"الأجندة".. رواية سورية توثق زمن الحب والاغتيالات
- الجزيرة نت الخميس, 14 يناير, 2021 - 07:06 صباحاً

[ صورة للرواية في مقهى كتاب سراي بإسطنبول الذي يملكه المؤلف إبراهيم كوكي (الجزيرة) ]

تقدم رواية "الأجندة.. من الحب إلى الاغتيالات"، سردا توثيقيا لأهم الأحداث التي عايشتها المنطقة العربية عموما وسوريا على وجه الخصوص، عبر شخصيات روائية درامية نقلت القارئ إلى عمق الملفات التي ارتكزت عليها محاور الحدث السياسي في المنطقة خلال العشرية الأولى من القرن الحالي.

 

وتسعى الرواية لتوفير سردية مترابطة للأحداث الغزيرة في المنطقة، عبر الكشف عن الروابط للعلن وعدم إبقائها حبيسة معلومات المؤلف السوري إبراهيم كوكي الذي استغرقته كتابة "الأجندة" 6 سنوات حتى رأت النور عام 2020.

 

حاول المؤلف خلق شخصيات روايته من شخوص عاشت أحداثها في المجتمع، مثل حيدر ونهلة وسامر ومؤمنة، الذين ينقل كل واحد منهم القارئ إلى مجتمع يبدو قائما بذاته، متفاعلا مع محيطه بطريقة مستقلة، سعى كوكي في روايته لإبعاد صفة العشوائية عنها.

 

وفي حوار مع الجزيرة نت، عرض كوكي أسرار رواية الأجندة وقصة كتابتها، وأفصح عن هوية حيدر ونهلة وسامر ومؤمنة، وأخبر قرّاءه من هم؟ وما الذي يجسدونه في الرواية؟ ثم انتقل لشرح موقع روايته بين الغاية السردية والطبيعة الروائية؟ ولماذا استغرقته 6 سنوات من الكتابة؟ وصولا إلى دور الحالة السورية في خلق أدب روائي يستند لقصص الحب والحرب المتجددة.

 

محاور الرواية

 

تتناول رواية الأجندة التاريخ السياسي والديني لسوريا من عام 2000 حتى عام 2010، وتجري أحداثها في 3 محاور رئيسية، هي: اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، بكافة تفاصيلها وما دار قبل عملية التفجير وخلالها، ثم ما تلاها من لجان تحقيق محلية ودولية.

 

في هذا المحور يكشف كوكي تفاصيل عديدة عما تبع اغتيال الحريري من اغتيالات أخرى، ويقدّم القرائن التي تفسرها، وصولا إلى كشف تفاصيل الاغتيال الأكبر والخلايا التي عملت به، ويروي قصة السيارة التي سرقت لتنفيذ الاغتيال.

 

أما الملف الثاني الذي تعالجه الرواية، فهو الحالة الدينية في سوريا وعلاقتها بالنظام، وكيف استخدم النظام الإسلاميين في الدخول إلى العراق ثم العودة منه إلى سوريا، ودور المشيخات الدينية وجماعة القبيسيات في المشهد السوري، مرورا بأحداث نهر البارد وما جرى فيه عام 2007.

 

ويقدم كوكي في روايته توثيقا لخروج مقاتلي تنظيم "فتح الإسلام" من سجن صيدنايا قبيل اغتيال الحريري بـ15 يوما، ودخولهم إلى لبنان، ثم اختبائهم في المخيمات كنهر البارد والبداوي وعين الحلوة.

 

وفي الملف الثالث والأخير، تكشف الرواية تفاصيل عن استعصاء سجن صيدنايا، وتروي كل ما شهده من أحداث تمرّد السجناء عام 2008 بأدق التفاصيل المتعلقة بمواقف وأداء السجناء الإسلاميين واليساريين وكافة مكونات الأسرى.

 

شخصيات الأجندة

 

وتتنقل قصة الرواية بين 3 شخصيات رئيسية: الأولى نهلة، وهي فتاة علوية لها ارتباط بوزير الداخلية السوري الأسبق غازي كنعان، الذي قيل إنه انتحر بعد التحقيق معه في قضية اغتيال الحريري، وهو الذي كان يشغل منصب الحاكم العسكري السوري للبنان. نهلة هذه تقتل أو تختفي في ظروف غامضة وفقا لتفاصيل "الأجندة".

 

أما حيدر -وهو الشخصية الثانية في الرواية- فقد كان سجانا في سجن صيدنايا، وكان يهيم بحب نهلة، حتى أن الرواية قدمته بشخصية العاشق الولهان الذي يكتب الشعر الرومانسي ويجمع الورود، لكن خلف كل تلك الرقة في سلوكه مع المحبوبة كانت قسوة حيدر السجان تظهر عندما يتعامل مع الأسرى بكل قسوة ووحشية في سجن صيدنايا، إنه إنسان ذو شخصيتين، استخدمه المؤلف مدخلا إلى عالم السجن وأحداثه.

 

سامر هو الشخصية الثالثة التي تحظى بدور رئيسي في الرواية. كان سامر شابا دمشقيا يرتاد المسجد ويدرس في كلية طب الأسنان، حتى تم اعتقاله على خلفية تفجير لا علاقة له به عام 2006، ليصل به المقام إلى سجن صيدنايا، ويشهد كافة أحداثه، وصولا إلى الاستعصاء الشهير عام 2008.

 

أما مؤمنة، فهي فتاة كانت ترتاد الجامع أيضا لتعلم القرآن الكريم، وكانت والدتها شيخة القبيسيات في الغوطة الشرقية، وكان سامر يتطلع لخطبتها، والقبيسيات تنظيم صوفي نسائي ينشط في سوريا.

 

إلى جوار هذه الشخوص التي تنقاد خيوطها بطرق ما إلى سجن صيدنايا الذي أقام فيه الكاتب، كان يتحرك النقيب اللبناني وسام عيد محققا في ملف اغتيال الحريري، فيتابع التحريات ويجمع التفاصيل حتى كشف كامل خيوط الاغتيال، لكن الحقائق التي توصل لها طمست جميعا بمقتله في اغتيال مدبر، وفقا لما يقول المؤلف إبراهيم كوكي.

 

التوثيق والعقد

 

نحت الأجندة منحى سرد الأحداث الواقعية وتوثيقها في سوريا ولبنان ودول أخرى من المنطقة مثل العراق، أكثر من اقترابها من الجنس الأدبي، وفي هذا السياق يؤكد مؤلفها للجزيرة نت أنه استند إلى وثائق وشهادات حيّة جمعها بنفسه، مختارا أن يبتعد عن صيغة "الكتاب التوثيقي" لصالح الرواية، كي يحظى بحيوية التعامل مع المصادر كافة بأريحية دون أن يلقي عليها أعباء مسؤولية ما تقدّم من شهادات.

 

ويقرّ كوكي بصعوبة المزج بين الطبيعة الفنية والمنحى التوثيقي للرواية، لأن الجانب الروائي يأخذ القارئ لعالم إنساني تكسوه المشاعر وتغلفه الأحاسيس والأفكار المرتبطة بحوار الذات والصراع الدرامي الغني، بعكس الهدف التوثيقي القائم على سرد الأحداث بتواريخها الجامدة وشخصياتها، مضيفا أن "هذا كان عملا صعبا".

 

وتحمل الأجندة مجموعة من العُقد لكثرة الملفات التي تعالجها، والتي واجه كوكي تعقيدا حقيقيا في التوأمة بينها كما يقول، نظرا لتقاطعها في ذهنه وافتراقها على الورق، وهو ما تطلب كثير جهد في جمع الروابط وتشكيل العلاقات التي تمتزج فيما بينها لبناء النسيج الروائي المتماسك للأحداث.

 

ويقول كوكي إن هذه التعقيدات -فضلا عن الوقت الذي أمضاه في البحث عن المعلومات والتفاصيل والوثائق من المواد الفيلمية والإخبارية والكتب والتقارير الصحفية والحقوقية بغية الوصول إلى المعلومات، كانت جزءا من أسباب استغراق الوقت الطويل في إعداد الرواية والذي بلغ 6 سنوات من الكتابة.

 

ويضيف أن المرحلة الأولى من عملية البحث أنتجت سردا روائيا لتفاصيل مفككة، لكنها كانت نسيجا لحكاية واحدة في ذهن المؤلف.

 

ويشير إلى أن الكثير من الكتّاب حاولوا أن يمزجوا بين شمولية الحرب ومآسيها التي طالت الإنسان السوري بالقصف والقتل والتشريد والنزوح واللجوء، وبين التفاصيل البشرية المتعلقة بالحب والعلاقات الإنسانية، لكن أغلب هذه المحاولات -وفقا لكوكي- تناولت جوانب أحادية في هذا المزيج، ولم تتناوله بشمولية ملفات الثورة وكليّاتها كالتي حاولت الأجندة الخروج بها.

 

ولتحقيق ذلك، يقول كوكي إنه اشترط على نفسه قبل بدء الكتابة ألا يتطرق إلى الربيع العربي كي يقيد نفسه بما خلا الربيع من أحداث، متمنيا أن يجد الأدب الروائي السوري كتّابا يعالجون الحالة السورية بكافة تفاصيلها، "من سلميتها إلى نكستها، مرورا بعسكرتها وسياستها وأسلمتها وتدويلها، وكل ما تخلل ذلك من قصص إنسانية متعلقة بالحب والحياة".

 


التعليقات