الحياة في عام 2050.. هذه أدوات حروب المستقبل
- الجزيرة نت السبت, 10 يوليو, 2021 - 01:48 مساءً
الحياة في عام 2050.. هذه أدوات حروب المستقبل

منذ فجر الحضارة، يخوض البشر حروبا مع بعضهم بعضا، وهذا لا يعني أن البشر لم يتقاتلوا قبل فترة طويلة من ظهور الزراعة وأنظمة الكتابة وتربية الحيوانات وصناعة المعادن وغيرها من السلوكيات "المتحضرة"، فما دام هناك بشر، فإن ذلك يعني أنهم استخدموا كل ما في وسعهم لمحاربة بعضهم بعضا.

 

يمكنك القول إن الحرب مقياس يمكن من خلاله قياس تقدم الحضارات؛ بعبارة أخرى، يمكن قياس الحضارة عن طريق دراسة أدوات جيوشها وتصرفاتها، ففي القرن الماضي، تغيرت الحضارة الإنسانية جذريا، وانعكست هذه التغييرات على طريقة خوضنا للحروب.

 

وبحلول منتصف هذا القرن، من المرجح أن يتغير هذا كثيرا مع الوتيرة المتسارعة للتكنولوجيا والأسئلة بشأن مصير المجتمعات البشرية، ومن المرجح أن تكون هذه التغييرات جذرية أيضا. في الواقع، يمكن أن تتحول إلى ثورة لدرجة أن أسلافنا لن يعترفوا بها على أنها "حرب".

 

تغييرات وتهديدات جديدة

 

وفقًا لتقرير صدر عام 2020 عن وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS)، أكبر التهديدات للأمن القومي لم تعد الحرب النووية أو الحرب التقليدية، بل أصبحت الحرب الإلكترونية والإرهاب وأنشطة التأثير الأجنبي والتكتلات الاحتكارية الدولية والهجرة غير الشرعية والكوارث الطبيعية التهديدات الرئيسية.

 

وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتسبب نمو الأنظمة الموزعة، والحوسبة الكمومية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والعملات المشفرة، والتكنولوجيا الحيوية، وتغير المناخ في حدوث تحول أكثر حدة.

 

بسبب هذه التغييرات الناشئة، من الصعب التنبؤ بما ستبدو عليه ساحات القتال في المستقبل. ومع ذلك، فإن دراسة التقنيات الناشئة والديناميكيات المتغيرة تسمح ببعض الاستنتاجات والتعميمات المؤقتة.

 

سباق أسلحة الكم

 

وقوع حوادث سيبرانية مثل اختراق مؤسسات أميركية حكومية يوضح الحقيقة الصارخة للحرب الإلكترونية. فمنذ ظهور الإنترنت، كانت البلدان في جميع أنحاء العالم تبحث عن طرق لاستخدامه باعتباره سلاحا ضد الأسواق المالية وأنظمة الحاسوب والمرافق في دول أخرى.

 

وبعيدا عن الحكومات والجيوش، أظهرت تهديدات من قراصنة مستقلين ومجموعات قراصنة كيف أن المتسللين و"الهاكرز" قادرون على إحداث اضطراب وضرر كبيرين، لذا أصبح من المفهوم لماذا تتطلع الحكومات اليوم إلى تجنيد "متسللين" لحماية البنية التحتية الحيوية أو شن "هجمات إلكترونية".

 

سيتغير هذا الوضع بشكل كبير بمجرد توفر الحوسبة الكمومية، فبالمقارنة مع نظيراتها "الكلاسيكية"، تعتمد أجهزة الحاسوب الكمومية على تراكب الجسيمات وتشابكها بدلا من الأرقام الثنائية (الآحاد والأصفار). وستكون الأجهزة الجديدة قادرة على حساب قيم متعددة في وقت واحد، مما يسمح لها بالعمل بسرعة مذهلة وبأعداد فلكية عالية.

 

ولهذا فإن أي نظام لا يزال يعمل على المنصات الرقمية القديمة سيكون ضعيفا، وسيكون التشفير العام عديم الفائدة ضد التدخلات السيبرانية القائمة على الكم، مما يعني أن الناس لن يكونوا قادرين على الوثوق بأي بيانات يتم إرسالها أو تسلمها عبر الإنترنت. هذا قد يجعل العديد من الأنشطة اليومية، مثل الخدمات المصرفية أو حتى استخدام بطاقات الخصم البنكية، عرضة للانهيار.

 

من المحتمل أن يكون لهذا آثار على الحرب السيبرانية أيضا. كما هو الحال، فإن العديد من الحكومات، مثل الولايات المتحدة والصين، في "سباق تسلح كمي" الذي يتكون من البحث عن أشكال جديدة من التشفير وتحقيق تقدم كبير في هذا المجال قبل الآخرين.

 

ما لم يواكب التشفير الحوسبة في هذا المجال، فإن أي شخص يحقق "التفوق الكمي" أولا سيكون لديه فرصة سانحة في يده. وإلى أن يتمكن خصومه من إنشاء بروتوكولات تشفير جديدة لإيقافهم، سيكون من يحقق السيادة قادرا على الوصول إلى قواعد بيانات أي شخص آخر من دون عقاب.

 

طائرات بدون طيار في كل مكان

منذ مطلع القرن، نما استخدام المركبات الجوية القتالية التي تعمل بدون طيار -والمعروفة اختصارا "يو سافس" (UCAVs)- نموا كبيرا. وأسباب هذا التحول تشمل الحد من المخاطر، وتحسين العمليات عن بعد والمنافسة بين الدول، والرغبة في تقليل مخاطر الإصابات ونمو عمليات مكافحة الإرهاب.

 

باتباع هذا الاتجاه، يمكن للطائرات بدون طيار بحلول منتصف القرن الجاري أن تحل محل المركبات التي يقودها الإنسان تماما.

 

هناك أيضا بحث كبير في تطوير طائرات أسرع من الصوت قادرة على الطيران والتفوق في المعارك الجوية والهبوط من دون إشراف بشري. ومع ذلك، لا يزال من الممكن استخدام الطيارين البشريين للإشراف على العمليات الجوية واسعة النطاق، حيث تعمل طائرات بدون طيار ذاتية القيادة بمثابة "طيارين".

 

ومن التطورات الأخرى المحتملة انتشار الطائرات الصغيرة بدون طيار، ويمكن تنسيق أسراب من هذه الطائرات باستخدام "ذكاء السرب" للبحث عن أهداف العدو وتدميرها.

 

ناقوس الموت للدبابة

 

لعقود عديدة، كانت الدعامة الأساسية لساحة المعركة الحديثة هي دبابة القتال الرئيسية "إم بي تي" (MBT). ومع ذلك، منذ نهاية الحرب الباردة، واجهت "إم بي تي" العديد من التحديات التي تشير إلى أن ذروتها قد تقترب من نهايتها، وبحلول عام 2050، قد تؤدي عملية التفوق المستمرة بين الدبابات والأنظمة المضادة للدبابات إلى تقادمها.

 

وقد يؤدي ذلك إلى التخلي التام عن "إم بي تي" لصالح المركبات الأخف وزنا التي استبدلت مساراتها لصالح العجلات أو المسارات القابلة للتعديل أو حتى الأرجل. وبدلا من الدروع الثقيلة، من المرجح أن تعتمد هذه المركبات على الرادار، وبرمجيات الوعي بالحالة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتدابير المضادة النشطة التي تستشعر التهديدات القادمة وتقوم بتحييدها مقدما.

 

ولا شك في أنه سيتم استبدال محركات البنزين ببطاريات عالية السعة أو خلايا وقود الهيدروجين. وبدلا من أن يكون للمركبة القتالية 3 أو 4 من أفراد الطاقم، يمكن أن يكون لها سائق واحد، أو يمكن تشغيلها عن بُعد، أو كل ما سبق.

 

وفيما يتعلق بالتسلح، يمكن استبدال المدفع الأكثر تقليدية بمسدس الحث الكهرومغناطيسي (المعروف أيضًا باسم المدفع الكهرومغناطيسي) أو سلاح الطاقة الموجهة (المعروف أيضا باسم الليزر). قد تكون بعض المدافع الرشاشة الآلية للدفاع النقطي مفيدة أيضا، ويمكن أن تكون الإجراءات الأقل فتكا، مثل شحنات الكهرومغناطيسي والانفجارات الصوتية عالية النبرة وغيرها، من الإجراءات الفعالة للتحكم في الحشود.

 

 

الجنود العالميون

 

من المؤكد أن هؤلاء المقاتلين من اللحم والدم الذين ما زالوا في ساحة المعركة بحلول عام 2050 سيكون لديهم وحدات دعم آلية لمساعدتهم في كل شيء تقريبا. وتعتبر روبوتات ساحة المعركة نقطة محورية رئيسية لوكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية‏ المعروفة اختصارا بـ"داربا" (DARPA) والمطورين الآخرين الذين يرغبون في إنشاء آلات يمكنها تحمل مسؤولية التعامل مع العمليات الصعبة أو الخطيرة.

 

تتضمن بعض الاحتمالات روبوتات مشابهة للإنسان الآلي المعروف باسم "أطلس" من تطوير شركة "بوسطن داينامكس" (Boston Dynamics). وتعتمد هذه الروبوتات وغيرها على مبدأ محاكاة الطبيعة، حيث تقلد الآلات الأجسام الحية لتحقيق نطاق أكبر من الحركة والمرونة.

 

ولكن ربما تكون الطريقة الأفضل لدمج الروبوتات في ساحة المعركة هي الجنود أنفسهم، فمن المتوقع قريبا أن تظهر الهياكل الخارجية، مما يمنح الجنود الأفراد قوة وتحملا أكبر.

 

وفقا لتقرير صدر مؤخرًا عن وزارة الدفاع الأمريكية (DoD)، سيكون عام 2050 هو العام الذي يكون فيه جنود "سايبورغ" السمة الواضحة للقوات المسلحة الأميركية، ومن المتوقع أن يكون لتقنيات سايبورغ القادمة التأثير الأكبر في مجالات:

 

تحسين العين: تقدم غرسات العين في المستقبل إمكانية تعزيز البصر والتصوير والوعي بالموقف، إذ يرى الجنود في أطوال موجية أخرى (مثل الأشعة تحت الحمراء)، وتم تعزيز قدرات الرؤية الليلية لديهم، وتميزوا بالحركة بسهولة أكبر، وحددوا الأهداف، وعرضوا شاشات العرض الأمامية (HUDs) في مجالهم البصري.

 

التحكم المبرمج في العضلات: يمكن لجنود المستقبل أيضا أن يكون لديهم شبكات استشعار تحت الجلد مدمجة في أجسادهم، ومن شأنها تعزيز التحكم في العضلات عن طريق تقديم التحفيز البصري الوراثي (نبضات ضوئية).

 

التحسين السمعي: باستبدال أو تعديل عظام الأذن الوسطى والقوقعة، سيكون لدى الجنود نطاق أكبر من السمع والحماية من فقدان السمع. إلى جانب الغرسات العينية والعصبية، يمكن أن تعزز الغرسات السمعية التواصل والوعي بالأوضاع.

 

التحسين العصبي المباشر: ستسمح القدرة على تطعيم رقائق الحاسوب مباشرة بالدماغ البشري بـ"التفاعل بين الدماغ والآلة" (BMI)، وكذلك التفاعلات من "الدماغ إلى الدماغ" (BBI). ومن حيث الجوهر، سيكون الجنود قادرون على التواصل المباشر مع الأنظمة المستقلة والجنود الآخرين، ومع تداعيات عميقة لتحسين القيادة والسيطرة والعمليات.

 

استنتاجات؟

 

في حين أن إجراء تنبؤات دقيقة ليس سهلا أبدا، إلا أن بعض الأشياء لا تتغير أبدا. فقد كانت الحرب وستظل دائمًا بتوجيه من الإنسان، حتى وإن سيطرت الروبوتات على ساحة المعركة، فإنها ستقاتل بأمر من البشر وبأجندات بشرية. وستضطر الجيوش دائما إلى التكيف مع الظروف والتقنيات المتغيرة، وخاصة تلك التي توفر فرصا جديدة للفوضى والتدمير.

 

أخيرا، لن تكون الحرب متوقعة أبدا، ومن المرجح أن تواجه جميع محاولاتنا لتوقع التطورات المستقبلية نجاحا محدودا، وإن استفادت جيوش المستقبل من الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية لتقييم سيناريوهات واحتمالات مختلفة، فإن الطبيعة المتسارعة للتغير التكنولوجي ستخلق مستويات جديدة من عدم اليقين.

 

الصراع الدائر بين السيف والدرع سوف يستمر ما دامت الحرب قائمة. الحرب، بدورها، من المحتمل أن تستمر ما دامت البشرية موجودة، وحتى نجد طريقة لحل جميع خلافاتنا سلميا، سنواصل البحث عن طرق أفضل لقتل بعضنا بعضا.


التعليقات