الوحدة اليمنية في ذكراها الـ31.. تحديات متراكمة ومصير غامض (تحليل)
- عبد السلام قائد الإثنين, 24 مايو, 2021 - 08:24 مساءً
الوحدة اليمنية في ذكراها الـ31.. تحديات متراكمة ومصير غامض (تحليل)

[ تتعرض الوحدة اليمنية لمؤامرات أجنبية وسط انقسامات داخلية وحرب أهلية تدخل عامها السابع ]

تأتي الذكرى الـ31 لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية، والبلاد في حالة من التمزق والتشرذم والضعف، بينما تحظى مطالب انفصال جنوب اليمن بدعم سعودي وإماراتي مكشوف بالمال والسلاح والتدريب العسكري، يقابله إضعاف متعمد للسلطة اليمنية الشرعية والمكونات المساندة لها والتي تشدد على مسألة استمرار الوحدة، ويبدو أن السلطة الشرعية استمرأت هذا الإضعاف، ولم تتخذ أي خطوات عملية لإعادة هيكلة علاقتها بالتحالف السعودي الإماراتي، خصوصا ما يتعلق بموقف التحالف من الوحدة اليمنية، ومدى جديته في القضاء على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن.

 

ونتيجة لتراكم التحديات التي تواجه الوحدة اليمنية، فقد أصبح انفصال جنوب اليمن من الناحية العملية شبه واقع، ولم تعِق اكتماله سوى التعقيدات القانونية والخلافات بين المكونات السياسية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية حول مشروع الانفصال، والتفاف الكثير منها حول الوحدة، والرفض الشعبي لما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي أن يكون هو المهيمن الوحيد على الجنوب بدعم إماراتي.

 

تراكم التحديات والأزمات

 

تواجه الوحدة اليمنية العديد من التحديات والأزمات المتراكمة، في ما يلي أبرزها:

 

- غياب السلطة المركزية القوية: يُعد غياب السلطة المركزية القوية معضلة مزمنة يعاني منهم اليمنيون منذ القِدم، وهذه المعضلة أثّرت على وحدة البلاد، لأن ضعف السلطة المركزية يغري الجماعات الانفصالية والأطراف الطامعة بالسلطة بالانفصال. ﻭﺍﻟﻤﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺣﻘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ، ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺩﻭﻝ ﺃﻭ ﺩﻭﻳﻼﺕ ﻭﺍﺧﺘﻔﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ، ﺳﻴﺠﺪ ﺃﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻠﻬﺎ، ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺬﺭﻳﻌﺔ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻑ، ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﺃﻭ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﻟﻠﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻮﺩﻩ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﺪﺓ ﺩﻭﻳﻼﺕ ﻳﻤﻨﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ وبعد ظهوره.

 

- تراكم الانقسامات المناطقية والطائفية: أثّر غياب السلطة المركزية القوية على تراجع الهُوية الوطنية الجامعة وتنامي الهويات الفرعية (طائفية ومناطقية وقبلية)، وتحول تراكم بروز هذه الهويات إلى انقسامات عميقة في زمن الحروب الأهلية، وشكل ذلك منفذا للاختراق والتدخل الأجنبي، وأيضا تنامي النزعات الانفصالية، ولم تعد مطالب الانفصال تنحصر على انفصال الجنوب عن الشمال، وإنما هناك تلويح بانفصال محافظتي حضرموت والمهرة عن الجنوب في حال انفصل الجنوب عن الشمال، ما يعني أن انفصال جنوب اليمن في حال حدوثه سيتسبب بمشاريع انفصال أخرى، وتناسل حروب أهلية عنيفة وأزمات سياسية لا نهاية لها.

 

- تنامي الاضطرابات السياسية والاجتماعية: بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية السائدة في البلاد، خصوصا في المحافظات الجنوبية، عادت الثارات ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ نتيجة ﻟﻔﺸﻞ السلطات المركزية قبل الوحدة وبعدها في تحقيق التنمية والاستقرار وإنهاء الصراعات على السلطة، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﺣﺪﺍﺙ 13 ﻳﻨﺎﻳﺮ 1986 ﺫﺭﻭﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ، ﻭﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺷﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ، ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺃﺕ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2007، ﻓﻲ ﺭﺩﻡ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ.

 

كما أن حرب صيف 1994، وتداعياتها الكارثية التي لحقت بعدد كبير من الموظفين المدنيين والعسكريين الجنوبيين الذين أحيلوا إلى التقاعد، والمظالم التي حدثت لبعض الفئات بسبب نتائج تلك الحرب، كل ذلك جعل مطالب الانفصال تلقى قبولا لدى بعض الفئات بسبب الممارسات الخاطئة التي حصلت من قبل النظام الحاكم، بينما المتضررون منها حمّلوا وزرها الوحدة، ومع بروز مظالم جديدة بعد انهيار النظام السابق، وسيطرة مليشيات قروية ومناطقية على بعض المحافظات الجنوبية، تسبب ذلك بخلط الأوراق، وتراجعت مطالب الانفصال.

 

لكن الفئات الاجتماعية التي تتبنى مطالب الانفصال تحظى بدعم سعودي وإماراتي بالمال والسلاح، وصار لديها مليشيات عنيفة، وهذا يهدد الوحدة بين الجنوبيين أنفسهم أكثر مما يهدد الوحدة بين الجنوب والشمال.

 

- تآمر بعض دول الجوار على الوحدة اليمنية: بدأ تآمر بعض الدول الخليجية على الوحدة اليمنية منذ ما قبل إعادة تحقيقها عام 1990، وكان ذروة ذلك عندما اشتركت السعودية في مؤامرة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وتمت عملية الاغتيال قبل ثلاثة أيام من اعتزام الحمدي الالتقاء بقيادة الشطر الجنوبي في قعطبة وإعلان الوحدة من هناك حيث الحدود الشطرية بتاريخ 14 أكتوبر 1977، ليتزامن ذلك مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة.

 

ثم برزت المؤامرة على الوحدة بوضوح أثناء حرب صيف 1994، حيث كانت السعودية ودول خليجية أخرى من أبرز المساندين للانفصال. وبعد الانقلاب الحوثي وتدخل التحالف السعودي الإماراتي عسكريا في البلاد بذريعة مساندة السلطة الشرعية ضد الانقلاب، انتقل دعم مطالب الانفصال إلى مرحلة متقدمة، من خلال التواجد العسكري على الأرض، وتشكيل مليشيات انفصالية ودعمها بالمال والسلاح والتدريب العسكري، والتهيئة العملية للانفصال من خلال إضعاف السلطة الشرعية وشيطنة القوى السياسية الوحدوية، وأيضا اغتيال القيادات السياسية والضباط والأكاديميين وعلماء الدين المساندين للوحدة.

 

- غياب الدور الإقليمي المساند للوحدة: من المؤسف أن السلطة اليمنية الشرعية لم تتحرك بحثا عن حلفاء آخرين بعد حالة الخذلان والتآمر المنحط من قبل التحالف السعودي الإماراتي على البلاد ووحدتها وسيادتها وحكومتها الشرعية والمكونات السياسية والمجتمع اليمني عموما، ولذا فإن غياب الدور الإقليمي الفعال المساند للوحدة اليمنية جعل الباب مفتوحا على مصراعيه للعبث السعودي والإماراتي في البلاد، ووصل الأمر لدرجة تعطيل الموانئ والمطارات وإنشاء السجون السرية والاغتيال والإخفاء القسري بحق كل من يرفض الدور التخريبي للتحالف ويرفض الانفصال، والضغط على السلطة الشرعية لإقالة أي مسؤول ينتقد التحالف ويهاجم الانفصاليين ويشدد على ضرورة بقاء الوحدة الوطنية.

 

- التمدد الحوثي والاختراق الإيراني: إن تمدد الحوثي في المحافظات الشمالية وترسيخ سيطرته هناك بدعم من إيران، ونزوع مشروعه نحو الطائفية والسلالية، يجعل من مشروع الانفصال أشبه بالأمر الواقع، كون الانفصال تم عمليا من قبل سلطات الأمر الواقع الحوثية في الشمال، وبالتالي ما على الجنوبيين إلا ترتيب شؤونهم، وهذا يتم بتواطؤ من قبل التحالف السعودي الإماراتي، الذي حرص على عدم القضاء على الانقلاب الحوثي بهدف التفرغ لتمرير مشروع الانفصال بسلاسة، كون ذلك لن يتم إلا من خلال إطالة أمد الحرب، وتقوية المليشيات الانفصالية تدريجيا وتوسيع سيطرتها حتى تشمل كل المحافظات الجنوبية.

 

والغريب أن التحالف، خصوصا السعودية، لم يتنبه للأخطار التي ستنجم عن ذلك، لأن الانفصال ﺳﻴﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻗﻮﺓ ﻣﺬﻫبية ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﺌﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﻮﺣﺪ، ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﺩﻭﺭﻫﻢ ﻭﻫﻴﻤﻨﺘﻬﻢ، ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ ﺩﻭﻟﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻹﻳﺮﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻖ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻮﻥ، ﻭﺳﺘﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻄﺮ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﺗﻬﺪﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻘﻂ.

 

 ما مصير الوحدة اليمنية؟

 

يرتبط مصير الوحدة اليمنية بالسلطة المركزية للدولة ذاتها، فكلما كانت السلطة المركزية قوية فإن الوحدة اليمنية ستظل صامدة، وكلما ضعفت السلطة المركزية واعتراها الوهن والضعف فإن البلاد مصيرها التفكك والتمزق والانهيار، سواء بقيت الوحدة على حالة من الهشاشة بسبب التعقيدات القانونية وتعدد القوى المتصارعة، أو انهارت تماما وتمزقت البلاد إلى دويلات صغيرة وضعيفة.

 

وبناء على المعطيات الحالية والتوازنات العسكرية على الأرض والدعم السعودي الإماراتي لمشروع الانفصال والمزاج الشعبي الرافض في أغلبيته للانفصال، فإن مصير الوحدة اليمنية، رغم غموضه، لكنه لن يخرج عن نطاق احتمالين: الأول، وحدة فيدرالية هشة تمهد للانفصال إلا إذا أعيد توزيع الأقاليم بشكل يختلف عن طريقة توزيعها بحسب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بشرط تشكيل أقاليم متداخلة تضم محافظات جنوبية وشمالية، لتحصين الوحدة (الفيدرالية) من الانهيار في أي لحظة.

 

والاحتمال الثاني، إعلان الانفصال واشتعال حروب بينية متداخلة بين القوى الوحدوية من شمالية وجنوبية من جهة وقوى الانفصال من جهة ثانية، واحتمال تدخل دولي جديد متعدد الأهداف لصالح هذا الطرف أو ذاك، وقد يوفر ذلك ملاذا للجماعات الإرهابية وإحياء الثارات المناطقية والقبلية، وفي الأخير حسم المعركة لصالح الوحدة بمساندة أجنبية والتفاف شعبي من أجل الحفاظ على أمن واستقرار اليمن والإقليم، كون تمزق البلاد إلى دولتين أو أكثر سيجعل البلاد في حالة حرب واضطراب سياسي واجتماعي بلا نهاية.


التعليقات