محمد السوافيري.. عندما يتحول عشق الآثار إلى مقاومة للاحتلال
- الجزيرة نت الخميس, 13 أغسطس, 2020 - 10:56 مساءً
محمد السوافيري.. عندما يتحول عشق الآثار إلى مقاومة للاحتلال

[ محمد السوافيري يحلم ببناء قلعة تمزج بين الحضارات المتعاقبة على فلسطين التاريخية (الجزيرة) ]

يحتضن محمد السوافيري حجرا أثريا بين يديه، ويضمه إلى صدره وكأنه طفله الصغير المدلل، فهو يدرك القيمة التاريخية للآثار بالنسبة لشعب يرزح تحت احتلال يمارس سياسة "تزييف التاريخ".

 

منذ نحو 5 أعوام بدأ محمد السوافيري (36 عاما) ما اعتبرها "مهمة مقدسة" في جمع الحجارة والأعمدة الأثرية، للحفاظ عليها من الضياع والاندثار.

 

محمد صحافي شاب، ولد وترعرع في منزل أثري بمنطقة "غزة القديمة"، وتفتحت عيناه على المباني الأثرية التاريخية المتلاصقة من مساجد ومنازل وحمامات، حتى ارتبط بها عاطفيا. يقول للجزيرة نت: "أشعر أن علاقة من نوع خاص لا يمكنني وصفها تربطني بالحجارة الأثرية".

 

وبدافع من الحنين إلى هذه الحجارة الصماء، يهرب السوافيري من ضجيج المدينة ويختلي بها ساعات طويلة، ويتحدث إليها وكأنها تسمعه، ويقول: "كم تمنيت لو أنها تبادلني الحديث لتخبرني عما مر بها من أحداث".

 

وهو يشعر بحزن شديد لإقدام أصحاب منازل ومبان أثرية على هدمها، من أجل إقامة أبنية حضرية مكانها، ويعتقد أن الانقسام الداخلي المستمر في الأراضي الفلسطينية منذ 14 عاما تسبب في غياب الرقابة الرسمية، وانعكس الإهمال بسببه على مناحي الحياة كافة، وكان "تاريخنا وآثارنا ضحية من ضحايا هذا الانقسام".

 

وقال السوافيري بنبرة عزيمة وإصرار وإيمان بما يقوم به: "سأبني ما يتم هدمه".

 

مهمة مقدسة

 

يقول السوافيري إن حبه للآثار كجزء من التاريخ الفلسطيني يعود إلى طفولته، لكن اهتمامه بها وحرصه على الحفاظ عليها يعود إلى ما تمرّ به من مشاهد وصفها بالمؤلمة، لجرافات ومعاول تهدم وتنال من هذا التاريخ الممتد آلاف السنين.

 

وما إن تتناهى إلى مسامعه عملية هدم، حتى يحث الخطى ويحاول جاهدا في بادئ الأمر أن يقنع صاحب المبنى بالتراجع، وإن فشلت محاولته فإنه يلجأ إلى نقل قطع الحجارة والأعمدة الأثرية إلى أرض ورثها عن أبيه.

 

ويصف الشاب ما يفعله بأنه "أضعف الإيمان"، ويقول: إن لم أستطع إقناعهم بالتراجع عن الهدم فلا أقل من حفظ "الركام الأثري"، ومنع وصوله إلى البحر أو مكبات النفايات.

 

واكتشف السوافيري خلال السنوات الخمس الماضية من عمله الدؤوب في هذه المهمة، أن هناك "فقرا ثقافيا وانعداما للوعي" بأهمية ما يتم هدمه من منازل وأبنية تاريخية، مما دفعه إلى تبني ما تعتبر "مبادرة ذاتية للتثقيف الشعبي بأهمية حفظ التاريخ والآثار كجزء من الهوية الوطنية".

 

وقال: الاحتلال يسعى بكل السبل لتزييف التاريخ وخلق أي رابط له مع هذه الأرض، فيعمد إلى حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى المبارك، وتغيير هوية معالم تاريخية فلسطينية، وتغيير أسماء المدن والشوارع، في ظل غياب الاهتمام الرسمي الفلسطيني وانعدام الوعي الشعبي العام.

 

وهو يرى فيما يقوم به أنه "مقاومة على جبهة التاريخ". وأشار بيده إلى قطعة حجرية من منزل كان معبدا وثنيا قبل تحوله إلى كنيسة، وقال: "هذا الحجر أكبر من عمر إسرائيل بآلاف السنين، ولو كان له لسان لنطق بالحق، وأن ليس للاحتلال تاريخ هنا ولن يكون له مستقبل".

 

وقال: ما يفصل بين المغتصب وصاحب الحق هو الورق، وهذه الحجارة -التي لا يدرك كثيرون قيمتها- هي الورق والمستندات التي تثبت ملكيتنا لهذه الأرض.

 

القلعة الحلم

 

وتزيد مجموعة السوافيري من الحجارة والأعمدة الأثرية على ألفي قطعة، يعتبرها "كنزا حقيقيا"، وتتكون من 4 أنواع: الرملي والصخري والجيري والرخامي، ويحلم أن يتمكن يوما من تشييد قلعة باستخدام هذه المجموعة التي يعود تاريخها إلى حقب زمنية ضاربة في أعماق التاريخ، ولحضارات تعاقبت على فلسطين زمن الكنعانيين والبيزنطيين والعثمانيين وغيرهم.

 

وعن هذه القلعة التي تمثل بالنسبة له حلم حياته، يقول: إنه يأمل في أن ينجح يوما ما في تشييدها على مساحة ألف متر مربع، وتكون صرحا يمزج بين الحضارات المختلفة.

 

ويتطلع إلى أن تساهم هذه القلعة العتيدة في نشر الثقافة وزيادة الوعي بأهمية الآثار التي تمثل جزءا مهما من هوية أي شعب أو أمة.

 

لكن السوافيري -الذي يقتطع من ماله الخاص لشراء ما يتوفر من أعمدة وقطع أثرية- يقول إن المنطق السليم أن تكون جهة رسمية هي المشرفة على حماية المواقع الأثرية وحمايتها، ولكن العشوائية السائدة حاليا من مسبباتها الانقسام الذي غابت معه الرقابة وبعثر أوراق الأولويات.

 

 

 


التعليقات