هل حُول التاريخ إلى مهزلة؟.. أخطاء فادحة في مسلسل "التاج" تغضب العائلة الملكية
- الجزيرة نت السبت, 05 ديسمبر, 2020 - 02:08 صباحاً
هل حُول التاريخ إلى مهزلة؟.. أخطاء فادحة في مسلسل

[ الأخطاء التاريخية في مسلسل "التاج" تثير غضب العائلة الملكية في بريطانيا (مواقع التواصل الاجتماعي) ]

يمكن اعتبار مسلسل "التاج" (The Crown) الذي يتناول حياة ملكة بريطانيا وعائلتها، عملا فنيا ترفيهيا، وهو بالنسبة لملايين الأشخاص الذين شاهدوه على منصة نتفليكس (Netflix) لم يكن سوى مجرد مسلسل ممتع، ولكن الأمور كانت مختلفة بالنسبة للملكة إليزابيث الثانية وشعبها.

 

في مقال نشرته صحيفة تلغراف (Telegraph) البريطانية، نقل الكاتب سيمون هيفير رأي أحد كتاب السيناريو حول أول موسمين من المسلسل كانا نموذجين جيدين على مستوى فن سرد القصص، ولكن بما أن هذه الدراما مبنية على أحداث حقيقية راسخة في الذاكرة الحية، وتصوّر أشخاصا على قيد الحياة وما زالوا بارزين في الحياة العامة، فإنه يجب على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار بعض التفاصيل الإضافية.

 

عند الاطلاع على بعض الاستطلاعات التي تشير إلى أن العديد من الشباب يعتقدون أن مارغريت ثاتشر هي من قادت هذا البلد خلال الحرب العالمية الثانية، ستفهم سبب إقبال بعض الأشخاص على تصوير مسلسلات ترفيهية مثل "التاج" وإنشاء حوارات وسيناريوهات حسب أهوائهم، قد يظن المشاهد أن ما يعرضه هذا المسلسل هو تجسيد دقيق للتاريخ، لكن الحقيقة عكس ذلك، ويبدو أن أقلية صغيرة تكترث لمسألة تحول التاريخ إلى مهزلة.

 

وُصف الموسم الجديد من مسلسل التاج بأنه "مقنع" بسبب الشخصيتين الجديدتين: ليدي ديانا سبنسر التي أصبحت أميرة ويلز فيما بعد، ومارغريت ثاتشر. وبينما يستحق أمير ويلز الجدل الذي يدور حوله بسبب سلوكه تجاه عروسه الشابة، فإن معاملة ثاتشر كانت أكثر إثارة للقلق، إذ لعبت جيليان أندرسون دور ثاتشر لكن أداءها كان بعيدا عن الإتقان، على عكس إيما كورين التي لعبت دور أميرة ويلز.

 

وتشمل الدراما حادثة اقتحام مايكل فاغان قصر باكنغهام ودخوله غرفة نوم الملكة، ومع ذلك تُستخدم قصة فاغان كسلاح ضد ثاتشر، إذ يصور على أنه ضحية لسياساتها الاقتصادية.

 

من وحي الخيال

 

كان جزء كبير من سيناريو المسلسل من وحي الخيال، وليس من المفاجئ أن مصادر مقربة من أفراد العائلة الملكية أصدرت تصريحاتها على الصفحات الأولى لوسائل الإعلام للتعبير عن غضب العائلة تجاه المسلسل.

 

لم يكن في مقدرة كاتب المسلسل بيتر مورغان معرفة تفاصيل الحوارات التي دارت بين ثاتشر والملكة، أو أي من المحادثات الخاصة الأخرى التي تم تصويرها. كان بعضها منافيا للعقل ببساطة كما هي حال الحوار الذي دار بين دوق إدنبرة وأمير ويلز قبل جنازة اللورد مونتباتن بفترة وجيزة.

 

كانت بعض المحادثات محبطة، مثل المحادثات بين أمير ويلز وزوجته آنذاك، وبينه وبين عشيقته، ومع ذلك لا يمكننا أن نسمح بإعاقة إبداع الكتاب بسبب اعتبارات بسيطة مثل استقرار الدستور البريطاني، ودقة تصور الجمهور البريطاني له.

 

كتب ناقد دراما من مجلة "نيويوركر" (New Yorker) أن هذه السلسلة "تصف كيفيّة انهيار الإمبراطورية البريطانيّة"، وتفتح المجال أمام كل شخص يبحث عن طريقة لنقد بريطانيا.

 

وأشار الكاتب إلى أن الملكة إليزابيث الأم الراحلة تستند على ما يبدو إلى نسخة ساخرة عن نفسها، بينما كانت الأميرة مارغريت معروفة بسمعتها الطيبة، ولكن ما إن كانت عدوانية مثل شخصيّتها التي تلعبها هيلينا بونهام كارتر، فسيظل ذلك أمرا قابلا للنقاش، ولكن بما أنها ليست على قيد الحياة، فلا يمكنها الدفاع عن نفسها الآن.

 

مع ذلك، سيصاب دوق إدنبرة بالصدمة الشديدة بلا شك عندما يشاهد الرجل الذي ينتحل شخصيته وهو يطلق النار على الطيور في الصيف، وهو ما يكشف وجود تجاهل شامل لأهم التفاصيل الواقعيّة في كامل حلقات المسلسل، مما تسبب في إطلاق موجة من السخرية لدى كل من له دراية حقيقيّة بالموضوع.

 

فُقد مارك ثاتشر في الصحراء قبل 10 أسابيع من محاولة غزو جورجيا الجنوبية، وليس أثناءها، كما أن مجلس الوزراء برئاسة ثاتشر لم يخاطبوها أو يخاطبوا بعضهم بعضا بأسمائهم المسيحية، بل بألقابهم الرسمية.

 

ويكشف المسلسل أيضا أن رئيس الوزراء والملكة لم يكونا على معرفة قبل أن تتولى ثاتشر منصبها، في حين أنه في الواقع كان الاثنان يلتقيان في المناسبات الرسمية منذ أن كانت ثاتشر وزيرة في مجلس الوزراء لمدة 4 سنوات، وزعيمة المعارضة الموالية لجلالة الملكة لمدة 4 سنوات أخرى.

 

كما لم تكن الملكة ستسأل أحد رجال البلاط عما إذا كانت هناك "أخبار جيدة أو سيئة" بشأن الانتخابات الأسترالية، لأنها لا تنحاز لأي طرف في السياسة في أي من الدول التابعة للمملكة.

 

معطيات خاطئة

 

تضمن المسلسل العديد من المعطيات الخاطئة الأخرى التي كان الهدف منها تحريف تاريخ حزب المحافظين، على غرار ذكر أن نائب مايكل فاغان كان يدعى ريتشارد هاستينغز، بينما كان في الواقع جون غرانت، وهو عضو برلماني عن حزب العمل انضم إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي عام 1981.

 

وهناك أيضا إشارة ضمنية إلى أن معارضة ثاتشر للعقوبات المفروضة على جنوب أفريقيا كانت بسبب المصالح التجارية لابنها هناك، وليس لأنها لم ترغب في توريث أمة مدمرة اقتصاديا إلى حكام الأغلبية من ذوي البشرة السوداء.

 

تضمنت الحلقة الخاصة بالعقوبات لقطات للملكة وهي تطلب من ثاتشر التوقيع على بيان الكومنولث حول هذا الموضوع. في المقابل، لم تكن الملكة، التي كانت على وعي تام بما جاء في الدستور في سنواتها الأولى كملكة، لتفعل مثل هذا الشيء، لا شك في أن وجهة نظر الملكة تجاه الكومنولث كانت أكثر إيجابية من وجهة نظر ثاتشر، لكنها تدرك أنها بوصفها ملكة دستورية لا يمكنها التصرف إلا بناء على نصيحة رئيس وزرائها.

 

وذكر الكاتب أن ثاتشر والملكة كانتا تتجولان في الغرفة معا خلال حفلة عيد ميلادها الثمانين في عام 2005، وتكشف سعادتها بالوجود هناك حقيقة العلاقة التي تربطها بثاتشر أكثر مما قد يكشفه هذا المسلسل الخيالي.

 

نظرا لأوجه القصور في تدريس التاريخ في هذا البلد، وندرة تدريس التاريخ البريطاني في أي مكان آخر في العالم، سيشاهد الكثيرون هذا المسلسل ويخلطون بين الخيال والحقيقة، الأمر الذي سيؤثر على رأي الناس بشأن التسوية الدستورية داخل هذا البلد وطريقة الحكم. قد لا تشكّل مثل هذه التفاصيل مصدر قلق لصانعي هذا المسلسل التلفزيوني، لكنها تهم الشعب البريطاني.


التعليقات