كروت ورقية للتداول بدلا عن الفئات النقدية الصغيرة للعملة في اليمن (تقرير)
- محمد حفيظ الاربعاء, 11 أغسطس, 2021 - 06:23 مساءً
كروت ورقية للتداول بدلا عن الفئات النقدية الصغيرة للعملة في اليمن (تقرير)

[ بعد غياب الفئات الصغيرة من العملة.. تجار يطبعون كروتا ورقية ليتداولها الناس كعملات خاصة وبديلة ]

كروت من ورق عادي تطبع في مطابع عادية في السوق، لتعود إلى الجيوب كأوراق نقدية أو عملة خاصة ابتكرها التجار ليتداولها الناس في الأسواق المحلية هربا من ضائقة انعدام الفئات ما دون المئة ريال من العملة الوطنية، كحلول مجتمعية طارئة أجبر الناس على ابتكار حلول جريئة وصلت ذروتها وفتحت أبوابها الأولى بطباعة عملات من قبل التجار كل بحسب رغبته، في مخاطرة قانونية غيبت دورها الحرب والانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد.

 

غابت الفئات الصغيرة من العملة (الفكة) لأسباب غير معروفة، فتدبر التجار أمرها بطرق مختلفة كل حسب ما يناسبه، لكن محمد أمين أبتكر هو الأول طريقته الخاصة والجريئة لطباعة عملة خاصة به، إذ طبع كروت كتب عليها رقم خمسين ريالا ليكون ببساطة قيمته خمسون ريالا بات متعارفا عليها مع زبائنه الذين يتسلمون كرت الخمسين لمن بقي له هذا المبلغ مما أخذه من محله، ليعيدها إليه تحديدا في أوقات لاحقة وشراء حاجته مجددا.

 

اختفت الفئات الصغيرة من العملة المحلية من أسواق المدن في أواخر عام 2017، فلمحت حينها فكرة جريئة على بال محمد أمين لتدبر وحل مشكلة غياب الخمسين والعشرين ريالا وما سواها من الفئات الصغيرة مفكرا باستبدال كروت الطلبات في بوفيته بكروت يتم تداولها كعملة نقدية بينه وبين زبائنه.

 

ذهب محمد أمين (30 عاما) وهو مالك بوفية للوجبات السريعة إلى أحد المطابع في السوق طالبا طباعة كروت صغيرة من الورق الاعتيادي كتب عليها خمسون ريالا، وإلى جواره اسم محله التجاري الصغير وطباعة ختم محله في الوجه الآخر للكرت ذاته، يقول أمين إنه طبع حينها 200 كرت فئة خمسين ريالا ليكون قيمة ما طبعه هو 10 آلاف ريال باعتبار أن كل كرت هو خمسون ريالا.

 

كروت ورقية بدلا من الفئات النقدية

 

وقال أمين في حديثه لـ"الموقع بوست": "لقد اضطررنا لإيجاد حلول لغياب الخمسين ريالا والفئات الصغيرة، حيث إن غيابها يعيق المواطن ويعيق التاجر ويعيق العمل"، مشيرا إلى أن غياب تلك الفئات أوجد الكثير من المشاكل بين العامل والزبائن حيث إن البعض يريد حقه الباقي نقودا (يشتي حقه الخمسين مضطرا) ويحدث مشكلة ولا يعي الزبون أنه لا يوجد خمسين ريالا ولا العملات المعدنية "نضطر إلى أن نعيد له مئة ريال ونتحمل نحن خمسين ريالا".

 

 

أوجد أمين بدائل مقنعة بالنسبة له وأنها حل مناسب كما يقول لتخفيف المشاكل التي يواجهها ملاك المحال التجارية الصغيرة والتجزئة وهو حل في هذه المرحلة الصعبة حتى تصلح الأوضاع وتعود تلك الفئات من العلمة، بحسب أمين.

 

 

وقال امين إنه فكر بتحويل الكروت التي كان قد طبعها سابقا بنوع الوجبات والاحتياجات وأنواع الطلب مثلا (واحد شاي أحمر، أو واحد سندويتش)، ومن ثم تطورت الفكرة لتحويلها إلى طباعة كروت تستخدم كعملة مثل الخمسين ريالا ليتم إعادتها للزبون الذي تبقى له خمسون ريالا ويعود إلى المحل نفسه في أي وقت يأخذ بالكرت حاجته، "وهكذا نجحت التجربة وحلت الكثير من المشاكل وتماشت مع الحاجة ومع الوضع الحالي وقبل بها الناس والزبائن واعتاد عليها حتى زبائننا من المهاجرين الأفارقة, لأن المواطن يعي المشكلة التي نحن فيها، جميعا التجار والمواطن"، بحسب أمين.

 

لم يواجه أمين أي صعوبة في عملية طباعة الكروت المالية, وببساطة طلب طباعة المطلوب ومن ثم بدأ العمل عليها وإعادتها للناس ممن تبقى له خمسون ريالا ومع الكرت يقدم العامل توضيحا للزبون بأن الكرت هو عملة وقيمته خمسون ريالا وهي ما تبقى له عند المحل وعليه أن يعود في أي وقت آخر ليأخذ بالكرت ما قيمته بخمسين ريالا.

 

هذه الفكرة توسعت في المدينة وبات الكثير من تجار المحال الصغيرة وبقالات التجزئة يعملون بها وكل منهم طبع لنفسه كروتا ورقية ويتم تداولها بينه وبين زبائنه على شكل عملة خاصة بينهم، بالإضافة إلى أنها انتشرت في البقالات والبوافي القريبة من مدارس الأطفال في مأرب بشكل كبير.

 

يقول محمد أمين إن "بعض الزبائن يأخذ الكرت ولا يعرف ما هو ولماذا هو ويقوم برميه أو إهماله وأخذه دون العودة به إلى المحل رغم أن التوضيح على الكرت يدل بأن الكرت هو خمسون ريالا، ولكن البعض لا يطلع على ما كتب عليه، وهكذا نفقد بين الحين والآخر كروتا ونطبع بدلا منها، كما أن هناك من الكروت ما يكون قد عبث بها وباتت تالفة ونطبع بدلا عنها بين الحين والآخر من 30 إلى 50 كرتا باستمرار، ويكلف طباعة الكرت الواحد حوالي عشرة ريالات تقريبا".

 

وبعقليته التجارية يقول أمين إنه يكسب أمورا أخرى من وراء هذه الكروت وهي كسب زبون يعود إلى البقالة مضطرا لصرف الكرت الذي بحوزته ولا يذهب إلى محل آخر، كما أنه يكسب إعلانا ترويجيا للبوفية من خلال الكرت الذي كتب عليه اسم المحل وختمه ليظل في ذهن الزبون ولا ينساه ويصبح صديقا للمحل وزبونا باستمرار.

 

وطالب أمين الحكومة والجهات المعنية بوضع حلول عاجلة لتدهور العملة والغلاء الكبير، وكذا وضع حلول لغياب الفئات الصغيرة من العلمة، حيث إنها المهمة والأكثر تداولا بين أوساط المواطنين والعمال والمحال الصغيرة.

 

ويقول المواطن أحمد ناجي السلمي لـ"الموقع بوست" وهو زبون لدى أمين إن تجار البقالات والتجزئة يعيد الباقي "شوكولاته أو لبان أو حاجة أنت بغنى عنها أما مثل هذه البوفية وجدنا فكرة حلوة أنه يرد لك كرتا بخمسين ريال وهذه فكرة جميلة حيث يكون الزبون غير مضطر إلى أخذ حاجات هو ليس بحاجة لها وأنه يأخذ الكرت ويعود به في وقت حاجته".

 

أسباب اختفاء العملة الصغيرة

 

الصحفي الاقتصادي محمد الجماعي من جهته يقول إن المواطن اتخذ بدائل كثيرة لغياب الفئات الصغيرة من العملة منذ الانقلاب الحوثي على الدولة قبل سبعة أعوام، والذي أدى إلى تدهور العلمة الوطنية وغياب بعض فئاتها الصغيرة من الكثير من الأسواق بمختلف المحافظات اليمنية وتحول السوق إلى بديل للمصرف المركزي لتوفير العملات الأجنبية أو العملات المحلية.

 

 

في حديث لـ"الموقع بوست" يضيف الجماعي أن مثل تلك البدائل التي اتخذها المواطن أو التاجر تثير التساؤل: أين ذهبت الفكة الصغيرة من العلمة والفئات المعدنية والورقية ما دون المئة ريال؟ التي هي أساس الاقتصاد وأساس العملة المحلية حيث إنها الأكثر تداولا بين المواطنين والحاجة لها أكثر من غيرها.

 

وأردف أن "غياب الفئات الصغيرة وتوفر الفئات الكبيرة من العلمة ينبئ أن هناك تدهورا في العلمة وتدهورا في الاقتصاد المحلي، والعكس تماما".

 

فيما أستاذ العلوم الاقتصادية في المعهد الوطني للعلوم الإدارية بتعز هشام الصرمي يقول لـ"الموقع بوست" إن هذه الكروت تشبه مثيلاتها من أساليب بيع الشوكولاتة بالإكراه من قبل تجار البقالات، فيما يأخذ المواطن هذا الكرت كسند ثم يعيده ويأخذ حاجته بالقيمة المتبقية.

 

وأشار إلى أن مشكلة غياب الفئات الصغيرة مستمرة منذ بداية الأحداث الجارية في البلد وكانت قد طرحت بشكل واسع سابقا في حين غابت فئتا المئة والمئتي ريال ولكنها اليوم تعود بقوة مع غياب الفئات ما دون المئة وكذا العملات المعدنية.

 

ويؤكد الصرمي أن مثل هذه البدائل وبهكذا أساليب تشكل خطرا على العملة كما تشكل خطرا قانونيا على فاعلها، حيث إنها خطأ يعاقب عليه القانون اليمني باعتبارها أحد أساليب التزوير للعلمة ولو بشكل أخف، ولكن بحسب الصرمي فإن البلد في حالة حرب حاليا وتعيش تدهورا اقتصاديا كبيرا ولن يلتفت أحد إلى مثل هكذا مشكلة تعتبر ثانوية وأنها إذا ما حدثت في ظل وضع استقرار سياسي واقتصادي فإنها تصبح أولوية للمعالجة.


التعليقات