تعز... قتل وتجويع على غرار مضايا في سوريا
- المونيتور - اشرف الفلاحي الاربعاء, 24 فبراير, 2016 - 08:54 مساءً
تعز... قتل وتجويع على غرار مضايا في سوريا


بدت قصص القتل والتجويع للمدنيّين ومشاهدهما في مدينة تعز اليمنيّة كابوسيّة، تزامناً مع الحصار الذي يفرضه الحوثيّون وقوّات موالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، منذ أشهر. فأينما تدير وجهك، تجد ما يؤلمك ويصيبك بالأسى والحزن، في مشهد يكرّر لقطات كارثة مضايا السوريّة، هذه المرّة في اليمن.

وتعاني تعز، جنوب اليمن، حصاراً كارثيّاً، الأمر الذي دفع برنامج الغذاء العالميّ التابع إلى الأمم المتّحدة، إلى الإعلان قبل أيّام عن دخول المدينة أبواب المجاعة، محذّراً من أنّ حياة كثيرين من سكّان المدينة الذين يعانون نقصاً حادّاً في الغذاء، باتت مهدّدة.
 
وبهذا الخصوص، يقول مدير المستشفى الميدانيّ في تعز صادق الشجاع أنّه منذ أحد عشر شهراً، ترزح مدينة تعز تحت القصف العنيف، وفي شكل يوميّ، من قبل جماعة الحوثي وقوّات عسكريّة موالية لها، على أحياء آهلة بالسكّان.
 
واستهدف الحوثيّون بالمدافع مستشفيات الثورة، والجمهوري، والأمومة، والطفولة، ومركز الأمل للأورام السرطانيّة، وتحديداً غرف العمليّات والرقود والعناية المركّزة، ومختبر الصحّة المركزيّ (المختبر  المرجعيّ الوحيد في المدينة).
 
ويضيف الشجاع لموقع "المونيتور" أنّ هناك عجزاً شديداً في مستلزمات العظام، الأمر الذي يشكّل عبئاً كبيراً على حالات الإصابة والكادر الطبّي على السواء، إذ أنّ كثيراً من الحالات الجراحيّة تحتاج الى مراحل متتالية في العلاج، وهو يصعّب من إجراء أيّ عمليّة جراحيّة لاحقة.
 
ولفت إلى أنّهم يواجهون صعوبة في الحصول على الدواء، خصوصاً الأصناف الدوائيّة الضروريّة مثل "أدوية التخدير، والمضادّات الحيويّة، والأوعية الخاصّة بنقل الدمّ والمحاليل المخبريّة، وأفلام الأشعّة ومستلزماتها"، وأصناف أخرى لتسريع عمليّة الاستشفاء، نتيجة هجرة السوق الدوائيّ من شركات أدوية وتجّار جملة بسبب الحصار والأزمة الماليّة الخانقة التي تمرّ بها المدينة.
 
وتابع الشجاع حديثه إلى موقع "المونيتور"، قائلاً إنّ الوسائل التشخيصيّة تتعقّد يوميّاً مثل "الرنين المغناطيسيّ والمناظير الهضميّة وأجهزة تثبيت العظام"، مؤكّدا أنّ "لديهم جرحى لا يزالون في العناية المركّزة منذ ثلاثة أشهر، بعد عجزهم عن توفير أدوية نوعيّة ومحاليل وريديّة، وإن توافرت فبأسعار باهظة جدّاً".
 
ويقول مدير المستشفى الميدانيّ في تعز: "هناك 450 حالة، في حاجة إلى مراكز متخصّصة خارج اليمن، توفّي بعض منها على سرير المعالجة في تعز، والبعض الأخر توفّي في مدينة عدن" .
 
وأوضح أنّ معاناة تعز كبيرة مع "مرضى الفشل الكلويّ والسكّريّ والضغط "، بعدما حرم الحصار الخانق هذه الفئة من المرضى من العقاقير الطبيّة اللازمة لهم من "محاليل الغسيل الكلويّ والأنسولين".
 
وذكر الطبيب اليمنيّ أنّ أكثر من 25 حالة فارقت الحياة، بسبب انعدام مادّة الأكسجين، والتي نتج عنها "إغلاق أقسام العمليّات والحاضنات أبوابها في كلّ من مستشفيي الروضة والثورة وغيرهما، أمام الحالات الجديدة. وأشار إلى أنّ 37 مستشفى ومركزاً صحيّاً، تمّ إغلاقها في تعز، بفعل الحصار والحرب المستمرّة، اللذين فاقما من أزمة الوقود اللازم لتشغيل المولّدات الكهربائيّة في المراكز الطبيّة.                 
 
من جهّته، أكّد أيمن المخلافي، وهو مسؤول إغاثيّ في تعز، أنّ 600 ألف من سكّان المدينة، قابعون تحت رحمة الحصار وحمم المدافع والصورايخ المستخدمة من قبل الحوثيّين وقوّات صالح، بينما نزح أكثر من 70% من السكّان إلى مناطق بعيدة عن أجواء الحرب.
 
وأضاف المخلافي لموقع "المونيتور" أنّ "الحالة  الإنسانيّة مأساويّة، وتنذر بكارثة إن لم تكن الكارثة قد وقعت، بسبب منع دخول الموادّ الأساسيّة من الغذاء والدواء"، لافتاً إلى أنّ سعي الناس إلى البقاء على قيد الحياة، وتأمين المستلزمات اليوميّة، من طعام وماء ودواء، فضلاً عن السكن، بمثابة كفاح يوميّ، في خضمّ استمرار عمليّات القصف المدفعيّ للحوثيّين والمواجهات البريّة مع المقاومة الشعبيّة.
 
وقال إنّ "الدعم الذي قدّمته المنظّمات الدوليّة لا يكفي لسدّ حاجات الناس المتزايدة"، موضحاً أنّ موادّ الإغاثة التي دخلت تعز لا تغطّي 5% من الحاجات الفعليّة للسكّان المحاصرين، علماً أنّ القيود المفروضة على دخول المشتقّات النفطيّة والموادّ الأساسيّة الأخرى تضاعف من هول الأزمة.
 
وتعتبر تعز مدينة ذات رمزيّة كبيرة، فهي الأكثر كثافة سكّانيّة في البلاد، والمدينة اليمنيّة الأولى التي انتفضت ضدّ صالح خلال الربيع العربيّ، إلّا أنّ تأخّر استعادة القوّات الموالية للرئيس الحاليّ عبدربه منصور هادي لها، الذي أسفر عن إحكام الحوثيّين الحصار عليها، لا يمكن فصله عن حالة الانقسام بين دولة الإمارات العربيّة المتّحدة والسعوديّة الذي تتزعّم تحالفاً عسكريّاً ضدّ الحوثيّين، في شأن رؤيتهما للمقاومة في تعز، التي تنحدر أغلب قيادتها إلى حزب التجمّع اليمنيّ للإصلاح، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
 
ففي الوقت الذي أبدت السعوديّة انفتاحاً واسعاً على المقاومة التي يقودها حزب التجمّع اليمنيّ للإصلاح، تقف أبو ظبي  في اتّجاه معاكس، حيث يشير الموقف الرسميّ إلى أنّ حربها في اليمن ليست ضدّ جماعة أنصار الله (الحوثيّين)، بل ضدّ المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين. وهو ما بدى جليّاً في تعليقات مسؤولين إماراتيّين.
 
وينذر الوضع الإنسانيّ في تعز بـ"مجاعة حقيقيّة"، لا سيّما أنّ المساعدات الإغاثيّة لن تقدّم سوى فترة محدودة من الراحة الممزوجة بالمعاناة البطيئة التي تكاد تقضي على مئات الآلاف من قاطنيها، ولن يوقف هذا الانهيار غير رفع الحصار وعودة الحياة في شكل شبه طبيعيّ.
 
 
 
 


التعليقات