[ الاغتيالات التي تطال أئمة المساجد بعدن لا تتوقف ]
الداعية والأستاذ التربوي وعضو المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح بعدن شوقي كُمادي، يسقط قتيلاً برصاص مسلحين مجهولين، ليلتحق برفاقه الإحدى عشر من الدعاة والأئمة والذين وإن اختلفوا فكرياً بشكل بسيط، الا أن آلة القتل جاءت لتوحد مصيرهم، فيما تقف الأجهزة الأمنية بشقيها الرسمي ممثلاً بإدارة أمن عدن والغير رسمي والمدعوم إماراتياً ممثلاً بقوات الحزام الأمني، عاجزةً الم تكن متواطئة فعلياً أمام تلك الحوادث الأمنية المتكررة، والتي بات الدعاةُ والشخصيات الاجتماعية المؤثرة هدفاً مباشراً لها، بعد كان بنك الأهداف محصوراً على الشخصيات الأمنية والعسكرية، او المتعلقة منها بمرافق الدولة الحساسة.
اغتيل كُمادي برصاص مسلحين كانوا على متن دراجتين ناريتين حسبما أفاد شهود عيان لـ"الموقع بوست" وفي ساعات الصباح الأولى ليوم الثلاثاء وعلى مرأى ومسمع من العشرات من تلاميذه الذين كانوا في موقع الحادثة القريب من الثانوية التي يعمل بها شوقي معلماً، في مشهد يكشف مدى الأريحية التي تلازم عمل آلة القتل.
ولم تكلف إدارة أمن عدن نفسها إصدار بيان يندد حادثة اغتيال القيادي في حزب الإصلاح كُمادي، او حتى بياناً مقتضباً يؤكد قيام الإدارة بواجبها في التحري والقبض على الجناة، ولو حتى من باب الاستهلاك الإعلامي، كما حدث مع باقي الحوادث الأمنية السابقة.
الناشطة الإعلامية غيداء الناخبي، تفيد" أن المشهد في العاصمة المؤقتة عدن بات أكثر قتامة من ذي قبل.
وتضيف الناخبي في حديثها لـ"الموقع بوست" أن استهداف الائمة والدعاة انعكس بشكل سلبي على المدينة فقد عمها الحزن والسواد على فراق الخيرين والصالحين من أبناءها، فقد كانوا دعاة الصلاح فيها وهم اول من حمل السلاح دفاعاً عنها وهبَّ لتحريرها من الانقلابيين وهم اول من دعو لاعادة اعمارها وبث الحياة فيها.
وتذكر" بقتل الدعاة والشخصيات الاجتماعية نستطيع القول بأن المدينة مستهدفةٌ من مشاريع ظلامية لا تريد لها الحياة.
وأوضحت،" أن هذه الحوادث المتكررة سواء كانت نتاج لفشل أمنى او لتواطئ او لانشغال هذه القوات بغير اعمالها، فان من يدفع الثمن فقط هم ابناء هذه المدينة المسالمة العاشقة للحياة والرافضة للإرهاب.
ناقوس الخطر
أئمة وخطباء المساجد، باتوا يتلقون رصاصات الاغتيال منذ مطلع العام ٢٠١٦، فقد اغتيل اثنين من خطباء مساجد مديرية المنصورة خلال النصف الاخير من العام ٢٠١٦، وهما الشيخ عبدالرحمن الزُهري المحسوب على تيار ابي الحسن الماربي، والأستاذ صالح حليس المحسوب على تيار الإسلام السياسي والمعروف بحزب الإصلاح؛ تشابهت طُرق اغتيالهما وايضا نجاح القتلة بالهروب.
كل التيارات الفكرية استهدفت، عدا تلك المحسوبة على تيار وزير الدولة المُقال والمقرب من دولة الإماراتي هاني بن بريك، والذي يعتبر من مدرسة المداخلة، والتي يعود تسميتها للشيخ ربيع المدخلي؛ الا ان تلك الاستراتيجية التي نفذتها آلة القتل تسببت في احراج القيادات الأمنية المحسوبة على دولة الإمارات ووضعتهم في قائمة المتهمين.
اغتيال الشيخ ياسين العدني، والمحسوب على تيار بن بريك في العاشر من أكتوبر ٢٠١٧، كان أشبه ما يكون بالعملية المدبرة، فهي الحادثة الأولى التي يكون ضحيتها شخصية محسوبة على المُعسكر الإماراتي، لهذا فهي لم تمر كما مرَّت الحوادث السابقة، فما هي الا ساعات مضت على الحادثة الا ونفذت الأجهزة الأمنية التي يديرها شلال شائع حملة مداهمات ل ١١ قيادياً وفرداً يتبعون حزب التجمع اليمني للإصلاح، وكذا اقتحام المقر الرئيس للحزب وإحراقه.
وتوازت تلك الأحداث المتسارعة، مع ضغط إعلامي شديد نفذته وسائل الإعلام المحسوبة على الإمارات، فهي تتهم حزب الإصلاح بالوقوف خلف تلك الاغتيالات مستدله بفيديوهات مفبركة تُظهر أسلحة ومتفجرات قالوا أنها وُجدت بداخل منازل الإصلاحيين ومقرهم.
لكن تلك المسرحية لم تستمر طويلاً، فقد تم الافراج عن كل من تم اعتقالهم وبمقدمتهم الأمين العام المساعد للإصلاح بعدن محمد عبدالملك، ليتكشف بذلك مدى سذاجة تلك المسرحية والتي أرادت حرف مسار الرأي العام الا ان نتائجها كانت عكسية، فقد وضعت إدارة أمن عدن ممثلة بمديرها شلال شائع نفسها بموقف لا تُحسد عليه امام المواطنين، فكيف يتم الافراج عن إرهابيين كان بحوزتهم متفجرات وأسلحة خطيرة.
ويُذكر أن 11 خطيباً وداعية على الاقل لقوا مصرعهم خلال موجة الاغتيالات، دون أن تكشف الأجهزة الأمنية ولو مصير قضية واحدة فقط.
وفي ذات السياق، يقول عضو رابطة علماء ودعاة عدن الشيخ جمال أبوبكر السقاف،" بات وضعنا في الجنوب مختطفاً، عرضة للشامتين، ومطمعاً للمرتزقة، ومرتعاً للحاقدين، فبين اغتيال الراوي وشوقي الكمادي، قوافل من الدعاة تم اغتيالهم، دون العثور على القتلة المجرمين.
وسط أجهزة أمنية متعددة ومتنوعة، بثت الرهبة والرعب لدى الكل، إلا مغتالي الدعاة.
ويضيف السقاف في حديثه لـ"الموقع بوست"شعارات جوفاء، وتصرفات خرقاء، فالتغني بقطع أيادي إيران وأذنابها، حقيقته اغتيال المخلصين من الدعاة والصادقين.
ويذكر"سنتان وبضعة أشهر من تحرير عدن، تحرر فيها كل شيء إلا أجهزة الدولة ومؤسساتها، ومن قاوم الحوثيين ودعاتها..نعم! تحرر فيها القتلة، فأُطلقت أيديهم للنيل من الأحرار دون خوف أو محاسبة، وتحرر فيها العابثون، فطال عبثهم خدمات الناس ومعاشاتهم.
ويتابع"وتحرر فيها الفاسدون، فنهبوا أموال الشعب وثرواته، وتحرر فيها الحاقدون، فقضوا على أحلامه وآماله.
وتحرر فيها من قصفها، وقتل أهلها، فدخلها مفتوحة له أبوابها، منقادة له معسكراتها.
ويستطرد" في ظل انحراف بوصلتنا، وتغيير وجهتنا، وتغير أهدافنا، لن يكون شوقي الكمادي الضحية الأخيرة، بل سيستمر نزيف الدم، وسينخر الفساد، وتروج بضاعة الارتزاق، وسيكون شعار: الأمل محملاً بالألم.
والتحرر بالتبعية والعبودية.
واختتم السقاف حديثه لـ"الموقع بوست" بتساؤلٍ يراه مهماً فقال"هل من سبيل للخروج من هذا التيه والضياع"؟
الكل معني في الإجابة على هذا السؤال، والعمل على تكتل شعبي حر، لإنقاذ ماتبقى من البلاد.
أصابع الاتهام
وفي أواخر فبراير/شباط من العام ٢٠١٦، اغتال مسلحون مجهولون مدير مركز الفيوش العلمي عبدالرحمن العدني، وهو أحد أبرز شيوخ الطريقة السلفية ومنظر أحد اتجاهاتها، وذلك على بُعد أمتارٍ من مسجده ومنزله المتقاربين بمنطقة الفيوش المحاذية للعاصمة المؤقتة عدن من اتجاه الشمال.
ومن مصادفات القدر، أن المسلحين المجهولين الذين اغتالوا الشيخ العدني وقعوا بيد أفرادٍ من المقاومة الشعبية قاموا بتعقبهم والقبض عليهم بعد تقلب سيارتهم، لتكون بذلك الفرصة الأولى للكشف عن هوية أولئك المسلحين ومن يقف خلفهم، لكن مجدداً لم يحدث ذلك، فقد تم تسليم المسلحين إلى القوات الإماراتية والتي تُدير عمليات التحالف العربي الواقع في معسكر البريقة.
تسلم الإماراتيون القتلة وكان مصيرهم الإخفاء والابعاد عن اعين العدالة، فبالرغم من المطالبات الشعبية باحالتهم للعدالة وكشف من يقف خلفهم، فهي الحادثة الأولى من نوعها بل والوحيدة التي لم يستطع فيها المجرمون اللوذ بالفرار.
وبحسب مصادر مطلعة فإن العدني كان على خلاف مع وزير الدولة المُقال ونائب رئيس ما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، والمعروف بعلاقته الوطيدة مع دولة الإمارات.
ونتيجة لما سبق، آثر العديد من الدعاة والخطباء والذين لديهم استطاعة مادية، الخروج من العاصمة المؤقتة عدن والهجرة نحو دولتي السودان والسعودية، حرصا على سلامتهم من الوقوع ضحية للاغتيالات.