ثورة 26 سبتمبر 1962.. هكذا غيرت اليمن (تقرير)
- عبدالسلام قائد - خاص الإثنين, 26 سبتمبر, 2016 - 06:31 مساءً
ثورة 26 سبتمبر 1962.. هكذا غيرت اليمن (تقرير)

تبدو ذكرى اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 هذا العام مختلفة عن ذكراها في السنوات السابقة، ذلك أن اليمنيين يعيشون اليوم أجواءها، ويسترجعون أحداثها ويقارنوها بما يجري اليوم في البلاد، وكأن ما يحصل هو نسخة مكررة من ثورة سبتمبر 1962 الخالدة، إن لم يكن الشعور إن الثورة السبتمبرية ما زالت مستمرة، وأن الاختلاف يكمن فقط في الوجوه والشعارات وتحول الموقف الخارجي.
 
لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد ثورة ضد شخص الإمام أو نظام حكمه فقط، وإنما ثورة ضد مخلفات فترة زمنية تتجاوز الألف ومائة عام من تاريخ اليمن (حوالي إحدى عشرة قرناً) هي إجمالي سنوات الحكم الإمامي الكهنوتي العنصري المستبد، الذي كاد أن يطمس التاريخ الحضاري لليمن الضارب في القدم، لولا الثورة السبتمبرية التي أعادت لليمنيين وطنهم وهويتهم وتاريخهم وحريتهم وكرامتهم.
 
ثورة النور ضد الظلام
 
رغم تعدد الأطياف التي شاركت في ثورة 26 سبتمبر، إلا أنه يجمعها قاسم مشترك يتمثل في أن النخبة التي أشعلت الثورة هي النخبة المتعلمة والمتنورة، والتي تلقى أكثر أفرادها تعليمهم في الخارج، وهالهم الفرق الشاسع بين الوضع الذي تبدو عليه اليمن ووضع البلدان التي زاروها أو درسوا فيها، وشكلت التظاهرات الطلابية لليمنيين الدارسين في الخارج ضد استبداد الأئمة أهم الوسائل التي لفتت أنظار اليمنيين في داخل الوطن ولفتت أنظار العالم الخارجي إلى الوضع الكارثي الذي كانت تبدو عليه اليمن حتى عشية اندلاع الثورة.
 
لم يكن نظام الإمامة مجرد نظام كهنوتي يدعي الأحقية بالولاية والسلطة، من أجل السلطة والجاه والثروة فقط، ولكنه كان نظاماً يعمل على تجهيل الشعب اليمني، وينشر الخرافات والخزعبلات في أوساطه، وطمس الكثير من معالم التاريخ الحضاري لليمن، وأحرق الكثير من الكتب التي ألفها عباقرة اليمن، لأن الأئمة -باختصار- لا ينتمون لهذه البلاد، وإنما وفدوا من خارجها، ولهذا فلا يهمهم معالمها الحضارية، ورفاهية أبناءها، وتقدم البلاد وازدهارها، وإنما المهم هو أن تذهب خيرات هذه البلاد إلى الإمام، على هيئة زكاة وضرائب وغيرها، وأن يتحول المواطنون إلى مجرد عبيد للإمام.
 
لقد نجحت ثورة سبتمبر في تغيير وجه اليمن، على مستوى الداخل والخارج. فبالنسبة للداخل، نشرت الثورة في أوساط المواطنين الوعي بخطر الإمامة، وذكرتهم بتاريخهم وتراثهم الحضاري، وجعلتهم يتسابقون للدفاع عن الثورة بكل ما يملكون، رغم الهالة والقداسة التي كان يصنعها الإمام لنفسه، خاصة أن مستوى الوعي في أوساط المواطنين كان متواضعاً للغاية حتى عشية اندلاع الثورة، كما أن وعي اليمنيين اليوم بأهمية ثورة 26 سبتمبر، دفع الإماميين الجدد إلى الاحتفال الشكلي بهذه الثورة، مراعاة لمشاعر اليمنيين، ومشاعر بعض أنصارهم المغرر بهم، لأنهم يعرفون ماذا تعني ثورة 26 سبتمبر للشعب اليمني. وبالنسبة للخارج، فالثورة أجبرت أعدائها على الاعتراف بها، وخاصة قوى الاستكبار والإمبريالية الحديثة التي ناصبتها العداء منذ البداية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
 
 الثورة والتدخل الخارجي
 
باستثناء موقف الرئيس المصري جمال عبدالناصر الإيجابي تجاه الثورة السبتمبرية، والمتمثل في دعم الثورة بالجيش والمال والسلاح، إضافة إلى موقف الاتحاد السوفيتي الذي اعترف بدولة الجمهورية العربية اليمنية بعد يومين من الإعلان عن الثورة والإطاحة بنظام الإمامة، فإن مواقف بقية الدول ذات التأثير الإقليمي أو الدولي كانت مناهضة للثورة السبتمبرية، وبعض الدول دعمت الإماميين بالمال والسلاح بهدف القضاء على الثورة، وبعضها تدخلت عسكرياً بشكل مباشر لصالح الإماميين، مثل إسرائيل التي تدخلت جوياً وقصفت مواقع الثوار، كما قصفت كتائب عسكرية مصرية، نصرة للأئمة وانتقاماً من الزعيم المصري جمال عبدالناصر.
 
والمتأمل في طبيعة التدخل الخارجي في اليمن آنذاك، سيكتشف أن اليمن تحولت إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، ذلك أن الثورة صدمت بعض الأنظمة العربية، ما دفعها للوقوف في صف الإماميين، وساندتها في ذلك أنظمة إمبريالية غربية، التي جندت المرتزقة، ودعمتهم بالمال والسلاح والخبراء والمدربين، ودفعتهم إلى أرض المعركة.
 
ومن ناحية أخرى، كان تنظيم الضباط الأحرار وقيادة الثوار على تواصل مع الزعيم المصري جمال عبدالناصر، ووثقوا صلتهم به. وبعد الثورة، وقع الجانبان اليمني والمصري وثيقة الدفاع المشترك بتاريخ 11 نوفمبر 1962، ووقعها عن الجانب اليمني الرئيس عبدالله السلال، وعن الجانب المصري أنور السادات. وبموجب هذه الاتفاقية، تدخلت مصر عسكرياً لحماية ثورة سبتمبر والدفاع عنها.
 
عودة روح الثورة
 
وبعد مرور 54 عاماً على ثورة 26 سبتمبر، عادت روح الثورة تتوهج من جديد، بسبب محاولة الإماميين الجدد السيطرة على البلاد، وهذا يعني أن الثورة لم تحقق أهدافها كاملة، بسبب الانشقاقات التي حدثت في صفوف الجمهوريين، ثم استيلاء المخلوع علي عبدالله صالح على الحكم في اليمن لفترة تزيد على 33 عاماً، وهي فترة لم يسبق لأحد أن حكم اليمن مثلها طوال تاريخها.
 
وخلال فترة حكمه، أفرغ المخلوع علي صالح ثورة سبتمبر من مضمونها بشكل تدريجي، وحولها إلى مجرد احتفال سنوي بروتوكولي يلقي فيه كلمة مملة ومكررة، يهنئ فيها الشعب بمناسبة الثورة التي قامت ضد الحكم العائلي الإمامي، وفي نفس الوقت يعمل على توريث السلطة، لتندلع ضده ثورة شعبية سلمية عام 2011 متممة لثورة سبتمبر وأهدافها، إلا أنه تحالف -أي المخلوع صالح- مع الإماميين الجدد، وانقلب على السلطة الشرعية والتسوية السياسية، لتندلع الحرب بين أحرار اليمن والإماميين الجدد، وتعود أجواء ثورة 26 سبتمبر وروحها من جديد، لتصحح المسار، وتقضي على فلول الإمامة، وتصنع فجراً جديداً لليمن واليمنيين.
 


التعليقات