الدراما اليمنية.. تطور في الشكل وتراجع في المضمون (تقرير)
- مبارك الباشا الخميس, 30 مايو, 2019 - 10:35 مساءً
الدراما اليمنية.. تطور في الشكل وتراجع في المضمون (تقرير)

[ حققت الدراما اليمنية هذا الموسم حضورا شعبيا لافتا ]

تمكنت الدراما اليمنية هذا الموسم من تحقيق حضور شعبي جيد رغم أوجه القصور المختلفة التي لازمتها، فقد نجحت في جذب اهتمام المشاهدين بدرجة كبيرة، ولعل ما أحدثته من جدل سيما "غربة البن" لهو خير دليل على استجابة الجمهور اليمني للمنجز الدرامي لهذا العام.

 

الشيء اللافت، هو تمكن شركات الإنتاج من التأقلم مع ظرف الصراع وإنجاز العديد من المسلسلات من مناطق الحرب، أبرزها "غربة البن" الذي أنتجته شركة الوافي ويعرض حالياً على قناة "يمن شباب" وهو عمل كوميدي يناقش قضايا اجتماعية، كالاغتراب، والعودة لزراعة البن. وجاءت فكرة هذا المسلسل من التراث اليمني في تجربة تحاكي تفاصيل الحياة اليمنية خلال القرن الماضي.

 

وحضرت إلى جانب هذا العمل عدة مسلسلات أخرى منها "تاتش" الذي تبثه "قناة سهيل"، وكذلك "مع ورور"، و"على أيش"، وهما عملان كوميديان تعرضهما "قناة السعيدة"، إضافة إلى أعمال أخرى. وتتشابه جميعها بقالب العرض الكوميدي والقضايا الاجتماعية المشتركة التي تعالجها.

 

ولنا أن نشير إلى أن جميع هذه الأعمال أنجزت لصالح القنوات الخاصة، بعد تراجع وتيرة الإعلام الحكومي واستلابه من قبل أطراف الصراع، وقد كان له إسهام درامي في فترة ما قبل الحرب.

 

غياب السياسة

 

ولعل أهم ما اتسمت به دراما هذا الموسم، هو ابتعادها نسبيًا عن النسق المألوف في التهريج، إضافة إلى خلوها من أي مضامين سياسة، ويعود ذلك إلى حذر شركات الإنتاج من تبعات التوظيف السياسي التي قد تطالها، سيما أن معظم الأعمال المُنٙتجة أنجزت من مناطق الصراع.

 

وقد شهدت دراما هذا الموسم تطورًا ملحوظاً على مستوى الشكل والأدوات، كالأزياء والتصوير، بينما تراجعت على مستوى الأداء الفني الإبداعي، بحسب تصريح الدكتور قائد غيلان.

 

عشوائية الإنتاج

 

يرى غيلان، وهو ناقد فني وأدبي، أن الإنتاج الدرامي الحالي أضعف بكثير إذا ما قورن بدراما التسعينيات، رغم امتلاكه لإمكانيات تقنية أفضل.

 

ويُرجِع مشكلة الدراما اليمنية إلى العجلة والارتجال، إضافة إلى غياب الإشراف لدى الجهات المُنتجة للمسلسلات، وافتقارها لمتخصصين فنيين.

 

يقول غيلان لـ"الموقع بوست": "من الملاحظ عدم وجود مراقب عام يضبط العمل الدرامي، لهذا تجد الكثير من المعلومات المغلوطة تاريخيًا واجتماعيًا".

 

مشكلة التهريج

 

وكانت مسلسلات هذا الموسم قد قوبلت بانتقادات واسعة، بسبب أسلوبها الكوميدي الذي اعتبره البعض محض تهريج.

 

يُرجع الناقد غيلان مشكلة الإفراط في الكوميديا إلى خطأ في ذهنية الممثل الذي فهِم الكوميديا على أنها مجرد تهريج.

 

يوضح بالقول: "عند تٙسلُم الممثل لدور ما تجده سرعان ما يبادر إلى تأديته بأسلوب كوميدي حتى لو لم يتطلب الدور ذلك".

 

يشير غيلان إلى أن هذا ليس خطأ الممثل لوحده، فهو ليس مسؤلاً عنه بمفرده، ذلك أنه يفتقر إلى من يوجه مساره، وتقع المسؤولية على المخرج، لأن الخطأ وقع في نطاق اختصاصه.

 

أزمة نص

 

من جهته يرى الكاتب حسين الوادعي أن السيناريو هو نقطة ضعف الدراما اليمنية، وهو يتفق مع رأي الدكتور غيلان بشأن جوانب التطور الشكلي التي حظيت بها الدراما اليمنية هذا الموسم، لكنه يؤكد على أن المضمون لم يتطور وما يزال ضعيفًا وسطحيًا.

 

الوادعي يقول إنه لا يؤيد فكرة الهجوم الشرس ضد الدراما اليمنية، فهو يرى أن الاستمرار في الإنتاج التلفزيوني الدرامي في ظرف الحرب فعل مقاومة جدير بالتشجيع.

 

تحوّل جديد

 

يشير الوادعي من ناحية أخرى إلى تطور جديد على مستوى المضمون حضر في دراما هذا الموسم، يقول إنه الانتقال جزئيًا من "الكوميديا" إلى "التراجيديا". ويوضح أن هذا التحول بدا جلياً في مسلسلي "مع ورور" و"غربة البن".

 

يواصل الوادعي في حديثه إلى "الموقع بوست": "إن المختبر الحقيقي للتطور الدرامي هو التراجيديا وليس الكوميديا"، ويرجع السبب في ذلك إلى أن التراجيديا بمتطلباتها الصعبة هي التي تصقل مهارات الإخراج والتمثيل والتصوير والكتابة.

 

حلول واقتراحات

 

وبخصوص مشكلة السيناريو يقترح الوادعي ثلاث طرق موجهة إلى صناع الدراما في اليمن.

 

يقول إن الطريقة الأولى هي "ورشة السيناريو" حيث يجتمع عدد من كتاب السيناريو الشباب للتدرب تحت إشراف سيناريست أو مخرج محترف لكتابة حلقات المسلسل المراد إنتاجه.

 

يضيف: "أما الطريقة الثانية فهي الاستعانة بالروائيين اليمنيين لكتابة سيناريو متكامل". ويشير الوادعي إلى كوكبة من الكُتاب القادرين على تقديم نصوص درامية ناجحة، أبرزهم وجدي الأهدل وحبيب سروري وسمير عبد الفتاح.

 

يختتم بالطريقة الثالثة "وهي الاقتباس من النصوص الروائية الشهيرة يمنياً أو عربيًا أو عالمياً، بشكل مباشر أو غير مباشر، كما فعل السيناريست المصري أسامة أنور عكاشة في الاقتباس من رواية "دون كيشوت" في مسلسل أبو العلاء البشري".

 

وعي درامي جديد

 

أما المخرج الشاب عبد الله يحيى إبراهيم فيؤكد على تنامي ظاهرة الوعي إزاء مفهوم الدراما مؤخراً، من ذلك تجاوز المنتجين لمفهوم التهريج الموسمي الذي ظل متداولاً لفترة طويلة. وهو يشيد بنزوعهم الأخير الذي تمثل في إيلائهم عناية خاصة بعناصر الشكل.

 

يقول عبد الله لـ"الموقع بوست": "من الملاحظ أن شركات الإنتاج بدأت تعتني ببعض الأشياء الفنية التي لم تكن تكترث لها في السابق، كالاهتمام بالمعالجة اللونية، وصناعة موسيقى خاصة بالعمل، وكذلك جلب وجوه جديدة إلى عالم التمثيل".

 

نظرة إيجابية

 

ويعلق: "يجب أن ننظر إلى الجوانب المشرقة في العمل، لأن الدراما اليمنية في هذا الظرف بحاجة إلى مساندة وتشجيع أكثر من حاجتها إلى النقد على أهميته، إضافة إلى أن هناك أشياء جديدة جديرة بالإشادة والاهتمام".

 

وبخصوص الانتقادات الأخلاقية التي وجِهت لبعض المسلسلات، يُرجع عبد الله هذا الأمر إلى التشدد الديني الذي تفشى مؤخراً، وهو يرى عدم وجود أي تجاوزات على ثقافة المجتمع اليمني وعاداته كما يدّعي البعض.

 

الفن لا يُحاكم

 

ويشير إلى أن الدراما اليمنية حظت بحرية وانفتاح في تسعينيات القرن الماضي أكثر مما تحظى به اليوم، ولم تكن تتلقى الاتهامات والهجوم كما يحدث اليوم، منوهاً إلى أن ذلك لم يكن يشكل مشكلة، وكان أحد عوامل القوة الذي فقدته الدراما اليوم.

 

ويوضح أن الدراما فن، والفن لا يُحاكم دينيًا ولا يمكن اعتقاله في قوانين متشددة، فمن شأن ذلك أن يعيق مسيرته، ذلك أن الفن لا يتطور إلا في مناخ حر.

 

موضة النقد

 

وبخصوص موجة النقد الحادة التي قوبلت بها بعض المسلسلات، يقول عبدالله: "يجب أن ألا تؤخذ كل الانتقادات على محمل الجد، ذلك أن بعضها مجرد انطباعات لا تكون مهنية في الغالب".

 

وعمّا إذا كانت الدراما اليمنية تفتقر إلى كوادر، يعلق المخرج الشاب: "يوجد لدينا مبدعون كُثر، كُتّاب، وممثلون، ومخرجون، لكن لم تتح لهم الفرصة لإثبات جدارتهم بسبب عشوائية الإنتاج الدرامي وموسميته".

 

يختتم: "الدراما اليمنية تحتاج إلى التغيير، نحتاج أن ننتج أعمالاً بشكل مختلف من أجل تجاوز المستوى الحالي، هذا إذا أردنا للدراما اليمنية أن تنافس عربيًا".


التعليقات