[ دخلت السعودية حرب اليمن بتحالف من عشر دول ]
قبل أيام، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا للباحثة في معهد كوينسي، أنيل شيلاين، قالت فيه إن "الحوثيين في اليمن قد انتصروا (على السعودية)، وعلى إدارة جو بايدن الاعتراف بهذا الواقع، وأنها لا تستطيع الإملاء على المنتصر"، وذكرت أن تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن"، التي أشار فيها إلى أن "السعوديين يواصلون جهودهم المثمرة لإنهاء الحرب"، تعبر عن الموقف الرسمي الأمريكي مع أنها تفصح عن قلة المعلومات أو ترفض الاعتراف بالواقع على الأرض المتمثل في "هزيمة الحوثيين للسعودية".
ما سبق مجرد مثال على التداولات الإعلامية في الغرب، والتي عادة تتحدث عن فشل التدخل العسكري السعودي في اليمن، وهذا الفشل تعده وسائل الإعلام الغربية والحكومات هناك هزيمة للسعودية ونصرا للحوثيين، كما أن التناولات الإعلامية الغربية تتخذ من حديث السعودية عن رغبتها في إنهاء الحرب في اليمن وتحقيق السلام دليلا إضافيا على ضعف المملكة وهزيمتها أمام الحوثيين، وسط تساؤلات حول ما الذي جعلها في ذلك الموقف الهزيل رغم أنها من أكثر دول المنطقة شراء للأسلحة والإنفاق العسكري؟
• ما أسباب الفشل؟
لم يكن فشل التدخل العسكري السعودي في اليمن، منذ أكثر من ست سنوات، انعكاسا حقيقيا لطبيعة المعركة وموازين القوة بين أطراف الصراع المختلفة، بل فالمعركة، من الناحية الواقعية، تبدو غير متكافئة، نظرا للتفوق العسكري السعودي الذي يقابله التسلح المحدود لمليشيات الحوثي كمليشيات بدائية، بصرف النظر عن مدى كفاءة العنصر البشري للمملكة، ولكن يعود ذلك الفشل إلى عدة عوامل تعكس أزمة عميقة في العقل الإستراتيجي السعودي، تحولت إلى نهج مزمن لا يمكن تغييره، إلا في حال حدوث تحولات إقليمية كبرى وصدمات متتالية تتعرض لها المملكة الرابضة على بحيرة هائلة من النفط تثير أطماع وخلافات أجنحة العائلة الحاكمة أكثر مما تثير أطماع القوى الدولية المتصارعة على المصالح والنفوذ.
وفيما يلي أبرز أسباب فشل السعودية في حرب اليمن وعدم قدرتها على هزيمة الحوثيين:
- الإدارة بالمؤامرات: لعل أبرز عقدة ابتليت بها السعودية أنها في سياستها الخارجية ما زالت تعيش أجواء ومخاوف حقبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ويتمثل ذلك في تقديم "المؤامرات" لتفكيك وإضعاف دول المنطقة على "المصالح العليا" للمملكة، وبالتالي فهي غير جادة في حسم الحرب في اليمن، كون استمرار الحرب يضعف الدولة اليمنية، ويباعد بينها وبين التنمية والاستقرار، وهو ما تريده السعودية لليمنيين.
أما سياسة "المؤامرات" على دول المنطقة، كسلوك سعودي غير منضبط وغير أخلاقي ولا يراعي متطلبات الجوار والمصالح المشتركة، فمنشؤه أن الدول الغربية الكبرى جعلت من السعودية مجرد وكيل إقليمي لتفكيك مراكز النفوذ العربية، باعتبارها تهدد أمن واستقرار المملكة، فتآمرت السعودية على الوحدة المصرية-السورية، وحاربت ثورات التحرر العربية، وساهمت في إضعاف مصر (عبد الناصر) وعراق (صدام حسين)، وظلت تعمل على عرقلة مساعي تحقيق الوحدة اليمنية، وبعد تحقيقها عام 1990 ظلت تعمل على دعم مطالب الانفصال، وبذلك فهي تدعم استمرار الحرب الحالية لإضعاف البلاد وتمزيقها، بصرف النظر عن مناوراتها بخصوص التوجهات الدولية لإنهاء الحرب في اليمن.
ولولا المخاوف من أن تستفيد إيران والحوثيون من تفكيك الجبهة المناوئة للانقلاب الحوثي وإطالة أمد الحرب، لكان اليمن الآن قد تمزق إلى دويلات ضعيفة متناحرة لكلٍّ منها حدودها وترتيباتها المختلفة، وستتلقى كلها الدعم بالمال والسلاح من السعودية والإمارات، خصوصا أن حالة الانقسام المكشوفة التي يشهدها المجتمع اليمني، وقابلية بعض الفئات العنصرية والطائفية للعمالة للخارج والارتزاق، شكل ذلك دوافع مغرية للعبث السعودي الإماراتي في اليمن.
- الميراث المخيف للربيع العربي: تدخلت السعودية والإمارات في اليمن عسكريا وهما محملتان بالميراث المخيف لثورات الربيع العربي، خصوصا ثورة 11 فبراير 2011 في اليمن، التي كان لها صداها في عواصم بلدان النفط المجاورة لليمن، ومع فشل محاولات احتواء الثورة عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، كان خيار عسكرة الثورة يتم التخطيط له بوتيرة عالية. وبعد اندلاع الحرب وتدخل السعودية والإمارات عسكريا في البلاد، حرصت الدولتان على تحويل اليمن إلى مسرح لإفراغ أحقادهما على ثورات الربيع العربي، والحرص على أن يصل اليمن إلى أسوأ حالات الانقسام والتدهور المعيشي والاحتراب الأهلي والفوضى الشاملة، ليصير نموذجا تخيف به الدولتان شعوبهما من مآلات الثورات الشعبية ضد الحكام، أي تحصين كرسي الحكم من خلال نشر ودعم استمرار الحرب والفوضى في اليمن.
- العمل بنظرية "منح الحرب فرصة": تتعمد السعودية إطالة أمد الحرب في اليمن عملا بنظرية "منح الحرب فرصة"، ولو كانت جادة في القضاء على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن، فإنها تستطيع الاكتفاء بتقديم الدعم اللازم للجيش الوطني واستغلال نفوذها لتوحيد مكونات المجتمع اليمني الرافضة للحوثيين كافة والدفع بالجميع في معركة استعادة الدولة، لكنها تعمل على إطالة أمد المعركة لإضعاف كل مكونات المجتمع اليمني لتهيئة الظروف الملائمة لتكرار سيناريو الاستيلاء على نجران وجيزان وغيرها، للاستيلاء هذه المرة على محافظة المهرة وربما أجزاء من محافظة حضرموت وأرخبيل سقطرى لتأمين طريق بري لصادراتها النفطية، إثر التهديدات المتزايدة من إيران بإغلاق مضيق هرمز واستخدامه "ورقة" للابتزاز ضد جيرانها والمجتمع الدولي.
الخلاصة، تعمل السعودية على إطالة أمد الحرب في اليمن لخشيتها من ترتيبات ما بعد الحرب في حال الحسم المبكر للمعركة، فهي لا تريد القضاء مبكرا على الحوثيين حتى لا يستفيد من ذلك حزب الإصلاح المصنف ضمن قوى ثورات الربيع العربي وجمعها به تحالف الضرورة، كما أن التسريع بالحسم العسكري سينتفي معه مبرر استمرار تواجدها العسكري المكثف في محافظة المهرة شرقي اليمن، لذلك فهي ترى أن الحرص على استمرار الانقلاب الحوثي في هذه المرحلة يمثل خدمة كبيرة لها أكثر مما يخدم إيران، خصوصا أن الهجمات التي ينفذها الحوثيون بواسطة صواريخ باليستية وطائرات مسيرة على أراضيها لا تشكل تهديدا يُذكر على الجيش السعودي ومخازن أسلحته أو البنية التحتية لاقتصاد المملكة.