تعتلي شواهد القبور التاريخية التي تعود إلى الحقبة العثمانية في تركيا زخارف ونقوش صنعت من الأحجار تسرد حياة المتوفى بشكل فني عميق يحتاج في كثير من الأحيان إلى مختصون لفك «شيفرة» هذه الإشارات المعقدة وفهم سيرة حياة المتوفى.
أبرز هذه الزخارف تكشف عن مهنة المتوفى، حيث يتصدر شاهد القبور نحوتاً ونقوشاً بارزة على شكل عمامة أو قبعة عسكرية أم آلة صناعية تحكي بشكل واضح مهنة المتوفى، لكن إشارات لمهن أخرى تحتاج إلى مختصون لفهم هذه الإشارات بشكل أوضح.
بشكل عام يؤشر وجود عمامة أو طربوش على رأس شاهد القبر على أن صاحبه رجل، وفي حين أن بعض أشكال العمامات يؤشر إلى الدعاة وجزء من موظفي الدولة، لكن المختصين يستطيعون تحديد أي حقبة توفي فيها صاحب القبر من خلال شكل العمامة التي كانت تُشكل بطرق مختلفة في عصر كل سلطان حكم البلاد.
وتنتشر أعداد كبيرة من المقابر العثمانية التاريخية في العديد من المحافظات التركية، وتعتني بها الدولة باعتبارها جزءاً مهماً من الآثار المنتشرة في البلاد، أبرزها المقبرة الضخمة المجاورة لقبر ومسجد الصحابي أبو أيوب الأنصاري في إسطنبول، وتلك المجاورة لمسجد وقبر السلطان محمد الفاتح، ومقبرة توب كابي والعديد من المقابر الأخرى، وباتت في السنوات الأخيرة وجهةً مهمة للسياح الذين يزورون تركيا.
وبينما يعبر الورد المزركش المنحوت على أطراف شاهد القبر عن أن صاحب القبر فتاة توفيت قبل زواجها، تؤشر زخارف الورد المنحوتة على شكل سوار من الرجس أو القرنفل أو أزهار اللوز بشكل عام على أن صاحب القبر سيدة، كما أن هناك منحوتات خاصة تؤشر إلى أعمال من توفوا وهم أطفال وصغار في العمر.
وعلى سبيل المثال، إذا كان الميت بحاراً يوضع على شاهد قبره رمز يشير إلى مهنته، مثل إشارة أو رمز مرساة أو شراع. وغالبا يكون على شواهد البحارين شكل يشبه السفن جوانبه محاطة بحبال غليظة أو بسلاسل حديدية تستعمل في السفن.
ولا تقتصر رموز شواهد القبور على كشف مهنة المتوفى، وإنما تحكي أيضاً تفاصيل أخرى عن جنسه ومكانته الاجتماعية ودرجته العلمية وطبيعة وفاته، بينما تتطرق شواهد قبور الجنود إلى رتبهم العسكرية والأماكن والمعارك التي قتلوا فيها، وذلك من خلال النحت والنقوش في الدرجة الأولى إلى جانب الكتابة بالخط العثماني القديم.
ومن كان يعمل كاتباً في حياته، نحت على شاهد قبره شكل يشبه لفائف الورق والقلم، ووضع على قبور الرسامين شكل ريشة الرسم، فيما تتنوع قبور الجنود حسب فرقهم العسكرية وتخصصاتهم ورتبهم ونحتت على قبورهم أشكال سيوف ومدافع وقذائف، وتقول كتب تاريخية عثمانية إن الجندي العثماني كان يختار أشكال المنحوتات على قبره قبيل وفاته.
وعلى الرغم من أن القبور في تركيا الحديثة لم تعد تصنع بهذا الشكل، إلا أن الأتراك ما زالوا ينفقون الكثير من الجهد والمال على إقامة قبور رخامية بارزة وكبيرة. وكانت وسائل إعلام تركية قالت إن إحصائية تقريبية تؤشر إلى أن قيمة الرخام الذي تغطى به غالبية المقابر في إسطنبول وتصنع منه شواهدها، تبلغ قرابة 9 مليار ليرة (حوالي 3 مليار دولار، حيث يوجد في إسطنبول 4.4 ملايين قبر مسجل.
وما زال البعض يقوم بطباعة صور الموتى على شواهد القبور الرخامية بجانب أسمائهم، ويصمم البعض القبور بشكل يشبه الحصن أو القلعة، وينصب البعض تماثيل صغيرة على شواهدها.
وتشير الإحصائية إلى أن تكلفة إنشاء قبر باستخدام نوع جيد من الرخام ودون المبالغة في التزيين، تبلغ ما بين ألفين وألفين وخمسمئة ليرة تركية، في حين تتجاوز تكلفة بعض القبور، هذا المبلغ بكثير، وتعمل الدولة على حث المواطنين على ترشيد المصاريف في بناء القبور والتبرع بهذه المبالغ للفقراء والمحتاجين.