أسواق الملابس المستعملة قبلة اليمنيين في كسوة العيد (تقرير)
- محمد حفيظ الاربعاء, 12 مايو, 2021 - 12:05 صباحاً
أسواق الملابس المستعملة قبلة اليمنيين في كسوة العيد (تقرير)

[ إقبال الناس على سوق الملابس المستعملة في مأرب لكسوة العيد ]

يتكاثر أعداد زبائن أسواق الفقراء ومرتاديها كل عام عن سابقه، لكن تجارتها اقتصرت على عدد محدد من التجار دون تزايد، لكونها تجارة الفقراء للفقراء والمعدمين الذين يتخفون خلفها هربا من وصمة ظنوا أنها معيبة بحقهم، لكنها باتت ظاهرة ارتسمت على بؤس معظم اليمنيين في ظل واقع تعيس تشهده البلاد.

 

تجارة الحراج التي تحشد سلعها المستخدمة مع اقتراب الأعياد على أرصفة الشوارع وبالقرب من مخيمات النازحين لجذب زبائنها، والتي لا تختلف عن معارض الملابس الجديدة، إلا بكون سلعتها مستخدمة وأسعارها زهيدة تراعي أوضاع المعدمين الذين باتوا أكثر من زبائن المعارض الجديدة باهظة الثمن ومهلكة وجالبة الأحزان لأولياء الأمور في وضع محزن تعايشه تلك الأسر تؤرقها قبيل الأعياد.

 

زياد الكدم (40 عاما) أحد تجار الملابس المستعملة منذ عشرين عاما يعمل في هذه المهنة، وكان يعمل في تجارتها في صنعاء وعدن في السنوات الماضية، وقبل الحرب اليوم يتربع وحيدا في مدينة مأرب في أوساطها وأطرافها وزع معارض سلعته على أرصفة الشوارع وبالقرب من مخيمات النازحين، حشد كل طاقته ومخزونه من ملابس الحراج المستخدمة قبل عيد الفطر الذي يطرق الأبواب.

 

 

يقول الكدم لـ"الموقع بوست" إنه يبيع ويساعد الفقراء والمحتاجين في إيجياد حلول للأسر الفقيرة والمعدمة التي لا تستطيع كساء أطفالها من الملابس الجديدة بسبب ارتفاع أسعارها الباهظة والجنونية، في ذات الوقت يبيع سلعته عله يكسب من ورائها أجرا ومالا لتسيير أمور حياته وأسرته.

 

يملك الكدم سبعة معارض أو مفارش لملابس الحراج المستخدمة موزعة على مدينة مأرب، ويعمل معه 15 عاملا لبيع ملبوسات الحراج في تلك المعارض المختلفة والمنتشرة في المناطق ذات الكثافة السكانية والقريبة من مخيمات النازحين، حيث استهدف الكدم مناطق الروضة والشبواني والشارع العام وباب مخيم الجفينة وبن عبود وشارع الجامعة.

 

 

تشهد محلات ملابس "الحراج" إقبالا كبيرا يوازي إلى حد كبير الإقبال على المعارض الجديدة، حيث تشهد الازدحام في أوقات المساء في ليالي رمضان ومنذ العشر الأواخر من الشهر الكريم زاد إقبال الأسر على ملابس الحراج والتي تسبق عيد الفطر.

 

قرر الكدم اللحاق بزبائنه إلى مأرب منذ 2014 وبعين تاجر يعي أين رواج بضاعته لأسباب يقول إن مأرب كانت خالية من أسواق الحراج وأن لها رواجا واحتياجا كبيرا في أوساط النازحين.

 

"زبائني هم الأسر البسيطة والفقراء وحتى متوسطي الحالة المادية بينهم من الأيتام ومن فقدوا رب الأسرة بسبب الحرب والعمال ومحدودي الدخل، تأتي إلى تاجر الحراج أسر لا تستطيع حتى دفع تكاليف الملابس من الحراج بسبب توقف صرف الرواتب وكذا أحيانا تأخر صرف المعونات التي تقدمها المنظمات فتأخذ احتياجاتها ثم تأتي بعد حين لسداد دينها"، يقول الكدم.

 

 

يضيف الكدم أن الإقبال على سلعته المستخدمة كبير ونفس الإقبال على الجديد لأن زبائنه يذهبون إلى المحال التجارية لشراء ملابس العيد من الجديد لكنهم يجدون أسعارها مرتفعة تفوق قدراتهم ثم يعودون لشراء ملابس من الحراج بأسعار تناسبهم يغسلونها ويكوونها ثم يلبسون أطفالهم لاستقبال العيد.

 

ويتابع أن الملابس الجديدة أسعارها أضعاف أضعاف أسعار المستعملة، حيث إن سعر البنطال الجديد بعشرة آلاف سيشتريه من الحراج بألف ريال أو بألف وخمسمئة ريال بالكثير.

 

وأردف "الإقبال على ملابس الحراج في مأرب إقبال متواصل، والمواسم الأخرى غير الأعياد تباع ملابس الطلاب للمدارس وملابس العمال والنساء والمهاجرين الأفارقة، وكذلك موسم البرد (الملابس الشتوية) وموسم الحر (الملابس الصيفية)، حيث يكون الإقبال على المستخدم مستمر، لكن الإقبال يكون أكثر على الحراج قبل الأعياد بشكل كبير".

 

 

يقول الكدم ان لديه زبائن وأسر تتواصل به بشكل مستمر حيث إنه كلما تصل له بضاعة مستخدمة يتصل بهم لانتقاء ما طاب لهم منها ولا زالت البضاعة في طرابيلها.

 

"أكسو أطفال من الحراج وانتقي لهم ما أراها جيدة من الملابس المستخدمة"، يقول الكدم لأن بعض الملابس ماركات عالمية ولا زالت في قواها الجيدة وتدوم أكثر من غيرها وأكثر حتى من الجديدة.

 

وعن عمليات استيراد تلك الملابس المستخدمة يقول زياد الكدم إن هناك تجار يمنيين مستوردين يقومون بشراء الملابس المستخدمة من أسواق مفتوحة في دول أوروبا ودول الخليج، ويقومون بشراء شاحنات كبيرة منها، مشيرا إلى أنهم يشترونها من الأسواق العالمية التي غالبا ما تبيع منتجاتها للدول الفقيرة مثل اليمن ومصر والعراق وغيرها، ويدفعون قيمتها بالطن ويبيعونها للتجار أمثال الكدم في صنعاء بالوزن بالكيلوجرام، بينما يبيعها الكدم لزبائنه بالقطعة حيث يحدد قيمة القطعة شكلها ونوعها وأصالتها وحالتها وهذا هو ما يحدد سعرها.

 

الإشكاليات التي تواجه تجارة الحراج في مأرب هي ارتفاع قيمة الحوالات المالية إلى صنعاء مركز تجارة الحراج الوحيد في البلاد، يقول الكدم إن ذلك يرفع من قيمة الملبوسات ويضاعف أسعارها، مما يثقل كاهل المواطن، ويفسر الكدم ذلك الارتفاع بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات إلى أن "كورجة" من البالة كانت تكلفه لشرائها من عشرين إلى ثلاثين ألف ريال، بينما بعد الحرب تكلف "الكورجة" نفسها أو الحزمة من الملابس المستخدمة من 100 ألف إلى 150 ألف ريال.

 

ذلك ما يصنع فارق السعر حتى في ملبوسات البالة أو الحراج، بينما دخله اليومي من بيع الحراج من الملابس يقول الكدم إنه يصل من 150 ألف ريال إلى 200 ألف ريال من معرض واحد، وهذا الرقم يكشف بوضوح حجم الفاقة التي يعيشها المواطن والنازح اليمني في هذا البلد التي تقلب أيامه السعيدة إلى تعاسة وأرق وعجز عن توفير ما يسعد أطفاله الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم ولدوا في زمن لا صوت يعلو فوق صوت حنين مدافع الحرب وأنين الفقراء والمعدمين.


التعليقات