[ مختصون" الشائعات لا تقل خطورة عن الحرب القتالية ]
ساهمت الشائعات بشكل كبير، منذُ اندلاع الحرب في اليمن قبل ثلاث سنوات، في تعميق الشرخ الاجتماعي وإعادة إلى السطح من جديد بناء هويات طائفية ومناطقية.
ولم تعد الشائعات بحاجة إلى لسان ثرثار، وأذن تسمع وتتلقف، كما كان في السابق، بل أصبح أمر نشرها في السنوات الأخيرة أسهل مما كان بكثير، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي "الإعلام الجديد"، بمنشور واحد على أحد مواقعها تنتشر انتشار النار في الهشيم.
ويقول مراقبون وخبراء إن معظم الشائعات، التي تجدها تنشر بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، ليست عفوية بل تدار عبر مطابخ إعلامية تستهدف الأحزاب السياسية وقيادات وطنية وقيادات عسكرية وسياسية مؤثرة في الدولة.
ويقع العشرات من النشطاء والصحف الإلكترونية، وغيرها من وسائل الإعلام ضحايا ذلك الكم الكبير من الشائعات ويتلقفوها بسرعة البرق ومن دون التأكد من صحتها ويطلقون أحكام سريعة على الآخرين وتتضخم حتى تصل إلى إطلاق أقبح الكلمات من السباب والشتم والألفاظ البذيئة.
وتختلف الأسباب التي تدفع مؤلفي الشائعات لاختلاقها، فحسب بعض التحليلات هناك أيادي خفية تسهم باختلاق ونشر هذه الشائعات، وتهدف إلى خلق حقيقة تقنع العقل الباطن للمتلقي بمصداقية الحدث الوهمي، والأسباب وراء ذلك كثيرة، فمنها السياسي ومنها الترهيب والترغيب ومنها وهو الأهم استخدام الشائعة كجزء من الحرب النفسية.
ويرى محللون استطلع الموقع بوست آراؤهم إن الشائعات على الإعلام الجديد ساعدت على توسيع الأزمات داخل البلاد، ووسعتها بشكل كبير حتى أحدثت أزمات على المستوى المجتمعي، وعلى المستوى السياسي.
إرباك المجتمعات
ترى المختصة في الشأن الاجتماعي "حنان علي الرداعي" أن الشائعات تلعب دوراً مهما في تغيير وجهات نظر أي مجتمع، وتساعد على إرباك مستوى تفكيره وتحيزه لأي جهة تعمل على استقطاب عقول أفراد المجتمع فكريا ودينيا وسياسيا في أي حالة سلمية.
وقالت في حديثها لـ "الموقع بوست"، فمابالنا أن يعيش المجتمع حالة من الصراع المذهبي أو السياسي المربك الذي يجعل من الفرد البحث عن أمل جديد ليعيش عليه بتحسن حاله وحال مجتمعه.
وأكدت أن الشائعات تنتشر بشكل أكبر أثناء الحروب والصراعات الداخلية لتجعل الفرد يصغي إليها وينشرها مع الكثير مما يسمى "البهارات" التي تحتوي حلمه بالسلم والسلام والعودة للزمن القديم والرغيد الذي كان يعيشه.
وأفادت: "الرداعي"ومن جهة أخرى هناك شائعات تطلقها الجهات المتخاصمة في المجتمع لتجعل من نفسها قوة كاسرة أمام الأخرى وكذلك لترهب أو توهم فراد المجتمع.
وأضافت: يطلقها صناع القرار أو القوة الحاكمة لتحد من مستوى مطالب الشعب بالديمقراطية أو ليتغاضوا عن بعض حقوقهم البسيطة وتجعل تفكيرهم مركزا على البحث عن قوت يومهم وتدبيره فقط.
وتابعت: هكذا للأسف تتحول الشعوب من فكرة إلى فكرة أخرى بسبب إشاعة تطلقها حكومة أو قوة متحكمة سياسيا أو تجاريا بمنطقة ما لتشتت فكر أفراد المجتمع وتربكهم لتنفيذ مصالح معينة وتلبي مطامعها.
التواصل سهلت نشر الشائعات
يؤكد الناشط والمفكر اليمني "عبدالرحمن الحميدي"، أن الشائعات تتم بأسلوب منظم، ولها مطابخ تعمل على نشرها بطريقتها، وأشار "الحميدي" في تصريح لـ "الموقع بوست"، إلى أنه وللأسف الكثيرين يتلقون هذه الشائعات ويساعدون في نشرها دون التحقق من صحتها.
وأفاد: أن المتلقي يصبح فريسة سهلة أمام أي شائعة، مشيرا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أو "السوشيال ميديا" سهلت بشكل كبير في سرعة انتشار هذه الشائعات وتبادلها على نطاق واسع.
وأكد أن عدد كبير من الشائعات كان لها تأثير على المستويين العسكري والسياسي، البعض منها استهدف قادة ورموز في الجيش الوطني وبدون وعي ساهم آخرين في نشر تلك الأكاذيب دون قصد.
وبين "الحميدي" أن اختيار التوقيت لكل شائعة هو الذي يحدد الهدف منها، ورأى أن أغلب الشائعات التي انتشرت على مدى الثلاث سنوات الماضية لم تتم بشكل عفوي ودون تخطيط بل كان مخطط لها ومدروسة وتدار عبر مطابخ واسعة.
وسيلة من وسائل الحرب
من جانبه يذهب الكاتب السياسي اليمني "محمد الغابري" إلى أن الشائعات في العادة من وسائل الحرب وتعرف بالحرب النفسية.
وأكد "الغابري" في تصريح لـ "الموقع بوست"، أن الشائعات تستهدف المجتمع لجعله في حالة عامة مضطربة وتصرفه عن المشكلات الحقيقية والمسؤولين عنها.
وأشار إلى أنها منظمة ومضامينها تشير إلى المستفيد منها، واستدل الغابري بشائعة لقاء محمد بن سلمان بخالد بحاح، رئيس الحكومة السابق المثير للجدل، مشيرا إلى أن الهدف منها التلويح باستخدام بحاح بديلا عن هادي والذي يتوافق مع أبوظبي ومقرب من بقشان رجل أعمال سعودي من حضرموت.
ولفت إلى أن الغرض منها أيضا إسكات جميع المسؤلين الذين ينددون باحتجاز هادي، أنهم مستعدون أن يمكنوا لبحاح، وتابع: أن هناك أهداف شتى لمثل هذه الشائعة من بينها صرف الأنظار عن احتجاز الرئيس والحكومة.
المخابرات البوليسية وراء الشائعات
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي اليمني، "محمد المقبلي"، إلى أن هناك شائعات عفوية وهناك شائعة موجهة.
وأشار المقبلي إلى أن الشائعات كانت من قبل، شفهية وأصبحت التكنولوجيا الآن وسيلة للشائعات، لكن الوعي المتماسك لا يتأثر بها وهي تؤثر في الأوساط التي تعيش في وعي تلقيني غير محصن وغير قادر على التحليل.
ورأى في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن المخابرات البوليسية هي وراء الشائعات، مشيرا إلى أن الإعلام الحديث أبطل مفعول الشائعات ولم يعد لها تأثير واسع.
إشاعات متواصلة
ويقول الصحفي اليمني "عمر العميسي"، إن العالم الإفتراضي في اليمن يمتلئ بشتى وسائله وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات القصص والشائعات التي تنشر بشكل شبه يومي، وتمس أحداثا مثل التنبؤ بالهجمات العسكرية أو ارتفاع الأسعار وانشقاق شخصيات سياسية واستقالة أخرى.
وأفاد العميسي في تصريح لـ "الموقع بوست" أن مستخدمو مواقع التواصل يتناقلوا هذه الشائعات على أنها أخبار ودون التحقق من صحتها أو من مصدرها لتنقل الرواية من صفة شائعة إلى صفة حقيقة في أذهان المتلقي.
وأشار إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، منذُ اندلاع الحرب في البلاد، استطاعت مطابخ الشائعات أن تحقق أهدافها على جميع المستويات.
وبين أن العالم الإفتراضي، كانت نافذة واسعة استطاع عن طريقها المرجفون، بث روح الكراهية لرموز البلاد الوطنية والعسكرية بشائعات مغرضة تخدم معظمها أجندة خارجية ومخططات تستهدف تقسيم الوطن أرضاً وإنسانا.
أغراض لترويج الإشاعة
وتشير الدكتورة فوزية عبدالستار أستاذة القانون الجنائي بجامعة القاهرة المصرية إلى أن الشائعة تدخل في نطاق الكلام الذي ينقل ولا أصل له؛ ولكنها تثار لأغراض يصبو إليها مروجوها.
وتابعت أن معظم الشائعات التي تثار في هذه الآونة ليست ذات قيمة، فمثلا الشائعات التي تثار على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” في جميع المجالات السياسية وتنال رموزا سياسية أو فكرية أو ترويج شائعة وفاة لنجم من نجوم الفن والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتي تتأثر بها أسواق المال العالمية وإن كان تأثير بعضها ضعيفا.
وأفادت أن هناك نوعا من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير السلبي على المجتمع، وذلك في حالة تعلق الشائعة بأمور مصيرية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.