الحوثيون وأمريكا.. النوم في العسل (تحليل)
- خاص - متولي محمود الجمعة, 27 مايو, 2016 - 08:05 مساءً
الحوثيون وأمريكا.. النوم في العسل (تحليل)

[ امريكا والحوثيين علاقة حميمية - ارشيف ]

تتنامى الحميمية بين الولايات المتحدة وأصحاب شعار "الموت لأمريكا"، تتنامى وتزدهر يوما بعد يوم، بازدهار التحالف الأمريكي الإيراني في الشرق الأوسط. ربما أنهم لم يكونوا أعداءً يوما، لكن لم تكن علاقة الأمريكيين بمليشيات إرهابية لتظهر على السطح بهذا السفور. لطالما رعت الولايات المتحدة هذه الجماعة وغيرها، وصنعتها على عينها، لكنها لم تكن لتظهر على هذا النحو، وهي راعية الديمقراطية والوكيل الحصري لمُكافحة الإرهاب.
 
اجتاحت المليشيات العاصمة صنعاء، لكن طاقم السفارة لم يغادر اليمن، وظلوا تحت حماية الحوثيين. بعد أشهر، همس السفير الأمريكي إلى آذان العاملين المحليين لدى السفارة، همس لهم بالتزود بالكثير من الأغذية، وبكل ما يملكون من نقود، فالوضع القادم- بحسب السفير- رهيب، وغير مُبشر. هذه رواية صديق، وأحد طاقم السفارة. كان الأمريكيون يرسمون للمليشيات خطط الاجتياح، ويبعثون لهم الإشارات لدخول ساعة الصفر، وفجأة ودونما إنذار، يقررون المغادرة.
 
صبيحة الثالث والعشرين من يناير 2015، طالعتنا صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها بالحديث عن الحوثيين كأمر واقع، وقالت نصّا: "ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﻟﻠﻴﻤﻦ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﺑﻔﺮﻗﺎﺀ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺣﻞ ﻭﺳﻂ، ﻳُﺠﻨﺐ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ. ﺇﻥ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻜﻚ ﻛﺎﻣﻞ للمؤسسات ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻛﺎﺭﺛﻴﺎً."
 
تُشكل تحالفا عسكريا، وتحركُ الأساطيل لمكافحة "داعش" وهي إحدى جماعاتها؛ في حين تُقدم مليشيات، ربما أكثر إرهابا وهمجية، كسلطة أمر واقع، وتحث جيرانها والمجتمع الدولي للتعامل معها على هذا النحو. تناقض رهيب، كشف الستار على نحو سافر، عن أكذوبة مكافحة الجماعات المتطرفة، والمتدثرة بأستار منظمة الأمم المتحدة، حسب الطلب.
 
كان الأمر فاضحا بالنسبة للولايات المتحدة، إذ لم تستطع السيطرة على مشاعرها تجاه مليشيا إيران بنسختها اليمنية، فقد قامت طائراتها الدرونز بتنفيذ غارات على أهداف للقاعدة، بالتنسيق مع الجهاز الاستخباراتي الخاضع لسيطرة المليشيات. لكن مجلس الأمن حاول الحفاظ على ماء وجهه المُراق، وأصدر قرارا، تحت البند السابع، يدعو المليشيات للانسحاب وتسليم السلاح، لم يجرؤ أحدا على معارضته بالفيتو، إذ سيبدو الأمر أكثر إحراجا.
 
في ليبيا، عرقل الفيتو الروسي والصيني قرارا يسمح بالتدخل العسكري، فتدخل الأمريكان تحت راية النيتو. في المسألة اليمنية، ظلت المليشيات تعبث، وظل قرار مجلس الأمن حبيس أدراج مكاتب الأمم المتحدة. وعندما تدخلت دول الجوار بغطاء عربي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، هُرع الأمريكان ببسالة للدفاع عن حليفهم الطائفي الجنين، وبكل ما أوتوا من وقاحة.
 
كان قرار مجلس الأمن 2216 الخطيئة المقدسة للأمم المتحدة، وخيط الأمل الذي يضيء لليمنيين وسط حلكة ظلام المليشيا. لم تندم الولايات المتحدة على شيء بقدر ندمها على السماح بتمرير هذا القرار. لكنها تملك البدائل لعرقلته، أو هكذا فعلت أصلا. فقد جعلت مجلس الأمن يُكفّر عن خطئه، وأن يدخل القرار الإلزامي غُرف المحادثات والمشاورات، حيث جرى تمييعه حد السُخف. إذن هكذا تجري الأمور؛ حادثوا المليشيات تحت سقف الأمم المتحدة، لتقبل بتنفيذ قرار يندرج تحت طائلة البند السابع. ياللعار، لقد منحوا المليشيات شرعية، وها هي تفاوض وتضع الشروط والعراقيل، في حين تخطب الأمم المتحدة ودها، وتتحاشى إغضابها، بينما تقوم الحكومة الشرعية بدور "الحمار القصير".
 
إن هذه الجولات من المحادثات مع المليشيا تصب في خانة إضفاء الشرعية لما تقوم به، حتى يصير الأمر الواقع أن من يتحاورون هم فرقاء سياسيين، ولا بد من إبرام تسوية يتقاسمون فيها السلطة، وكأن انقلابا لم يحدث. تلعب أمريكا، وبيدها مجلس الأمن، دور تجار الأسلحة؛ حيث لا تزدهر سوقها في ظل وجود سلام دائم تحققه الشعوب.
 
لم تعد الشعوب تتقاتل سوى في منطقتنا، ولم تعد أسواق الأسلحة تزدهر سوى في بلداننا. ثمة إذكاء للصراعات، وثمة سباق محموم للتسلُّح، وهناك بالمقابل تُجار أسلحة يجنون المكاسب. لقد بلغت قيمة صفقات الأسلحة التي اشترتها دول الخليج مثلا، عشرات المليارات، في الخمس السنوات الماضية فقط.
 
رقم مهول جدا. مالذي جعل دول الخليج تدفع كل هذه الثروة لشراء الأسلحة؟! فسويسرا بلا جيش أو سلاح، وكوستاريكا وغيرها، ويعيشون بسلام.
بالطبع إنه الشعور بالخطر.

ومن أين يأتي الخطر والعالم أجمع يعيش بسكينة ورخاء؟!
من يصنع الخطر ويوجهه نحونا، هو ذاته من يبيعنا السلاح.

إنها متوالية منطقية، وليست بذلك التعقيد. لم تعد الشعوب تتقاتل كالسابق على ترسيم الحدود، فقد صرنا في زمن التكنولوجيا والأقمار الصناعية، ولا مجال للاختلاف. ثمة مأخذ لإذكاء الصراعات، صراعات لا تنتهي حتى تفني كل شيء؛ إنها الخلافات العقدية والطائفية، التي أقعدت نهضة أوروبا، ردحا من الزمن، رصيف الأحلام. إضفاء الصبغة الطائفية للصراعات ستفي بالغرض؛ وهكذا تجري الأمور.
 
نعم، من الصعب أن تتخلى الولايات المتحدة عن شريك مُربح كالحوثيين، وإن كانوا مجرد مليشيا، مليشيا حسب الطلب. قُبيل كل جولة مشاورات، تقوم وفود المليشيات بعمل محادثات سرية مع عناصر استخباراتية أمريكية، ترسم لها ملامح السير، وتوفر لها الظَّهر المتين.
 
تشكل أمريكا لوبي ضغط غربي على دول الخليج، تارة عبر مجلس الأمن وتارة أخرى عبر ممارسة الابتزاز السياسي، وإنعاش مظالم تدعيها. في حين تلعب منظمات الأمم المتحدة أدوار ضغط أخرى من قبيل منع بيع الأسلحة، واتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينما تغض الطرف عن جرائم المليشيات. لقد تفوقت مليشيات الحوثي على "داعش" بتفجيرها لمنازل الخصوم، قتل واعتقال الصحفيين والمعارضين. لكن أحدا لا يتحدث عن هذا، أو أنه لا يصب أصلا ضمن مهام تلك المنظمات.
 
لقد تخلت الولايات المتحدة عن حليفها الخليجي، عشية توقيع الاتفاق التاريخي مع إيران بشأن برنامجها النووي. لقد ظل برنامج إيران النووي مجرد ورقة أمريكية لابتزاز الخليج، وبمجرد أن حاول الخروج من تحت عباءة وصايتها، انتهى كل شيء، وبات اللعب على المكشوف. إن من أولويات الأمريكيين حاليا هو مواصلة حصار الخليج بمليشيات إيران، بنسخها المتعددة. لم تعد أمريكا تتعامل حاليا بذهنية "تاجر السلاح" فقط، بل كلاعب رسمي أيضا، أماط لثام الحيادية بسفور، وارتمى بلا خجل في أحضان المليشيات..
 


التعليقات