عودة الماضي وتفخيخ المستقبل.. لماذا أضعف التحالف العربي الأحزاب السياسية وصنع الجماعات المسلحة؟
- عبد السلام قائد الجمعة, 26 أبريل, 2019 - 05:26 مساءً
عودة الماضي وتفخيخ المستقبل.. لماذا أضعف التحالف العربي الأحزاب السياسية وصنع الجماعات المسلحة؟

[ مدرعة من الإمارات دعما لكتائب أبو العباس في تعز ]

بعد دخول عملية "عاصفة الحزم" العسكرية عامها الخامس، تبدو نتيجتها في المشهد اليمني كالتالي: أضعفت الأحزاب السياسية وهمشتها وعمقت العداوات فيما بينها، وفي المقابل صنعت جماعات مسلحة ذات توجهات طائفية ومناطقية وقبلية، ووحدتها حول مناهضة السلطة الشرعية والأحزاب والوحدة الوطنية، وتمكنت من خلالها من تنفيذ الاغتيالات السياسية التي طالت قيادات في حزب الإصلاح وعلماء ودعاة ينتمون للتيار السلفي المعتدل، ووظفتها لحماية مصالحها ونفوذها، ولتمنع السلطة الشرعية من العودة للبلاد.

 

وبهذه النتيجة، فإن السعودية وحليفتها دولة الإمارات لم تعيدان اليمن إلى ما قبل ثورة 11 فبراير 2011، في سياق حربهما وتآمرهما على ثورات الربيع العربي والقضاء عليها، خشية تأثيرها على العائلات الحاكمة فيهما، وإنما أعادتا اليمن عشرات السنين إلى الخلف، ولا مبالغة إذا قلنا بأنهما أعادتاه إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، باعتبارهما دعمتا جماعة الحوثيين، في البداية، بغرض استخدامها كوسيلة للقضاء على جميع القوى السياسية والعسكرية والقبلية التي كان لها الدور الكبير في ثورة 11 فبراير 2011 ودعمها وحمايتها، لكن الأوضاع خرجت عن السيطرة بخروج الحوثيين عن الخطة المرسومة لهم.

 

العودة إلى الخلف

 

قبل انقلاب جماعة الحوثيين على السلطة الشرعية، بتحالف وتنسيق مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، نشرت بعض الصحف المحلية أخبارا تفيد بأن عددا من قادة جماعة الحوثيين قاموا بزيارات متكررة لبعض السفارات الأجنبية في العاصمة صنعاء، خاصة السفارة السعودية والسفارة الأمريكية، وهذه الزيارات جاءت بعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر ضد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، الدكتور محمد مرسي، وكانت السعودية والإمارات قد أشرفتا على الانقلاب هناك وقدمتا له كل وسائل الدعم.

 

وبعد نجاح الانقلاب في مصر، كان الشيخ حميد الأحمر أول سياسي يمني ينتقد الانقلاب العسكري في مصر وداعميه، واصفا ما حصل بأنه كان بدعم دول تقاد من غرف الإنعاش، في إشارة منه إلى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي كان يعاني من غيبوبة ويتلقى العلاج في الخارج أثناء الانقلاب العسكري في مصر.

 

وعندما بدأ الحوثيون تحركاتهم الانقلابية، كان أول عمل قاموا به بعد غزوهم محافظة عمران هو تفجير بيوت أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، وكان أول عمل قاموا به بعد دخولهم العاصمة صنعاء هو السيطرة على منازل وممتلكات أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، الذين كانوا قد غادروا البلاد، وفرضوا الإقامة الجبرية على أخيهم الشيخ صادق الأحمر في منزله بصنعاء.

 

كانت مثل هذه التطورات قد كشفت جانبا مما تم الاتفاق عليه، أثناء اللقاءات السرية التي تمت في السفارة السعودية بصنعاء، بين قيادات حوثية والسفير السعودي لدى اليمن، لكن ما حدث أن الحوثيين خرجوا عن الخطة المرسومة لهم، وأغرتهم تلك الانتصارات الوهمية، وتسليم علي صالح عدة معسكرات مع عتادها لهم، فضلا عن الدعم الذي كان يأتيهم من إيران مباشرة، من خلال 14 رحلة طيران في الأسبوع بين صنعاء وطهران، وتأكيد مسؤولين إيرانيين بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد طهران، وأن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد، وغير ذلك من الاستفزازات.

 

بقيت السعودية تقف موقف المتفرج بعد الاستفزازات الإيرانية، ولم تندلع "عاصفة الحزم" إلا بعد أيام قليلة من إجراء الحوثيين مناورة عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن، وتصعيدهم الإعلامي ضدها، والتهديد بغزوها والسيطرة عليها خلال أيام معدودة.

 

وبدعم السعودية للحوثيين في بادئ الأمر، ليكونوا إحدى أدوات الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، فإنها تكون هي وحليفتها دولة الإمارات قد أعادتا اليمن إلى ما قبل ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، كون الملامح العامة للوضع في البلاد صار يشبه تلك الحقبة، فالإمامة تحكم في الشمال (جماعة الحوثيين)، والجنوب عادت فيه ملامح الاحتلال البريطاني والمشيخات والسلطنات المناطقية، يتمثل ذلك في الاحتلال السعودي والإماراتي للمناطق الحيوية، وتشكيل جماعات مسلحة مناطقية تحمل مسميات "أحزمة" و"نخب" بدلا من "مشيخات" و"سلطنات".

 

كما أن الدسائس التي تزرعها الدولتان بين الأحزاب السياسية، تشبه الدسائس التي كان يزرعها الاحتلال البريطاني بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وغيرها من التيارات السياسية والفكرية بعد تصاعد مطالب رحيل الاحتلال واندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963. وهكذا أعادت الدولتان اليمن إلى الوراء عشرات السنين، حيث الإمامة في الشمال، والاحتلال والنزعات القبلية والمناطقية في الجنوب، والهدف الانتقام ممن أشعلوا ثورة 11 فبراير 2011 والقضاء على الثورة تماما.

 

تفخيخ المستقبل

 

لم تكتفِ الدولتان، السعودية والإمارات، بإعادة اليمن عشرات السنين إلى الوراء، وبأيدٍ يمنية، في لحظة انقسام وضعف، وإنما فخختا حتى المستقبل، من خلال إضعاف السلطة الشرعية، وإضعاف وتمزيق الأحزاب السياسية وزرع العداوات فيما بينها، وإحلال مكانها جماعات مسلحة ذات نزعات أيديولوجية ومذهبية ومناطقية وقبلية متطرفة، جميعها مناهضة للسلطة الشرعية وللوحدة الوطنية ولليمن الاتحادي، وتحظى بالدعم اللامحدود بالسلاح والمال من قبل الدولتين، وتتمتع كل واحدة منها بالحكم الذاتي في مناطق سيطرتها.

 

كان أبرز المتضررين من عملية "عاصفة الحزم" هو حزب المؤتمر الشعبي العام ونظام علي صالح، الذي تعمل الدولتان اليوم على إعادة ترميمه وترقيعه ليعود إلى السلطة مرة أخرى، ففي البداية ورطت الدولتان علي صالح وحزبه بالتحالف مع الحوثيين وتقديم الدعم لهم للقضاء على ثورة 11 فبراير 2011 والقوى السياسية والعسكرية والقبلية المساندة لها، ثم دمرتا جميع الألوية العسكرية الموالية له وتركتا ما تبقى منها لينهبها الحوثيون، ثم زرعتا الفتنة بينه هو والحوثيين أملا منهما في أن ينتصر عليهم ثم تعيدانه إلى السلطة، لكنهما أخطأتا التقدير وتسببتا بقتله، وبعد أن تشتت حزبه بعد فقدان كل عوامل قوته، بدأتا تعملان على ترميمه وترقيعه لكي يعود إلى السلطة مرة أخرى.

 

لقد تسببت عملية "عاصفة الحزم"، وطبيعة التدخل السعودي الإماراتي في الأزمة اليمنية، في انقسام مختلف الأحزاب إلى ثلاثة أجنحة في كل حزب، الأول مؤيد للسلطة الشرعية والتحالف العربي، والثاني مؤيد للحوثيين، والثالث هو الجناح المحايد أو الصامت، باستثناء حزب الإصلاح، الذي لم ينقسم، وألقى بكل ثقله ليتحالف مع السلطة الشرعية والتحالف العربي في الحرب على الانقلاب، وما زال يستمد شعبيته وقوته السياسية من قوته الأخلاقية.

 

ومع ذلك، لم يسلم الحزب من محاولات إضعافه، لدرجة يبدو وكأن تدخل السعودية والإمارات في اليمن الهدف منه القضاء على حزب الإصلاح قبل القضاء على جماعة الحوثيين، بدليل أنه يتم الدفع بالحزب ليتصدر الجبهات في الحرب على الحوثيين، وإذا حصل تقدم ما في إحدى الجبهات، وكان هناك مجرد تشكيك بأنه يوجد في صفوف المتقدمين جنود أو ضباط إصلاحيون أو موالون للإصلاح، فإنه يتم قتلهم بواسطة الطائرات الحربية والادعاء بأن ذلك كان عن طريق الخطأ، أما القادة الذين بقوا في بيوتهم، فإنه يتم اغتيالهم مباشرة أمام منازلهم أو مساجدهم، كما حدث في عدن وغيرها.

 

والنتيجة أن عدد قيادات الإصلاح الذين اغتالتهم دولة الإمارات وأذرعها المسلحة في عدن وغيرها أكثر من قيادات الحوثيين الذين اغتالهم التحالف العربي خلال أربع سنوات من الحرب، والضربات الموجعة التي تلقاها حزب الإصلاح من التحالف العربي (الإمارات) أشد إيلاما من الضربات التي تلقاها من الحوثيين، فإذا كان الحوثيون قد اعتقلوا بعض قياداته وغيبوهم في السجون، فإن دولة الإمارات قتلت عددا كبيرا من قياداته أثناء خروجهم من منازلهم أو مساجدهم، وأمام أبنائهم أو تلامذتهم، وجلبت مرتزقة من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها لينفذوا الاغتيالات ضد قيادات الحزب، ودفعت لهم مبالغ مالية كبيرة مقابل عملهم.

 

كما أن شيطنة الإعلام السعودي والإماراتي للحزب كانت أسوأ من شيطنة إعلام الحوثيين له، ومع ذلك ما زال الحزب يتقدم الصفوف لمواجهة الحوثيين، بينما الأبواق الإعلامية للدولتين تتهمه بالتحالف مع الحوثيين، فكيف سيتحالف معهم سرا ويحاربهم جهرا؟

 

ورغم كل الضربات الموجعة للحزب، إلا أن دولتي السعودية والإمارات تلجآن إليه كلما اقتضت الحاجة، خاصة ما يتعلق في مساعيهما لإعادة ترميم وترقيع حزب علي صالح ونظامه ليعود إلى السلطة، وهو ما ظهر في اللقاء المفاجئ في الرياض بين قيادات الحزب ووليي عهد السعودية والإمارات، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، بعد قتل الحوثيين لعلي صالح أثناء أحداث ديسمبر 2017 في صنعاء، وهو اللقاء الذي تضمن -لأول مرة- من وليي عهد الدولتين طلبا من حزب الإصلاح بأن يتعاون مع عائلة علي صالح وحزب المؤتمر، ولحق ذلك لقاء آخر تم في دولة الإمارات، وتوج ذلك بظهور قيادات إصلاحية تدعو إلى وحدة الصف الجمهوري، والقصد التصالح مع حزب المؤتمر (جناح علي صالح)، ثم توج كل ذلك بتقديم حزب الإصلاح تنازلات أعادت رجال علي صالح إلى واجهة السلطة، من البنك المركزي إلى البرلمان وغيرهما.

 

ميراث الفشل

 

لكن مثل هذه الإجراءت المتأخرة لم تعد تجدي، بسبب ميراث الفشل المتراكم في إدارة الأزمة اليمنية، وكون بعضها تتم بدعم سعودي ومعارضة إماراتية، كما أن محاولات ترميم الأحزاب السياسية وسط حقول ألغام ممثلة بجماعات مسلحة وضعف السلطة الشرعية، ليست سوى مضيعة للوقت وحراثة في الهواء.

 

وكان الأجدر هو البدء في تسوية الوضع وتهيئته لعودة الأحزاب السياسية، من خلال تفكيك الجماعات المسلحة والقضاء عليها، وبسط سيطرة الدولة على كافة الأراضي المحررة، غير أن الحاصل هو أن السعودية والإمارات أعادتا اليمن عشرات السنين إلى الوراء، ولغمتا الحاضر، وفخختا المستقبل، الذي سيكون بين كفي عفريت الجماعات المسلحة المناهضة للدولة، وتحركها مشاريع مذهبية وطائفية وعنصرية ومناطقية وانفصالية وقبلية وعائلية.


التعليقات