى منطقة الحدود في الغابات".

 

مشيرة إلى أنهم في الجمعية علموا أيضا عن مهاجرين أخرجهم حرس الحدود البولندي من سيارة الإسعاف وأعادهم إلى منطقة الحدود، إضافة إلى حالات أخرى جاء فيها حرس الحدود إلى المستشفى وأخرج المهاجرين، عدا عمّن يأتي من الحرس لاصطحاب المهاجرين بعد انقضاء فترة علاجهم بطبيعة الحال.

 

المتحدثة باسم مجموعة ”ميديسي نا غرانيسي Medicy na granicy“ مالغورازاتا نوفوساد Ma³gorzata Nowosad، أكدت على الأمر نفسه ”ما نعرفه أن حرس الحدود ياتي إلى المستشفى عندا انتهاء علاج مهاجر، وعادة ما يعيدهم إلى الجانب البيلاروسي من الحدود". لكن المشكلة بالنسبة إلى المتحدثة أن بعض المهاجرين يحتاجون إلى رعاية عقب خروجهم من المستشفى.

 

بعض العاملين في المستشفيات الحدودية، يتواصلون مع الجميعة التي تعمل فيها آنا، وجمعيات أخرى غيرها عند انقضاء فترة علاج مهاجر، علّهم يأتون إلى المستشفى قبل وصول حرس الحدود، وربما يستطيعون ووسائل الإعلام التي تأتي بصحبتهم الضغط على حرس الحدود وتحويل المهاجرين إلى مراكز إيواء أو السماح لهم بطلب اللجوء.

 

لكن يشير الناشط فراس في جمعية "أوتسالينيه"، إلى أن الضغط يعد مجديا فقط في حال أراد المهاجر تقديم طلب اللجوء.


التعليقات