[ أرشيفية ]
المرأة اليمنية كانت آخر من يمتلك القرار بشأن إدارة موازنة الأسرة وتوفير الدخل بعد الرجل الذي كان هو من يقرر مصير راتبه الذي كان المصدر الرئيسي لدخل الأسرة. لكن مع الحرب، بدأت مرحلة تاريخية تتولى فيها المرأة الصدارة عائلياً.
بدأت القصة مع التداعيات الاقتصادية التي أججت خلافات زوجية حادة جرى حلها بتسليم رجال اليمن قرار توزيع موازنة المنزل للنساء. أصبحت المرأة تتسلم المتوفر من المال لإدارته اعتماداً على خبرتها في معرفة أولويات الأسرة، والطرق الاقتصادية للوفاء بالاحتياجات، ومهارتها في المساومة في السوق وغير ذلك.
هي المرة الأولى التي يشعر فيها أحمد الحرازي، من سكان مدينة صنعاء، أنّه بات محروماً من الكثير من احتياجاته الشخصية فبات نادراً ما يقتني السجائر ناهيك عن نبتة القات المنبهة. يقول: "بسبب انقطاع راتبي منذ أكثر من سبعة أشهر، اتفقت وزوجتي على إعطائها كلّ ما لدينا من مال لتدبير أمور معيشة أسرتنا مقابل أن تعطيني منها 5 آلاف ريال فقط شهرياً (15 دولاراً أميركياً) لتدبير احتياجاتي الخاصة. هي دخلت بجزء من المال في جمعية مالية مع قريباتها، ولأول مرة في تاريخ الأسرة ندخل في جمعيات كهذه".
انتعشت مجموعات ادخار النساء المعروفة باسم "الهكبة" أثناء الحرب كفرصة لإدارة المال خلال الأزمة. ثقافياً، لطالما كانت هذه المجموعات فعالة جداً. وتعتبر النساء في اليمن أكثر حكمة في التعامل مع المال وتجديد موارد الأسرة المحدودة لتلبية احتياجاتها. تقول سميرة ناجي من مدينة عدن: "اعتاد أزواجنا جلب الاحتياجات إلى المنزل. لكنّهم كثيراً ما يجلبون أشياء غير ضرورية فيضطرون إلى جلب الضروريات في اليوم التالي. لذلك، هم يتركون الأمر في أيدينا -نحن النساء- لإدارة هذه الأموال بشكل أكثر حكمة ودائماً لصالح الأسرة".
تعمل المرأة اليمنية على تطوير طرق خاصة للاعتماد على النفس تتجاوز الاعتبارات النمطية. أصبحت النساء يترقبن ذروة المواسم الزراعية لشراء بعض المحاصيل بسعر رخيص فيعمدن إلى تخزينها لأشهر مقبلة أو تخليل بعض الخضر أو تجفيفها لاستخدامها أثناء فترات الغلاء. تتجه النساء إلى حلول ابتكارية أو اجتهادية يتوصلن إلى بعضها عن طريق تبادل الخبرات، أو عن طريق الإنترنت. بذلك، دخلت نساء كثيرات للمرة الأولى في مجال إدارة حدائق منزلية منتجة للخضر أو تربية الدواجن وبعض الحيوانات اللاحمة أو المنتجة للبيض أو اللبن.
تعلق أروى سعيد من سكان قرية النشمة بمحافظة تعز (وسط) أنّها استفادت من موقع "يوتيوب" للفيديو كثيراً في حلّ بعض مشاكل الأسرة المعيشية: "أنشأت حديقة منزلية تجريبية لإنتاج الخضر، ونجحت في إنتاج كميات جيدة من الكوسا والخيار والطماطم". تتابع: "لم يكن زوجي يصدقني أبداً عندما كنت أخبره أنّ التجارب التي شاهدتها عبر الإنترنت تؤكد الإنتاجية العالية والسريعة لهذه الخضر، بل لا تحتاج إلى جهود كبيرة. الآن، ننتج ونأكل منها ونخلّل الخيار ونصنع الصلصة من الطماطم لاستخدامها في الشتاء".
غالباً، لا يهتم الرجل كثيراً بالبحث عن أقل الأسعار، بل يكتفي بالبحث عن سلعة ما في محلين أو ثلاثة ليتخذ قراره بعدها. لكنّ امرأة مثل سميرة ناجي تقول لـ"العربي الجديد": "قد يكلفني الأمر المرور على عشرة محال أو أكثر للحصول على أفضل سعر بجودة مقبولة. لذلك، كثيراً ما يفضل البائعون التعامل مع الرجال لأنّ ذلك أسهل وأكثر فائدة لهم. بتّ أعدّ قائمة باحتياجات الأسرة الشهرية وأترقب الإعلانات التجارية حول تقديم محلات كبيرة تخفيضات لأسعار السلع ولا سيما في نهاية الشهر، للحصول على أرخص الأسعار لاحتياجاتنا".
في هذا الإطار، تشير المتخصصة في علم الاجتماع هند ناصر إلى أنّه بالرغم من تزايد العبء الذي أفرزته الحرب على المرأة اليمنية، فالأزمة الاقتصادية أعادت بعض الأهمية الاجتماعية لها وأحدثت تغيراً في هيكلية القرار الاجتماعي حول التوازن بين موارد واحتياجات الأسرة وإعادة تقسيم الأدوار بين الإناث والذكور. تعلق لـ"العربي الجديد": "بذلك، تخلصت المرأة من تمثيل دور المنفذ لترقى إلى مرتبة صانع قرار هام في أشد الأوقات حرجاً". تلفت إلى أنّ هذا الوضع الجديد "يمنح المرأة بصيصاً من الأمل حول مشاركتها مستقبلاً في قرارات المجتمع الذي يمر راهناً بتجربة كفاءة المرأة في قيادة الشأن الإنساني والاقتصادي داخل الأسرة بما يجنّب الأخيرة كارثة الإفلاس التام والاعتماد على طرق ضارة في سد الاحتياجات".