شبوة.. عندما يتحول النفط إلى نقمة
- اندبندنت عربية الإثنين, 30 مايو, 2022 - 09:31 مساءً
شبوة.. عندما يتحول النفط إلى نقمة

بالقرب من مدخل مدينة شبوة الغربي، تنتشر أكوام من المخلفات النفطية مكانها منذ أكثر من ثلاثين  عاماً بجوار أحد الأحياء السكنية.

 

هذا المشهد يتكرر بشكل أو بآخر في أكثر من مديرية من محافظة شبوة النفطية التي كانت أول محافظة في دولة جنوب اليمن السابقة يكتشف فيها النفط عام 1987، حتى تعدى الحديث عن التلوث النفطي وأخطاره الشارع المحلي في المحافظة، وبات حديث مسؤولي الحكومة المحلية.

 

شاهد مراسل "اندبندنت عربية" في مدينة عزان ثاني أهم مدن المحافظة، كيف تختلط المياه العذبة بكميات متسربة من أحد أنابيب النفط، لتشكل عدداً من الحفر في المدينة ذاتها التي تتجمع فيها نفايات كميات النفط المتسربة من الأنبوب مع مياه الشرب.

 

مهدي طالب، أحد المواطنين المتضررين من تسرب الأنبوب في عزان، يقول "لدي بئر للمياه في حوش منزلي، كنت أستفيد منها في الشرب والغسل وري الاشجار، إلا أنه منذ عام تسربت كميات من النفط الذي يمرّ بالمدينة لتختلط مع مياه البئر، فأصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمي تماماً، وتضررنا كثيراً نتيجة ذلك".

 

التسرب النفطي

 

يشرح مدير حماية البيئة في المحافظة محمد سالم مجور مشكلة التسرب النفطي الناتج من أنبوب نقل  النفط من منطقة عياذ إلى ميناء النشيمة على البحر العربي، مروراً بعدد من العزل والبلدات ومن ضمنها مدينة عزان، قائلاً "كانت أول مهمة نقوم بها بعد استلامنا العمل قبل عامين، زيارة منطقة غرير بمديرية الروضة لرصد وتقييم الضرر البيئي الناتج من تسرب كميات نفطية من الأنبوب الذي يمر بها، ورفعنا تقريراً للجهات العليا المتمثلة في السلطة المحلية ورئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة، إلا أنه من المؤسف لم يتم التجاوب معنا. ومضينا في متابعة الأمر مع السلطات في ظل وجود إهمال وتعنت من الشركة المسؤولة، واتخذنا سياسة أخرى وعقدنا اجتماعاً مع إدارة الشركة للتعاون ووضع الحلول المناسبة بشرط أن تُطبق على أرض الواقع. وكخطوة أولى، باشرنا بتشكيل لجنة مشتركة وقصدنا المناطق المتضررة، ورفعنا تقريراً مشتركاً كانت مخرجاته أن تتم معالجة الأضرار وتعويض المتضررين، ولكن للأسف ماطلت الشركة، ولم نرَ أي نوايا صادقة لإصلاح الضرر، وأرسلنا إنذاراً إلى الشركة وحمّلناها والسلطة المحلية مسؤولية تلك التجاوزات".

 

يكشف مدير عام حماية البيئة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" عن أن الشركة المسؤولة عن أنبوب النفط "ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق البيئة، منها تلوث مياه الشرب في عدد من البلدات التي يمر بها الأنبوب، وأهمها مدينة عزان بمديرية ميفعة، والتخلص من النفايات النفطية بدفنها في مناطق التسربات، واستغفال المواطنين واستغلال ضعف وعيهم بالتخلص من النفايات النفطية في أساسات المنازل الجديدة والطرقات الفرعية".

 

خطر ناقلات النفط

 

يلفت مجور إلى انتهاك بيئي آخر تقوم به شركة نفطية أخرى، إذ "تنقل النفط بواسطة الناقلات إلى قطاع 4 النفطي بمديرية جردان"، مؤكداً تسجيل انقلاب عدد من ناقلات نقل النفط وحدوث انسكاب نفط منها "شكلت خطوطاً على طول خط الردمية التي تمر بها تلك الناقلات".

 

وتتراوح بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة، وتلك التسربات لها تأثيرات كبيرة في حياة الإنسان والحياة البرية، وحرّرنا محضر مخالفات، وخاطبنا الشركة بضرورة وضع حد لتلك التجاوزات، ولكنها لم تتجاوب معنا للأسف، إضافة إلى ذلك هناك شكاوى الأهالي من دفن الشركة الناقلة مخلفات ونفايات النفط في مناطقهم، من دون أدنى اعتبار لمناطق الرعي ومصادر المياه، ومهددة حياتهم بالخطر.

 

 

إهدار الطبيعة

 

وفقاً لمدير حماية البيئة "عاودت الشركات النفطية إنتاج النفط في شبوة، تحديداً في حقل العقلة، بعد نحو ثلاثة أعوام من اندلاع الحرب، إلا أن الشركات المسؤولة تعمل بمعايير سيئة، فإضافة إلى النفايات التي طمرتها سابقاً، أو نقلتها إلى وادي حضرموت ودفنتها هناك بحسب تقارير، تهدر الشركات حالياً الثروة الطبيعية لأبناء محافظة شبوة والبلد بشكل عام، من خلال حرق الغاز المصاحب وبكميات كبيرة جداً تقدر بـ35 مليون قدم مكعبة يومياً، مقابل إنتاج منخفض من النفط يتراوح حالياً بين 4000-4500 برميل".

 

ويتسبب ذلك الغاز الذي تحرقه الشركة بتوسع رقعة الانبعاثات الضارة، التي تؤدي إلى حدوث أمراض كثيرة، وقال مجور إن المنطقة "تحتاج إلى تقييم الضرر البيئي ومدى وصول الانبعاثات، وتحديد المناطق التي تتأثر بها عبر فريق بيئي متخصص، والكارثة الأكبر أن الشركات تحرق كميات من النفط، علماً أن الشركة تخالف بذلك عقودها مع وزارة النفط، التي تلزمها بمعالجة الغاز عبر وحدة CPF وإعطائه إلى الحكومة لاستثماره في الكهرباء أو الغاز المنزلي، أو تقوم الشركة مرة أخرى بإعادة حقنه في المكامن النفطية. وعلى مدى الأعوام الماضية وحتى اليوم، تقدر الثروة التي تم حرقها بمليارات الدولارات لم يستفِد منها أبناء شبوة إلا الأمراض والسموم".

 

ويختم المسؤول البيئي حديثه بالإشارة إلى تنفيذ شركة نفطية أخرى مشروع إنشاء أنبوب النفط من قطاع 5 في وادي جنة بعسيلان إلى قطاع 4 بمنطقة عياذ في جردان، لافتاً إلى أن "تنفيذ المشروع لم يكُن مطابقاً لمعايير السلامة والبيئة، بحيث لا يتضمن أي أنظمة أمان واحتواء للانسكابات والتسربات النفطية".

 

 

واقع خطير

 

يدعو الناشط البيئي علي محمد البعسي إلى وقفة جادة لمعالجة الآثار الكارثية للتلوث البيئي في المحافظة، وما تسببه للإنسان من أمراض مستعصية كالسرطان والكلى ونقص المناعة والإجهاض المبكر وغيرها، التي تؤدي غالباً إلى الموت.

 

ويؤكد البعسي أن "الواقع خطير في ظل جهل مجتمعي وتخاذل رسمي من الجهات المختصة، وهذا ما اطلعنا عليه من خلال زيارتنا لبعض المناطق المتضررة، ومشاركتنا في عدد من التقارير والورش واللقاءات النقاشية عن مشكلة التلوث النفطي في المحافظة. في مقابل ذلك، هناك تقاعس ومماطلة من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالموضوع، باستثناء مدير حماية البيئة في المحافظة الذي يبذل جهوداً تهدف إلى حمايتها من التلوث النفطي".

 

ويدعو البعسي أبناء شبوة إلى التحرك الجاد والاستشعار الحقيقي بخطورة التلوث النفطي، لافتاً إلى أن التحرك المطلوب يكون عن طريق صناعة وعي بيئي كخطوة أولى لصناعة رأي عام محلي ضاغط على الجهات المسؤولة ضد هذا الخلل والتخاذل، وتكوين منظمات مجتمع مدني تختص في الجانب البيئي، تكون مهمتها إقامة أنشطة مجتمعية وإعلامية مناهضة للتلوث البيئي، والبحث في سبل مقاضاة المتسببين في هذه الكارثة.

 

لا رد من مكتب النفط

 

تواصلت  "اندبندنت عربية" مع مكتب النفط والمعادن المسؤول والمشرف على عمل الشركات النفطية العاملة في المحافظة لمعرفة وجهة نظرهم، وأبدى مدير عام مكتب النفط سعيد المروم استعداده للرد بادئ الأمر، إلا أننا لم نتلقَّ جواباً حتى الآن على الرغم من مرور أسبوع كامل.


التعليقات