دلالات اغتيال اللواء ثابت جواس.. قراءة في الشخصية والمكان والتاريخ (تحليل)
- عامر الدميني الخميس, 24 مارس, 2022 - 12:25 صباحاً
دلالات اغتيال اللواء ثابت جواس.. قراءة في الشخصية والمكان والتاريخ (تحليل)

[ اللواء الركن ثابت جواس ]

أعاد مقتل اللواء الركن ثابت مثنى ناجي جواس قائد محور العند قائد اللواء 131 مشاه إلى الأذهان سلسلة الاغتيالات التي شهدتها محافظة عدن خلال السنوات الماضية، والتي خلفت العديد من الخسائر، وقائمة طويلة من الشخصيات السياسية والعسكرية والاجتماعية وأئمة المساجد الذين رحلوا منذ إعلان عدن مدينة محررة من الحوثيين في العام 2015م.

 

تقع عدن اليوم تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتحكم بالمدينة عبر مجموعة من التشكيلات الأمنية التابعة له، والتي تحظى بالدعم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وهما الدولتان اللتان يتواجد جنودهما بالمحافظة، وتقودان العمليات العسكرية للتحالف العربي.

 

من هو جواس؟

 

ينتمي جواس لمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، وولد في حبيل السبحة بمديرية حبيل جبر عام 1948، وألتحق بالقوات العسكرية في دولة الشطر الجنوبي من اليمن، وتدرج فيها حتى أصبح قائدا لأحد كتائب اللواء الرابع عشر مدرع، ثم عين قائدا للواء باصهيب واستمر في مهامه حتى حرب صيف 94م، التي لعب فيها أدواراً بارزة، وتم تقليده وسام الوحدة اليمنية.

 

واندمج لاحقا في الوحدات العسكرية للدولة الجديدة، وكان أحد القادة العسكريين التابعين للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية التي كان مقرها في الفرقة الأولى مدرع بالعاصمة صنعاء، تحت قيادة اللواء على محسن صالح.

 

وعند اندلاع التمرد الأول لجماعة الحوثي كان جواس أحد القيادات العسكرية التي قاتلت ببسالة لإخماد ذلك التمرد الذي انتهى بمقتل زعيم التمرد حسين الحوثي، وتشير المعلومات إلى أن جواس كان له إسهاما بطوليا في القضاء على قائد التمرد.

 

عقب ذلك عُين قائداً للواء 15 مشاه في مديرية عبس بمحافظة حجة، حتى العام 2011م، وعندما نفذ الحوثيون انقلابهم في العاصمة صنعاء بمشاركة حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتمددوا نحو العاصمة عدن، أصدر رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي قرارا بتعيين جواس قائداً لقوات الأمن الخاصة في عدن عام 2015، بدلاً عن العميد عبدالرحمن السقاف الذي تورط في مساندة الحوثي وصالح آنذاك.

 

وعقب تحرير عدن عين جواس قائداً لمحور العند، ومع انقلاب الانتقالي في عدن ظهر جواس مؤيدا للمجلس الذي سيطرت قواته على مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية بالمدينة، وظل في منصبه حتى مقتله بعملية إرهابية في الثالث والعشرين من مارس 2022م.

 

تشير مسيرة الرجل لانتمائه للمؤسسة العسكرية، وتدرجه في مواقعها، ما أهله ليكون شاهدا على مختلف المحطات المفصلية في تاريخ اليمن، سواء في عهد الشطرين، أو في ظل الدولة الواحدة، مرورا بكثير من الأحداث والمنعطفات التي مر بها البلد بشكل عام، وتلك ميزة ذاتية في الرجل، الذي كان ضمن كوكبة من الضباط ينتمون لهذه العينة وتناقصوا كل يوم بفعل الحرب الجارية في اليمن، وما تخللها من عمليات تصفية لكثير من القيادات العسكرية.

 

ارتياح حوثي

 

اغتيال جواس يعد أرفع عملية تطال قائدا عسكريا هذا العام، ومثلت فاجعة جديدة، مكتسبة رمزية أكبر، بحكم تاريخ الرجل ومشاركته في إخماد التمرد الأول لجماعة الحوثي الذي قاده مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، وانتهى بمصرعه في مدينة صعدة عام 2004، وهي المعركة التي مثلت أولى عمليات التمرد للحوثيين، وانتهت بانقلابهم المشؤوم في العام 2014م.

 

لم يصدر عن الحوثيين ما يؤكد تبنيهم لعملية الاغتيال، ولكن العملية حظيت بترحيب واسع من قبل قيادات ونشطاء الجماعة، الذين اعتبروا مقتل جواس انتقاما إلهيا لزعيمهم، بل عمد البعض منهم للإساءة إليه بألفاظ نابية، وعبارات تشف.

 

ولكن البيانات الصادرة عقب الجريمة أشارت إليهم بوضوح، وهي بيانات صدر عن رئيس الجمهورية، ونائبه، ورئيس الحكومة، ومدير أمن عدن، وبيان مشترك لوزارة الدفاع وهيئة الأركان.

 

بالنسبة للحوثيين فذلك يعني الخلاص من أحد الشخصيات التاريخية التي ظلوا ينظرون لها بترقب، ويتحينون الفرصة للنيل منها، وأخفقوا في ذلك خلال وصولهم لمدينة عدن عقب اجتياحهم لها، ولذلك ينظر الحوثيون لرحيله بارتياح كبير.

 

فشل للانتقالي

 

والتساؤلات التي تنشا هنا تتمحور حول الجهة التي نفذت عملية الاغتيال في عدن، فالعملية نفسها تحمل بصمات عمليات مشابهة وقعت في عدن خلال السنوات الماضية، والتي كان آخرها مقتل الصحفية رشا الحرازي في الثاني والعشرين من نوفمبر 2021م، وكذلك اغتيال المحافظ الأسبق للمحافظة جعفر سعد في السادس من ديسمبر 2015م، وتبدو وسيلة القتل ممثلة بالتفجيرات واستهداف السيارات متماثلة تماما، وانتهت جميعها بمصير غامض للجناة، وهو المصير الذي ينتظر أيضا جريمة اغتيال جواس.

 

غير أن الوضع في عدن اليوم مختلفا عما كان عليه من قبل، فالمجلس الانتقالي يبسط سيطرته الكاملة على المحافظة، من خلال الألوية العسكرية التي تتبعه، وعبر حكمه للمحافظة إداريا من خلال تولي شخصية تابعة للمجلس ممثلة بالمحافظة أحمد لملس حكم المحافظة، وفق اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي بالرياض في الخامس من نوفمبر 2019م.

 

تعكس عملية الاغتيال فشل المنظومة الأمنية للمجلس الانتقالي، إذ أن توالي عمليات الاغتيال المتكررة تعيد التساؤلات عن حجم الأضرار الناجمة عن ذلك الفشل، كما تشير إلى إخفاق اتفاق الرياض الذي قدم رؤية لم تطبق في الشق الأمني والعسكري، ما ضاعف من حدة الجريمة جراء وقوعها تحت طرف واحد، ورفض الاندماج الكلي، والمضي في اتجاه بعيد عن إشراف وزارة الداخلية.

 

كما أن وضع السيطرة الكامل تحت إدارة الانتقالي يبعث على التساؤلات أيضا حول احتمالية وجود اخترق لعناصره من قبل الحوثيين، وتمكنوا بسبب ذلك من الوصول لشخصية رمزية كجواس، بينما لا يستبعد الكثير من وجود عملية تخابر وتنسيق بين الانتقالي وجماعة الحوثي في صنعاء.

 

تأثير خارجي

 

الخيار الثالث يشير إلى احتمال وقوع جواس ضحية لقربان سلام بين أطراف إقليمية وبين الحوثيين، خاصة مع دعوات التقارب الأخيرة بين السعودية والإمارات وإيران، ورغبة السعودية في إنهاء الحرب باليمن، فالحوثيون تحقق لهم حلما طالما رغبوا به كثيرا، والأطراف الخارجية لن يضيرها أيضا التضحية بشخصية عسكرية سيجلب رحيلها لهم مكسبا جديدا.

 

ومن اللافت أن عملية الاغتيال هذه تأتي أيضا قبل أيام من انعقاد مؤتمر للحوار دعت له السعودية عبر مجلس التعاون الخليجي، بهدف ما وصفته بتوحيد الصف بين الأطراف اليمنية، الأمر الذي قد يبعث بتساؤلات عديدة حول ما إذا كان الحوثي قادرا على إيصال رسالته للرياض في هذا التوقيت، وذلك في حال سلمنا بأن الحوثي يقف فعلا خلف عملية الاغتيال.

 

لا شك أن الاغتيال يعد خسارة فادحة لأحد قيادات الجيش اليمني، ومثل صدمة للعارفين برصيد الرجل، وتشير البيانات الصادرة عن الجهات الحكومية إلى حجم المصاب الذي أحدثه رحيل جواس، وإن كانت أغلبها اكتفت بسرد مآثره، والوقوف على ماضيه، والتنديد بعملية الاغتيال، وتحميل الحوثي المسؤولية، مع توعد خجول لمدير أمن عدن بملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة.


التعليقات