تحالف الحوثيين والمخلوع صالح.. حصاد المكاسب والمتاعب (تحليل)
- عبدالسلام قائد السبت, 30 سبتمبر, 2017 - 09:41 مساءً
تحالف الحوثيين والمخلوع صالح.. حصاد المكاسب والمتاعب (تحليل)

[ استهلك صالح كل وسائل الترويض السلس للحوثيين ]

بعد ما يقارب العامين ونصف العام من التحالف بينهما، أدرك الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أن خسارته بسبب تحالفه مع الحوثيين أكثر من خسارته بسبب خلافاته السابقة مع خصومه السياسيين، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت الحشد الكبير لأنصاره في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، يوم 24 أغسطس/آب الماضي، للاحتفال بالذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو الحفل الذي كان بمثابة "الورقة الأخيرة" أو "العرض الأخير" لعلي صالح، ضمن محاولاته السابقة لكسب تأييد التحالف العربي، وتقديم نفسه بأنه هو وحده القادر على القضاء على الحوثيين.

والمتأمل في خطابات ومقابلات المخلوع صالح بعد حشد أنصاره في ميدان السبعين بصنعاء، ومقارنتها بخطاباته ومقابلاته السابقة، سيجد أن هناك فارقًا كبيرًا، وهو أن خطاباته الأخيرة تغلب عليها لغة التودد للحوثيين، سواء من خلال مدح ما يسمونه "ثورة 21 سبتمبر" وتمجيد قتلاهم الذين ساواهم بشهداء ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، أو الهجوم الكلامي المبالغ فيه ضد السلطة الشرعية والتحالف العربي.

أما خطاباته السابقة، ورغم حدة هجومه فيها أغلب الأحيان ضد السلطة الشرعية والتحالف العربي، لكن كانت تغلب عليها لغة المراوغات، ومغازلة مختلف الأطراف، خاصة السعودية وحزب الإصلاح، فالسعودية وصفها عدة مرات بالجارة والشقيقة الكبرى، وطالب عدة مرات بإجراء حوار مباشر معها. كما غازل حزب الإصلاح في أحد خطاباته بشكل مباشر، قائلًا بأنه كان متحالفًا مع الإصلاحيين وسيتحالف معهم. وانتهاء بآخر كلمة له قبيل مهرجان ميدان السبعين أمام مجموعة من أنصاره، وفيها هاجم حلفاءه الحوثيين، ووصفهم بالمليشيات، وسخر من ملازم سيدهم حسين الحوثي.

- استغلال الغياب والفراغ

منذ بداية عملية "عاصفة الحزم"، كان المخلوع علي صالح نادر الظهور في المناسبات أو عبر وسائل الإعلام، رغم هوسه بالظهور الإعلامي، وهذا الاختفاء كان بسبب الخشية من أن تتعرض حياته للخطر، خاصة أن الشهور الأولى بعد بدء عملية "عاصفة الحزم" شهدت قصفًا كثيفًا على المعسكرات ومخازن الأسلحة في العاصمة صنعاء ومحيطها، كما تعرضت قصوره ومنازل وفلل بعض قيادات الانقلاب لقصف طائرات التحالف العربي، فضلًا عن اشتداد المعارك في عدة جبهات.

استغلت جماعة الحوثي اختفاء المخلوع صالح لتثبيت سلطتها في المحافظات غير المحررة، وتحركت في الفراغ الذي خلفه غيابه، فاستقطبت ولاء ضباط وجنود أغلب معسكرات قوات "الحرس الجمهوري" الموالية للمخلوع صالح وعائلته، كما استقطبت مشائخ القبائل الموالين له أيضًا ولعائلته، واستخدمتهم في حشد المقاتلين القبليين، ودفعت بمنتسبي قوات الحرس الجمهوري والمقاتلين القبليين إلى جبهات القتال، ويعود أكثرهم جثثًا هامدة بدون تحقيق أي تقدم عسكري.

وفي نفس الوقت، بقي من يصفون أنفسهم بالهاشميين في العاصمة صنعاء يتقاسمون المناصب الحكومية فيها وفي المحافظات التي يسيطرون عليها، ويؤسسون الشركات والمولات التجارية، ويبنون الفلل والبيوت الفارهة، ويشترون السيارات الحديثة، ويعيشون حياة الترف والبذخ، ويفرضون الإتاوات الطائلة على رجال المال والأعمال والشركات التجارية والبنوك الأهلية بذريعة "المجهود الحربي"، ويكدسون الأموال في خزائهم، ولم يذهب للمقاتلين في الجبهات إلا الفتات منها.

- الترويض السلس

ومع تزايد الشكوى والأنين من قبل أتباع المخلوع صالح من التهميش والإقصاء الذي تمارسه ضدهم جماعة الحوثي، بدأ المخلوع علي صالح في الظهور تدريجيًا، وحاول ترويض الحوثيين بطريقة سلسة، بما يمكنه من خلق توازن بين أتباعه والحوثيين بخصوص المناصب والمكاسب، فأوهمهم بأنه سيتخذ خطوات سياسية تربك السلطة الشرعية والتحالف العربي، وهي في الأساس موجهة ضد الحوثيين، الذين فرضوا سيطرتهم وتعمدوا تهميش أتباعه من خلال ما يسمى "اللجنة الثورية" واللجان الصغيرة المنبثقة عنها.

وكانت أولى الخطوات التي ابتكرها علي صالح ومعاونوه هي الإعلان عن تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى" مناصفة بين طرفي الانقلاب، والذي تم في 28 يوليو/تموز 2016، ثم الإعلان عن حكومة أطلق عليها "حكومة الإنقاذ الوطني" في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على أن تكون مناصفة بين طرفي الانقلاب أيضًا.

وقبل ذلك، تمت دعوة مجلس النواب للانعقاد، واستجاب البرلمانيون الموالون للانقلابيين لتلك الدعوة، وتمت أول جلسة بنصاب غير مكتمل في 13 أغسطس/آب 2016، والهدف من ذلك أن يمنح مجلس النواب فيما بعد ما يسمى "حكومة الإنقاذ الوطني" الثقة، وتعثر الإعلان عن تشكيلة الحكومة ما يقارب الشهرين، ثم أُعلن عنها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 مناصفة بين طرفي الانقلاب.

لم تفلح كل الخطوات المذكورة في استعادة المخلوع علي صالح وأتباعه لجزء من سلطتهم من أيدي الحوثيين، فما يسمى باللجنة الثورية للحوثيين بقيت تمارس عملها، ولها السلطة العليا، رغم أنه كان يفترض حلها وأن يحل محلها ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، وأيضا فالمجلس السياسي الأعلى رفض الحوثيون التداول مع أتباع صالح لرئاسته الدورية التي بقيت حكرًا للقيادي الحوثي صالح الصماد.

أما الوزارات التي كانت من نصيب أتباع المخلوع علي صالح، أو جناحه في حزب المؤتمر، فقد فرض الحوثيون سيطرتهم عليها من خلال من يسمونهم "المشرفين"، والذين تتجاوز صلاحياتهم صلاحيات الوزراء أنفسهم، فضلًا عن استمرار الإقصاء والإهانات والاعتداءات الجسدية واللفظية التي مارسها الحوثيون ضد أتباع علي صالح، وطالت حتى وزراءً ونوابهم وآخرين.

- لملمة الشتات

استهلك المخلوع علي عبدالله صالح كل وسائل الترويض السلس للحوثيين، إلا أن ذلك لم يجدِ، فحالات الإقصاء لأتباعه ظلت مستمرة في الوظائف المدنية والعسكرية، وطالت صغار وكبار الموظفين. ومع تزايد وتيرة الشكوى والأنين من قبل أتباع المخلوع صالح، ثم بدء بعضهم بمهاجمة جماعة الحوثي وانتقادها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت الجماعة بالتلويح بـ"قانون الطوارئ"، ووصفت منتقديها من أتباع علي صالح بـ"الطابور الخامس" و"عملاء العدوان"، وبدأت حملة تحريض ضدهم عبر وسائلها الإعلامية وعبر خطباء المساجد الموالين لها.

وإزاء كل ذلك، بدأ المخلوع علي صالح التكثيف من ظهوره الإعلامي، واللقاء بأنصاره وأتباعه في صنعاء ومحيطها تحت لافتة حزب المؤتمر، وتكثيف لقاءات تنظيمية لأتباعه في الحزب وفتح باب الانتساب إليه، ومنح بطائق العضوية في الحزب لأتباعه في مختلف المحافظات والمناطق غير المحررة، وتوزيع استمارات للتوقيع عليها تطالب بترشيح نجل علي صالح الأكبر (أحمد) لرئاسة الجمهورية. وقد استفزت كل تلك الخطوات جماعة الحوثي، وسخر منها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي -في خطاب له- بقوله إن هناك من يقوم بعمل تنظيمي حزبي وكأن البلاد مقبلة على انتخابات ولا تتعرض لما وصفه بالعدوان.

وبعد محاولات المخلوع صالح لملمة شتاته، بدأ بتوجيه أولى رسائله للحوثيين من خلال دعوته أنصاره للاحتشاد إلى ميدان السبعين في الذكرى الثانية لعملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس/آذار الماضي. وخلال الحشد، منع الجنود المكلفون بحماية ميدان السبعين من دخول أي شعارات أو صور للحوثيين، وانتشرت بكثافة صور المخلوع صالح ونجله أحمد وشعار حزب المؤتمر (الخيل). ثم واصل علي صالح ظهوره الإعلامي والمغازلات الموجهة من خلال خطاباته للتحالف العربي وخاصة السعودية، كما واصل عملية التنسيب لحزب المؤتمر والاجتماعات التنظيمية للحزب.

وبالتوازي مع ذلك، ظهرت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية على الإنترنت تمجد المخلوع علي صالح وتشيد بقوته العسكرية وتمدح ما تصفه بحنكته السياسية، والتأكيد على أنه وحده من بقدرته القضاء على الحوثيين، واللافت أن بعض دعاة التمجيد للمخلوع صالح والتبشير بعودته من المحسوبين على السلطة الشرعية، ويشغلون مناصب مهمة فيها، ويقيمون في العاصمة السعودية الرياض.

كما ظهرت في نفس الوقت حملات إعلامية منظمة من قبل دولة الإمارات وبعض قيادات الحراك الجنوبي وبعض المحسوبين على السلطة الشرعية تستهدف حزب الإصلاح وتشوه تاريخه ورموزه السياسية وناشطيه وإعلامييه، ووصل الأمر بنشر قوائم بأسماء إعلامييه النشطين تحرض ضدهم. كما ظهرت حملات تبرئ المخلوع صالح من كل ما تشهده البلاد من دمار، وتحمل حزب الإصلاح مسؤولية ذلك. 

ثم توّج كل ذلك بتسريبات تفيد بأن مبادرة إماراتية يتم مناقشتها وعرضها على مختلف الأطراف سرًا، وتتضمن إجراء مصالحة سياسية تفضي إلى تعيين أحمد علي صالح رئيسيًا توافقيًا للبلاد، وهي التسريبات التي أكدتها مجلة فرنسية متخصصة في الاستخبارات، بصرف النظر عن نفى التحالف العربي لها.

- ثمن غرور اللحظة

وأمام كل ما سبق ذكره، أصيب المخلوع علي صالح بما يمكن وصفه بـ"غرور اللحظة"، واتخذ من حلول الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر فرصة لاستعراض قوته وشعبيته وتقديم كل ما لديه للتحالف العربي، وربما للسلطة الشرعية، ولم يكن يدرك الثمن الفادح لغرور اللحظة، وتحولت آخر أوراقه وعروضه إلى نكسة سياسية لم يسبق أن تعرض لها طيلة تاريخه السياسي. فمن الآن وصاعدًا، لا اجتماعات تنظيمية مع قبائل طوق صنعاء تحت لافتة حزب المؤتمر، ولا رسائل موجهة للحوثيين، ولا مغازلات للتحالف العربي أو السعودية وحزب الإصلاح وغيرهم، ولا حشود مؤيدة في ميدان السبعين، ولا ظهور في بعض المناسبات والاحتفالات، ولا خروج من مكان الإقامة الجبرية في منطقة السبعين، ولكن خطابات تودد للحوثيين فقط، وهجوم حاد ضد التحالف العربي والسلطة الشرعية، ودعوات لرفد الجبهات بالمقاتلين.

لقد أدرك الحوثيون مغزى وخفايا الحشد الكبير الذي دعا له المخلوع صالح في ميدان السبعين، والذي استبقه بخطاب سخر فيه من ملازم سيدهم حسين الحوثي، ووصفهم بالمليشيات، وحملهم وزر تردي مختلف الخدمات في المحافظات والمناطق التي يسيطرون عليها، وغير ذلك من الغمز واللمز في حقهم. وكل ما في الأمر أنه كان ينوي تقديم عرض كبير للتحالف العربي بالقضاء على الحوثيين، والبدء بمصالحة سياسية تضمن باستيعابه وعائلته ضمن حكومة توافقية، وتأمين المستقبل السياسي لعائلته.

لكن النتيجة كانت أنه أظهر مدى ضعفه أمام الحوثيين، وأحبط كل المراهنات عليه للقضاء على الحوثيين التي روج لها أتباعه، وأحرق نفسه سياسيًا تمامًا، وأحرج أتباعه وخصومه على حدّ سواء، ووصل به الحال إلى البقاء قيد الإقامة الجبرية في مخبئه، وحاول صرف الأنظار عن ذلك بالاعتذار عن حضور المناسبات الاجتماعية، وتكليف أحد قيادات حزب المؤتمر بذلك نيابة عنه.

وستواصل جماعة الحوثي التنكيل والإقصاء لأتباع علي صالح حتى يتم تطهير مختلف المؤسسات منهم تمامًا باستثناء من سيغير ولاءه لها، ومن يعترض فمصيره السجن أو الاعتداء الجسدي أو القتل، كما حصل لقائد حرسه الخاص، ولمحاميه الخاص، ولإعلاميين موالين له.

- مفارقات اللحظة الأخيرة

لقد سلم المخلوع علي صالح نفوذه الذي بناه طيلة 33 عامًا لجماعة صغيرة قدمت من كهوف محافظة صعدة في لحظة واحدة بغرض الانتقام من خصومه السياسيين، واتخذ منها واجهة للانقلاب، ثم اختفى وتركها تسيطر على الفراغ الذي خلفه غيابه. والآن لا تريد جماعة الحوثي القضاء التام عليه رغم رغبتها وقدرتها على ذلك، فإذا كان علي صالح قد اتخذ منها في البداية واجهة عسكرية للانقلاب والانتقام من خصومه، فهي اليوم تتخذ منه ومن حزبه واجهة سياسية للانقلاب، لإدراكها أنها منبوذة أكثر منه محليًا وإقليميًا ودوليًا.

والمفارقة المثيرة، أن القوات العسكرية التي أنشأها ودربها وسلحها وأنفق عليها المخلوع صالح أموالًا طائلة من ثروات الشعب، أصبح اليوم جزءًا كبيرًا من هذه القوات موالٍ للحوثيين، ويشارك بعض منتسبيها في الحصار المفروض عليه في مخبئه بمنطقة السبعين، وينتشرون حول مخبئه بأطقم عسكرية وبملابس مدنية، وبعضهم بدون أي مركبات، ويراقبون السيارات المارة والخارجة من منطقة السبعين خشية فراره من بين أيديهم، كما أنهم مستعدون لتصفيته جسديًا في أي وقت يتم تكليفهم بذلك لأي سبب محتمل.


التعليقات