[ محمد بن سلمان وترامب ]
بين الرابع عشر من مارس/آذار الماضي تاريخ انعقاد أول قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وولي ولي العهد السعودي وقتها محمد بن سلمان في واشنطن، والعشرين من مايو/أيار 2017 تاريخ زيارة ترمب للرياض وتوقيعه صفقات بأكثر من 450 مليار دولار على هامش القمة الإسلامية الأميركية، شهدت العلاقات السعودية الأميركية قفزة كبيرة وتحولا وصفته مصادر سعودية بالتاريخي بعد فترة من تباعد وجهات النظر في العديد من الملفات.
ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة في نهر العلاقة بين البلدين، ومرت بمراحل مد وجزر، تميزت في فترتها الأولى بالكثير من الثناء الأميركي على السياسة السعودية ورجالها، قبل أن تغلب عليها في الآونة الأخيرة نبرة التحذير وربما "التوبيخ"، حسب وصف وكالة بلومبيرغ، قد يكون نتيجة لتداعيات سياسات سعودية بدت متهورة وفق وصف الكثير من المراقبين والعديد من الساسة الغربيين.
ضوء أخضر
بعيد لقاء ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي منتصف مارس/آذار الماضي، تحدث أحد مستشاريه لوكالة رويترز مبشرا بمستوى غير مسبوق في التعاون بين البلدين، وبأخبار سارة سيكشف عنها لاحقا، وقال إن التعاون بين البلدين بعد ذلك الاجتماع التاريخي سيكون في أعلى مستوى له، وهناك الكثير من التفاصيل والأخبار الإيجابية سيتم إعلانها خلال الفترة القادمة.
لم يكن أحد يدري بالضبط ما هي هذه الأخبار الإيجابية؟ لكن بعد نحو شهرين كان ترمب يقوم بأول زيارة خارجية له إلى الرياض ويوقع صفقات بمئات المليارات، وقبل أن يجف حبر بيان القمة الإسلامية الأميركية التي شارك فيها عدد كبير من قادة العالم الإسلامي والتي اتفقت على محاربة الإرهاب ومواجهة المد الإيراني، كانت دول خليجية تتصدرها السعودية قد بدأت معركة بدت غريبة وغير مفهومة الدوافع والسياقات ضد الجار القطري، وصلت ذروتها بكشف وسائل إعلام غربية عن سعي سعودي لقلب نظام الحكم في قطر.
ورغم أن وسائل إعلام غربية أكدت أن ترمب تدخل لوقف عمل عسكري ضد قطر كانت دول الحصار على وشك القيام به، وهو الأمر ذاته الذي أكده أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في مؤتمر صحفي بحضور الرئيس الأميركي بالبيت الأبيض، فقد بدا مع ذلك أن السعودية حسبت نفسها مطلقة اليد بعد قِممها العديدة وصفقاتها المليارية مع ترمب.
ومصداقا لذلك التوقع، صعدت السعودية من وتيرة حربها في اليمن متجاهلة عواصف التنديد التي اجتاحت العالم ومطالب إنهاء الحصار ووضع حد لحرب أتت على أخضر اليمن ويابسه، وتسببت في فواجع إنسانية لا يتحملها الضمير الإنساني الحر، كما غضت الطرف عن الدعوات والمناشدات الكثيرة إنهاء حصار قطر ووضع حد لأزمة لا مبرر لها بين جارين شقيقين تربطهما أواصر الدين والرحم والقربى، ورفضت كل الوساطات وفي مقدمتها وساطة أمير الكويت.
وكانت "ثالثة الأثافي" أزمة الحريري وما تردد عن إرغامه على الاستقالة من رئاسة وزراء بلاده، وهي خطوة استفزت مشاعر أغلب الأطراف اللبنانية بما فيها أطراف وشخصيات حليفة للسعودية، وقرئت بشكل بالغ السلبية في أغلب الدوائر الغربية والأممية، وكادت أن تدخل لبنان في أزمة سياسية وأمنية غاية في التعقيد والصعوبة.
توجس وقلق
لم تنسق أغلب دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة فضلا عن الدوائر الإعلامية والسياسية مع الرئيس ترمب في تناغمه المطلق مع السياسة السعودية خلال الشهور الماضية، وظلت تجأر بالشكوى والعتاب، وتحذر من تداعيات فائقة السلبية على مصائر الاستقرار السياسي والأمني في منطقة متشابكة المصالح وكثيرة التعقيد.
فقد قال القائد السابق للقوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون ألين إن السياسات التي ينتهجها ولي العهد السعودي أدت إلى حالة من الانقسام وعدم الاستقرار في المنطقة. وحذر من أن انخراط الأمير الشاب في حراك على جبهات متعددة قد يؤدي إلى تبعات خطيرة. كما اعتبر أن المواجهة التي قادها الأمير مع قطر لم تحقق ما كانت تريده دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وأن قطر بقيت متماسكة.
كما أبدى ساسة أميركيون قلقهم بشأن طبيعة العلاقات التي تربط ولي العهد السعودي ابن سلمان بجاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب وكبير مستشاريه الذي قام مؤخرا بزيارة غير معلنة إلى السعودية هي الثالثة له خلال العام الجاري.
وقبل أيام شن النائب الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي تيد لو هجوما على كوشنر، واتهمه بعدم امتلاك خبرة في السياسة الخارجية تخوله القيام بمهامه الحالية. وشكك تيد لو في طبيعة العلاقة بين كوشنر والسعودية، وقال إنه منحها الضوء الأخضر لحصار قطر في يونيو/حزيران الماضي.
وأضاف "فيما يتعلق بدور جاريد كوشنر في السياسة الخارجية تجاه السعودية، أنا قلق لأنه لا يمتلك أدنى فكرة عما يقوم به لانعدام خبرته في السياسة الخارجية. كما يساورني قلق كبير إزاء احتمال وجود تضارب في المصالح لديه".
ووصف مقال للكاتب باتريك كوبيرن على موقع كاونتر بانتش الأميركي، كوشنر وابن سلمان بأنهما أكبر تهديدين للمنطقة برمتها، لأن لديهما فهما مختلفا وغير واقعي للعالم من حولهما، ويدلل على ذلك بالتحولات والأحداث التي تشهدها السعودية.
ويستدرك بالقول إن الحروب عادة تبدأ من أولئك الذين يسيئون تقدير نقاط القوة والمصالح الخاصة بهم، لافتا إلى أن المحافظين الجدد واليمينيين المتطرفين الذين اشتغلوا على غزو العراق في 2003 هم الآن في أوج نشاطهم في واشنطن.
وضمن النبرة التي بدأت تتصاعد مؤخرا في أميركا ضد السعودية، قال السيناتور الأميركي المستقل والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية بيرني ساندرز إن السعودية ليست حليفة للولايات المتحدة، واعتبرها بلدا غير ديمقراطي وداعما وممولا للإرهاب في العالم.
وفي مقابلة مع موقع إنترسبت الإخباري، اتهم ساندرز السعودية -التي قال إنها غير ديمقراطية إلى أبعد حد- بتمويل المدارس الدينية "التي تنشر الفكر الوهابي المتطرف للغاية وتثير كثيرا من الكراهية".
ولا يقتصر الأمر على السياسيين والإعلاميين، فقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولي الخارجية والدفاع والاستخبارات في الولايات المتحدة أبدوا انزعاجا مما وُصف بتهور ولي العهد السعودي، وعبروا عن خشيتهم أن تزعزع تصرفاته الوضع في المنطقة وتضر بمصالح بلادهم.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أميركية أن هؤلاء المسؤولين يشعرون بالانزعاج من تصرفات الأمير السعودي على الصعيدين الداخلي والإقليمي رغم الحماس الذي أبداه الرئيس دونالد ترمب تجاه ابن سلمان، حيث كان أيد حملة الاعتقالات التي شملت مئات الأمراء والوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين ورجال المال والأعمال.
تحذير وتوبيخ
ويبدوا أن نبرة التصعيد الأميركي تصريحا لا تلميحا وصلت خلال الأيام الماضية إلى الخارجية الأميركية، بل تجاوزتها إلى هرم البيت الأبيض، حيث طالب ترمب السعودية بإنهاء حصار اليمن، في أكبر مؤشر على التغير الذي بدأ يحصل في نظرة مختلف الأجهزة والدوائر الرسمية إلى السياسة السعودية بعد شهور من المعارك والأزمات المفتوحة في المنطقة.
ورأى موقع بلومبيرغ أن ما وصفها بسلسلة التوبيخات التي وجهتها إدارة ترمب إلى السعودية الأسبوع الماضي تعكس أن واشنطن بدأت تتخذ موقفا أقوى ضد الرياض عقب إرسالها رسائل متناقضة في الشهور المنصرمة.
وأوضح أن ترمب أصدر الأربعاء الماضي تصريحا من جملتين فقط، يطلب فيه من السعودية الإنهاء الفوري لحصارها لليمن. ويوم الجمعة دعا وزير الخارجية ريكس تيلرسون السعودية للتفكير في عواقب ما تفعله في اليمن.
وحث تيلرسون السعودية على أن تكون أكثر ترويا وتدبرا في ما يتعلق بالسياسة في اليمن وقطر ولبنان، وأن تفكر في عواقب أفعالها.
وفي انتقاد حاد غير معتاد للحليف التاريخي للولايات المتحدة، قال تيلرسون "أعتقد بأنه في ضوء اشتباك السعودية مع قطر، وكيفية تعاملهم (السعوديين) مع الحرب في اليمن المنخرطين فيها، والوضع في لبنان، فنحن نشجعهم على أن يكونوا أكثر حرصا وأكثر حصافة قليلا في أفعالهم، بحسب ما أعتقد أن يدرسوا بشكل كامل للعواقب".
وعلقت بلومبيرغ بأن هذه التصريحات لم تحدد خطوة عملية إذا لم تستجب الرياض لهذه النداءات، إلا أنها تعكس نغمة أكثر حدة تجاه المملكة، كما تظهر أن ترمب يقترب من مواقف وزيريه للخارجية والدفاع اللذين ظلا يلومان السعودية على سلسلة من السياسات الخارجية التي جلبت انتقادات واسعة ضدها.
ونسب الموقع إلى كبير الباحثين بمركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز تامارا كوفمان ويتس قوله إن الصوت الموحد الذي بدأ يصدر من واشنطن هو الصوت نفسه الذي كان يصدر من تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس.
وعقب مطالبة ترمب السعودية بوقف حصارها لليمن، صدرت نسخة أخرى من البيت الأبيض يوم الجمعة تطالب الرياض بالسماح بالدخول الحر لكل البضائع عبر الموانئ اليمنية والرحلات التجارية لمطار صنعاء.
وعلق الموقع بأن هناك خلف نغمة واشنطن الجديدة شعورا متزايدا بالحذر داخل خارجيتها من ولي العهد السعودي الذي يراه تيلرسون وكثير من الدبلوماسيين الأميركيين شابا صغير السن ويفتقر للخبرة المطلوبة.
وفي المجمل فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة بوادر التصعيد ونذر التوتر في علاقات الحليفين على وقع التغيرات الدراماتيكية والأزمات العاصفة داخل وخارج البلدين، في ظل محدودية التجربة السياسية وتعقد أزمات المنطقة وكثيرة اللاعبين وحالة السيولة في المواقف والتحالفات الحالية في المنطقة.