الطريق الطويل للقصاص من الديكتاتور: تشاد نموذجًا!
- نون بوست - سليل شيتي الاربعاء, 01 يونيو, 2016 - 07:37 مساءً
الطريق الطويل للقصاص من الديكتاتور: تشاد نموذجًا!

[ حسين حبري، الدكتاتور التشادي السابق، في قصر العدل في داكار بالسنغال في 20 يوليو 2015. ]

"من أعماق زنزانتي، من أعماق هذا الجنون، أقسم على الكفاح من أجل العدالة إذا خرجت في أي زمن من هنا حيًا"، قال المعتقل السابق سليمان غونغونغ أمام المحكمة الجنائية الخاصة في العام الماضي.
 
اليوم، يحتفل غونغونغ وآلاف الضحايا الآخرين بإصدار الغرف القضائية الاستثنائية الإفريقية في داكار لحكم بالسجن مدى الحياة ضد الرئيس التشادي السابق حسين حبري، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب، وجرائم تعذيب.
 
غونغونغ، الذي اُعتقل لمدة سنتين ونصف في أواخر الثمانينيات، كان أحد المحظوظين لخروجه من معتقله حيًا، حيث تشير التقديرات إلى وفاة حوالي 40,000 شخصًا على أيدي قوات الأمن التشادية ما بين عامي 1982 و1990.
 
"رأيت أصدقائي وزملائي في السجن يموتون من الجوع، من اليأس، من التعذيب، ومن المرض"، قال غونغونغ في شهادته.
 
ولكن مع ذلك، ولد من رحم أتون الرعب التشادية أمر رائع ومذهل.
 
الجهد الجماعي
 
على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وعلى الرغم من التهديدات والترهيب والنكسات السياسية الكبرى، عمل الضحايا جنبًا إلى جنب مع جماعات المجتمع المدني بلا كلل للوصول إلى هذا اليوم، حيث أنفق ائتلاف من منظمات حقوق الإنسان ومجموعات كبيرة من الضحايا التشاديين عقودًا في جمع الشهادات من الضحايا وأسرهم لبناء قضية ضد حبري.
 
تم تأسيس حملات وطنية وإقليمية، ودعمتها المنظمات الدولية، كمنظمة العفو الدولية، التي ساعدت على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي اُرتكبت في تشاد منذ ثمانينيات القرن المنصرم، كما تم إحباط محاولات محاكمة أو تسليم الرئيس السابق لبلجيكا مرارًا وتكرارًا، وبالمثل أيضًا أُحبطت الجهود المبذولة لإجبار السنغال على محاكمته.
 
حاربت جماعات الضحايا بالتعاون مع نشطاء حقوق الإنسان حتى دعم الاتحاد الأفريقي أخيرًا السنغال في عام 2012 في سعيها لتمهيد الطريق أمام إحقاق العدالة، حيث صدر قانون جديد في ديسمبر 2012 يسمح بإنشاء الغرف القضائية الاستثنائية الإفريقية في داكار، وبعد ستة أشهر تم اعتقال حبري، 70 عامًا آنذاك، وظهر لأول مرة في قاعة المحكمة في 20 يوليو من عام 2015.
 
الملاذات الآمنة لم تعد آمنة بالنسبة لأولئك المشتبه في ارتكابهم لجرائم حرب ولجرائم ضد الإنسانية أو لجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الدولي
 
على مدى الأشهر التالية تم تفنيد التهم الواردة في القرار الاتهامي ضد حبري، المؤلف من 187 صفحة، أمام المحكمة الاستثنائية، حيث شملت الاتهامات المقدمة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، جرائم التعذيب، وجرائم الحرب.
 
عاد 69 شخصًا من الضحايا السابقين بالزمن إلى الوراء ليعيشوا مرة أخرى تجاربهم المؤلمة، وذلك من خلال وصفهم للانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها على أيدي قوات الأمن التشادية.
 
من منظور العدالة الدولية، تحققت العديد من الإنجازات من خلال هذه القضية التاريخية؛ فهي أول قضية تخص الولاية القضائية العالمية التي يتم نظرها في القارة، وكما تمثل السابقة الأولى من نوعها التي يُحاكم فيها زعيم أفريقي سابق بموجب القانون الدولي أمام محكمة في بلد أفريقي آخر.
 
هذه القضية تمد الاتحاد الأفريقي أو الدول الأفريقية الفردية بزخم جديد لمعالجة قضية الإفلات من العقاب المترسخة ضمن بلدان أخرى من القارة.
 
لا مفر من العدالة
 
ولكن بالنسبة لي، تمتلك هذه القضية أهمية خاصة وتحوز بُعدًا شخصيًا؛ فهي تثبت بأن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، مهما كان وضعهم مزريًا، لا يزالون يمتلكون الصوت والقدرة على تحقيق العدالة؛ إنها تدلل على أن عمل النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، مهما طال ومهما واجه من تحديات، يعد مهمًا للغاية، فضلًا عن أن هذه القضية تلعب دورًا محوريًا في إثبات أن رؤساء الدول، القادة العسكريين، وغيرهم ممن يشتبه في ارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، لم يعد بإمكانهم أن يتوقعوا بعد الآن الهرب من شبكة العدالة الدولية.
 
الملاذات الآمنة لم تعد آمنة بالنسبة لأولئك المشتبه في ارتكابهم لجرائم حرب ولجرائم ضد الإنسانية أو لجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الدولي.
 
بعد سقوط حكومة حبري، تم العثور في المقر الأمني الرئيسي في العاصمة التشادية نجامينا على أكثر من 50,000 رسالة وبطاقة بريدية وجهها أعضاء منظمة العفو الدولية للحكومة الشادية، تدعو للإفراج عن المعتقلين، وبعد ربع قرن ونيف، الكثير من أولئك الذين وردت أسماؤهم في تلك الرسائل لم يكونوا هنا لرؤية الحكم الصادر بحق حبري؛ فهم، وآلاف آخرون، لقوا حتفهم في ثمانينيات القرن المنصرم.
 
ولكن بالنسبة للناجين، ولكل من يؤمن بحقوق الإنسان وسيادة القانون، يعد الحكم الصادر اليوم مهمًا للغاية؛ فلحظات كهذه هي التي نعوّل عليها لتنير لنا الطريق في أحلك الظروف، وهي التي تغذي أملنا وتمدنا بالقوة لنناصر الحق ضد الباطل.
 
الحكم الصادر اليوم يمد حرب مكافحة الإفلات من العقاب بقوة متجددة لملاحقة الجرائم التي ارتكبت في عهد حبري، وهي الجهود التي ستستمر حتى يُحال جميع المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة بموجب قواعد القانون الدولي.
 
المصدر: الجزيرة الإنجليزية
 
 
 
 
 
 
 
 


التعليقات