ماذا يعني تعيين أحمد بن مبارك رئيسا للوزراء في اليمن؟ الدلالات والتوقيت (تحليل)
- عامر الدميني الثلاثاء, 06 فبراير, 2024 - 03:44 صباحاً
ماذا يعني تعيين أحمد بن مبارك رئيسا للوزراء في اليمن؟ الدلالات والتوقيت (تحليل)

[ أحمد عوض بن مبارك - رئيس الحكومة اليمنية - وكالات ]

يعد تعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسا للوزراء في اليمن، حدثا بالغ الدلالة والأهمية، بالنظر للظروف والمعطيات التي صدر فيها هذا القرار، والمشهد العام في اليمن والمنطقة، ومجمل الأحداث والتطورات المتصلة به، وهو ما يجعل القرار مؤشرا على المستجدات الراهنة، ويعكس طبيعة المرحلة القادمة، سواء على مستوى اليمن، أو المنطقة.

 

وأصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي القرار رقم (56) لسنة 2024م في الخامس من يناير الجاري بتعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسا لمجلس الوزراء، واستمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم، وفقا لقرارات تعيينهم، ما يرجح أن مبارك سيحتفظ بمنصبه كوزير للخارجية والمغتربين.

 

من هو بن مبارك؟

 

ينتمي أحمد عوض بن مبارك لطبقة الوجوه الجديدة التي أفرزتها الأحداث في اليمن، منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبدالله صالح في العام 2011م، والتي برزت للساحة العامة، من رحم تلك الأحداث، وما تلاها، من تطورات، وجاء للعمل السياسي والحكومي من بيئة أكاديمية بحتة، بسبب طبيعة تخصصه الأكاديمي، ودراسته للإدارة، وعمله في أنشطة المنظمات الدولية العاملة في اليمن.

 

غير أن المحطة المفصلية الأهم في مسيرة الرجل كانت بعد صعود الرئيس السابق عبدربه منصور هادي كرئيس جديد لليمن الذي كان حينذاك يخوض معركة حوارية للتمهيد لمؤتمر الحوار الشامل الذي نصت عليه المبادرة الخليجية، كخارطة طريق للوضع آنذاك.

 

وبدأت أولى المحطات بتعيين بن مبارك في 2012، عضواً في اللجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، كممثل مستقل، وانتخب حينها مقرراً للجنة، وفي الـ 18 من يناير 2013، أصدر الرئيس هادي قراراً بتسمية بن مبارك أميناً عاماً لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، وما يتصل به من مهام، وتحضيرات، وإعداد لوثيقة مخرجات المؤتمر الذي شاركت فيه كل القوى والمكونات السياسية في اليمن.

 

مثل تعيين بن مبارك أمينا عاما لمؤتمر الحوار الوطني ميلادا جديدا للرجل، وفتحت له بوابة جديدة من النجومية، والظهور، والتأثير، والعلاقات على مستوى الداخل، وعلى المستوى الخارجي أيضا الذي كان يتابع باهتمام كبير مجريات مؤتمر الحوار، باعتباره حينها تطورا سياسيا مهما، وتجربة ملهمة، لإخراج اليمن، من دوامة الصراع والفوضى، ووصل الأمر لدراسة تطبيقها في بلدان عربية أخرى.

 

وعرف عن بن مبارك وقتها قربه من الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي تقول التقارير الصحفية أنه أوفده كمبعوث خاص له إلى دول الخليج، ومجلس الأمن، أكثر من مرة، وتجلت ثقة هادي بالرجل في تعيين مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية في الـ11 من يونيو 2014، عقب أحداث عاصفة شهدتها العاصمة صنعاء، وأطاحت بأعضاء في الحكومة.

 

ولم تمض سوى خمسة أشهر حتى أصدر الرئيس هادي قرارا بتكليف بن مبارك برئاسة الحكومة، وذلك في أكتوبر من العام 2014، وهو العام الذي كانت جماعة الحوثي قد أسقطت فيه العاصمة صنعاء، واعتذر بن مبارك حينها عن قبول المنصب، بعد معارضة الحوثيين، الذين اختطفوه في السابع عشر من يناير 2015 أثناء توجهه لتسليم مسودة الدستور اليمني الجديد باعتباره أمين عام لجنة صياغة الدستور، وظل مختطفا لمدة 13 يوما.

 

لكنه عاد من جديد للعمل الحكومي، بعد انتقال الرئيس هادي إلى السعودية، وعينه في يوليو 2015 سفيراً ومفوضاً فوق العادة لدى الولايات المتحدة، وسفيرا غير مقيم في المكسيك والبرازيل والأرجنتين، ثم عين لاحقا وزيرا للخارجية وشئون المغتربين في ديسمبر 2020م، ثم جاء قرار تعيينه من مجلس القيادة الرئاسي كرئيس لمجلس الوزراء.

 

جسر بين مرحلتين

 

تشير السيرة الذاتية لبن مبارك أنه من الشخصيات التي عاصرت أهم مرحلة تاريخية في اليمن، وشاهد على فترة الرئيس هادي، ثم الفترة الراهنة لمجلس القيادة الرئاسي، ولذا يعد بمثابة جسر يربط بين الفترتين، اللتان تتطابقان في الظروف، وتختلفان من حيث الأحداث، والمتغيرات، وهو ما يكسبه خبرة كافية في إدراك مقتضيات المرحلة، ومستلزمات التعامل معها.

 

ولذلك سيكون هناك قابلية أكثر للتفاهم والانسجام بين أعضاء الحكومة، خاصة أن الرجل ليس مصنف سياسيا على أي حزب أو مكون سياسي، ويحتفظ بعلاقات جيدة مع الأطراف اليمنية، وكذلك مع الأطراف العربية والدولية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت سفارتها أول من بادر لتهنئة بن مبارك عقب تعيينه بدقائق، وأعربت عن تطلعها للعمل معه.


 

 

ويصعب التكهن في معرفة الأولويات التي ستكون أمام الرجل في منصبه الجديد، خاصة مع الوضع العام للبلد، في التدهور الاقتصادي، والاحتراب المستمر، لكن تغريدته الأولى في منصة "إكس" عقب تعيينه تشير إلى الملامح الأولى للخط الذي سيسير عليه، والتي انطوت على تفاؤل في تحقيق نتائج ملموسة، وإدراك لما يعانيه الشعب، خاصة ما يتعلق في العلاقة مع الحوثيين التي وصفها بالمعركة، وسعيه لإنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، والانتصار لقيم الجمهورية اليمنية، ومبادئها الوطنية، وفق تعبيره.


 

 

مؤشرات ودلالات

 

إن تعيين أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة، يعد مؤشرا على تعزيز السعودية لدورها بشكل أكبر في الملف اليمني، وتوجيه رسالة لحليفتها الإمارات، خاصة أن رئيس الوزراء السابق كان على علاقة جيدة مع الدولتين، لكنه كان مع الإمارات بشكل أكبر، وتمخض ذلك في موافقته على اتفاقيات لصالح الإمارات، ورفضها مجلس النواب، وقطاع كبير من اليمنيين.

 

ويعتبر التعيين مرضيا للولايات المتحدة الأمريكية، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع الرجل، وتعمقت أكثر منذ تعيينه سفيرا لليمن في نيويورك، والأدوار والتحركات الأخيرة للرجل توحي بأنه على علاقة انسجام مع الأمريكان، خصوصا بعد تصاعد الهجمات في البحر الأحمر، ومساعي واشنطن لبدء علاقة جديدة مع الحكومة اليمنية، تقوم على الشراكة في مواجهة الحوثيين.

 

ويمثل قرار التعيين حسما لجدل ظل مشتعلا خلال الفترة الماضية، داخل مجلس القيادة الرئاسي، خاصة من قبل المجلس الانتقالي، الذي سعى خلال الفترة الماضية لأن يكون منصب رئيس الوزراء من نصيبه، وبالتالي يعد القرار ضربة موجعة أيضا للمجلس الانتقالي، ويشير إما لحالة من التوافق بين أعضاء مجلس القيادة، أو أن الرجل جرى فرضه على الجميع، خاصة من قبل السعودية.

 

الفرص والتحديات

 

يحتفظ بن مبارك بموقف واضح من جماعة الحوثي، التي وقفت عائقا في وقت سابق أمام توليه رئاسة الحكومة، ثم اختطافها له، وهذا الموقف ربما يكون بمثابة محرك له في العلاقة معها، وجاء منسجما مع التحولات التي بدت مؤخرا في توجهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في المعركة مع الحوثيين، وارتفعت وتيرتها مؤخرا، مع تصنيفهم كجماعة إرهابية، ومع الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها على مواقع الحوثيين في اليمن، على خلفية هجماتها على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر.

 

وظهر بن مبارك خلال الفترة الأخيرة بشكل مكثف في اللقاءات مع السفراء الأجانب، وتحرك في عدة مسارات، وعواصم، وكان الملف الأبرز الذي يحمله هو هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، وتقديم وجهة النظر اليمنية حولها، وحمل بن مبارك المجتمع الدولي المسؤولية في تعامله مع الحوثيين، وتهديداتها في اليمن، وعلاقتها مع إيران، وفقا لما جاء في تصريحات له نشرها موقع بوليتيكو مؤخرا.

 

وهذا التوجه تجاه جماعة الحوثي ربما يضاعف من حدة الانقسام الراهن في المكونات اليمنية، ويؤثر على مسار عملية السلام، لكنه يمكن أن يكون مؤشرا على مدى جدية الحكومة في معركتها مع الحوثيين، وسيتحول لفرصة أكبر في حال وجود توجه جاد لمواجهة الحوثيين عسكريا.

 

بالتأكيد سيواجه بن مبارك العديد من التحديات، وسينصدم بذات العوائق التي واجهتها الحكومات السابقة، فالتغيير الذي يطالها، سواء على مستوى رئيس الوزراء أو الأعضاء، يعد شكليا، إذ أنه يحدث، مع بقاء ذات الأسباب التي تولد الإخفاق الحكومي، ولعل التغييرات الكثيرة والمتعاقبة في رئاسة الحكومة وأعضائها خلال العشر سنوات الأخيرة مؤشرا على الخلل في منظومة التأثير المتصلة بالحكومة، كالتدخل الخارجي، واحتدام العلاقة بين المكونات الفاعلة في الساحة.

 

ولعل أبرز التحديات الماثلة تتعلق بالوضع الاقتصادي المضطرب الذي يعاني منه اليمن، وكذلك مستوى التدخل الخارجي، وتحكمه بالأداء الحكومي، والتوتر الذي يندلع من وقت لآخر في مجلس القيادة الرئاسي، والوضع في البحر الأحمر، والعلاقة مع جماعة الحوثي، وكذلك العلاقة بين السعودية والإمارات.


التعليقات