حدث في الذاكرة.. الشاعر اليمني حسين مقبل ورحلة الريف والمدينة والمنفى
- الجزيرة نت السبت, 01 أغسطس, 2020 - 10:29 مساءً
حدث في الذاكرة.. الشاعر اليمني حسين مقبل ورحلة الريف والمدينة والمنفى

[ أصافح ظلي.. ديوان شعر لحسين مقبل ]

في هذه الزاوية من "حدث في الذاكرة" تفتح الجزيرة نت مساحة لكاتبات وكتاب لكي يتحدثوا عن الحدث الذي غير حياتهم، وجعل منهم شعراء أو روائيين أو قصاصا وأيضا مسرحيين ومترجمين أو حتى ناشرين، بخلاف توقعات الأهل أو الأصدقاء.

 

في الوقت ذاته، تعتبر هذه الزاوية نافذة للقارئ والمتابع لكي يتعرف على جزء حميمي وربما سري لمبدعين مختلفين في طرق وأساليب التفكير والحياة والكتابة.

 

ضيفنا اليوم الشاعر اليمني الشاب حسين مقبل الذي ولد عام 1988 في حصبان التابعة لمديرية المسراخ في ريف تعز، التي قضى فيها فترة الطفولة والشباب والدراسة، قبل أن ينتقل إلى مدينة تعز في عام 2008 لمواصلة الدراسة الجامعية في كلية العلوم (مختبرات طبية).

 

في عام 2012 انتقل حسين إلى العاصمة صنعاء، ولكنه لم يبق فيها أكثر من سنة، ليتنقل بعدها بين دول أفريقية عدة، مثل ليبيا والصومال وتشاد وكينيا وتونس…، عمل خلالها في مجال حقوق الإنسان.

 

انتقل في عام 2016 إلى ألمانيا، ومن هناك أصدر أول مجموعة شعرية له بعنوان "أصافح ظلي" (2019). والتي قدمها الشاعر والناقد عبد العزيز المقالح بقوله "بعد قراءتي لمجموعة "أصافح ظلي" للشاعر الشاب حسين مقبل، ورحلتي المتأنية مع قصائده البديعة، وجدتنى أقول لنفسي هذا شاعر يعرف طريقه نحو الشعر في أحدث تجلياته اللغوية والأسلوبية، كما أن هذا الديوان، وهو الأول للشاعر، يعطي لصاحبه شهادة ميلاد وانتماء إلى العالم الشعري بكل أشكاله القديم منها والحديث".

 

وهناك مجموعة شعرية ثانية لحسين مقبل تحت الطبع بعنوان "شيخوخة الريح". وهنا شهادته حول الأسئلة في حوار مع الجزيرة نت.

 

لم يكن في منزلنا مكتبة

 

تربيت في عائلة من الطبقة الوسطى ماديا، ولا يربطها شيء بالثقافة والعلوم والأدب، عائلة ريفية لا تعرف إلا الفلاحة والأرض.

 

لم يكن في منزلنا مكتبة؛ بل رف صغير يضم كتبا لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. وما زلت أحفظ شكلها وما فيها، ككتاب الميثاق الوطني، وكتاب ابن كثير في تفسير القرآن وكتاب آخر يحكي بعض القصص والأساطير الشعبية، وغيرها من الكتب المدرسية التي كانت تعود لإخوتي الكبار ككتاب "رجال حول الرسول" وغيرها من الكتب.

 

منذ دخولي المدرسة لم يكن لدي مفهوم واضح عن التعليم، ولا أعلم لماذا نتعلم، فكانت المدرسة بالنسبة لي مجرد مكان أقضي فيه الوقت المحدد لي كل يوم. وقت يبدو لي كأنه عقاب يمنعني من اللعب الذي أحب.

 

الحياة في المدينة

 

في المدرسة الابتدائية كان أغلب المعلمين يؤدون الخدمة الإلزامية (والتي يكون المعلم حاصل فيها على الشهادة الثانوية)، وهؤلاء لم تكن قد اكتملت لديهم النظرة الكاملة للتعليم حسب اعتقادي، لذلك خرجت بعد 6 أعوام مثلما دخلت.

 

كان للمدرستين الإعدادية والثانوية الفضل في صقل مواهبي الأدبية، لكن ليس للحد الذي أكتب فيه شيئا يستطيع القارئ أن يطلق عليه أدبا. تخرجت من الثانوية العامة وانتقلت إلى المدينة حيث كل شيء هناك، كالصحف والمجلات والكتب، لكني كنت لا اقرأ غير الصحف والمجلات مثل مجلة العربي ونزوى وغيرهما.

 

الكتابة الساخرة

 

في ذلك الوقت بدأ تعلقي بكتابة المقالة؛ فقد تشكلت رغبتي في الكتابة آنذاك بسبب الصحف، وكان ميلي للكتابة الساخرة يشدني أكثر من أي نوع آخر. أتذكر أني كنت مداوما على قراءة الصحف وكان هناك كاتب ساخر يكتب بطريقة تجعل من القارئ يتعلق به وبما يكتبه.

 

أرسلت لإحدى الصحف مقالا كتبته، رغم عدم توقعي لنشره، لكني تفاجأت حين صدر العدد الأسبوعي من تلك الصحيفة بوجود مقالي فيه. وهذا ما جعل ثقتي بما أكتبه تزداد، مما دفعني للمضي قدما. لكن لم أستطع أن أتقن المقال الساخر كما كان يفعل ذلك الكاتب الذي كان سببا في حبي لكتابة المقالة.

 

الحياة في مكان آخر

 

في المدينة تعمقت علاقاتي بالكتاب والأدباء، لكن كل هذا لم يكن كافيا، فاقتنيت مجموعة من الكتب، وكان لرواية "الحياة في مكان آخر" للأديب التشيكي-الفرنسي ميلان كونديرا الفضل الكبير في تفتح الوعي بالكتابة لدي.

 

هذه الرواية التي أهداني إياها الصديق الصحفي فكري قاسم، حيث وجدت نفسي في "جاروميل" الذي كنت أرى أنه أنا. هذه الرواية الكونديرية، والحق يقال، شكلت القفزة الكبرى لي، وفتحت الآفاق أمامي في عالم الأدب.

 

مرحلة الجامعة كانت الحلقة الفاصلة بين المستقبل والحاضر. هناك نزعت أسمال الماضي، إلا من تراثه الجميل الذي لا زال يلازمني حتى اللحظة. كانت نقطة البداية لعهد جديد، ببعد آخر، ونظرة مختلفة للحياة ولجوانبها المختلفة عامة والأدب خاصة. ورغم أن تخصصي كان في المجال العلمي، حيث درست مختبرات طبية، إلا أني حاولت بقدر الإمكان أن أوفق بين المهنة والهواية. وقد فعلت ذلك أو هكذا أعتقد.

 

في تلك المرحلة، ورغم ضيق الوقت وزحمة الدراسة، قرأت الكثير من الكتب؛ كانت أغلبها سياسية ككتاب "الأمير" لميكافيلي، و"ثروة الأمم" لآدم سميث و"رأس المال" لكارل ماركس، وغيرها من الكتب كالنظام السياسي في الإسلام وغيرها.

 

النظام البوليسي

 

بدأ مفهوم القراءة يتغير بشكل تدريجي من الاطلاع وتتبع السطور إلى نقد الفكرة وخلق فكرة جديدة. ومع كونك تعيش في مجتمع ترفعه دعائم الثوابت الدينية وتنعدم فيه حرية التفكير والتعبير سياسيا، كنت أعيش في حالة فوضى داخلية كأي قروي يدخل مدينة كبيرة، ويريد أن يعرف كل شيء، ويفعل كل شيء، ويمارس كل ما يخطر على باله بحرية.

 

غير أن ذلك كان منعدما؛ ففي الجامعة كان الوضع بوليسيا، وكذلك وعظيا، إذ كان الفكر الإسلامي يعمل على استقبال الجميع، ومعارضة أي فرد ليس من الجماعة. وكان الحزب الحاكم يقمع ويتجسس على كل من يعارضه أيضا، فشكل هذا حاجزا منيعا أمام طموحاتي الفكرية، هذا التضييق السياسي مثل دافعا لي للاتجاه نحو الأدب وترك عالم السياسة، وهكذا فعلت.

 

جاءت رحلتي إلى ألمانيا، وكانت هي الفصل الذي أدين له بكل شيء؛ حيث فتحت لي الكثير من الآفاق، وهناك قررت أن أنشر أول عمل لي، وهذا ما حدث، حيث صدرت مجموعتي الشعرية "أصافح ظلي" عن دار الآن ناشرون وموزعون.

 

كل تلك الأحداث، مع مجموعة عوامل أخرى، ساعدتني على أن أصبح ما أنا عليه، وما أنا عليه الآن ليس سوى بداية المشوار.


التعليقات