في ذكرى ال53 لثورة سبتمبر 62م
( الموقع ) ينشر تقريرا عن سبتمبر بين ثورتين.. رفض للإماميين الجدد واستمرار للنضال (خاص)
- عامر الدميني السبت, 26 سبتمبر, 2015 - 08:47 صباحاً
( الموقع ) ينشر تقريرا عن سبتمبر بين ثورتين.. رفض للإماميين الجدد واستمرار للنضال (خاص)

[ صورة جماعية لثوار سبتمبر 62م ]

تحل الذكرى الثالثة والخمسون لثورة 26 سبتمبر واليمن تعيش وضعاً إستثنائياً، وانتفاضة شعبية كتلك التي تفجرت صبيحة يوم الخميس في صنعاء عام 1962م لتعلن انتهاء عهد الامامة البائد وبداية عهد الشعب، ولتؤكد حيوية الشعب اليمني، ورفضه للظلم والاستعباد والطغيان والفردية، وتطلعه نحو الكرامة والحرية والعدالة، وبالتالي فإن حلول عيد سبتمبر هذا العام في ظل ما تشهده اليمن من عمل شعبي رافض للإماميين الجدد، يلقي الضوء على الاسباب التي ادت الى تفجير ثورة سبتمبر في 62م، و الاسباب التي ادت الى الثورة الشعبية الحالية، والأجواء المشتركة لقيامهما، بل ان الثورة الشعبية الحالية تعد الاهم والأنقى من الثورة السبتمبرية، لأن الأخيرة قامت وقضت على نظام حكم ملكي مارس الاستبداد والظلم والقمع واستغلال الدولة تحت مسمى الملكية، فكان انهاء هذا النظام واستبداله بآخر عملا ثوريا واضح الاهداف، اما الثورة الشعبية الحالية فهي تشتعل وتثور على نظام تدثر بالجمهورية ظاهريا ، بينما هو في الحقيقة يلبس عباءة الحكم الجمهوري ويمارس اساليب الحكم الإمامي، بل ويسعى لإعادة ذلك الحكم الكهنوتي المنقرض، وهذا هو الاخطر.
وتتفق هذه الثورة مع ثورة سبتمبر أن الاثنتين قامتا بعد الشعور بالظلم والجور والاستهانة بحق الشعب، واستفراد عائلة بالحكم على كل ابناء الشعب فتوافرت الأسباب لكلا الثورتين، اما العلاقة بينهما فهي تكاملية إذ تعد الثورة الحالية مكملة لثورة ايلول ومصححة لمسارها ومترجمة لأهدافها وتستلهم منها الدروس والعبر وتقتدي بشخصياتها ومثلهم وافكارهم.

مراحل الثورة السبتمبرية

الحديث عن ثورة سبتمبر لا ينبغي ان ينحصر في اللحظات الثورية التي عاشتها اليمن صبيحة ذلك اليوم، فلم يكن ذالك الصباح سوى حصاد ستين عاما من النضال والكفاح والصبر والتضحية قدم فيها الشعب اليمني خيرة رجاله وفلذات اكباده وهو يواجه الحكم الامامي المستبد.
فقد سبقت ثورة سبتمبر محاولات ثورية عديدة، واساليب اصلاحية مختلقة في سبيل اصلاح منظومة الحكم الامامي، وتحقيق مطالب الشعب عن طريق النصح والمشورة والمدح وتقديم مشاريع الاصلاح، وأطلق الشهيد الثائر محمد محمود الزبيري على هذه المرحلة بمرحلة طفولة الثورة.
وجاءت بعد هذه المرحلة مرحلة تغيير نظام الحكم واستبداله بنظام ملكي اخر، لكن بميثاق دستوري وبرنامج عمل، وكانت ثورة 48 بما شهدته من احداث مترجمة لهذا التوجه الثوري، لكنها انتهت بمقتل الامام يحي واخفاق الثوار، وتولي الإمام احمد للحكم، وعلى الرغم من اخفاقها فقد نمت الحس الثوري ورسخت الرغبة في التغيير، لأنها كانت ثورة المثقفين والشعراء والمشائخ كما يصفها احمد محمد الشامي في رياح التغيير، وجاءت من قلب نظام الامام، وكان رجالها هم اركان ودعامة الحكم في الدولة المتوكلية، ولأنها خلت من المشاركة الشعبية كما ينتقدها البعض فإن الدروس والعبر المستخلصة منها كانت كافية لترتيب اوراق العمل الثوري وتطوير اساليبه والانطلاق به نحو الامام.
تلت ثورة 48م احداث ومحاولات ثورية اخرى، لم يوقفها العنف الدموي الذي ابداه الامام احمد في اعدامه للثوار المشاركين في ثورة 48م، بل ان ذلك العنف وردة الفعل الدموية بحق الثوار لفتت اذهان الشعب نحو الظلم الغاشم الذي ينتهجه احمد والسلوك الهمجي الذي يتعامل به مع الشعب في سبيل البقاء في العرش وحكم اليمن.
ومن 48م في صنعاء حتى انقلاب مارس 55م في تعز لم يهدأ الثوار الاحرار في الجهر بصوت الحق والمعارضة للنظام عن طريق الشعر والصحافة وتشكيل التنظيمات السياسية التي كانت تستهدف ايقاظ وتفتيح الوعي السياسي والثوري لدى الشعب وتوسيع دائرة الثورة في كل ارجاء اليمن.
وجاء انقلاب 55م ليؤكد مدى الضيق الذي اعترى اليمنيين من الحكم الامامي، فكان هذا الانقلاب اول محاولة سلمية في عزل الامام احمد واستبداله بأخيه عبدالله لكنها لم تفلح وانتهت باعدام الإمام المرشح (عبدالله) والقائد العسكري للانقلاب (الثلايا) ومن شاركهم في العملية.
لقد ادى ذلك الانقلاب الى اقتناع الاحرار بوجوب التغيير واستبدال الحكم الملكي بحكم جمهوري برلماني ديمقراطي وتم تبني هذه الفكرة رسميا في عام 1958م.
وتلى هذه المحاولة عدة محاولات عسكرية ومدنية لتغيير الامام احمد كونه اصبح حجر عثرة امام التغيير ومنها محاولة الاغتيال التي قام بها سعيد ذبحان في قصر السخنة بالحديدة 1960م وانتهت بالفشل واعدام منفذها، ومن المحاولات المدنية حركة حاشد وخولان عام 1959م والتي انتهت باعدام الشيخ حسين الاحمر وولده حميد.
وكانت العملية الاكثر فتكا تلك التي قام بها الضباط العلفي واللقية والهندوانه والتي انتهت باصابة الامام احمد بطلقات نارية في انحاء متفرقة من جسده جعلته قعيد الفراش ومات متأثرا بها في الـ 19 من سبتمبر 1962م.

تجارب ثورية

التجارب العديدة التي مرت بها ثورة سبتمبر ساهمت في انضاجها ونجاحها حتى اصبحت اعظم حدث انتجه اليمنيون في القرن العشرين، فلم تنفجر الثورة من فراغ او خواء، وانما جاءت من إمتلاء لكي تقدم الانضج والافضل، تلك التجارب والاحداث كان لها اثر كبير في تنقية الثورة وتقوية عودها، ولم تحن لحظة ولادتها إلا وقد تعدت مرحلة الطفولة واصبحت في مرحلة الفتوة والقوة، فتمكنت من النجاح والصمود ومواجهة عواصف الأحداث ومؤامرات الداخل والخارج.
ففي ثورة 48م كان الإخفاق حليف الثورة رغم التنظيم وحسن التدبير الذي أبداه الثوار وهم يعدون لها، وكان الأخفاق نابع من أخطاء داخل الصف الثوري وبين الثوار أنفسهم، وبين المحيط الإقليمي الذي عول عليه الثوار كثيراً في مساندتهم.
وعند دخول الإمام أحمد صنعاء بعدمحاصرتها كان الناس يتسابقون للإمساك بأنصار الثورة الشباطية نسبة إلى الشهر الذي قامت فيه ثورة 48م ويلقون القبض عليهم ويسلمونهم للإمام وأعوانه فتم القبض على كثير منهم في ذمار كالأستاذ أحمد محمد نعمان ومحمد عبدالله الفسيل، وفي صنعاء اعتقل العشرات من الثوار وأودع الجميع في سجن نافع بحجة وكان حراس السجن  وهم يقودون الشاحنة الممتلئة بالثوار ينشدون هذا الزامل بسخرية من الثوار:
 يا سيدي يا قائد المهجم النصر لك والعز والبشرى
والله ما جينا بجيش أردم  جئنا بحكم العصبة الشوري
والعصبة الشورى نسبة إلى مجلس الشورى الذي كان الثوار قد أعلنوه عقب الثورة فأصبح لعنة يوصم بها الأحرار، ومعنى الزامل تحقير للثوار فليسوا جيشا يستحق الحرب وإنما عصبة حكم الشورى.
لكن في ثورة سبتمبر تغير الحال فالمواطنون الذين القوا القبض على الثوار هم أنفسهم من ألقى القبض على أبناء الإمام وأعوانهم وسلموهم للثوار من جمع المراكز.
 هذا النصر لم يكن ليحصل لولا صبر الثوار وتحملهم المشاق والقتل، وإيمانهم بثورتهم وتوسيع دائرة الثورة ومفهومها بين المواطنين بمختلف القطاعات، فإذا كان عيب ثورة 48 أنها كانت ثورة النخبة ولم تشارك فيها قطاعات الشعب فإن الفترة من 48 حتى 62 كانت كافية لانضاج الحس الثوري لدى اليمنيين بمختلف فئاتهم العمرية فلم تقم ثورة 26 سبتمبر إلا بعد عدة مظاهرات طلابية قام بها طلاب المدارس في صنعاء اغسطس 1962م والطلبة اليمنيون في القاهرة 1956م ومظاهرة طلاب تعز احتجاجاً على العنف الذي لقيه عبدالله اللقية عام 1961م وقبلها تظاهروا على أعدام المقدم أحمد الثلايا
وبعد حركة 55م التي قام بها الثلايا لم يعد الثوار مجرد أبطال مقاتلين في الخمسينات وما تلاها وإنما تحولوا إلى شعب ثائر عن طريق النوعية السياسية ونشوءالتنظيمات السياسية.
ويحكي الدبلوماسي الروسي دأوليغ بيربسيكين أن مصر عن طريق الاتحاد السوفيتي وجهت بإرسال طائرة معونات لليمن عقب الثورة وكانت المشكلة عدم وجود مطار في صنعاء يستطيع استقبال الطائرة فتم اختيار ميدان الرحبة لاستقبال الطائرة ولما كان الميدان مليئاً بالأحجار تم إرسال تلاميذ مدارس التعليم المتوسط والجنود المحررين من الخدمة إلى هناك وخلال عدة ساعات تم تنظيف الميدان واستعانوالإنارة المدرج بتجهيز عشرات السيارات التي أضاءت أنوارها الكاشفة ليلاً لتسهيل هبوط الطائرة.

نضج ثوري

يتضح من المحاولات الثورية المستمرة ان التغيير له ظروفه واهدافه ولا تعوقه الانتكاسات او الارهاب، وكلما تأخر موعد حسم الثورة كلما امتلكت مبررات النجاح ومقومات الانتصار وعوامل البقاء.
فالثورة مجرد وسيلة تخلقها الغاية، والغاية في الثورة اليمنية سبتمبر والحالية هي التغيير نحو الافضل، والثورات تولد من النقيض وتقدم النقيض له، فرجال ثورة سبتمبر نشأوا في الظل الملكي لكنهم سعوا الى تقديم واقع آخر وأغلبهم كان من مواليد العهد اليحيوي وتلقوا تعليمهم في مدارسه او ابتعثوا للخارج على حساب الدولة.
 لكن الثورات والرغبة في التغيير والايمان بالأهداف يهيمن على اي حسابات اخرى، والأمر نفسه ينطبق على الثورة الحالية فغالبية المنخرطين فيها هم ممن ولدوا وتعلموا في ظل حكم علي عبدالله صالح لكنهم لم يتحملوا أشكال الظلم والقهر وحكم الفرد الواحد فخرجوا إلى الشارع غاضبين مطالبين برحيل النظام وإسقاطه.
ان محاولات الاصلاح التي قام بتنفيذها الامام يحي ووسع دائرتها الامام يحي لم تكن كافية لتهدئة نار الثورة التي شبت في كل مكان، فكلما امتد الزمان كلما توسعت الشعوب وزادت ثقافتها، وبالتالي تختلف المطالب وتطور، فالمطالب التي كانت لدى ثوار 48م اختلفت عن المطالب لدى ثوار سبتمبر، وما كان يطالب به الشعب اثناء حكم الارياني يختلف عن مطالب الشعب في بداية حكم صالح ، كما ان مطالب التسعينات تختلف عن مطالب 2000م او 2011م.
 
الثورة الجديدة

إن سلاح الثورة في العادة هو المستقبل وما تنشده من آمال وطموحات للشعوب، وما يسعى إليه رواد التغيير وقادة الثورة من أهداف تغييرية يجعل الواقع الجديد لما بعد الثورة واقعا اخرا مغايرا لسابقه في الحكم والادارة، ويدرك اثره الجميع تحت راية الوطن الواحد.
إن تفجير الثورة والإنخراط فيها امرصعب، والإنتصار للثورة وإرادتها يبدو أصعب، وتحقيق اهداف الثورة وتجسيدها هو الأصعب على الإطلاق، فالثورة التي شهدتها اليمن ليست ملكا لأحد وهي ملك لهذا الشعب الذي ذاق مرارة حكم الفرد الواحد والعائلة الواحدة طوال ثلاثين عاماً، وخرج منتفضا تسانده كل قطاعات المجتمع من الجيش والقبيلة والمثقفين والحزبيين.
فالثورة الحالية على الاماميين الجدد ومن خانوا أهداف الثورة السبتمبرية مرت بمرحلة الاستياء الشعبي الذي ترسخ في أذهان الشعب طوال العقود الماضية، لكنها الآن تبلور وتحول الى الارادة الشعبية، وبمثل ما كانت ثورة سبتمبر نقطة تحول فإن هذه الثورة هي الاخرى نقطة تحول في حياة اليمنيين، وستصبح أهم حدث صنعوه في القرن الواحد والعشرين، ولن تؤدي العوائق المصطنعة في طريق الثورة حاليا الى اخمادها لكنها ستزيدها تمحيصا لاختبار صبر قادتها وجمهورها المناصر، فالأحداث تبرهن على مدى صحة الثورة الحالية أوزيفها من جهتين من شعبيتها اولا ومن نوعية المتآمرين عليها.


التعليقات