الفيضانات في اليمن.. تبعات نفسية واجتماعية كارثية تفاقم أوجاع اليمنيين إلى جانب الصراع (تقرير)
- نواف الحميري الإثنين, 26 أغسطس, 2024 - 09:42 صباحاً
الفيضانات في اليمن.. تبعات نفسية واجتماعية كارثية تفاقم أوجاع اليمنيين إلى جانب الصراع (تقرير)

[ كارثة سيول الأمطار في اليمن ]

ازدادت حدة الظواهر المناخية المتطرفة في اليمن، وأصبحت تُشكل تهديداً كبيراً على حياة وممتلكات السكان، خصوصا الذين يعيشون في مناطق السهول كونها تقع في مجاري السيول.

 

 في منطقة شمير، مديرية مقبنة جرفت السيول دكان الأربعيني، مبارك الحميري، إلى جانب سيارته ذات الدفع الرباعي ودراجته النارية.

 

يقول مبارك لـ "الموقع بوست" عند وصول السيول المنطقة كانت غزيرة وبشدة في حينها فكرت كيف انجو بحياتي، غادرت دكاني إلى منزلي الذي يبعد عن مجرى السيول مسافة قصيرة ولم يخطر على بالي أنني سأفقد مصدر دخلي الوحيد في لمح البصر".

 

ويضيف بحزن "شعرت بالألم يعتصر قلبي وأنا أشاهده من نافذة منزلي ينهار وليس بيدي حيلة لمنع ذلك وحماية مصدر قوت أطفالي".

 

تأتي الكوارث الطبيعية مع استمرار الحرب الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات، وما ألحقته من أضرار جسيمة في كافة القطاعات والخدمات، والبنى التحتية، وتدني الإمكانيات لدى مكاتب الأشغال والدفاع المدني، في التحذير المبكر لأهالي المناطق التي من المحتمل أن تصل إليها سيول الامطار.

 

أضرار جسيمة

 

 مع حلول موسم الأمطار، تشهد العديد من المحافظات اليمنية ارتفاعًا في عدد ضحايا الغرق وجرف السيول، وقد بلغ عدد ضحايا هذا الموسم منذ طلعه الشهر الماضي 45 شخصا، بالإضافة إلى فقدان 12 آخرين، فضلا عن نزوح آلاف وتضرر أكثر من 93 ألف وحدة سكنية، في محافظتي الحديدة وتعز إثر التغيرات المناخية التي تمر بها البلاد، وفق إحصائية جمعية الهلال الأحمر اليمني

 

ووفقاً لتقرير صادر عن الوحدة التنفيذية في محافظة الحديدة (غربي اليمن) أن الأسر المتضررة بهذه الكارثة بلغت 2073 أسرة موزعة على 22 مخيماً في مديريتي حيس والخوخة، مشيراً إلى وفاة أربعة في حيس وتدمير 132 منزلا كما طمرت السيول مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وأتلفت المحاصيل فيها، وجرفت عدد من الالغام وأوصلتها إلى مناطق زراعية ومأهولة بالسكان، وفقاً للتقرير.

 

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، وفاة 15 شخصاً وتضرر 10 آلاف آخرين جراء السيول التي ضربت مديرية مقبنة التابعة لمحافظة تعز الأسبوع الماضي، متسببة بطمر 80 بئراً وجرف أراضي زراعية، وتضرر المنازل والبنية التحتية.

 

تبعات سلبية

 

هناك آثار وتبعات كبيرة سببتها السيول للمواطنين منها النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية المترتبة نتيجة هذه الكارثة وخاصة في السهول التهامية التي يعيش سكانها حياة بسيطة يعتمدون بشكل شبه كلي على الزراعة.

 

في هذا السياق يعتبر المختص الاجتماعي وديع المخلافي السيول في محافظة الحديدة من الكوارث التي لها تأثيرات نفسية خطيرة وطويلة الأمد على السكان المتضررين، وكذلك لها تبعات اجتماعية ومادية كبيرة على المواطنين والممتلكات والمزارعين بشكل عام، ويمكن أن تشمل هذه التأثيرات والتبعات العديد من الجوانب، منها الصدمات النفسية، الخوف والقلق، الإحباط والشعور بالعجز".

 

في حديث لـ "الموقع بوست" يقول المخلافي "تؤدي السيول إلى تهدم المنازل وفقدان الأراضي الزراعية بسبب عامل التجريف التي تتعرض له الأراضي، ولهذا السبب تجبر العائلات على الانتقال إلى مناطق أخرى أو العيش في مخيمات مؤقتة، ما يساهم في زيادة معاناة الأسر المتضررة وانتشار الأمراض في أوساطها".

 

كما يشير المخلافي إلى أن السيول في الحديدة كارثة طبيعية وتحديا كبيرا للمجتمع المحلي، وكان لذلك العديد من التبعات النفسية التي تتطلب تدخلات نفسية واجتماعية مدروسة، لتوفير الدعم اللازم للأفراد والمجتمعات المتضررة، ومساعدتهم على التعافي واستعادة حياتهم الطبيعية. كما يتطلب الوضع هناك استجابة شاملة ومتعددة الجوانب للتعامل مع تداعياتها الاجتماعية والمادية والاقتصادية.

 

معاناة بالغة

 

عمل الحاج أحمد فتيني (50عاما) لأشهر في زراعة أرضه التي تقع في مديرية حيس التابعة لمحافظة الحديدة بكل جهدٍ  آملاً أن تعود عليه بخيراتها ليسد جزءا من حاجات أسرته، إلا أن السيول جرفت أمله في مزرعته وكادت تقضي عليه هو الآخر.

 

في نوفمبر 2023، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن تقريراً يوضح المستقبل المتوقع للمناخ في اليمن؛ وكيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ على التنمية الاقتصادية والبشرية على المدى الطويل.

 

وقال التقرير إن اليمن يُعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، وهو البلد الذي يواجه أزمة متفاقمة في المياه منذ عقود. ومع ذلك، مثل معظم البلدان ذات الدخل المنخفض، فإن مساهمة اليمن في أزمة المناخ قليلة جداً.

 

وتوقع التقرير زيادة في سوء التغذية والفقر في اليمن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناخية لبناء القدرة على الصمود. مع تغير المناخ وبحلول عام 2060، من المتوقع أن يفقد اليمن 93 مليار دولار تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي وأن يعاني 3.8 مليون شخص إضافي من سوء التغذية في البلد.

 

وضع مناخي متفاقم

 

يقول الخبير البيئي والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة د. عبد القادر الخراز إن "اليمن يُعد من الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغيرات المناخ، لا سيما وأنه يعاني من موجات جفاف قاسية وفيضانات وأعاصير وأمطار غزيرة نتجت عن هطول كميات كبيرة من الأمطار، فقد أثرت على كل من المناطق الساحلية والداخلية، مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص المياه وانعدام الأمن الغذائي، وتسببت بأضرار جسيمة بالبنية التحتية والممتلكات، كما أدت إلى نزوح العديد من السكان".

 

وحذر الخبير الخراز من أن تغيرات المناخ وعلى الرغم من أنَّها ظاهرة طبيعية، إلا أنَّها تسارعت بسبب الأنشطة البشرية، مما أدى إلى ظهور تأثيراتها بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا، مضيفاً: "ما كان سيحدث خلال 100 أو 200 سنة، أصبحنا نراه يتجلى الآن خلال 10 سنوات فقط".

 

وأشار الخراز إلى أن التأثيرات، مثل العواصف الشديدة والفيضانات والجفاف، ستزداد سوءًا إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، لافتا إلى أهمية الاستعداد لتغيرات المناخ من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر وإنشاء بنى تحتية مناسبة.

 

وشدّد على ضرورة اتخاذ خطوات للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك سنّ قوانين وتشريعات تمنع البناء في المناطق الخطرة، وتفعيل القوانين الموجودة، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة. مؤكدا على أهمية تنفيذ مشاريع مستدامة ومكافحة الفساد في الوزارات ذات الصلة، لضمان تنفيذ المشاريع بشكل فعال

 

التداعيات والحلول

 

الخبير في مجال دراسات البيئة والمناخ علي الذبحاني أوضح أنه يمكن تلخيص تداعيات تغيير المناخ في اليمن بزيادة الصراع على الموارد المائية، وتدهور الأمن الغذائي بسبب انخفاض انتاج الغذاء، نتيجة الجفاف وتدهور جودة التربة.

 

يشير الذبحاني في سياق تصريحه لـ "الموقع بوست" إلى دور التغيرات في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن زيادة التشرد والهجرة، بحثًا عن الموارد ماء وطعام أفضل، وارتفاع مستوى سطح البحر في أماكن وانحساره في أماكن أخرى مما يهدد المناطق الساحلية والمنازل والبنية التحتية.

 

في حديثه عن الحلول يلفت الذبحاني إلى "أهمية التحول إلى مصادر طاقة نظيفة لتقليل انبعاثات الكربون، وحماية الموارد الطبيعية من خلال تشجيع ممارسات الزراعة المستدامة والحفاظ على الغطاء البيئي بأنواعه".

 

ويتابع "كما يجب تطوير بنية تحتية مقاومة للكوارث البيئية للتعامل معها وتعزيز التعاون الدولي لتبادل المعرفة والتكنولوجيا والموارد في مجال مكافحة تغير المناخ والتكيف معه".

 

ويعد سكان الدول النامية الأكثر تأثرا، إذ تؤكد الأمم المتحدة أن هذه الدول بحاجة إلى تريليون دولار سنويا لتفادي الآثار السلبية للتغير المناخي، بما في ذلك العالم العربي، حيث تعاني عدد من دوله من ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه والجفاف وتآكل في سواحلها على البحر المتوسط الذي يرتفع منسوب المياه فيه، مهددا مدنا تاريخية بالغرق.

 

كما شهدت منطقة الخليج تكرارا للعواصف الترابية والرعدية، ترافقها فيضانات غزيرة. وتحذر دراسات من أن درجات الحرارة في بعض دول الخليج قد تتجاوز 60 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الجاري.

 

إن تغير المناخ من التهديدات الكبرى للسلام والأمن الدوليين. فبسبب آثار تغير المناخ يحتدم التنافس على الموارد، مثل الأراضي والغذاء والمياه، الأمر الذي يؤجج التوترات الاجتماعية والاقتصادية ويؤدي بصورة متزايدة إلى النزوح الجماعي للسكان.


التعليقات