تلاميذ مدارس العاصمة صنعاء.. من طلاب تعليم إلى طلاب طعام (استطلاع خاص)
- صنعاء - خاص الاربعاء, 19 أبريل, 2017 - 06:09 مساءً
تلاميذ مدارس العاصمة صنعاء.. من طلاب تعليم إلى طلاب طعام (استطلاع خاص)

[ طالبات في احدى مدارس امانة العاصمة ]

في شارع التحرير (وسط العاصمة صنعاء) يقف الطفل محمد حاملا بندقيته في إحدى نقاط ميلشيات الحوثي التي تحكم صنعاء حاليا، بوجه شاحب قد احترق من حر الشمس في الصباح وتشقق من برد الليل.
آ 
محمد يدرس في الصف التاسع، لكن المدرسة في نظره أصبحت غير مناسبة له، مادام يدافع عن الوطن ويبحث عن الشهادة الكبرى التي ستدخله الجنة.
آ 
يقول محمد -في تصريح لـ"الموقع بوست"- إن الجلوس في النقاط التابعة للحوثي التي هو أحد أعضائها لم تعد مناسبة له، وأنه لديه عزيمة وإصرار على السفر إلى الحدود لمواجهة ما أسماه العدوان الأمريكي السعودي.
آ 
وأضاف محمد أن الرجوع إلى المدرسة لم يعد مهما بالنسبة له، لأنه أصبح قادرا على القتال وشهادات المدرسة لا تنفعه، وانما الدفاع عن الوطن ونيل الشهادة في سبيل ذلك.
آ 
وخلال حديثه لـ"الموقع بوست"، تذكر محمد أمه التي تبكي دائما عليه من شدة خوفها، مشيرا إلى أنها تحثه على العودة إلى المنزل ومتابعة دروسه.
آ 
ويعتبر محمد أن دموع أمه غالية عليه، لكنها لو تدري أن ابنها سيشفع لها يوم القيامة ويدخلها الجنة لما بكت، وأنها ستتمنى له الشهادة وستفرح بخبر استشهاده، بحسب تعبيره.
آ 
ما طرحه محمد هو نتاج لثقافة التعبئة التي تقوم بها مليشيا الحوثي في أوساط طلاب المدارس في المناطق التي تسيطر عليها، وأدت تلك التعبئة الخاطئة إلى تسرب العديد من الطلاب من مدارسهم، ووقوعهم في شرك المليشيا الانقلابية التي نظمت العديد من الزيارات للمدارس، وحثت الطلاب على المشاركة في معاركها.
آ 
وتسيطر المليشيا الانقلابية المكونة من جماعة الحوثي والمخلوع صالح على العاصمة صنعاء منذ سقوطها بيدهما في الـ21 من سبتمبر 2014، ومنذ ذلك الوقت وهما من يتحكما بالوظيفة العامة، وإدارة شؤون الدولة، ويرأس حقيبة وزارة التربية والتعليم في الحكومة المشكلة من الطرفين شقيق مؤسسة جماعة الحوثي يحيى الحوثي.
آ 
الجوع
آ 
يلجأ الآلاف من الطلاب إلى ترك مدارسهم بسبب الأزمة المالية، وتعقد ظروف الحياة، وتوقف رواتب أسرهم، أو توقف أعمالهم، بالإضافة إلى فقدان رب الأسرة أو النزوح.
آ 
دفعت كل هذه الظروف وغيرها الطلاب ممن لا يزالون في الصفوف الأولى، إلى ترك مدارسهم والخروج لبيع الخضروات أو الفواكه أو البطاطا أو الالتحاق بجبهات القتال وغير ذلك، لينقذوا أسرهم من جوع يطاردها.
آ 
وأمام هذه المسببات ارتفعت حالة التسرّب المدرسي، وازدادت بشكل بات يهدّد مستقبل جيل كامل في عدد من المحافظات اليمنية.
آ 
وأينما وليت النظر في شوارع صنعاء، تجد أطفالاً بعمر الزهور، هجروا مدارسهم وساروا على همومهم، منهم من يتسكّع مادّاً يده للمارة، ومنهم من يحمل بيده أطعمة للأطفال يحاول بيعها، وبعضهم يركض وراء السيارات وعند إشارات المرور بيده قطعة قماش يمسح بها النوافذ، وعيونهم ملتصقة بيد السائق وركاب السيارات، عسى أن يُخرجوا من جيوبهم مبلغاً يسعدهم، مهما قلّت قيمته.
آ 
والكثير منهم غُرر بهم والتحقوا بجبهات القتال، والكل يسعون لجمع ثمن قوتهم وقوت عائلاتهم، في زمن حوّلهم من طلّاب تعليم إلى طلّاب طعام، وحوّل نظرهم من أحلام الغد إلى أحلام الخبز اليومي.
آ 
تسرب الفتيات عن المدرسة
آ 
الطالبة شيماء أحمد مثنى هي الأخرى اجتمعت عليها قسوة العادات السيئة في المجتمع والحرب الظالمة، التي تدفع معظم الأسر لتزويج بناتهن وأعمارهن صغيرة من أجل الحصول على المال.
آ 
تقول إحدى قريباتها لـ"الموقع بوست" إن شيماء لا تزال طفلة تدرس في الصف الخامس، وتحلم بأن تواصل تعليمها، ولا تدري ماهو الزواج، ولماذا الزواج، لكن والدها زوجها بسبب الظروف المالية القاهرة التي تعصف بالأسرة، فعادت هاربة إلى البيت من أول يوم من زواجها، لكن والدها أعادها في نفس اليوم، وهي تصرخ "أريد أن أدرس وأكون بجواركم".
آ 
لم تتقبل شيماء فكرة الزواج كما أشارت قريبتها، وظلت منطوية ترفض اقتراب أي شخص منها، وهربت مرة أخرى إلى والدها لتواجه ضربا وتعنيفا من والدها وزوجته (خالتها) وأعادوها لزوجها.
آ 
في المرة الثالثة -كما يقول المصدر المقرب منها- إنها قررت الهروب إلى أمها التي تزوجت من شخص آخر، وتكفلت برعايتها، لكن والدها رفض العرض الذي تقدمت به الأم، وأصر أن تعود إلى زوجها البالغ من العمر 30 عاما، حتى لا يجبروه على إعادة المبالغ المالية التي تقاضاها منهم شرط الزواج.
آ 
من أسباب التسرب
آ 
يقول وكيل مدرسة ذهبان شمالي العاصمة صنعاء علي هضبة إن هناك تسربا كبيرا من المدرسة بسبب ظروف الحرب.
آ 
وأوضح هضبة -في تصريح لـ"الموقع بوست"- إن العشرات من طلاب المدرسة اتجهوا إلى العمل كباعة متجولين أو العمل في ورش وغير ذلك، وعدد آخر منهم التحقوا بجبهات القتال.
آ 
وأشار إلى أن عدد طلاب المدرسة 2200 طالب، وعدد المتسربين منهم يتراوح ما بين 200-300 طالب، ونسبة الغياب اليومي في المدرسة يصل ما بين 30-40%.
آ 
ظروف الحرب
آ 
من جانبها، تقول وكيلة مدرسة النجاح للبنات الأستاذة أفراح العبسي إن هناك العشرات من الأسباب التي تدفع الفتيات لترك التعليم ومعظمها إجباري من أسرهن أو من ولاة أمورهن.
آ 
وأشارت العبسي -في تصريح لـ"الموقع بوست"- إلى أن الحرب وظروف المعيشة دفعت الفتيات إلى ترك التعليم، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج التي زادت بشكل كبير بعد الحرب، واضطرت الكثير من الأسر إلى تزويج بناتهن وهن في عمر الزهور خشية الظروف الاجتماعية والاقتصادية القائمة في البلاد.
آ 
وأوضحت العبسي أن إدارة المدرسة لجأت إلى حل مشكلة الفقر، وحصرت الطالبات الفقيرات وتم اعفاؤهن من الرسوم المدرسية، ووجدت المدرسة فاعلي خير منهم من تكفل بالدفاتر والأقلام والبعض تكفلوا بتقديم وجبة الصبوح.
آ 
وتمنت العبسي من جميع فاعلي الخير والمنظمات الإنسانية والحقوقية المعنية بالتعليم والطفولة أن يكثفوا الإغاثة الإنسانية للجانب التعليمي، وإنقاذ جيل تكاد تحل عليه كارثة الجهل وكارثة الجهل ليس أسوء منها، حد قولها.
آ 
التعليم يحتضر
آ 
تقول ممثلة منظمة الأمم المتحدة في اليمن ميرتشل ريلاني إن تعليم أربعة ملايين ونصف المليون طفل في 13 محافظة يمنية على المحك.
آ 
وأشارت إلى أن تدهور التعليم سببه قطع الرواتب على أكثر من 166 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة بما يعادل 73% من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن بدون رواتب منذ ستة أشهر.
آ 
وأوضحت ريلانيو -في تصريحات صحفية سابقة- أن معظم الطلاب في المحافظات الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي المسلحة يتلقون تعليما أقل أو لا يحصلون على تعليم بالمطلق.
آ 
وأكدت أن المحافظات التي أصبح التعليم فيها يحتضر هي: إب، أمانة العاصمة، البيضاء، الجوف، الحديدة، المحويت، تعز، حجة، ذمار، ريمة، صعدة، صنعاء وعمران.
آ 
ووفقا لآخر الأرقام الصادرة عن "اليونيسيف"، فإن عدد الأطفال خارج المدرسة في اليمن تضخم إلى 2 مليون طفل بعد تعذر مواصلة التعليم لأكثر من 350 ألف طفل بسبب إغلاق المدارس العام 2016.
آ 
وبحسب المنظمة الأممية، فإن هناك أكثر من ألف و600 مدرسة تضررت خلال النزاع أو أنها تؤوي نازحين أو محتلة من قبل جماعات مسلحة.
آ 
وتسبب تسرب الأطفال من التعليم في تزايد معدلات تجنيد صغار السن، بالإضافة إلى ارتفاع معدل عمالة الأطفال، والتسول في الشوارع، مع لجوء غالبية الأسر إلى آليات تأقلم للبقاء على قيد الحياة.
آ 


التعليقات