ركزت على القضاء وبشرت بحكومة جديدة واستندت لدستورية القرآن
ماذا تعني المرحلة الجديدة للحوثي وما مستقبل شراكته مع المؤتمر (تحليل)
- عامر الدميني الخميس, 28 سبتمبر, 2023 - 12:41 صباحاً
ماذا تعني المرحلة الجديدة للحوثي وما مستقبل شراكته مع المؤتمر (تحليل)

[ من اجتماع لمجلس الدفاع الوطني في صنعاء - وكالة سبأ ]

أثار إعلان جماعة الحوثي في صنعاء اليوم إقالة الحكومة، وتكليفها بتصريف الأعمال فقط، حتى تشكيل حكومة جديدة، التساؤلات عما يجري في العاصمة صنعاء.

 

إقالة الحكومة جاء – وفقا لوكالة سبأ الخاضعة لسيطرة الحوثيين – في ختام اجتماع لمجلس الدفاع الوطني الأعلى، وهو هيئة تضم قيادات أمنية وعسكرية تتولى اتخاذ قرارات الحرب والسلم، ونص على إقالة الحكومة التي يرأسها عبدالعزيز بن حبتور، وجعل مهمتها محصورة بتولي الشؤون العامة العادية، باستثناء التعيين والعزل.

 

وسبق هذا القرار خطابا لزعيم جماعة الحوثي في صنعاء عبدالملك الحوثي أعلن فيه ما وصفه بالمرحلة الأولى للتغيير الجذري، عبر تشكيل حكومة كفاءات، تجسد الشراكة الوطنية، وتعمل على تحديث ما وصفه بالهيكل المتضخم، وتغيير الآليات والإجراءات العقيمة والمعيقة، وتصحيح السياسات، وأساليب العمل، بما يحقق الهدف في خدمة الشعب، ويحقق التكامل الرسمي والشعبي في النهوض بالبلد ومعالجة المشاكل الاقتصادية، وفق تعبير زعيم الحوثيين.

 

دلالة الخطاب

 

كان من اللافت أن زعيم الحوثيين تطرق لأداء الحكومة، ووصف النسخة القادمة منها بحكومة الكفاءات، وحدد مهامها وحصرها بشكل واضح في القضاء، وقال بأنها ستعمل على تصحيح وضع القضاء، ومعالجة اختلالاته، ورفده بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع الإسلامي ومن الجامعين المؤهلين وفتح مسار فعال لإنجاز القضايا العالقة والمتعثرة.

 

وهذه القضية بدت مثيرة للدهشة أكثر في طبيعة الاستنادات التي قدمها زعيم الحوثيين أولا، وتركيزه على القضاء، وتخصيص من وصفهم بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع والجامعيين لإنجاز القضايا العالقة.

 

أما الاستناد الثاني الذي بدا لافتا أيضا فهو تصريح مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى في حكومة الحوثيين، حينما قال إن التغييرات الجديدة، ومن ضمنها إقالة الحكومة، يستند على خطاب عبدالملك الحوثي، ويدشن المرحلة الأولى استنادا لما وصفه التغيير الجذري، ودستورية القرآن.

 

وهذا المصطلح الأخير – دستورية القرآن – يبدو ملفتا للنظر اليوم، بالنظر إلى الشعارات التي ترفعها جماعة الحوثي، والتي تقدم نفسها حاملة للتغيير انطلاقا مما تصفها بالمسيرة القرآنية.

 

وهذه الملامح برمتها تشير إلى منطلقات جديدة تتحرك من خلالها جماعة الحوثي منذ انقلابها على الحكم في العام 2014م، وإعلانها ما تعتبره ثورة مستحقة، وبدأت تلك المنطلقات تطل برأسها من وقت لآخر، وفضلت الجماعة عدم إبرازها بسبب ظروف الحرب، وانشغالها بالمعارك الخارجية، سواء عسكريا أو دبلوماسيا.

 

تلك المنطلقات تتمثل برؤية الجماعة الخاصة وتصوراتها الفكرية لإنشاء الدولة الخاصة بها، المستندة لنظريتها الدينية، وذلك بعدما توفرت لها الأرضية المناسبة، كسيطرتها على مفاصل الدولة الرئيسية، كالجيش والأمن، والتعليم، والإعلام، وغيرها من المؤسسات التي تمنحها توغلا كبيرا في المجتمع اليمني.

 

ما قبل الخطاب

 

لعبت عدة تطورات خلال الأيام الماضية في التمهيد لهذا الخطاب والتوجه الذي تبشر به جماعة الحوثي، ومن ذلك لقائها بالقيادات الفاعلة في المملكة العربية السعودية الأخير، وربما أغراها ذلك الأمر للتعجيل بهذه الخطوات، بعدما ضمنت عدم تدخل الرياض في مواجهتها.

 

أما الأمر الثاني فيتعلق بحالة الغليان والتململ الذي أظهره اليمنيون في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، خاصة مع حلول الذكرى الـ61 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وخروج الالاف إلى الشوارع تعبيرا عن احتفائهم بذكرى الثورة، وواجهتها الجماعة بالقمع وإطلاق النار، والمنع من التظاهر، بل ومصادرة العلم الوطني الرسمي، وهي المرة الأولى التي تظهر بها الجماعة بهذا الموقف المعلن بالنسبة للعلم الوطني.

 

 

هذا التعامل مع العلم الوطني، يعد أيضا بمثابة مؤشر على التوجه القادم للجماعة، والتي سعت في وقت سابق للمساس بأهداف الثورة السبتمبرية، وتحريفها، رغم محافظتها على الكثير من المكتسبات التي حققتها الثورة السبتمبرية، ولم تستهدفها بشكل مباشر، مع أنها أفرغت الثورة من مضمونها، وهدت أهدافها.

 

ملامح هذا التعامل بدت أيضا واضحة في خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط بمناسبة ذكرى الثورة، حينما هاجمها، وامتدح الإمامة، وشكك في منجزات الثورة، وهي أيضا لغة لم تكن معهودة في خطاب الجماعة من قبل، والتي ظلت تتجنب إثارة مثل هذه المواضيع طوال الفترة السابقة، لكنها اليوم تعود لتثير هذه القضايا من جديد.

 

ما المتوقع؟

 

يشير التركيز على القضاء وفقا لإعلان الحوثي، على طبيعة المرحلة القادمة، فقد ظل القضاء هدفا لهذه الجماعة في الاستحواذ عليه وتسييره، وبتصعيده لأبرز الأولويات فإن ذلك يشير إما لجدية الجماعة في اتخاذ خطوات تصحيحية فعلية، أو ضمن تغلغلها من جديد في مفاصل الدولة، وحماية نفسها أكثر.

 

وبالنسبة لإقالة الحكومة فذلك يعكس حالة القطيعة بين الجماعة وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي شكل معها المجلس السياسي الأعلى كإطار يضم الطرفين لحكم اليمن في السادس من أغسطس 2016، خلال فترة تحالفهم، ووجود الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واستند لآلية تعاون مشتركة، تقضي بالتعاقب الدوري في رئاسة المجلس، لكن الجماعة ظلت مهيمنة على رئاسة المجلس، ولم تسمح لقيادات المؤتمر الشعبي العام في رئاسة المجلس، ووضعت ما يضمن بقائها واستحواذها على رئاسة المجلس، الذي جعلت صفة رئيسه قائدا عاما للجيش والأمن.

 

وبالتالي فإن حل الحكومة التي يرأسها عبدالعزيز بن حبتور، وهو شخصية أكاديمية تنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، يعد ضربة موجعة لحزب المؤتمر، وهو بمثابة فض للشراكة بين الطرفين، واستحواذ الجماعة على مفاصل الأمور بشكل كلي في مناطق سيطرتها.

 

وسبق للجماعة دخولها في مرحلة من الصراع المستتر مع قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء الذي يراسه صادق أمين أبوراس على خلفية مرتبات موظفي الدولة، وانتقاده لتصرفات الجماعة، ومطالبته لها بصرف الرواتب.

 

لذلك يبدو من الواضح أن جماعة الحوثي تعد العدة لفترة مختلفة كليا، بما يسمح لها بالتجذر والبقاء أكثر، ولو أدى ذلك لتغيير ملامح وشكل وأسس وثوابت الدولة اليمنية، وهو تصعيد خطير، ربما يقود لمزيد من الغضب الشعبي ضدها، ويوتر الأجواء التي تطمح الجماعة الحصول عليها للوصول إلى اتفاق سلام، يضمن لها الحفاظ على ما تعتبره مكتسبات.

 


التعليقات