صعدة اليمنية.. الدخول بكفالة وقد تُعتقل بسبب أغنية أو صورة (استطلاع)
- صعدة - مبارك الباشا الثلاثاء, 19 مارس, 2019 - 06:23 مساءً
صعدة اليمنية.. الدخول بكفالة وقد تُعتقل بسبب أغنية أو صورة (استطلاع)

[ أغلق الحوثيون مدينة صعدة عن اليمنيين - أرشيفية ]

أضحت محافظة صعدة، مُعتقلة ومُحرّمًا دخولها، فقد عزلها الحوثيون عن اليمن جغرافيًا وثقافيًا، ويشكو اليوم الكثير من الوافدين إليها؛ من التمييز الذي يطالهم من بعض السكان المحليين هناك، لكونهم غير منتمين للمحافظة، فهم يعيشون تحت كفالة أبنائها، وفقًا للإجراءات الأخيرة التي فرضتها مليشيات الحوثي على الوافدين إلى صعدة، والتي تقتضي حصولهم على كفالة رسمية من أحد السكان المحليين، كشرط أساسي للسفر والعودة، وهي خطوة تهدف المليشيات من خلالها إلى الإحاطة بكافة الغرباء الذين يرتبطون بمصالح وأعمال في صعدة، بحيث يظلون تحت الرقابة بشكل دائم.

 

الدخول بكفالة

 

ليس متاحًا لليمنيين الدخول إلى صعدة في الوقت الحاضر إلا بكفالة من أحد مواطني المدينة، ويعاني الكثير من العاملين غير المنتمين للمحافظة الذين يحتاجون إلى السفر بين فينة وأخرى إلى مناطقهم- يعانون من تبعات هذا الإجراء (الكفالة)، التي فرضتها عليهم جماعة الحوثي في 2015، بعد اندلاع حرب التحالف.

 

يغادر صعدة بعض العمال وأصحاب المحلات، عائدين إلى بلداتهم، في تعز، وإب، وريمة، وصنعاء، وغيرها، لقضاء بعض الوقت مع العائلة، كأي عامل يمني ارتبطت أشغاله بمحافظة أخرى غير المحافظة التي ينتمي لها، لكنهم حين يريدون العودة إلى أعمالهم في صعدة؛ لا يُسمح لهم في دخولها ما لم ترد أسماؤهم في كشوفات النقاط المرابطة على مداخل المدينة، والتي وُضِعت لغرض منع دخول الأشخاص القادمين من محافظات أخرى، حيث يتم التحقق من هوياتهم في تلك النقاط، ويُمنعون من الدخول في حال لم ترد أسماؤهم في كشوفات النقطة ضمن الأشخاص المسموح لهم بالدخول، بموجب تصريح ضمانة يلتزم به الكفيل داخل صعدة، ويتم بموجبه إرسال اسم الشخص الذي يريد الدخول إلى نقاط التفتيش المتواجدة في منفذ العبور الذي يربط بين عمران وصعدة، وتنتشر تلك النقاط في منطقة "آل العمار" مديرة الصفراء، في المدخل الجنوبي لصعدة.

 

إجراءات صارمة

 

تتضمن الكفالة، قيام العمال وأصحاب المصالح المنتمين لمحافظات أخرى، بالتنسيق مع إحدى الوجاهات المحلية، من أبناء صعدة، من أجل الحصول على ضمانته، وترتبط كل مجموعة من أبناء المحافظات الأخرى، بكفيل يظلون على صلة به، ويضمن لهم أمر العودة مرة أخرى في حال مغادرتهم صعدة.

 

ومن خلال هذه الخطوة، تضمن جماعة الحوثي الحصول على معلومات عن كل الأشخاص العاملين داخل صعدة، سواء عُمال المهن، أو أصحاب المحلات، القادمين من محافظات أخرى، وتظل على إحاطة بكل تحركاتهم من خلال وكلائها الذين يضمنون أولئك الوافدين، ويظلون على علم وإحاطة بهم وبأعمالهم وأماكن تواجدهم.

 

لكن بعض الأشخاص يعانون من صعوبة في العثور على كفيل يضمن لهم أمر العودة في حال مغادرتهم لصعدة، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الباعة المتجولين، وأصحاب البسطات، حيث يرفض بعض الوكلاء تزكيتهم، كونهم أصحاب أعمال حرة، وغير مرتبطين بأرباب عمل، وهذا يجعلهم محل شك، على عكس أصحاب المحلات، والتجار، الذين يستطيعون تكوين علاقات متينة مع عدة وجاهات محلية مختلفة، توفر لهم بعض الامتيازات، أثناء الحاجة، فالعامل الشخصي والمعرفة الاجتماعية يلعبان دورًا كبيرًا في الحصول على ثقة المسؤولين المحليين هناك.

 

احتجاز المسافرين

 

محمد القليصي، مواطن ينتمي إلى محافظة ريمة، أحد الذين رُفِضوا من دخول صعدة، وتم إنزاله في نقطة "آل عمار"مع مجموعة أشخاص من السيارة التي كانت تُقلهم من صنعاء، لأن أسماؤهم لم ترد ضمن قائمة الأشخاص المصرح لهم بالدخول، بناء على تزكيات تأتي من داخل صعدة. يملك القليصي، بسطة حلويات في منطقة حيدان، ويقول إنه لم يعثر على من يضمنه في المنطقة التي يعمل بها، وفي كل مرة يسافر فيها إلى بلده ريمة، يتعرض لمشاكل أثناء العودة إلى عمله في صعدة.

 

يضيف: "يحتجزونني في هذه النقاط في كل مرة، وأظل طوال اليوم هنا بدون طعام، لكنهم يسمحون لي في نهاية اليوم بالدخول، بعد أن يستجوبوني حول عملي، والمكان الذي أقيم فيه داخل المحافظة، ويأخذون كل بياناتي الشخصية، ويتواصلون بأشخاص من المكان الذي أعمل فيه، ليتأكدوا من صدقي، وبعد التحري والمشقة أتمكن من الدخول".

 

ويتم احتجاز الكثير من المسافرين في نقطة "آل عمار"، التي تقع في منطقة معزولة، وتتبع مديرية الصفراء، جنوب صعدة. بعض المسافرين يتم إرسال أسمائهم من داخل صعدة بشكل متأخر، فيتعرقلون في النقطة، وهناك من لا يجدون من يضمنهم، وبالتالي لا ترد أسماؤهم، كـ"محمد القليصي"، لكن يسمح لهم بالدخول بعد التحري، أما الوافدون الجُدد فٙيُرفضون كليًا إن لم ترد أسماؤهم، وفي حال حدوث مشكلة في إرسال الأسماء من داخل صعدة، يخرج أرباب العمل مع أحد الكُفلاء إلى هذه النقطة -التي تبعد مدة ساعة عن مدينة صعدة- لأخذ الأشخاص الذين يعلمون لديهم.

 

واقع اجتماعي ملغوم

 

وتمارس جماعة الحوثي على المواطنين داخل صعدة، صنوفًا من الاستبداد الديني، حيث يسود انطباع مقدس حول مفهوم "السيد"، ولا يُذكر اسم عبد الملك الحوثي، إلا في سياق التبجيل. أما عن شباب صعدة فهم إما مجندون في جبهات القتال، أو يعملون ضمن التكتلات الأمنية داخل المدينة، وهم أخلص من يقاتل في صفوف الحوثي، نتيجة للصلة الروحية المتينة التي تربطهم بالفكر "الإثنى عشري"، ذلك أنهم قد تشبعوا بهذه العقيدة مبكرًا، بحكم انتمائهم لصعدة، فقد جرى تأطيرهم فكريًا ثم تنظيمهم في صفوف الجماعة قبل أن تندلع الحرب الأولى، ساعد في هذا ضعف التعليم الحكومي داخل المحافظة خلال الثلاثة عقود الأخيرة، إضافة إلى تركيبتهم القبلية المُحافظة التي طوعها الفكر الحوثي لصالحه بسهولة.

 

ويسود صعدة مناخ مشحون بالتعصب والكراهية، ولا يجد الوافدون من المحافظات الأخرى بُداً من التماهي مع الأفكار السائدة هناك، فلا يذكرون التحالف والشرعية في سياق الحديث إلا بصفة المرتزقة والعدوان، وهم مضطرون لإظهار كرههم للحكومة اليمنية وإبداء ولائهم للحوثي، وهذا أقل استحقاق يقع عليهم لتجنب الوقوع في دائرة الشك، فمعظم المواطنين المحليين مخبرون، وتعمل الآلية الأمنية للحوثي هناك بالمزاج الشعبي، حيث الأغلبية مخبرون في صفوف الحوثي.

 

اضطهاد الوافدين

 

ويعيش العمال الوافدون وأصحاب المحلات في قلق دائم داخل مدينة صعدة وفي مديرياتها المختلفة، فالكبت يلاحقهم في كل مكان، والرقابة تحيط بجميع الغُرباء هناك.

على مستوى البث التلفزيوني لا يجرؤ أي من مُلاك المحلات على تشغيل إحدى قنوات الشرعية، أما قناتا الجزيرة والعربية فمن المحظورات داخل المدينة. ووفقًا لإفادة مصادر محلية في منطقة "الطلح"، فقد تعرض الكثير من الناس في هذه المنطقة التابعة لمديرية سحار، إلى المشاكل بسبب قناة الجزيرة.

 

أما الأغاني، فقد تُعٙرِّض الأشخاص لعقوبة السجن، وهي محظورة تمامًا كونها من المُحرمات في الفكر الحوثي الذي يُطبٙق بحذافيره في محافظة صعدة، ويمارس الأمن هناك رقابة دورية على الأكشاك ومحلات النت التي لا تمنح الناس شيئًا عدا الزوامل، وبعض المسلسلات التركية الدينية، كأرطغرل، الذي يُعد متنفسًا للكثيرين هناك في ظل الحظر التام لمعظم وسائل التسلية والترفيه.

 

يؤكد يحي حادر، شقيق مُشرف سوق الطلح، أن الكثير من الشباب يقبعون داخل السجون في "الطلح" مركز مديرية سحار، لفترات متباينة، قد تصل لمدة شهرين، لأنهم وجِدوا متلبسين بسماع الأغاني. ويرى يحيى، وهو حوثي الفكر، أن الأغاني حرام وجريمة يتوجب تجنبها، ومعاقبة من يستمع لها.

 

حياة موتورة

 

من زاوية أخرى، لا يتمكن الوافدون من ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، فالخروج من أجل التنزه في منطقة غير التي يعمل فيها الشخص، قد تعرضه لتهمة التجسس لصالح قوى التحالف، خصوصاً إذا كان الشخص ينتمي لمحافظة تعز، ويعود السبب في ذلك، إلى وجود انطباع ذهني عدائي عن تعز في صعدة، ومن وجهة النظر الحوثية فإن تعز خائنة، كونها خرجت بمظاهرات تؤيد التحالف في بداية انطلاقته.

 

أما التصوير والتقاط مشاهد بالهاتف لأي مكان عام، فهو سلوك غير طبيعي في صعدة. يتحدث فكري سليمان، الذي يعمل في الخياطة، قائلاً: "إن التصوير ممارسة خطيرة وتهمة كافية لإدانة المُصوِر بجرم رفع مواقع للتحالف، وقد يتعرض الشخص بسبب هذا الفعل لسنوات من السجن"، حيث لا يُشترط ثبوت التهمة، ويكفي أن يضع الشخص نفسه في محل شبهة ليتم زجه في السجن، ويرى فكري أن التصوير أكثر شبهة قد تعرضك للخطر في صعدة.

 

بطش أمني

 

وفي سياق مشابه، يحكي عبد الرحمن الوصابي قصته، وهو مالك مغسلة في سوق الطلح، حيث يقول إن الحوثيين اعتقلوه بسبب مكالمة على الهاتف، وكل مافي الأمر أنه كان يطيل في المكالمات. يشرح قصته قائلاً: "قبل أشهر قليلة اعتقلوني ليلاً من أمام المحل خاصتي، وأودعوني في السجن، وباشروا التحقيق معي موجهين لي اتهامًا بأنني أتواصل مع التحالف".

 

يضيف: "بقيت شهرًا ونصف في السجن، ولم أخرج إلا بضمانة أحد الوجاهات هنا، وقد دفعت لهم 600 ألف ريال يمني، مع التزامي بألا أكرر الأمر"، ويعتقد الوصابي أن الحوثيين اعتقلوه تعسفًا، ويؤكد على أن سبب الاعتقال، أنه كان يطيل في المكالمات التي كان يهاتف من خلالها أصدقاءه وعائلته، كل مساء، وينفي أي ارتباط له بالتحالف.

 

وقد ارتبطت مصالح الكثير من أبناء المحافظات اليمنية، كتعز، وإب، وريمة، وصنعاء، في هذه المحافظة الموتورة، بسبب حتميات العمل، لكن وجودهم اليوم بات مهدداً فيها، وقد ارتبط بمزاج طائفة لا تفقه شيئًا عن المواطنة، وقد باتوا محصورين في مصير مشؤوم ليس بوسعهم تغييره.


التعليقات