كيف يقاوم متقاعدون يمنيون أمراض الشيخوخة بالرياضة؟
- الجزيرة نت السبت, 27 نوفمبر, 2021 - 11:15 صباحاً
كيف يقاوم متقاعدون يمنيون أمراض الشيخوخة بالرياضة؟

[ من تدريبات "أحسن فريق" بنادي وحدة صنعاء (الجزيرة) ]

من وسط ركام الحرب وأخبار الموت اليومي في اليمن، برزت مبادرة مجتمعية فريدة يقاوم من خلالها مجموعة من المتقاعدين وكبار السن الشيخوخة بالرياضة، وسط اهتمام وقبول من فئات عمرية مختلفة تبحث عن مبادرات للحياة.

 

وأسس عدد من المتقاعدين في العاصمة صنعاء مبادرة طوعية سميت "أحسن فريق"، يمارس خلالها مئات اليمنيين الرياضة الصباحية للتغلب على أمراض الشيخوخة والحفاظ على صحة سليمة.

 

فما إن يفرغ أعضاء الفريق من صلاة الفجر حتى يبدؤوا برياضة الجري في الشوارع باتجاه أماكن محددة تجمع الفريق (حديقة الثورة، مؤسسة اليتيم، نادي سام، منطقة دارس، نادي الوحدة) ليمارسوا تمارين رياضية حتى الساعة السابعة إلا ربعا صباحا، ثم يتوجه كل شخص منهم لالتزاماته اليومية الأخرى.

 

عاشت الجزيرة نت لحظات من هذه التجربة للتعرف على هذه المبادرة التي لقيت التفافا مجتمعيا من فئات عمرية مختلفة.

 

بمجرد اقترابنا من حديقة الثورة، شدتنا أصوات المتدربين القادمة من بين الأشجار العالية والكثيفة، لتدلنا على مكان وجودهم.

 

وسط الحديقة يتوزع المتدربون في صفوف أفقية بمسافات متباعدة لممارسة التمارين بجدية وحماس، مما يوحي بحيوية المشاركين رغم أن غالبيتهم من كبار السن.

 

فكرة التأسيس

 

عمل المهندس ناجي أبو حاتم رئيس "أحسن فريق" في الوظيفة العامة والخاصة داخل اليمن وخارجه لمدة 40 عاما، وكان يعمل يوميا من الساعة 8 صباحا إلى 8 مساءً، وعندما أحيل للتقاعد ودخلت البلاد في حرب عبثية بدأت علامات الشيخوخة وأمراضها تظهر في حياته.

 

سافر أبو حاتم للعلاج في أكثر من دولة خارج اليمن دون أن يجد العلاج الشافي لأمراضه، لكنه اهتدى إلى أن الرياضة هي العلاج الرخيص والفعال لمقاومة الشيخوخة وأمراضها، فبدأ هو وصديقه الدكتور عبد الله القيداني بممارسة الرياضة في الصباح الباكر وسط تندر بعض الناس عليهما.

 

يقول أبو حاتم للجزيرة نت إنهما استمرا في ممارسة الرياضة وأقنعا بعض الجيران بالانضمام لهما، خصوصا أن وقت التدريب يعتبر "ميتا" غير مستغل من بعد صلاة الفجر وحتى الساعة السابعة، لينضم إليهما آخرون وصل عددهم حينها إلى 15 شخصا، ثم زاد الإقبال يوما بعد آخر ليصل العدد إلى المئات.

 

ومع زيادة الإقبال والتفاعل مع المبادرة، بدأت فكرة فتح فروع للفريق في مناطق أخرى، ليصل عددها إلى 5 في العاصمة صنعاء، بحسب أبو حاتم.

 

500 مشارك

 

يصل عدد المشاركين المسجلين في كشوفات الفريق إلى 500 شخص بحسب القائمين عليه، فضلا عن عدد آخر غير منتظم في التدريب.

 

ورغم وجود 5 فروع، فإن شعار الفريق وأنشطته موحدة، والتواصل بين الفروع والمركز الرئيسي مستمرة، وبين الحين والآخر يتم تنظيم أنشطة مشتركة.

 

يقول أبو حاتم إن المشاركين في الفريق من مختلف مناطق اليمن والفئات العمرية، وهو عمل اختياري تطوعي، ومن دون رسوم أو زي موحد، ويرفع شعارا واضحا ومحددا يتلخص في "رياضة مستدامة من أجل الصحة والحياة".

 

وخلال زيارتنا، وجدنا الأطباء والإعلاميين والضباط القدامى والمعلمين وموظفي الدولة والقطاع الخاص، يجتمعون تحت شعار واحد هو "حماية الصحة بالتدريبات الرياضية".

 

لا يرغب "أحسن فريق" في التحول إلى نادٍ رياضي في المرحلة الحالية حتى لا يحسب على أي طرف من أطراف الصراع، كما لا يسمح بممارسة أي نشاط غير رياضي من قبل أعضائه، بحسب مسؤولي الفريق.

 

التوازن النفسي

 

توجهنا إلى نادي الوحدة، وفي الطريق التقينا الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، كان متوجها للتدريب في يومه الأول. سألناه عن سبب خوضه هذه التجربة، فأكد على أهميتها في هذه الظروف الراهنة لاستعادة التوازن النفسي الذي أخلّت به الحرب .

 

يؤمن العودي (75 عاما) بأهمية هذه التمارين من الجانب الصحي، لكنه أيضا يقول إن اليمني اليوم بحاجة ماسة أيضا للتوازن النفسي في ظل هذه الأجواء المشحونة والضغوط الحياتية.

 

من جهته، وجد عبد الوهاب أبو غانم (60 عاما) من مبادرة "أحسن فريق" فرصة لتحقيق مبتغاه في الاشتراك بنشاط رياضي بشكل جماعي.

 

كان أبو غانم يمارس الرياضة مع 3 أشخاص، لكن ذلك لم يكن بشكل منتظم لارتباطه بوضع ووقت الآخرين، وبمجرد سماعه بهذا النشاط انضم إليه مع آخرين وأسسوا فرعا في منطقة قريبة من سكنهم، وهو الفرع الخامس في نادي وحدة صنعاء.

 

وإلى جانب الفوائد الصحية لممارسة الرياضة، يرى العضو الحديث في الفريق عبده محسن أن هذا النشاط أضاف حيوية إلى حياته بعد رتابة الجلوس في المنزل بسبب انقطاع الرواتب وتوقف الأعمال.

 

ومحسن موظف حكومي تأثر بالوضع الإنساني السيئ والتدهور الاقتصادي بفعل الحرب، ويعتقد أن الضغوط النفسية المتزايدة اليوم بحاجة لأنشطة كهذه تشعر المجتمع بأن هناك آفاقا لحياة أفضل، وعدم الاستسلام لحالة اليأس والقنوط السائدة.

 

تنمو هذه التجربة يوما إثر آخر بعد أن خلقت حراكا رياضيا من أجل صحة مستدامة، ومثلت نقطة ضوء لشغف الحياة في بلد تتصدر عناوينه أخبار الموت والقتال.


التعليقات