[ انتهاكات بسجون سرية في جنوب اليمن - جي كاريير/Getty ]
كشف تحقيق استقصائي لـ"أسوشييتد برس"، أنّ الإمارات وقوات يمنية متحالفة معها، تدير شبكة من السجون السرية بأرجاء جنوب اليمن، إذ اختفى مئات الأشخاص الذين تم توقيفهم أثناء تعقب مسلحي تنظيم "القاعدة"، وحيث ينتشر التعذيب وإساءة المعاملة على نطاق واسع.
كما أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الخميس، أن الإمارات احتجزت تعسفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية، لافتة إلى أنها تمول وتسلح وتدرب هذه القوات التي تحارب في الظاهر الفروع اليمنية لتنظيم القاعدة أو تنظيم "داعش".
ولفتت المنظمة إلى أن الإمارات تدير مركزَي احتجازٍ غير رسميين على الأقل، ويبدو أن مسؤوليها أمروا بالاستمرار في احتجاز الأشخاص رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، وأخفوا أشخاصاً قسراً، وأفادت تقارير بأنهم نقلوا محتجزين مهمين خارج البلاد.
ووثقت المنظمة حالات 49 شخصاً، من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي. يبدو أن قوات أمنية مدعومة من الإمارات اعتقلت أو احتجزت 38 منهم على الأقل.
وقال مسؤولون بارزون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إنّ محققين أميركيين متورطون في استجواب بعض المحتجزين، وهو دور لم يُعترف به سابقاً في اليمن، غير أنّ البنتاغون، قال إنّ الأميركيين غير متورّطين في أي اعتداءات.
ومع ذلك، قال خبراء قانونيون، إنّ المشاركة الأميركية قد تمثّل انتهاكاً للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، عبر اعتبارها طرفاً متواطئاً في الحصول على معلومات استخباراتية، قد تكون انتزعت عن طريق التعذيب.
وتشارك الإمارات، حليف الولايات المتحدة الرئيسي، في تحالف تقوده السعودية ويقاتل إلى جانب الحكومة في اليمن، ضدّ الحوثيين، بينما يحارب أيضاً فرع تنظيم "القاعدة" في البلاد. وفي الوقت نفسه، يساعد التحالف، الولايات المتحدة في استهداف فرع تنظيم "القاعدة" المحلي، وهو من الأخطر في العالم، فضلاً عن مقاتلي "داعش".
وقد وثّق التحقيق ما لا يقلّ عن 18 عملية احتجاز سرية في جنوب اليمن، تديرها الإمارات أو قوات يمنية أنشأتها وتدربها الدولة الخليجية، وذلك استناداً إلى روايات محتجزين سابقين وأسر سجناء، ومحامين في مجال الحقوق المدنية، ومسؤولين يمنيين عسكريين.
هذه السجون السرية، تم إنشاؤها داخل قواعد عسكرية وموانئ ومطار، وفلل خاصة وحتى داخل ملهى ليلي، بحسب التحقيق. وقال وزير الداخلية اليمني حسين عرب، إنّ بعض المعتقلين نقلوا إلى قاعدة إماراتية عبر البحر الأحمر في إريتريا.
وأقرّ العديد من مسؤولي الدفاع الأميركيين، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، بأنّ القوات الأميركية تشارك في استجواب المعتقلين في مواقع في اليمن، وتقترح أسئلة كي يسألها آخرون، وتتلقى محاضر استجواب من حلفاء إماراتيين.
وبحسب هؤلاء، فإنّ كبار القادة العسكريين الأميركيين كانوا على بيّنة من ادعاءات التعذيب في سجون اليمن، وبحثوا فيها، لكنّهم كانوا راضين عن عدم وقوع أية انتهاكات أثناء حضور القوات الأميركية.
وأثناء عرض نتائج التحقيق عليها، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية دانا وايت، في هذا الإطار، "إنّنا نلتزم دائماً بأعلى معايير السلوك الشخصي والمهني". وأضافت "لن نغضّ الطرف، لأنّنا ملزمون بالإبلاغ عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان".
أما حكومة الإمارات، فرفضت هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً. وقالت الحكومة، في بيان، لـ"أسوشييتد برس"، إنّه "لا توجد مراكز احتجاز سرية ولا يتم تعذيب السجناء أثناء الاستجواب".
ومع ذلك، فإنّ محامين وعائلات في اليمن التي مزقتها الحرب، يقولون إنّ ما يقرب من ألفي رجل قد اختفوا في السجون السرية، وهو عدد مرتفع جداً أدى إلى احتجاجات شبه أسبوعية، من قبل عائلات تسعى إلى الحصول على معلومات عن أبناء وأخوة وآباء مفقودين.
عشرات الأشخاص الذين قابلتهم "أسوشييتد برس"، لم يؤكدوا تورّط محققين أميركيين في الانتهاكات الفعلية، إلا أنّ إمكانية حصولهم على معلومات استخباراتية انتزعت عن طريق التعذيب، تعني حصول انتهاك.
وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون في جامعة نيويورك ريان غودمان، والذي عمل مستشاراً خاصاً لوزارة الدفاع الأميركية، إنّ "الحصول على معلومات استخباراتية قد تكون انتزعت من جراء التعذيب الذي ارتكبه طرف آخر، من شأنه أن يشكّل انتهاكاً للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ويمكن أن يعتبر جرائم حرب".
سجناء سابقون، تم احتجازهم في مجمع رئيسي في مطار ريان بمدينة المكلا جنوبي اليمن، وصفوا مشاهد التعذيب، مشيرين إلى أنّهم كانوا يُحاصرون معصوبي العينين، بأعداد مكتظة، في حاويات شحن تم تلطيخ جدرانها بالبراز، على مدى أسابيع.
وقال هؤلاء السجناء، إنّهم تعرّضوا للضرب، وكانو يُربطون على ما يشبه آلة الشواء، وعانوا حالات من الاعتداء الجنسي.
وبحسب أحد أفراد "قوات النخبة" في حضرموت، (طلب عدم الكشف عن هويته)، وهي قوة أمن يمنية أحدثتها دولة الإمارات، فإنّ القوات الأميركية كانت، في بعض الأحيان، على بعد بضعة أمتار فقط، من أماكن الاحتجاز التي تشهد حالات التعذيب.
واصفاً مشاهد التعذيب، يقول سجين سابق، تمّ احتجازه لمدة ستة أشهر في مطار ريان "كنا نسمع الصراخ. المكان كله يخيم عليه الخوف. الجميع تقريباً مريض، والباقي أقرب إلى الموت. أي فرد يشتكي يتم سوقه مباشرة إلى غرفة التعذيب".
وقد تعرّض السجين للجلد بالأسلاك، وهو جزء من الضرب المتكرّر الذي يتلقّاه جميع المحتجزين من قبل الحراس، مشيراً أيضاً إلى أنّه شهد في إحدى المرّات التي كان يتواجد فيها داخل حاوية شحن معدنية، قيام الحراس بإضرام النار لملئها بالدخان.
وكما هو حال غيره، فإنّ هذا السجين السابق تحدّث دون الكشف عن هويته، خوفاً من التعرّض للاعتقال مرة أخرى، وقد قابلته "أسوشييتد برس" وجهاً لوجه في اليمن، بعد الإفراج عنه.
يقول الجنرال فرج سالم البهساني، قائد المنطقة العسكرية الثانية في المكلا، إنّ القوات الأميركية، كانت ترسل أسئلة إلى القوات الإماراتية التي تحتجز المعتقلين، والتي كانت ترسل بدورها ملفات ومقاطع الفيديو مرفقة بإجابات، وهي معلومات أكدها مسؤولون أميركيون لـ"أسوشييتد برس".
وكشف البهساني أنّ الولايات المتحدة سلّمت السلطات في المكلا، قائمة بأسماء أخطر المطلوبين، بمن فيهم كثيرون تم اعتقالهم لاحقاً، إلا أنّه نفى أن يكون المعتقلون قد سُلّموا إلى الأميركيين، واصفاً التقارير عن التعذيب بأنّها "مبالغ فيها".
وتعكس شبكة السجون، تسهيلات الاحتجاز السري التي أنشأتها وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية "سي آي إيه"، للتحقيق مع "إرهابيين مشتبه فيهم" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
في المكلا جنوبي اليمن، وخلال قتال التحالف الذي تشارك فيه الإمارات لقتال الحوثيين، ويساعد واشنطن في استهداف عناصر "القاعدة، اختفى أكثر من 400 رجل بعد اعتقالهم. وفي عدن، تم اعتقال ما يقدّر بـ1500 شخص، وفقاً لمحامين يعتقدون أنّ معظم هؤلاء ما زالوا رهن الاعتقال.
وقد قابلت "أسوشييتد برس"، 10 سجناء سابقين، فضلاً عن عشرات المسؤولين في الحكومة اليمنية، والأجهزة العسكرية والأمنية، وحوالى 20 من أقارب المحتجزين، في حين لم يرد رئيس سجن ريان، المعروف بين أسر المعتقلين والمحامين بـ"الإماراتي"، على طلبات التعليق.
ويقول البنتاغون إنّ مجموعات صغيرة من القوات الأميركية، تتحرّك بشكل روتيني داخل وخارج اليمن، وتنشط على نطاق واسع، على طول الساحل الجنوبي. وفي ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، صعّدت الولايات المتحدة ضربات الطائرات بدون طيار في اليمن، إلى أكثر من 80 ضربة حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ21 ضربة في عام 2016، وفقاً للجيش الأميركي.
وعلى الأقل، فإنّ اثنتين من الغارات أمرت بها الكوماندوز ضدّ "القاعدة"، قُتل في أحدها عنصر أميركي في سلاح البحرية مع 25 مدنياً يمنياً على الأقل. إلا أنّ دور القوات الأميركية في استجواب معتقلين في اليمن، أمر لم يُعترف به سابقاً.
وقال ضابط يمني طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من التعرّض للانتقام، كان تم نشره مع مجموعة من القوات، لفترة من الوقت على متن سفينة قبالة الساحل، إنّه رأى ما لا يقل عن اثنين من المعتقلين جُلبوا إلى السفينة للاستجواب.
وكشف الضابط أنّه قيل له آنذاك إنّ "خبراء لكشف الكذب" أميركيين و"خبراء نفسيين" أجروا استجوابات للمحتجزين، لما رآهم يُنقلون إلى غرف أسفل سطح السفينة، والتي لم يكن لديه إذن بالوصول إليها. ولم يحدّد الضابط اليمني ما إذا كان "الأميركيون على متن السفينة" عسكريين أميركيين أو استخباراتيين أو مقاولين خاصين أو مجموعة أخرى.
في المقابل، نفى مسؤولون رفيعو المستوى بشدة، قيام الجيش الأميركي بإجراء تحقيقات مع يمنيين على متن سفن. وقال جوناثان ليو المتحدّث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إنّه "ليس لدينا أي تعليق على هذه الادعاءات المحددة"، مضيفاً أنّ "أيّ ادعاءات حول انتهاكات تؤخذ من قبل الوكالة، على محمل الجد".
وقال مسؤولان كبيران في اليمن، أحدهما في وزارة الداخلية في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والآخر في المنطقة العسكرية الأولى في محافظة حضرموت، حيث تقع المكلا، إنّ الأميركيين يقومون بعمليات استجواب في البحر. واشترط المسؤولان، عدم الكشف عن هويتهما لأنّهما غير مخولين بمناقشة دور الولايات المتحدة.
وقد قدّم معتقلون سابقون، ومسؤول يمني واحد، لـ"أسوشييتد برس"، أسماء خمسة مشتبه بهم محتجزين في "مواقع سوداء" تم استجوابهم من قبل الأميركيين.
وقال أحد المحتجزين، ممن لم يتم استجوابه من قبل مسؤولين أميركيين، إنّه تعرّض للضرب المتكرر من قبل سجانيه اليمنيين، ولكن لم يتم استجوابه إلا مرة واحدة.
ويسترجع المحتجز السابق مشهد التعذيب، قائلاً "أتمنى الموت والذهاب إلى الجحيم على العودة إلى ذاك السجن. إنّهم لم يكونوا ليعاملوا الحيوانات بهذه الطريقة. حتى بن لادن ما كانوا ليفعلوا به هكذا".