المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى.. كيان يواجه التحديات في ظل متغيرات عاصفة (دراسة)
- عامر الدميني السبت, 12 ديسمبر, 2020 - 10:14 مساءً
المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى.. كيان يواجه التحديات في ظل متغيرات عاصفة (دراسة)

[ شعار المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى ]

يتصدر المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى واجهة الأحداث في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، بالنسبة لسكان المحافظتين.

 

تصدر المجلس حاليا فرضته العديد من الظروف والمتغيرات التي شهدتها وتشهدها محافظتي المهرة وسقطرى، لعل أبرزها التصعيد المستمر لمليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعمل بدعم وتواطؤ من كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان المنضويتان في تحالف عسكري منذ العام 2015، بهدف إعادة الشرعية للحكومة اليمنية، عقب الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي في اليمن في سبتمبر من العام 2014.

 

أضف إلى ذلك بروز ما يمكن وصفه بانحراف المجلس عن أهدافه المحددة، باعتباره وعاء يضم المهريين والسقطريين في كيان واحد، وتبنيه لقضيتهم، ومحافظته على السلم العام بالمحافظتين حتى لا ينزلق في أتون الصراع والفوضى، وتجلى هذا الإخفاق بعد سقوط محافظة سقطرى بيد مليشيا الانتقالي، وصمت قيادة المجلس عن تلك العملية، وكذلك المحاولات المستمرة لإسقاط المهرة بيد ذات المليشيا.

 

ظروف وبدايات التأسيس

 

تشكل المجلس في ظروف صعبة عاشتها اليمن، وتحديدا منذ العام 2011، وهو العام الذي انطلقت فيه الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح من الحكم، ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.

 

بدأ التفكير في المجلس منذ وقت مبكر، بسبب المتغيرات التي عاشتها اليمن، ونتيجة وجود خلافات قبلية واجتماعية في محافظة المهرة، وكذلك ضعف الأحزاب السياسية والمنظمات المتزامن مع التطورات السياسية في اليمن، وبالتالي كان التفكير بإيجاد كيان جامع لأبناء المهرة وسقطرى يتولى مهمة وحدة أبناء المحافظة ومتابعة القضايا والخلافات وحلها، سواء كانت ثأر أو خلافات قبلية معينة، لإخماد أي فتنة أو صراعات بين أبناء المحافظة، وكذلك تمثيلهم أمام الآخرين، وتوحيد قضاياهم ومعرفة همومهم ورفعها سواء للسلطة المحلية أو المركزية، إلى جانب اضطلاع المجلس في القضايا التي تهم المحافظة بشكل عام.

 

تأسيس المجلس بدأ من خلال نقاش مع عدة شخصيات من أبناء المهرة، يتمحور حول إنشائه، وتم تشكيل لجنة تحضيرية ترأسها الشيخ توكل ياسين، وهو أحد مؤسسي المجلس ورأس اللجنة التحضيرية أثناء فترة الإعداد والتحضير، وينتمي لبيت بلحاف المعروفة بمرجعيتها القبلية، كما يعد أحد أعضاء مجلس الشورى.

 

عقدت تلك اللجنة التي ضمت مشايخ من عدة قبائل عدة لقاءات مع العديد من الشخصيات تمهيدا لولادة المجلس الذي شهد عدة مراحل، حتى نضجت الفكرة، وبدأ المجتمع يتقبلها، وباتت حاجة مجتمعية ملحة. وفي شهر ديسمبر من العام 2011، جرى عقد لقاء عام حضره ممثلون من كل قبيلة بناء على حجمها المجتمعي، بالتنسيق مع القبائل والشخصيات في محافظة سقطرى، والذين يرتبطون مع نظرائهم في المهرة بروابط قبلية ومجتمعية سابقة منذ قرون.

 

وفي العاشر من يوليو 2012، عقد المجلس اجتماعه الأول بمدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة، وعرضت فيه الرؤية السياسية والوثائق الأخرى، وخرجت بقرار تشكيل المجلس العام برئاسة الشيخ عبد الله بن عيسى بن عفرار، الذي كان حينها متواجدا خارج المهرة منذ سنوات طويلة، على أن تقدم الوثائق بصورة نهائية في في اجتماع المجلس الذي تقرر انعقاده في السادس من أكتوبر 2012.

 

وعند عملية اختيار رئيس للمجلس جرى طرح اسم السلطان عبد الله بن عيسى بن عفرار رئيسا للمجلس، بحكم مكانة أسرته القبلية في المجتمع المهري، وتاريخها المعروف كأسرة حكمت المهرة كسلطنة لعدة قرون، قبل أن يتم الإجهاز على تلك السلطنة من قبل النظام السياسي الوليد في عدن عام 1967، وكذلك منعا للحساسية بين القبائل في حال اختيار أحد المشايخ من قبيلة معينة.

 

عقب ذلك الاجتماع جرى التواصل مع بن عفرار الذي كان متواجدا في الإمارات والسعودية، وعرضت عليه الفكرة، وأبدى موافقته، وحضر أول لقاء، وتم اختياره بالإجماع كرئيس للمجلس، ثم جاءت عملية اختيار أعضاء الهيئة التنفيذية للمجلس، وهي هيئتان الأولى في المهرة، والثانية في سقطرى، وتتكون من أكثر من خمسين شخصية، وتم اختيار الشيخ توكل ياسين رئيسا للهيئة التنفيذية، ثم اختيار أعضاء الأمانة العامة للمجلس، التي تتكون من عدة دوائر كالإعلام، والتنظيم والثقافة والشؤون الاجتماعية والمشاريع، ولها اجتماعات تعقد من لقاء آخر، ونفس التشكيلة في المهرة هناك ما يوازيها في سقطرى.

 

وفقا لم تم التوافق عليه يرأس رئيس الهيئة التنفيذية الاجتماعات الدورية للأمانة العامة، وينوب عن الرئيس إذا كان غير متواجد لسبب ما، ثم جرى استحداث إطار آخر في العمل التنظيمي للمجلس، من خلال تشكيل منظمة للشباب، وتعني بقضاياهم، وكذلك هيئة للمرأة، ثم إطلاق المرصد الحقوقي الذي يضم في عضويته قانونيين من الشباب المتخرجين في القانون، ويختص بالدفاع عن قضايا أبناء المحافظتين، ثم جرى تشكيل جمعية الطالب للاهتمام بالطلاب الجامعيين الدارسين في الداخل والخارج في المحافظتين.

 

وفي السادس من أكتوبر 2012، انعقدت الدورة الثانية للمجلس في الغيضة برئاسة عبد الله بن عيسى آل عفرار وحضور شخصيات ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية وقبلية، وبدأت منذ ذلك التاريخ مرحلة جديدة في مسيرة المجلس الذي يعد واجهة عامة لأبناء المهرة وسقطرى، وهو كيان لا يمكن تصنيفه كمنظمة مجتمع مدني، ولا جمعية خيرية، ولا واجهة سياسية، بل خليط من كل هذه، إذ تذوب مجمل التوجهات وتنصهر داخله، وتصب كل اهتماماته في صالح المهرة وسقطرى، وهما المدينتان اللتان ترتبطان بأواصر ومشتركات تاريخية وقبلية معروفة.

 

بل إن المجلس يعد في أهدافه خطوة تاريخية، إذا ما تم النظر لتاريخ الصراع الدموي الذي شهدته محافظة المهرة خلال العقود الماضية، كالحروب القبلية، والثارات والنزاعات التي كانت تنطلق من عقلية الاستحواذ والسيطرة ومحاولة الاستئثار بالنفوذ، خصوصا مع القبائل المجاورة كالسلطنات السابقة في حضرموت، على سبيل المثال.

                   

فالمجلس أخذ على عاتقه مهمة إنسانية واجتماعية، ومثل مرجعية قبلية وسياسية، واستطاع أن يذيب جميع الكيانات والأطراف القبلية والسياسية والاجتماعية في كيان واحد، بعد وضع العديد من الضوابط المنبثقة من لوائح اتفق عليها الجميع، وصارت ملزمة للجميع.

 

تطور الرؤية

 

سعى المجلس في السنوات الأخيرة لتشكيل هيئة استشارية من أبناء المهرة وسقطرى، ويرأسها رئيس المجلس، وتكون مهمتها قيادة العمل السياسي والمطلبي العام وفق رؤية معينة لتحقيق الأهداف المستقبلية التي وضعها المجلس، وتسمى الهيئة الاستشارية.

 

وتم إقرار رؤية سياسية لأبناء المحافظتين في الاجتماع العام، ولا زالت قائمة، وهي لائحة وتحتاج لتعديل بعض البنود فيها بسبب المتغيرات، ومن أبرز أهدافها المطالبة بايجاد إقليم خاص لأبناء المهرة وسقطرى، ضمن أي تركيبة للدولة اليمنية سواء كانت موحدة أو فيدرالية، وعدم التببعية لأي طرف آخر، بحكم الثقافة المميزة لأبناء المحافظتين، واللغة الموحدة، وهو مطلب يتمسك به المجلس، وكذلك عموم السكان في المحافظتين.

 

أصدر المجلس مجلة إعلامية تمثل رؤيته تجاه الكثير من القضايا، وسعى لنقل تلك القضايا التي وقف عندها إلى الأطراف المعنية، كرئيس الجمهورية الذي التقى قيادة المجلس مرتين، ورحب بفكرة تأسيسه، واعتبرها فكرة استباقية لم تأت بها محافظات أخرى، وفق حديث قيادات من المجلس التقت الرئيس هادي.

 

ثم جرى نقل أهداف ورؤية المركز على المستوى الخارجي عربيا ودوليا، من خلال اللقاءات التي أجراها رئيس المجلس بن عفرار مع جهات خارجية كمسؤولين في الأمم المتحدة، وقيادات حكومية في دول الخليج العربي أبرزها سلطنة عمان المجاورة للمهرة.

 

ويشعر المجلس بالحاجة لعملية غربلة جديدة في قياداته، وضخ قيادات جديدة مؤهلة، واستطاع أن يحشد الجماهير في محافظتي سقطرى والمهرة، وإشراكها في القضايا التي يتبناها، الذين يرون في المجلس كيانا يمثل واجهتهم الرئيسية ونافذتهم على العالم، ومتحدثا بلسان المطالب والحقوق التي تهمهم، سواء كان على مستوى الدولة اليمنية ككل، أو على مستوى الوضع في مدن جنوب اليمن.

 

الإطار السياسي للمجلس

 

في لقائه بمدينة الغيضة أقر المجلس وثيقة الثوابت السياسية بمدينة الغيضة، وهي الرؤية السياسية التي اعتمدها كمرجيعة في عمله، وتتكون من 22 مادة، وينطلق منها، وتعد بمثابة الميثاق الداخلي الذي يجسد رؤيته تجاه القضايا والأحداث.

 

 أول تلك الثوابت التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، والثانية محاربة كل الأفكار والممارسات المخالفة للدين الحنيف والأعراف الحميدة، ويخلو المجلس من أفكار الطائفية والحزبية، إذ نصت المادة الخامسة بنبذ العصبيات بكل أشكالها القبلية والحزبية والمذهبية والجهوية، ولكنه يعزز فكرة الانتماء للمهرة وسقطرى أكثر من أي أمر آخر، ويجعل هذا الانتماء أمرا مقدسا.

 

في تلك الرؤية تلمس نوعا من الحنين للماضي، وإعادة السلطنة السابقة لحكم آل عفرار، إذ تنص المادة 12 على الحفاظ على وحدة المهرة وسقطرى الجغرافية والسكانية على حدود 30 نوفمبر 1967 وعدم الاعتراف بأي خرائط أو إحداثيات تتعارض مع حدود عام 1967 المنشورة في بعض الكتب الصادرة من بعض الجهات الداخلية، حد وصفه.

 

وهو بهذا التوصيف يؤطر لنواة مصغرة تسعى للحصول على دولة قادمة في المهرة وسقطرى، تحت مسمى إقليم واحد معتبرا أن شكل الإقليم وحقوقه وصلاحياته وعلاقته بالدولة سيتحدد لاحقا، وترتكز رؤية المجلس على وجوب أن تنال المهرة وسقطرى حقها كإقليم واحد معتبرا أن المركزية في الدولة الواحدة بعد الوحدة أو الدولتين قبل التشطير لم تنصف المحافظتين، وهذا المطلب يكاد يكون محل إجماع لدى أبناء المهرة وسقطرى باختلاف توجهاتهم، وتقاطع مطالبهم، وتعدد مصالحهم، وسبق للمجلس إعلانه رفض الاندماج مع محافظة حضرموت في إقليم واحد وفقا لمخرجات الحوار الوطني.

 

 

وهذه الرؤية في الانزواء تنطلق من شعور قادة المجلس أن المهرة وسقطرى مرتا بعمليات انتقالية عديدة ومنعطفات تاريخية لم تحقق أي شيء للمحافظتين، وافتقدت للمصداقية والإرادة السياسية الحقيقية، وبالذات لدى النخب السياسية، الأمر الذي جعل تلك القيادات لا تقتنع بإمكانية تحقيق أي مصالح للسكان، في حال عدم وجود صيغة أفضل لشكل الدولة تضمن تحقيق العدل والمساواة، وتمنع إنتاج أي شكل سياسي مشابه لما جرى في الماضي.

 

ويتضح من المادة رقم 11 تمسك المجلس بهذا المطلب، وحصره تمثيل الإقليم المنشود على أبناء المهرة وسقطرى، إذ تنص المادة على "رفض وعدم القبول بأي طرف سياسي أو قبلي من خارج المجلس يقوم بتحديد مستقبل ومسيرة أبناء محافظة المهرة وجزيرة سقطرى أو يدعي تمثيلها بأي شكل من الأشكال".

 

المجلس وفق تلك الرؤية حدد ماهيته وطبيعته ككيان، ونصت المادة الخامسة عشرة من رؤيته بأن المجلس يعتبر هيئة مرجعية شعبية عامة معبرة عن طموحات وأهداف أبناء المهرة وسقطرى وفقا لما حدده النظام الأساسي والثوابت الأساسية للمجلس.

 

لكنه لم يتحدث عن مسؤولية الدولة تجاه المحافظة، وجعل الباب مفتوحا للقوى الخارجية تحت مسمى تقديم المساعدة للمحافظتين، وتضمنت المادة الثامنة عشرة إلزام كل قبائل وشرائح أبناء المهرة وسقطرى عدم الاعتراض أو منع أي جهات تكون مهمتها العمل على إقامة مصالح بمحافظة المهرة وجزيرة سقطرى، أو تقديم خدمات اجتماعية أخرى كالطرقات ومشاريع المياه والكهرباء والاتصالات وغيرها بما لايتعارض مع المصلحة العامة والبيئية، وهو بهذا النص يبرر للتدخل الخارجي ما دام ذلك التدخل سيقدم المساعدات للمحافظتين.

 

ويذهب المجلس إلى أبعد من هذا في علاقته بالدولة، التي تكاد تكون منعدمة في أدبياته، وتغيب مواد الولاء لها وفق تلك الرؤية، عندما جعل من نفسه ككيان المتصرف بثروات المحافظتين، وتنص المادة التاسعة عشرة من الرؤية السياسية على أن جميع الثروات في باطن الأرض وظاهرها في النطاق الجغرافي للمهرة وسقطرى والمحيط البحري ملك لكافة أبناء المحافظتين وللجميع الحق فيها والاستفادة منها والعمل.

 

واستنادا لرؤية المجلس السياسية فهو يطالب بمبادرة خليجية ثانية، تعيد رسم المشهد بين الشمال والجنوب وحوار برعاية خليجية بسبب أن الحوار بين الأطراف اليمنية المتعددة والمتناقضة قد لايفضي إلى نتيجة حاسمة، ويرى بأن وحدة الصف بين التيارات الجنوبية أمر يستحيل تحقيقه، ويعلق الأمل على دول الخليج لدعمه ماديا ومعنويا وكافة أشكال الدعم الممكنة ليتمكن من أداء دوره والنهوض الكامل بمسؤوليته.

 

ما الذي قدمه المجلس؟

 

وفق تصريحات قيادات في المجلس، فالمجلس ليس له دخل مالي ثابت، وكان الاعتماد عند التأسيس على مبالغ بسيطة مقدمة من القيادات القبلية المنضوية في إطاره، لكن مع استمرار المجلس، وتحركات قيادته وأعضائه بدأ الدعم المالي للمجلس يتوفر، على هيئة معونات عينية يجري توزيعها باسم المجلس، أو دعم مالي، وكانت أولى عمليات الدعم المالي تقدم من سلطنة عمان لتنفيذ مشاريع تنموية في المهرة وسقطرى، كترميم المدارس التي تعرضت للإهمال وفق عملية نزول ميداني، وكذلك تنفيذ مشاريع لتحلية المياه، وإصلاح الطرق التي تضررت بسبب إعصار لبان، كطريق تنهالن، بالإضافة لتقديم الدعم للفئات المحتاجة كالطلاب والأيتام والأسر الفقيرة، عبر إعانات شهرية استفادت منها ما يقارب 1100 أسرة تتسلم مستحقات شهرية منتظمة في كلٍ من المهرة وسقطرى، ثم إعانات مالية موسمية تقدم لمشايخ القبائل البارزين في المحافظتين خلال شهر رمضان أو الأعياد الدينية.

 

لكن العمل الذي كان أكثر لفتا للانتباه في طبيعة عمل المجلس هو عملية التجنيد التي قام بها المجلس لمجموعة من شباب المهرة عقب سقوط الدولة في صنعاء، وقبل مجيء القوات السعودية إلى المهرة في نوفمبر من العام 2017.

 

عمل المجلس على تجنيد ما يصل إلى 600 شاب، في مسعى لتأمين المحافظة أمنيا، بعد تراجع القبضة الأمنية للدولة، وتفكك القوات المسلحة، ومول المجلس عملية التجنيد من قبل الممكلة العربية السعودية، لكن الرياض تراجعت لاحقا عن تقديم ذلك الدعم، بفعل تأثير قيادات في الحكومة اليمنية على القرار السعودي كرئيس الوزراء السابق خالد محفوظ بحاح، الذي اعترض لدى الرياض على عملية التمويل، فتوقفت السعودية عن تقديم الدعم المالي.

 

اضطر المجلس للبحث عن داعم جديد يؤمن الراتب الشهري لتلك القوات التي جندها، وباتت تشكل قوة عسكرية تابعة له، وتعمل لحفظ الأمن، وكانت الوجهة البديلة هي سلطنة عمان، التي واصلت تقديم الدعم المالي للمجلس، ليضمن استمرار بقاء تلك القوات في مهامها ومواقعها.

 

جرى تخصيص معسكر لأولئك المجندين داخل مقر الأمن العام بقيادة عسكرية من أبناء المهرة، من خلال إشراف قيادات عسكرية وأمنية أشرفت على عملية تدريبهم وتأهيلهم، وتوزيعهم على سرايا أمنية، وقامت تلك القوة بدور كبير خاصة بعد الانفلات الأمني الذي حصل مع بداية الحرب في اليمن، من خلال تأمين الأسواق، وإقامة نقاط (حواجز) أمنية، والتمركز في المنافذ البرية للمحافظة، وظلوا في تلك المهام حتى تمكنت الأجهزة الأمنية من العودة وممارسة مهامها، وأصبحوا ينفذون مهام مشتركة مع قوات الأمن العام، ويتسلمون مبالغ رمزية من الجهات الحكومية، ويدفع المجلس العام مستحقات مادية من وقت لآخر تحت وصف إكرامية، لتحسين وضعهم المادي.

 

سعى المجلس لاحقا لتسجيل أولئك المجندين ضمن قوات الأمن العام في المحافظة، وحصل على موافقة بمنحهم أرقاما رسمية من وزارة الداخلية، لكنهم ظلوا مستقلين عن أجهزة الوزارة، ولم يتم ضمهم رسميا في مكوناتها الأمنية، لكن المجلس ظل يواصل دعمه، ويسعى لتسجيل دفعة تجنيد جديدة، في مسعى لخلق فرص عمل بديلة للشباب في المهرة، وكذلك لمواصلة تأمينها من أي محاولات تخريبية تستهدف أمنها.

 

وإضافة لهذه التحركات فقد كان للمجلس موقفا تجاه الكثير من القضايا التي وقعت في محافظة المهرة، كحادثة الأنفاق، والوجود السعودي، وكانت في مجملها منسجمة مع توجهات أبناء المهرة وسقطرى، غير أن ذلك تغير بشكل كلي كما ستوضحه هذه المادة.

 

علاقة المجلس بالسعودية

 

في البداية كان واضحا علاقة المجلس الجيدة بالمملكة العربية السعودية، وكانت تلك العلاقة تمتاز بالإيجابية وعدم التبعية الكاملة، ومرت تلك العلاقة بمراحل، أولها التعاون العام كالتمويل لبعض المشاريع، ثم مرحلة عدم الرضا خاصة مع حصول بن عفرار على الجنسية العمانية، ثم مرحلة التبعية ومحاولة تجيير المجلس لصالح أجندة الرياض.

 

ومنذ اللحظات الأولى للتواجد السعودي في محافظة المهرة سارع المجلس إلى إعلان الترحيب بالقوات السعودية، ورفض وصف تواجدها بالاحتلال، وهو التوصيف الذي أطلقه أبناء المهرة عليها، ويتضح ذلك من البيان الذي أصدره المجلس في العاشر من مايو 2018، معلنا في البيان ذاته رفض الاعتصامات والاحتشادات القبلية المناوئة للسعودية.

 

 

بيان هام تجاوبا مع ضغوطات الرأي العام بمحافظة المهرة التي طالبت قيادة المجلس العام بتوضيح ما تم تداوله من وجود تباينات...

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Thursday, May 10, 2018

 

وذلك البيان يعد أول موقف للمجلس، وجاء في بدايات تشكل القوى المناهضة للسعودية، وربما صدر بفعل تأثير الدعم السعودي السابق للمجلس، وفي وقت كانت الرياض لا تزال تسوق الوعود والأماني لدعم السكان في المهرة، ثم ما لبث المجلس أن دخل تدريجيا في حالة من الجمود مع الجانب السعودي، خاصة بعد حادثة الأنفاق الشهيرة، وبدأ نوع من الفتور في العلاقة مع الرياض لاحقا بشكل أكبر، فقد جاءت اعتصامات المناوئين للسعودية لتضع المجلس أمام اختبار حقيقي في علاقته بالرياض، وسعى المجلس إلى إيجاد تنسيق بينه وبين المعتصمين بقيادة الشيخ الحريزي، خصوصا أثناء مناقشة وإقرار النقاط الست التي جرى طرحها كحل وسطي بين الرياض والمعتصمين.

 

وسعى المجلس لإيجاد علاقة إيجابية مع الرياض لاحقا، لكنها لم تكن تدعو لعقد لقاءات خاصة مع قياداته، وانحصر الأمر على حضور اجتماعات مع الجانب السعودي والسلطة المحلية، خاصة مع ميول المجلس نحو مطالب المعتصمين، وتبني رئيسه بن عفرار لخطاب ينتقد الوجود السعودي، ثم حدث تطور ملفت تمثل باستمالة الرياض لابن عفرار من جديد، وكان لهذا تأثيره على قرارات المجلس ومواقفه، كما سيتبين لاحقا.

 

وفي مجمل القول فالرياض الطامحة لتحقيق السيطرة الكاملة بالمهرة لن تترك المجلس وشأنه، فهي تؤمن بمدى ثقله القبلي والاجتماعي، ولذلك سارعت لاحتواء عبد الله بن عيسى بن عفرار إلى صفها مجددا بعد أن تركته لسنوات بدون أي اهتمام، وبالتالي فإن تمسك السعودية بالمجلس سينشط كلما شعرت بالحاجة للبقاء في محافظة المهرة، وستتركه كلما أدركت عدم جدوى بقائها هناك.

 

منعطف جديد في مسيرة المجلس

 

ظل المجلس يعمل بنفس وجوهه وشخصياته، وانسجمت أهدافه مع تطلعات المهريين والسقطريين، واستطاع تحقيق الكثير من تطلعاتهم، لكن ذلك لم يدم طويلا، فقد أثرت الأحداث على الوضع العام في المهرة كباقي اليمن، جراء الوضع المتأزم في العام 2011، ثم اندلاع الحرب في 2015، كل ذلك دفع لمتغيرات جديدة أثرت على أداء المجلس، وتسببت بشرخ كبير في بنيانه، وهزت ثقة المجتمع به، ووضعته أمام تحديات داخلية وخارجية.

 

بدأ هذا الوضع مع التواجد السعودي في المهرة، حيث كان من المقرر أن يساند المجلس حق المناهضين للقوات السعودية، وانتشارها في المحافظة، باعتبار ذلك ضررا يطال شريحة كبيرة من السكان، الذين وجدوا أنفسهم في مقارعة عدو تاريخي، يريد الاستيلاء والاستحواذ والسيطرة على المحافظة.

 

بل إن المجلس ساند مطالب المعتصمين، ورفض وصفهم بالمهربين وفقا لتلك التوصيفات التي يطلقها الإعلام السعودي، وانخرط في مساع سلمية تضمن للمعتصمين حقهم في الاعتصام والتظاهر، وفقا لما ورد في بيان أصدره المجلس في الثامن عشر من نوفمبر 2018.

 

لكن الوضع تغير لاحقا وأدى هذا إلى خلق شرخ في جسد المجلس، فوقف حائرا تجاه ما يجري، وتارة يلتزم الصمت، وتارة يندد على استحياء، وبان الانقسام واضحا على مواقف أعضائه، بين صامت تجاه السلوك السعودي، ومناهض، ومتحيز، ولعبت هنا العديد من العوامل في التأثير على قرار المجلس وأعضائه، منها الدعم السعودي السابق للمجلس، وكذلك صعوبة التكهن فيما ستؤول إليه الأوضاع، خاصة مع الاتفاق المبدئي بين المعتصمين والجانب السعودي، فانقسمت رؤى المجلس تبعا لقناعات المشايخ المهيمنين عليه، ومن خلفهم القبائل التي ينتمون لها، والتي يتلقى أغلبها أموالا سعودية طائلة مقابل ولائهم.

 

وكانت المواقف التي بدت واضحة في رؤية المجلس تجاه المعتصمين والجانب السعودي، في بعض تصريحات رئيس المجلس عبد الله بن عيسى آل عفرار، الذي أعرب أكثر من مرة عن تساؤلاته من جدوى حضور السعودية وتوسعها العسكري في المهرة، وطالبها بالرحيل والخروج من المهرة، واحترام قناعات السكان، كما جاء في خطاب له بمحافظة المهرة في السادس من مايو 2018، لكن ذلك كان في بادئ الأمر، حيث عاد بن عفرار إلى المهرة متسللا من السعودية التي عانى فيها الكثير، وعقب منحه الجنسية العمانية التي ساهم حصوله عليها في تحفزه للتحدث بشجاعة.

 

وظهر بن عفرار متبنيا لنفس الرؤية التي طالب بها المناوئين للسعودية، وأصدر المجلس خطابا وجهه للقوات السعودية ورئيس الجمهورية، والسلطة المحلية تضمن ذات المطالب التي رفعها المعتصمون، كما أصدر عدة بيانات تنسجم في مجملها مع مصالح أبناء المحافظتين، وتدعوهم لليقظة والحذر من تأثيرات الصراع على وضعهم العام.

 

 

غير أن مواقف بن عفرار بدأت بالتغير تدريجيا كلما اتجهنا نحو المستقبل، وتزامن ذلك مع تواصل سعودي إماراتي معه لاستقطابه من جديد إلى صف الدولتين، وكذلك مع تعيين المحافظ راجح باكريت الذي حظي بدعم سعودي كبير، وسعى للسيطرة على المجلس من خلال استقطاب أبرز قياداته، وتعيينها في مناصب حكومية، وإغداق الأموال على بعضها، بغية شراء صمتها، حتى بات المجلس مجرد اسم لا أكثر، ولم يمض سوى وقت قصير حتى بدأ بن عفرار بالافتراق عن المعتصمين، ومشايخ القبائل المنضويين في الاعتصام المناهض للسعودية، والعودة التدريجية لأحضان الرياض، وكما تردد حينها فقد حصل بن عفرار على وعود سعودية إماراتية بإعادة أمجاد عائلته له، وتمكينه مستقبلا من حكم المهرة وسقطرى.

 

عزز بن عفرار مواقفه المبتعدة عن الإجماع المهري الذي يشكل الجلس العام أحد أعمدته بانخراطه مع توجهات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات، وجرى اختياره عضوا في هيئتة التأسيسية، وأبرز قيادته في المهرة، وكان على رأس المستقبلين لرئيس المجلس عيدروس الزبيدي عندما زار المهرة في الثامن والعشرين من أكتوبر 2017 وألقى خطابا بمدينة الغيضة.

 

المواقف تلاحقت، وساهم دعم الإمارات للمتمردين في محافظة سقطرى ضد الحكومة الشرعية، ومحافظ المحافظة رمزي محروس، في وضوح مواقف رئيس المجلس العام عبد الله بن عيسى آل عفرار، الذي لم يحرك ساكنا تجاه ما يجري، بل وتماهى مع أجندة الإمارات والسعودية، ودفع بمليشيا تتبعه للانخراط مع مليشيا المجلس الانتقالي لطرد الحكومة الشرعية، والسيطرة على مؤسسات الدولة، ولم يصدر عن المجلس أي بيان يندد بما يجري، وأسهم تواجده في جزيرة سقطرى خلال آخر تمرد استهدف الشرعية بالتعجيل بسقوطها بيد المتمردين، بسبب النفوذ الذي كان لا يزال يحتفظ به، مما جعله متورطا في التمكين لمليشيا الانتقالي وخلفها السعودية والإمارات، وطرد الحكومة الشرعية التي لطالما كان يردد بأنه مؤيدا لها ولمواقفها.

 

سقطت سقطرى بشكل نهائي، وغادر محافظها رمزي محروس عبر البحر، بعد أن ظل مصيره مجهولا لأيام، ثم وصل محافظة المهرة، وصارت سقطرى بشكل كلي بيد الإمارات والسعودية، وتديرها مليشيا الانتقالي، وانخرطت معها المليشيا التي كانت تدين بالولاء لابن عفرار.

 

ومع ذلك السقوط لسقطرى، غادر بن عفرار الجزيرة واتجه إلى المهرة، وتمركز هناك، وكان ذلك متزامنا مع تصعيد واضح للمجلس الانتقالي لإسقاط محافظة المهرة، وأعلنت قيادات المجلس عزمها السيطرة على المحافظة، تحت ذريعة التظاهر السلمي، مستغلة نشوة النصر الذي حققته في سقطرى، ولم يكن وقتها لابن عفرار وقيادة المجلس أي دور لمنع الانتقالي من إثارة الفوضى في المهرة، بل إن المجلس عقد اجتماعا استثنائيا برئاسة بن عفرار في السابع والعشرين من يوليو 2020 وخرج ببيان يرحب ضمنيا بحق المجلس الانتقالي في تنظيم فعاليته باعتبار ذلك حقا مكفولا ولايحق لأحد مصادرته أو منع ممارسته، بل إن البيان ذاته نال من الرافضين لفعالية المجلس الانتقالي عندما وصفهم بالمجاميع المسلحة، وهي إشارة للقبائل التي توافدت واحتشدت لمنع الانتقالي من تنظيم الفعالية، التي تعتبرها تلك القبائل مدخلا للسيطرة على محافظتهم، كما حدث في سقطرى.

 

 

الأمانة العامة للمجلس العام تعقد اجتماعأ استثنائياً المهرة - الغيضة برئاسة السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار رئيس...

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Monday, July 27, 2020

 

في هذه الأثناء بدأ الافتراق الكبير بين المعتصمين والقبائل وبن عفرار، فقد استشعر هؤلاء خطورة الدور الذي يلعبه بن عفرار، ومساعيه المستمرة في التمكين لمليشيا الانتقالي من السيطرة على المهرة، بالتنسيق مع السعودية والإمارات، وتنادى مشايخ المحافظة وعلى رأسهم الشيخ علي سالم الحريزي لاتخاذ موقف حازم تجاه ما يجري، وقطع الطريق أمام الأجندة الواضحة في إسقاط المحافظة بيد الانتقالي بدعم سعودي إماراتي، ونفذ الحريزي العديد من الزيارات الميدانية لمديريات المحافظة، والتقى بمشايخ القبائل، وبدأ حملة تجييش مجتمعية لمنع تكرار ما حدث في جزيرة سقطرى بالمهرة.

 

ولم تكن المواقف هنا رمادية، فقد أعلن الحريزي صراحة أن السلطان عبد الله بن عيسى آل عفرار لم يعد يمثل أبناء المهرة وسقطرى، واتهمه بالتواطؤ والوقوف خلف سقوط محافظة سقطرى بيد الانتقالي، وأعلن استعداده التام للقتال والتصدي لأي أجندة تسعى لتكرار سيناريو سقطرى في المهرة.

 

ودفعت هذه المواقف بن عفرار مستغلا رئاسته للمجلس العام إلى تنظيم عدة لقاءات مع قبائل ومكونات اجتماعية، كما حدث في لقائه بقبائل بلحاف في الغيضة في الثاني والعشرين من يوليو 2020.

 

 

المهرة : السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار يلتقي بشيوخ ووجهاء قبيلة بلحاف المهرة _ الغيضه *الأربعاء _ 22 _ 7_ 2020م* ...

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Wednesday, July 22, 2020

 

وسبق ذلك اللقاء لقاء بن عفرار مع من يوصفون بالسادة في العشرين من ذات الشهر، وكذلك وجهاء من قبيلة كدة، وجميع تلك اللقاءات هدفت للتحشيد لصالحه، ومحاولة التأثير على مواقف خصومه.

 

 

رئيس المجلس العام يستقبل وفد قبيلة بني هاشم (السادة) المهرة _ الغيضة *الإثنين _ 20 _ 7 _ 2020م* استقبل رئيس...

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Tuesday, July 21, 2020

 

لكن موقف الشيخ الحريزي وكثير من مشايخ المهرة كان قويا بما يكفي لحشر بن عفرار في زاوية ضيقة، وكشف تلاعبه أمام المجتمع المهري، ودفعت تلك المواقف المتصلبة للحريزي ورفاقه من المشايخ للكشف عن مواقف بن عفرار الحقيقية المساندة للتحالف العربي بقيادة السعودية، وظهر متناقضا في مواقفه، فبعد أن كان يدين التواجد السعودي في المهرة، ويطالب الرياض بالرحيل، ظهر في لقاء موسع في السادس من يوليو 2020 قائلا إن السعودية تقود تحالفا لمصلحة اليمن، وينبغي الالتفاف حولها، منتقدا من يصفها بالاحتلال، وأصدر بيانا باسم المجلس يجدد الدعم للسعودية وتحالفها، ويطالبها بتنفيذ مشاريع في المحافظة.

 

 

كلمة السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار رئيس المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى في اللقاء الموسع .الغيضة 2020/7/5

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Monday, July 6, 2020

 

وبدا واضحا مدى التغير في الطرح الذي يروج له بن عفرار، وهو طرح ينسجم مع التوجه السعودي، ويبتعد عن الإجماع المهري، مستغلا في ذلك ما يصفها بالوثيقة السياسية للمجلس، ويتضح ذلك من مخرجات اللقاء الموسع المنعقد في السادس من يوليو 2020، والذي خرج بتجديد شيوخ ووجهاء وأعيان المهرة تمسكهم بشرعية المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى برئاسة عبد الله بن عيسى آل عفرار.

 

 

بدعوة من المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى. لقاء موسع لشيوخ ووجهاء وشخصيات اجتماعية في محافظة المهرة للوقوف...

Posted by ‎المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى‎ on Monday, July 6, 2020

 

لكن الخرق بدأ يتسع، فقد تمكن المشايخ المناهضون للسعودية بقيادة الشيخ الحريزي من منع الانتقالي إقامة فعالية جماهيرية في مدينة الغيضة، وهي الفعالية التي كان يسعى من خلالها لاستعراض أتباعه، والتمهيد لإسقاط المحافظة على غرار ما جرى في جزيرة سقطرى.

 

قادت تلك التطورات الوضع في محافظة المهرة إلى وضع أكثر وضوحا، فقد بات بن عفرار في جهة، وبات أبناء المهرة في جهة أخرى، وبدأت هنا التساؤلات عن حقيقة أدوار بن عفرار، واستغلاله الزعامة القبلية في عائلته التي تحظى باحترام شريحة واسعة من أبناء المهرة، وكذلك تسخيره المجلس العام لمصلحة أجندته، وتعطيله من دوره الحقيقي، وإفراغه من الأهداف الرئيسية الواضحة، وكانت كل هذه الوقائع والاستنتاجات كافية للتحرك بحثا عن خيار أفضل لقطع الطريق بشكل تام في وجه بن عفرار، وإنهاء تماهيه مع السعودية والإمارات ومليشيا الانتقالي.

 

وفي هذه اللحظة فجر الحريزي ومن معه من مشايخ المهرة مفاجأة مدوية، تعد الأكثر دلالة في تاريخ المهرة، ومنعطفا هاما في حياة مواطنيها المعاصرين، وذلك من خلال اجتماع عدد من مشايخ المهرة وإعلانهم انتخاب الشيخ محمد عبد الله آل عفرار ممثلا لعائلة عفرار في المهرة، وكانت تلك رسالة واضحة لعبد الله عيسى، بأنه لم يعد مرغوبا في زعامة الأسرة، وأنه أخل بشروط العائلة وأعرافها، وخرج عن الإجماع الشعبي في المهرة، وكان ذلك في العاشر من يوليو 2020 بمدينة قشن التاريخية المعروفة برمزيتها كعاصمة قديمة لسلطنة آل عفرار، وفيها يتواجد قصرهم السلطاني الذي مارست الأسرة منه حكمها لعدة قرون.

 

كان اختيار الشيخ محمد عبد الله آل عفرار صفعة قوية لعبد الله بن عيسى، وظهر حينها متجردا من نقاط القوة التي كانت تميزه، وتكسبه شعبية واسعة داخل المهرة وخارجها، وجاء ذلك في ظل متغير كبير، وهو إقالة المحافظ راجح باكريت الذي بات حليفا لابن عفرار، وتعيين الشيخ محمد علي ياسر محافظا للمحافظة، وهو المعروف بسلوكه الإطفائي، وحرصه على التوافق والتوفيق بين أبناء المحافظة.

 

تلك الإقالة من قيادة العائلة كانت تعني الكثير بالنسبة للقوى المناهضة للسعودية، ولعبد الله بن عيسى أيضا، فعملية اختياره رئيسا بالإجماع كونه زعيم عائلته لرئاسة المجلس العام تعني أن تجريده من تلك الصفة لم تعد سوى مسألة وقت فقط.

 

وخلال شهر نوفمبر من العام 2020، بدأت قبائل في المهرة على رأسها الشيخ الحريزي تدعو لتصحيح المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، وانتخاب قيادة جديدة له، وترافق ذلك مع الدفع بشخصية الشيخ المنتخب محمد عبد الله آل عفرار إلى الواجهة ليتصدر زعامة عائلته، وكذلك زعامة المجلس العام، وهي خطوة هدفت لإقصاء عبد الله بن عيسى من المشهد العام في المهرة وسقطرى بشكل كلي، وتجريده من كل عوامل القوة، بما يفقده التحرك الشعبي، وعوامل التأثير، ويقطع الطريق أمام الأجندة السعودية الإماراتية التي كان يسعى لتحقيقها، وجرى استخدامه كيافطة لتنفيذها.

 

هذه الخطوة جعلت المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى يعود من جديد إلى الواجهة، وبدأ الاهتمام يتعاظم بأهمية تحصينه من الخروقات والولاءات العابرة لحدود المحافظة، وإعادة الاعتبار إليه ككيان يعمل وفق تطلعات ومصالح المهريين والسقطريين.

 

لكن المجلس الذي لا تزال هيمنة عبد الله بن عفرار واضحة عليه يرفض كل هذه التحركات، وأعلن تمسكه بقيادة بن عفرار، رافضا أي محاولات جديدة لإزاحته من المشهد، كما جاء في بيان للمجلس أصدره في الحادي عشر من نوفمبر 2020.

 

سيناريوهات المستقبل

 

من الواضح وفقا للمعطيات الحالية أن المجلس يتجه لإعادة هيكلته، أو كما يصفها المتحمسون لذلك بعملية التصحيح، وهي خطوة تهدف كما أسلفنا لإيجاد متغير جديد، بعد الاتهامات الموجهة لرئيس المجلس عبد الله بن عيسى آل عفرار.

 

هذه الخطوة إن كتب لها النجاح فستمثل بداية لمرحلة جديدة، يستعيد أبناء المهرة من خلالها مكانة المجلس، ودوره المناط، وتجنبه عن الحال الذي وصل إليه من الجمود والتحيز، والوقوع ضحية للأجندة الخارجية.

 

عملية التصحيح هذه تحتاج لإجماع مشايخ المهرة وسقطرى، وهذا الإجماع قد لا يتحقق في ظل الانقسامات القائمة بسبب الاستقطاب المستمر للسعودية لكثير من المشايخ، مما قد يؤدي لإحداث شرخ، وتتوسع حدة الانقسام أكثر، وبالتالي إما أن يتجه المجلس لعملية تصحيح كاملة بما يضمن تصعيد وجوه جديدة، بمن فيهم السلطان الجديد محمد عبد الله آل عفرار، أو ستؤول إلى إصلاحات جديدة في هيكل المجلس، بما يجنب المجلس الوضع السابق، مع ضمان انسجام عبد الله بن عيسى بالإجماع المهري، أو قد تذهب نحو إنشاء كيان موازي للمجلس، أو أنها قد تتعثر كليا، وهو احتمال ضعيف، قياسا بحجم الاستعدادات الجارية لحسم هيكلة المجلس من قبل المناوئين للوجود السعودي.


التعليقات