استقالات الوزراء من حكومة معين عبد الملك.. قراءة في الدلالات والتداعيات (تحليل)
- عامر الدميني الإثنين, 30 مارس, 2020 - 06:27 مساءً
استقالات الوزراء من حكومة معين عبد الملك.. قراءة في الدلالات والتداعيات (تحليل)

[ استقالات في الحكومة اليمنية احتجاجا على ممارسات رئيس الوزراء ]

قدم ثلاثة وزراء في الحكومة اليمنية التي يرأسها معين عبد الملك استقالاتهم من مناصبهم هذا الأسبوع مسجلين بذلك أعلى حصيلة للاستقالة من الحكومة التي تقيم في المملكة العربية السعودية، وتحظى بدعمها.

 

لم يكن الأمر مستغربا، فقد ساد الخلل أداء الحكومة منذ تولي رئيس الوزراء معين عبد الملك قيادتها في الخامس عشر من أكتوبر 2018، وعجزت عن الالتئام بكافة أعضائها داخل العاصمة المؤقتة عدن.

 

كانت الاستقالة الأولى من وزير النقل صالح الجبواني الذي أرجع سبب استقالته لتدخلات رئيس الوزراء في أداء وزارته، وإيقافه عن العمل في الوزارة، وتعديه على صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

وخلال الفترة الماضية، واجه الجبواني العديد من التحديات خلال قيادته لوزارة النقل، تمثلت في جملة الصعوبات التي وضعت في طريقه، ومنعه من الإشراف الكامل على مؤسسات الوزارة كالمطارات والموانئ التي تخضع بالكامل لإشراف تحالف السعودية والإمارات في اليمن.

 

دفع هذا التعنت من قبل التحالف الجبواني لتوجيه نقد لاذع لسياسة وأداء التحالف في اليمن، الأمر الذي ضاعف من الخصومات التي نالت منه، والعقبات التي وضعت في طريقه، وزاد الطين بلة مواقفه المناهضة لتحركات المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب اليمن، والممول من دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

أما الاستقالة الثانية فكانت من وزير الخدمة المدنية والتأمينات نبيل الفقيه الذي قدم هو الآخر عريضة احتجاج في خطابه الموجه لرئيس الجمهورية انتقد فيها ما وصفه بالسياسة العقيمة التي تنتهجها الحكومة، وغيابها عن المشهد السياسي والإقتصادي، وانحصار دورها في صرف الرواتب، وترهل الأداء العام وانعدام روح المسؤولية، وتحييد القانون في ممارسات رئيس الحكومة، وانعدام الشفافية في العمل الحكومي.

 

الاستقالة الثالثة جاءت من وزير المياه والبيئة العزي هبة الله شريم الذي برر استقالته بسبب مخالفة رئيس الوزراء للدستور والقانون، وإيقاف رئيس الحكومة له عن العمل في وقت سابق، وتجاوزه لصلاحيات مؤسسة الرئاسة.

 

تعكس تلك الاستقالات صورة واضحة للأداء الحكومي الذي انتهجه رئيس الحكومة خلال الفترة الماضية، والذي أفضى إلى هذا التصدع الذي أصاب جسد الحكومة في وقت تحتاج فيه اليمن لحكومة أكثر تماسكا لمجابهة التحديات العسكرية التي تخوضها، ومواجهة وباء كورونا الذي اجتاح عدة دول في العالم، ويتهدد اليمنيين في الوقت الراهن.

 

ومنذ تشكل حكومة معين عبد الملك، هيمنت التدخلات الخارجية على عملها بشكل كبير، ويتهم رئيسها بالولاء والتبعية للسفير السعودي محمد آل جابر، الذي عمل معه في فترة سابقة كممثل حكومي لبرنامج الإعمار السعودي عندما كان يعمل وزيرا للأشغال العامة والطرق، وهو المقعد الحكومي الذي ظل شاغرا حتى اليوم.

 

الهيمنة الخارجية في عمل رئيس الوزراء تجسدت أيضا بمنع وزراء لا ترغب دولة الإمارات العربية المتحدة في عودتهم إلى العاصمة المؤقتة عدن، الأمر الذي حال دون اكتمال وتواجد كافة أعضاء الحكومة داخل اليمن، وظل حضورهم في الداخل محصورا على شخصيات وزارية معينة تتفاوت في قربها واقترابها من كل من دولة الإمارات والسعودية والمجلس الانتقالي.

 

لم يصدر عن رئاسة الجمهورية أي مواقف تجاه الاستقالات المتتالية، وهل تم قبولها أم لا، لكن وكالة "سبأ" الحكومية بثت في موقعها الإلكتروني خبرا لترؤس نائب رئيس الوزارء سالم الخنبشي اجتماعا مع قيادة وزارة النقل والعاملين فيها، وهو الموقف الذي ترجم تعليمات رئيس الوزراء معين عبد الملك الذي كلف نائبه الخنبشي بتسيير مهام الوزارة.

 

أما على صعيد ردود الفعل، فلم يصدر عن أي جهة حكومية أو أحزاب أي ردود فعل على ما يجري داخل الحكومة، وسارع الإئتلاف الجنوبي الذي يرأسه رجل الأعمال أحمد العيسي نائب مدير مكتب الرئاسة والمقرب من الرئيس هادي لإدانة قرارات رئيس الحكومة، وحمله المسؤولية عن استقالة الوزراء، واتهمه بالفشل، وطالب بقيادة جديدة للحكومة.

 

يعكس موقف الائتلاف الجنوبي معسكرا آخر داخل الحكومة الشرعية يبدو أقرب في موقعه من الرئيس هادي، لكن احتمالية تأثيره في وقف رئيس الوزراء عن هذه التصرفات التي أحدثت تشققات في جسد الحكومة اليمنية مرهونا بمدى استجابة الرئيس هادي، الذي يفقد أبرز مناصريه ممثلا بوزير النقل صالح الجبواني.

 

لا يبدو المستقبل حاملا وعود البقاء لحكومة معين عبد الملك، فوفقا لاتفاق الرياض الذي تعثرت خطواته، فقد كان من المفترض أن يتم تشكيل حكومة جديدة، تعمل وفقا للمتغيرات التي فرضها اتفاق الرياض، لكن تتابع الأحداث وتعذر المضي في خطوات الاتفاق حال دون  تشكيل حكومة جديدة.

 

وبقدر ما تعكس هذه الاستقالات التخبط والتعثر والصراع والفشل لرئيس الوزراء معين عبد الملك، بقدر ما تعكس أيضا فشل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في خلق حكومة يمنية تكون عند مستوى التحديات، وبالقدر الذي تحتاجه الظروف الراهنة التي يعيشها اليمن.

 

إن من شأن هذا الوضع أن يعزز الانقسام داخل منظومة الحكومة الشرعية نفسها، ويفقد الثقة بتحالف السعودية والإمارات، ويظهر جماعة الحوثي التي تقف في الضفة الأخرى أكثر تماسكا وترابطا من الحكومة الشرعية نفسها، الأمر الذي سيلقي بظلاله على تفاصيل المشهد القادم.


التعليقات