من أسكت صوت المغني هونديسا محرك "ثورة الأورومو" في إثيوبيا؟
- الجزيرة نت الخميس, 02 يوليو, 2020 - 01:31 مساءً
من أسكت صوت المغني هونديسا محرك

[ نجم هونديسا الذي ذاق مرارة السجن السياسي بزغ خلال الاحتجاجات ضد الحكومة الإثيوبية (مواقع التواصل) ]

يحفل التاريخ بأسماء مطربين كانت أغنياتهم أعذب من نغم يصدر عن ناي راع، بيد أنها أقوى من كل رصاصات الطغاة، وكانت تلهب الثائرين فتعبئ حناجرهم بهتاف كأنه هدير الرعد.

 

من الذي لم يسمع بالشيخ إمام عيسى؟! ذلك الكفيف الذي رأى الناس في ألحانه مصابيح تهديهم إلى سبل الحرية. كوّن إمام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 ثنائيا ضاربا -بلغة معلقي كرة القدم- وقدموا أغنيات ذات طابع سياسي ناقد ومحرض على الثورة، طيلة عهدي الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وكان طبيعيا أن يكون الثنائي ضيفين دائمين على زنازين الجلاد، بسبب تلك الأغاني التي على شاكلة "شيد قصورك":

 

شيد قصورك ع المزارع من كدنا وعمل إدينا

 

والخمارات جنب المصانع والسجن مطرح الجنينة

 

واطلق كلابك في الشوارع واقفل زنازينك علينا

 

وعرفنا مين سبب جراحنا، وعرفنا روحنا والتقينا،

 

عمال وفلاحين وطلبة، دقت ساعتنا وابتدينا،

 

نسلك طريق ما لهش راجع، والنصر قرب من عنينا.

 

وفي السودان يمكن الإشارة إلى ظاهرة مصطفى سيد أحمد الذي كانت أغنياته سياطا على ظهور نظام الإنقاذ الذي طارده حتى وفاته بالمنفى عام 1996.

 

وقد استحضر شباب ثورة ديسمبر 2019 أغنيات مصطفى في حراكهم الذي قاد إلى الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، مثل أغنية مشرع الحلم الفسيح:

 

يا مشرع الحلم الفسيح

 

يومنا النّهِـبْ.. أسلِبنا خوفنا

 

كبِّرنا قدرك.. مرتين

 

وطوِّل قدر كتفك.. كتوفنا

 

يا غضبة الرعد البيسكن .. في غناوينا وحروفنا

 

ضوِّي الدساكر والضفاف

 

عبِّي الحناجر بالهتاف

 

سدِّد مسامات الرِّعاف

 

نوِّر مغاراتنا وكهوفنا.

 

يا رفيقة أدفنيني أعلى الجبال

 

وفي إيطاليا وغيرها، عرف الناس الأغنية الشهيرة "بيلا تشاو" التي كان يرددها المناهضون لنظام موسوليني وتعني "يا حلوتي وداعا" وهي أغنية من الفلكلور الإيطالي، وكانت لحنا تردده الفلاحات الفقيرات العاملات في حقول الأرز تعبيرا عن تمردهن على ساعات العمل الطويلة والأجر المنخفض:

 

يا رفيقة أدفنيني أعلى الجبال

 

تحت ظل زهرة جميلة

 

وإذا مر قوم سيقولون ما أجمل تلك الوردة

 

وردة المقاوم الذي استشهد حرا.

 

ولا يمكن نسيان أغنية "رثاء كوبا للكوماندر تشي غيفارا" التي ألفها الملحن الكوبي كارلوس بويبلا في أعقاب اغتيال غيفارا عام 1965.

 

تعلّمنا أن نهواك، من مرتفعات التاريخ،

 

حيث شمس بسالتك، وضعتك على حافة الموت،

 

وهنا لا تزال واضحة، الشفافية الحميمة، لوجودكم العزيز،

 

أيها القائد تشي غيفارا.

 

هاشالو هونديسا

 

كل ما سبق استحضرناه بمناسبة مقتل المغني الإثيوبي الأشهر هاشالو هونديسا، أيقونة ثورة إثنية الأورومو التي يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 مليونا من سكان إثيوبيا الـ103 ملايين نسمة.

 

رصاصات قليلة كانت كافية للقضاء على صوت ثورة الأورومو الذي حركت ألحانه ثوار ذلك الإقليم الذي يشكو من مرارات التهميش، وظلم الجالسين على كراسي الحكم في أديس أبابا.

 

قتل هونديسا قبل أيام في إحدى ضواحي العاصمة، وبينما لم تتكشف بعد أبعاد جريمة مقتله، اتهم رئيس الوزراء آبي أحمد من سمّاهم بالأيادي الخفية بالوقوف وراء الجريمة.

 

وبزغ نجم هونديسا الذي ذاق مرارة السجن السياسي وهو ابن 17 عاما، خلال الاحتجاجات التي خرجت على مدى السنوات السابقة ضد الحكومة الإثيوبية، والتي اشتعلت شرارتها في قلب إقليم أوروميا. وكانت أغانيه ملهمة لذلك الحراك الذي دفع بآبي أحمد ابن الأورومو إلى السلطة، ولأول مرة في تاريخ هذه الإثنية التي تقطن وسط إثيوبيا.

 

الموسيقى التصويرية للثورة

 

حاز هونديسا على لقب صوت الأورومو في كفاحهم ضد الظلم والقمع، واعتبرت أغنياته موسيقى تصويرية لاحتجاجاتهم التي توجت بتغيير تاريخي للحكم في إثيوبيا جاء بابن الأورومو آبي أحمد إلى سدة الحكم في البلاد، التي كانت محتكرة من قبل أقليتي التيغراي والأمهرا.

 

ويقول الدكتور أوول أولو المحاضر بجامعة كيلي في إنجلترا والذي كتب كثيرا عن ظاهرة هونديسا، إن أغانيه كانت في صميم موجة احتجاجات الشوارع في مدن إقليم أورومو عام 2015 والتي أدت في نهاية الأمر إلى استقالة رئيس الوزراء هايلي ماريام ديسلاين.

 

ويضيف أولو في حديث لصحيفة نيويورك تايمز، "كانت أغنياته تعبر عن إحباط شباب الأورومو، وحلمهم بوطن جميل،  لم تكن مجرد موسيقى، بل كانت منطلقا للتحريض السياسي الذي يشدد على الذاتية الثقافية للأورومو".

 

ويستذكر أوول حفلا شهيرا لمطربين من الأورومو في العاصمة أديس أبابا عام 2017، ويتذكر على وجه التحديد مشاركة هونديسا الذي قدم أغنيات مؤلمة وصادقة، مثل أغنية مالان جيرا Maalan Jira التي تحكي عن أوضاع الأورومو، ويقول أولو إنها تعبير هادئ لكنه قوي عن الأورومو، ولا غرو أنها أصبحت الموسيقى التصويرية التي كانت تصاحب احتجاجاتهم.

 

عنف الأباطرة

 

في آخر مقابلة له مع شبكة الأورومو الإعلامية واسعة الانتشار الأسبوع الماضي، انتقد هونديسا بوضوح شديد العنف والانتهاكات التي ارتكبها الأباطرة والأنظمة السابقة التي حكمت إثيوبيا، بيد أنه لم يستثنِ من ذلك النظام الحاكم حاليا الذي على رأسه آبي أحمد.


التعليقات