عيد صنعاء.. الدجاج عوضًا عن الأضاحي والفرح معدوم (تقرير)
- صنعاء - خاص السبت, 10 أغسطس, 2019 - 04:32 مساءً
عيد صنعاء.. الدجاج عوضًا عن الأضاحي والفرح معدوم (تقرير)

[ عيد صنعاء.. الدجاج عوضًا عن الأضاحي والفرح معدوم ]

تفاجأ الحاج مطهر العراسي (62 عامًا)، حين وجد أن المبلغ الذي بحوزته لا يضمن له شراء أضحية تفي باحتياج أسرته، اعتراه اليأس وهو يتجول في سوق "نُقم" للمواشي شرق صنعاء، وأدرك خيبة مسعاه فأطلق صيحة غاضبة "ما عد نشتيش عيد.. دام والطّلي بمئة ألف" ويقول أنه ذُهل حين أدرك أن الأضاحي باهضة الثمن بشكل لم يكن يتوقعه.

 

"أخبروني أن أسعار المواشي ازدادت، يقول، لكني لم أكن أتوقع أن تكون مرتفعة بهذا القدر" ويشير إلى أنه لا يُقْدِم على شراء المواشي إلا مرة واحدة في العام، خلال عيد الأضحى، وقد أدرك متأخرًا نسبة الزيادة السعرية الفارقة خلال عام واحد. "ازدادت الضعف" يتمتم بحنق، ثم يغادر السوق. هكذا شرح الشاب العشريني خالد العراسي، قصة عمّه الذي رافقه لسوق "نُقم" يوم الجمعة.

 

أسعار باهضة

 

يوضح العراسي لـ "الموقع بوست": أن عمّه لم يتمكن هذا العام، من إيجاد أضحية تغطي حاجة أسرته المؤلفة من ثمانية أفراد، مشيرًا إلى أن الرجل ذهب للسوق وفي حوزته (35 ألف) فلم يسعفه هذا المبلغ، وعاد خائبًا. ويؤكد الشاب بأن هذا المبلع لا يكفي لتأمين أضحية لأسرة متوسطة العدد، ويوضّح أن عمه سيكتفي بشراء "أربعة كيلو" من اللحم من إحدى الملاحم في صنعاء، يوم العيد وتلك أضحيته.

 

يملك الحاج الغراسي خيارًا أفضل مقارنة بالكثيرين الذيّن سيكتفون بالدجاج أيام العيد عوضًا عن لحم الخراف الباهض. مصادر ميدانية متفرقة في صنعاء، أكدت لـ "الموقع بوست" أن الكثير من الأسر لا تملك ثمن الأضاحي، ويعتبرون العيد مناسبة مؤلمة، ذلك أنه مصدر همّ إضافي بالنسبة لهم، ويحل عليهم ثقيلاً ومضاعفًا للمأساة التي أصبحت روتينًا طبيعيًا يعيشونه.

 

تباينات

 

ومع أشتداد أزمة الحرب، وتردي الوضع الاقتصادي والمعيشي للكثير من الناس، غدت أضاحي العيد عقبات جديدة تثقل كاهل اليمنيين، إذ وصل متوسط سعر الخروف الواحد إلى 80 ألف ريال هذا العام، في حين بلغ متوسط سعر الثور 700 ألف ريال، وهي زيادة باهضة مقارنة بالأعوام الماضية؛ جعلت الكثير من الناس يفكرون بالاستغناء عن الأضاحي التي غدت استحقاق ثقيل لدى المقتدرين، ومنبع ألم كبير بالنسبة للعاجزين.

 

يختلف سكان مدينة صنعاء عن قاطني الضواحي والأرياف البعيدة، وفي حين أن الأضحية باتت عقبة كبيرة على المواطن في المدينة، فإنها في الغالب لا تكون كذلك في الريف الصنعاني، ذلك أن سكان الريف يعتمدون على مواشيّهم الخاصة، فالغالبية منهم يمتلكون قطعان من الأغنام والماعز، ويقومون باختيار الأضحية قبل شهور من قدوم العيد، ويعتنون بها حتى يوم العيد.

 

مأساة مزدوجة

 

تقول الناشطة الاجتماعية، الدكتورة لمياء الإرياني، أن الحرب أضرت بسكان المدن بدرجة أكبر من سكان القرى والأرياف، فالقصف طال المدن أكثر، إضافة إلى أن الأثر الاقتصادي للحرب حاق بدرجة أساسية على سكان المدن، سيما الذين كانوا يعتمدون على الحكومة في مرتباتهم.

 

تشير الإرياني إلى أن فرحة العيد متلاشية بشكل شبه كلي من صنعاء، لأسباب كثيرة تتعلق بالتدهور المعيشي للناس، إضافة إلى الاستلاب الداخلي الذي يعيشونه. وتؤكد أن المواطنين في صنعاء، وفي عموم اليمن، يتعرضون لاستنزاف نفسي، وصحي، كونهم واقعين تحت ضغط الحرب. "لا يمكنك أن تروض مزاجك ليبقى طيبًا طوال الوقت" تقول. تواصل، حتى الناس الذين لا يشكون من تدهور مالي، لا يستطيون أن يبتهجوا في هذا العيد، بينما جيرانهم معوزين ويفتقرون إلى أشياء كثيرة.

 

تنهي حديثها بالقول، هي مأساة مزدوجة ترتبط بعامل المعاناة لدى عموم الشعب، لا أحد يستطيع أن ينفصل ببهجته دون أن ينغمس في المأساة العامة للبلد.

 

ربكة موسمية

 

يفسر هذا القول سبب تراجع مظاهر الاستعداد التي كانت في السابق تعصف بالمدن والقرى على حد سواء، حين كانت الأسواق تحتشد بالناس في ازدحام كرنفالي صاخب يسبق موعد العيد بأيام قليلة. أما اليوم فقد غدا العيد مجرد ربكة موسمية تحل لتعرية الناس أمام احتياجاتهم التي فقدوها، يأتي العيد ليوحي بها من جديد، فيتذكر اليمنيون كم باتوا عاجزين أمام أنفسهم، وأمام الآخرين، وعلى هذه الحال يجد أغلب اليمنيين أنفسهم في الأعياد.

 

وفيما يخص تجهيزات المواطنين للعيد في صنعاء، فقد شهدت المدينة حراك تسوقي باهت هذا العام، فأغلب السكان لم يبادروا إلى التسوق، فيما اكتفى البعض بتوفير بعض المتطلبات البسيطة، كالحلوى وبعض الأساور وقبضات الشعر لأجل الأطفال، حيث يجب أن يفرحون، وعليك أن توفر لهم شيء جديد بقدر استطاعتك، يقول ياسر مهدي (38 عامًا) الذي يعمل بشكل حر في الجبسيات والديكور، ويوضّح أنه لا يعمل بشكل متواصل، بسبب شحة الفرص، وقلة الحراك العُمراني في صنعاء.

 

حِيّل الأمهات

 

يشير مهدي وهو والد لأربعة أطفال - تبلغ الكبرى 11 سنة - أنه اضطر للاحتيال على الصغار بشأن ملابس العيد، ويوضح أنه دفع زوجته لإخفاء ملابس عيد الفطر عن الأطفال بعد انقضائه في الموسم السابق، ويقول "أعدناها لهم الآن على أنها ملابس جدي دة" باستثناء الطفلة الكبيرة، من الصعب تضليلها، ويشير إلى أنه لجأ إلى تعويضهاء ببعض الأساور وقبضات الشعر الجديدة التي اشتراها من السوق لإرضائها.

 

"لا يمكنك أن تتنصل كليًا من استحقاقات الأطفال في العيد" يقول. عليك أن تُفرحهم بشيء ما، جديد، ومبهج.

 

ويوضح تجار الملابس في شارع هائل (وسط صنعاء) في أحاديث متفرقة لـ "الموقع بوست" أن إقبال الناس على التسوق يكاد يكون عاديًا، كما يحدث في غير المواسم، ويؤكدون على أن الملابس الجديدة لم تعد مظهرًا عيديًا، مشيرين إلى أن الكثير من الناس لم يعودوا يولون أهمية لهذا الجانب بسبب شحة مصادر الدخل، وقد باتت ظاهرة، أن تجد الكثير من الأطفال بملابس قديمة يوم العيد، يقولون.

 

وتعيش صنعاء تحت وطأة ضغط داخلي من قبل مليشيات الحوثي، ونير قصف جوي من قبل طائرات التحالف، فيما يقبع مواطنوها في الوسط بصمت وألم، دون رواتب ودون فرص عمل ودون نجاة من ابتزازات مليشيات الحوثي التي تقوم باختلاس الناس بين فترة وأخرى، تحت مسميات مختلفة، ويحل عيد الأضحى هذا العام دون ابتسامة ولا أمل.


التعليقات