أحمد علي عبدالله صالح خارج العقوبات الأممية دلالات ومؤشرات (تحليل)
- عامر الدميني الاربعاء, 07 أغسطس, 2024 - 04:33 صباحاً
أحمد علي عبدالله صالح خارج العقوبات الأممية دلالات ومؤشرات (تحليل)

[ أحمد علي عبدالله صالح ]

يعود أحمد نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى واجهة الأحداث في اليمن من جديد، ولكن هذه المرة بعد رفع العقوبات الأممية المفروضة عليه منذ نحو عشر سنوات.

 

هذه العودة أثارت العديد من التساؤلات والجدل في اليمن، ذلك أنها تأتي في خضم متغيرات جديدة شهدتها البلاد، على المستويين المحلي والدولي، وفتحت نافذة للتكهنات حول المستقبل القريب.

 

وللإشارة هنا فقد فرضت تلك العقوبات من قبل الأمم المتحدة لأسباب عديدة، أبرزها عرقلة الانتقال السياسي في اليمن، والتحالف مع جماعة الحوثي، وتضمنت منعه من السفر، وتجميد الأموال، وذلك بعد اشتداد وتيرة المقاومة من قبل نجل صالح، الذي كان يقود قوات الحرس الجمهوري، لعملية التغيير التي أتاحتها الثورة الشعبية التي أطاحت بوالده، وتمخض عنها انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، ووثيقته المعروفة.

 

وظل نجل صالح على مدار السنوات الخمس الأخيرة، وتحديدا منذ مقتل والده على يد جماعة الحوثي في الرابع من ديسمبر 2017 يتوسل لإلغاء العقوبات عليه، ولكنه أخفق في كل مرة، وجرى تجديدها عاما بعد آخر.

 

ومع إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه في السابع من أبريل 2022، من قبل السعودية، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم شخصيات كانت محسوبة على نظام صالح، عادل الأمل لنجل صالح، في التحرك لطلب رفع العقوبات، خاصة أن مطلب الرفع وفقا لأدبيات الأمم المتحدة يقضي بأن طلب رفعها يكون من السلطة المحلية التي طالبت بفرضها، ولذلك كان الرئيس هادي يبدي رفضا في الاستجابة لهذا الطلب، ومع إزاحته من منصبه تولى مجلس القيادة الرئاسي، وتحرك في هذا الجانب.

 

ولذلك بدا واضحا أن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والشخصيات المحسوبة على "صالح" كانت من أوائل المهنئين والمرحبين لهذا القرار، فيما توجه نجل صالح بالشكر في خطاب له عقب الرفع لمجلس القيادة الرئاسي.

 

هذا الرفع أيضا أشار بوضوح للدور الخارجي، ويتمثل هنا بالسعودية والإمارات، والدولتين كانتا محل شكر من قبل نجل صالح في أول خطاب له، وانعكس هذا في وسائل إعلام الدولتين اللتان احتفتا بالخطوة، وهو ما يشير إلى اضطلاعهم بعملية إزالة نجل صالح من قرار العقوبات، وتحركهم في هذا الجانب، سواء بشكل مباشر منهم، أو عبر الضغط على مجلس القيادة الرئاسي للتفاعل مع هذه القضية.

 

ولعبت السعودية والإمارات دورا كبيرا في إعادة إنتاج نظام صالح وتقديمه للواجهة في اليمن، منذ مقتل صالح، عبر سلسلة من القرارات التي دفعت الحكومة لاتخاذها، ساهمت تصعيد الشخصيات الموالية لصالح لمناصب حكومية رفيعة في الجانب المدني والعسكري والدبلوماسي، وهو ما ألقى بظلاله على أداء الحكومة نفسها، وخلق انقسامات داخلها، وأحدث شرخا في تكويناتها.

 

وللإشارة هنا فقد رفضت السعودية بعد أيام من اطلاقها عملية عسكرية في اليمن عبر التحالف الذي قادته في الـ26 من مارس 2015 وساطة نجل صالح لإيقاف الحرب في اليمن، وطلبه بالعمل مع الدولتين مقابل مواجهة الحوثيين، واحتفت الرياض حينها برفضها، وسربت التفاصيل لوسائل إعلامها التي اعتبرت الموقف حينذاك يعبر عن حزم السعودية في الانتصار للشرعية في اليمن.

 

ينظر البعض لهذه الخطوة بأنها تعبيرا عن التسامح والتسامي عن الماضي، خاصة من الجانب الحكومي الموالي للسعودية والإمارات، بكافة مكوناته، من أحزاب، وكيانات، بينما يراها آخرون أنها جزء من ترتيبات مستقبلية في اليمن يجر التحضير لها، وسيكون نجل صالح طرفا فاعلا فيها، بينما تمضي أراء أخرى لاعتبارها عديمة القيمة، ولم تعد سوى شيئا شخصيا، خاصة بعد انعزال نجل صالح عن المشهد العام في اليمن، وفقدانه لعوامل التأثير، إضافة للمتغيرات القائمة في الساحة اليمنية، وظهور أطرافا فاعلة، كجماعة الحوثي، وتلاشي التأثير السابق لحزب المؤتمر الشعبي العام.

 

كان من اللافت في هذا الحدث عملية ترحيب من أطراف لطالما بادلت نجل صالح العداء، وخاضت معه صراعا مريرا، خاصة إبان الثورة الشعبية، كنائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر، ورجل الأعمال حميد الأحمر، وقيادات في حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتفسير الذي يقدمه هؤلاء يأتي بمبرر اسدال الستار على الماضي، والتوحد في جبهة واحدة ضد جماعة الحوثي، خاصة أنهم جميعا باتوا خارج اليمن، ودفعوا ثمنا بنفس القدر.

 

غير أن خطاب نجل صالح بعد يوم من رفع العقوبات أعطى مؤشرا على شخصيته، وولد انطباعا عن تفكير الرجل، فبقدر ما تضمنت الشكر والتقدير لمن أسهم في رفع تلك العقوبات، إلا أنها جاءت مخيبة للأمل لدى البعض من أنصاره، ومريحة أيضا لخصومه، فقد افتقدت لتلخيص ملامح المرحلة المقبلة التي كان البعض يتوقع أن يفصح عنها، وخلت من أي إشارة في الحديث عن والده، ولم تكن في كل الأحوال بمستوى الترقب والمأمول.

 

نجل صالح الذي لايزال يحمل صفة السفير، في إشارة لتعيينه سفيرا في دولة الإمارات، من قبل الرئيس السابق هادي، يجري تقديمه أيضا بصفته نائبا لرئيس حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، الذي يعمل تحت سلطة جماعة الحوثي، وهو المنصب التنظيمي الذي حصل عليه بعد نحو عامين من مقتل والده، وذلك في قرار أصدره الحزب في الثاني من مايو 2019، دون أن يمارس مهامه التنظيمية، وهذا الوضع يفسره البعض بأنه علامة رضا من جماعة الحوثي على شخصيته، وعدم ممانعتها لأي دور يلعبه.

 

لكن الواقع اليوم في اليمن يشير للعديد من الحقائق المؤثرة، فمن جانب هناك انقساما واضحا في حزب المؤتمر الشعبي العام، بين نسخته في صنعاء، ونسخته خارج اليمن، بالإضافة لذهاب كثير من قياداته نحو نجل شقيق صالح، "طارق" الذي بات يمتلك نسخته من التشكيلات العسكرية، ومساحة جغرافية يتحرك بها، وكذلك موقعا رفيعا كعضو في مجلس القيادة الرئاسي، وذلك خلافا لوضع "أحمد علي" المجرد من عوامل القوة، ولا يمكن هنا استبعاد حصول تنافس بين الشخصيتين مستقبلا، أو ربما ذوبان أحدهما لصالح الآخر.

 

والسؤال المتردد اليوم يتلخص في إمكانية عودة نجل صالح للسلطة من جديد، بعدما ثار اليمنيين في العام 2011 رفضا للتوريث، وكان هذا الملف تحديدا محركا مهما للثورة والثوار، والإجابة عليه تبدو غير محسومة، لكن يمكن التطرق لمؤشراتها وقراءة ملامح اللحظة الراهنة.

 

من الوارد جدا وجود دور مستقبلي لنجل صالح، ولكن هذا إن حدث فسيكون مفروضا من قوى خارجية، خاصة السعودية والإمارات اللتان تتحكمان بالقرار اليمني، وبإمكانهما تسخير مجلس القيادة الرئاسي لتسهيل هذه العودة، أو حتى خلق قيادة جديدة بدلا عن المجلس يكون "أحمد" جزءا منها، ولن يكون أمام الأحزاب التي يتشكل منها مجلس القيادة والمكونات الأخرى سوى الاستجابة، بشكل طوعي أو قسري، كما جرى مع الرئيس هادي.

 

ولا يستبعد هنا وجود الدور الدولي، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان سفيرها أول السفراء الأجانب الذين يلتقون بنجل "صالح" بعد أيام قليلة من قرار رفع العقوبات، خاصة أن واشنطن تقود مؤخرا تحالف عسكري ضد جماعة الحوثي بحجة حماية الممرات والطرق البحرية، وبات هذا الوضع يؤرقها، وسعت مؤخرا لإيجاد قوى محلية جديد تستطيع أن تكون ندا للحوثيين.

 

العودة أيضا لنجل صالح في المشهد اليمني، وتعويل البعض عليه بلعب دور عسكري ضد الحوثيين هي الأخرى تبدو مستحيلة، وفقا لمعطيات اللحظة الراهنة، فجماعة الحوثي باتت في موقع قوة أكثر من أي قوة مضى، وتستطيع خوض مواجهة عسكرية من شأنها أن تنهي طموحاتها ومنجزاتها الراهنة، كما أن السعودية أيضا لم يعد بإمكانها أن تكون طرفا في معركة عسكرية ضد الحوثيين، وهي التي تنسق معهم للوصول إلى اتفاق سلام برعاية من سلطنة عمان، بل وبدأت تقدم نفسها كطرف محايد في الملف اليمني، وتنسحب تدريجيا من موقعها السابق كطرف أساسي في الحرب التي فجرتها وقادتها من قبل.

 

وبالتالي إذا كانت هناك من عودة لنجل صالح إلى واجهة الحكم في اليمن، فلن تكون سوى عبر تسوية سياسية، وهذا يعني أنه سيعمل في نظام جديد سيكون الحوثيون جزء منه، وسيعمل وفق رؤيتهم لشكل الحكم القائمة، على وضع زعيمهم عبدالملك الحوثي مرجعا رئيسيا، تخضع له الحكومة والرئاسة، كما هو الحال في صنعاء حاليا.

 

ثم هناك الانطباع العام عن شخصية "أحمد" والتي يراها البعض تتسم بالضعف، والافتقاد للمهارات القيادية، والمؤهلات التي تجعل منه مقبولا من جميع الأطراف، أو قادرا على لعب دور مؤثر وفاعل.

 

ورغم وجود مزاج شعبي يتطلع للفكاك من هيمنة الحوثيين اليوم، ويتعلق بأي آمال تبعده عن دائرتهم، إلا أن التعويل على شخصية نجل صالح، لا يبدو الحل، ولا يمكن اعتباره بديلا، وذلك للأسباب التي تم ذكرها.

 

وفي كل الأحوال فإن أخطر ما في قرار رفع العقوبات هو تجاهل جميع الأطراف بما في ذلك الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية والإمارات، والجهات اليمنية الفاعلة للجرائم التي ارتكبها نجل صالح، واستحق بموجبها العقوبات، والتي وثقتها منظمات دولية، على رأسها منظمة هيومان رايتس ووتش، ولايزال ضحاياها ينتظرون الإنصاف، والتغافل عن هذه النقطة تحديدا يسدل الستار على تلك الجرائم، ويغري الآخرين لتكرار العنف من جديد، وهم واثقون من الإفلات من العقاب.

 

إن عودة نجل "صالح" اليوم من جديد تستدعي تظافرا من قوى حية بإمكانها حماية المشروع الوطني والتضحيات التي قدمها اليمنيين من قبل، فهذه العودة لا تمثل فقط إرغاما لليمنيين على وضعهم تحت الحكم العائلي من جديد، بل تعد مؤشرا على حجم التدخل الخارجي المصادم لرغبة اليمنيين، وتكشف بوضوح عن المتورطين في إيصال اليمن إلى هذا المستوى من التردي والصراع، ليسهل عليها إعادة شخصيات إلى سدة الحكم كانت سببا في تفجر الوضع باليمن، ما يجعل البلد رهن التدخل الخارجي، وبعيدا عن تطلعاته وتضحياته وإرادته.


التعليقات