القضية بنظر النخبة..
استقلال حضرموت كدولة.. بين أطماع قديمة وافرازات الواقع (تقرير)
- خاص الأحد, 25 ديسمبر, 2022 - 10:20 مساءً
استقلال حضرموت كدولة.. بين أطماع قديمة وافرازات الواقع (تقرير)

[ فعالية اشهار اليوم الوطني الحضرمي وإعلان حضرموت دولة مستقلة ]

أثار إعلان محافظة حضرموت (شرق اليمن) دولة مستقلة، جدلا واسعا وردود فعل متباينة بين أوساط السياسيين اليمنيين والنخبة، في ظل تصعيد مليشيا المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط.

 

والثلاثاء الماضي، نظم حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع -وهما أكبر مكونان سياسيان وقبليان بالمحافظة- حفلا بما عُرف بـ "يوم حضرموت الوطني"، والذي تم استحداثه مؤخرًا، وتم اختيار الـ20 من ديسمبر/كانون أول يومًا وطنيًا للمحافظة وسط دعوات بانفصالها عن اليمن، شمالًا وجنوبًا، وإعلان دولة مستقلة.

 

وفي التدشين قال رئيس حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، الشيخ عمرو بن حبريش، إن اختيار هذا اليوم جاء لتأكيد "انتصار حضرموت على الذل والمهانة، واستعادة مكانتها وكرامتها"، مؤكدا أن حضرموت "طرف مستقل، ولا تتبع أي جهة قبلية أو حزبية، محلية كانت أو دولية".

 

من جانبه أكد وكيل وزارة الإدارة المحلية عصام بن حبريش الكثيري في كلمة له، أن حضرموت تشهد اليوم ميلادا جديدا يتطلب التكاتف من جميع أبناء حضرموت وأن يكونوا يدا واحدة لتحقيق "دولة حضرموت" على أرض الواقع بدلا من المطالبة بإقليم حضرموت لما تمتاز به حضرموت من مقومات دولة.

 

وكان القيادي في الحراك الشعبي الحضرمي عصام الكثيري قد قال في كلمته خلال الاحتفال باليوم الوطني الحضرمي، "إن حضرموت ستكون دولةً مستقلة بحدودها وعلمها ونشيدها الوطني".

 

بدوره أكد الشيخ صالح بن حريز قائد الهبة الحضرمية بمخيم العيون أن الجميع على اتم الاستعداد لخوض التضحيات لأجل حضرموت، مشيرا إلى أن "اعداء الحضارم لن يستطيعوا انهاء تاريخ حضرموت الراسخ في الجذور".

 

ويأتي تصاعد المطالب الانفصالية في حضرموت، بعد محاولات للمجلس الانتقالي الجنوبي لإلحاق المحافظة لمشروعه بالانفصال عن اليمن.

 

وحظي إعلان استقالة حضرموت بردود فعل متباينة بين أوساط النخبة السياسية وكذلك أطراف الصراع، منهم من يرى أن انفصال حضرموت مؤامرة ومخطط في سياق تمزيق اليمن ككل، وآخرون اعتبروا ذلك طبيعيا في ظل مخططات اقليمية وأجندات تسعى لانفصال اليمن جنوبا وشمالا لنهب ثرواته، فيما الكثير يرون أن القضية ذات بعد مناطقي، وتسليم حضرموت ومناطق شرقي اليمن لثلة من الضالع ولحج المتمثلين بالانتقالي الجنوبي.

 

ممثلون عن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا الذي ينادي بالانفصال، سارعوا بالاتهام لحزب الإصلاح بأنه وراء إعلان استقلال حضرموت، لكن غالبية أبناء حضرموت ومكوناتها يرون في سيطرة الانتقالي على حضرموت خطرا على مستقبل محافظتهم أمنيا واقتصاديا ومنطقيا.

 

ومنذ مطلع أكتوبر الماضي ، بدأ المجلس الانتقالي  برنامجاً تصعيدياً في حضرموت، في سبيل إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى (غالبية جنودها ينتمون لكل محافظات اليمن شمالا وجنوبا، وهي محسوبة على القوات الحكومة الموالية للشرعية).

 

متحدث الانتقالي، علي الكثيري، قلل من إعلان استقلال حضرموت، مشيرا إلى أن الخطوة غير مجدية في ظل بقاء ما وصفه بـ "الاحتلال" على أراضيها.

 

غير منطقية

                                             

وفي السياق ذاته اعترف الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد بمظلومية حضرموت خلال كافة المراحل التاريخية، لكنه اعتبر الدعوات بانفصال المحافظة كدولة مستقلة غير منطقية.

 

ودعا علي ناصر -في مقال له- أبناء محافظة حضرموت إلى ترك الدعوات المنادية بإنفصال المحافظة وقيام دولة حضرمية ووصفها بأنها غير منطقية.

 

وقال "تابعتُ خطاب الشيخ عصام بن حبريش الكثيري يوم 20 ديسمبر 2022، والذي أعتبَره يوم تاريخي بإعلان دولة حضرموت بحدودها وعلمها ونشيدها الوطني.

 

 

وقال إن "حضرموت ظُلمت في كافة المراحل التاريخية وبأنهم ليسوا مع الجنوب ولا مع الشمال، وهذا الإعلان يتعارض مع مفردات التاريخ والحضارة اليمنية الزاخرة بخصائصها الغنية بتنوعها الثقافي".

 

وتابع علي ناصر بالقول "تاريخياً ليس ما يجري الحديث عنه من حدود هي حدود حضرموت التي كانت عاصمتها شبوة القديمة قبل الاسلام".

 

وقال "نحن لسنا ضد مطالب المحافظات للحصول على حقوقها كاملة، ولكننا لسنا مع انفصال حضرموت أو باكازم أو جمهورية دثينة أو العودة الى ما قبل حدود المشيخات والسلطنات، وإذا تغاضينا عن هذه الدعوات والرغبات العديدة التي بدأت تستغل غياب الدولة والفراغ الممتد في كامل الساحة، فإن النتائج ستكون  كارثية ومدمرة"، حد قوله.

 

وأشار إلى أن حضرموت لن تكون حضرموتاً واحداً والجنوب لن يكون جنوبا والشمال لن يكون شمالا واحداً وسيصبح في اليمن أكثر من دويلة وكانتون، مما سيؤدي إلى صراعات وحروب أهلية  في الجنوب وفي الشمال وبينهما، أشبه بحروب الطوائف التي قضت على جوهرة الاندلس".

 

تكريس واقع مدمر

 

وزير الخارجية اليمني الأسبق، الدكتور أبو بكر القربي، يتفق مع ما ذكره ناصر وقال إن "دعوة الرئيس علي ناصر لأبناء حضرموت تعكس تجربة وخوفا من تصعيد الصراعات والعودة بها نحو ماض تم تجاوزه، أو تكريس واقع مدمر يجب تجنبه".

 

 

وبحسب القربي  فإن إستقرار اليمن وإنقاذه من أزمته مرهون بتوافق العقلاء على حل يلبي إرادة شعبه ويؤسس دولة العدل والحرية وينهي أسباب الصراع والتدخل الخارجي في شؤونه".

 

إفرازات الواقع

 

السياسي والدبلوماسي ياسين سعيد نعمان، قال إن "البعض يعتقد أن حضرموت هي الورقة التي يمكن اللعب بها حينما يتعين على الجميع البحث بجدية في تطورات الحياة كما أفرزها الواقع".

 

ويرى أن هذا الواقع في حقيقة الأمر، هو محصلة السياسات التي طبقت في إدارة البلاد منذ الوحدة، وبدلاً من تغيير هذه السياسات راحوا يبحثون عن أدوات إضافية لتبييض هذه السياسات، أخذوا يبشرون بفصل حضرموت عن الجنوب وعن اليمن، لم يدركوا حقيقة أن حضرموت هي أس الدولة الوطنية في الجنوب عند الاستقلال، وهي العمود الفقري الذي قامت عليه تلك الدولة يومذاك".

 

 

وقال "لقد كان توحيد (السلطنة القعيطية وعاصمتها المكلى ، والسلطنة الكثيرية وعاصمتها سيئون ) في حضرموت واحدة هي المقدمة الأساسية لتوحيد الجنوب وقيام دولته".

 

وتابع :حضرموت بوضعها الجيوسياسي القديم ، أي ما قبل الاستقلال كسلطنتين مستقلتين، لا يمكن أن تؤسس مرجعية لأي محاولة لتهشيم الجنوب، بعد أن هُشم اليمن، والتي يجري التبشير بها كإحدى الخيبات السياسية التي امتلأت بها أجندات بعض القوى السياسية"، حد قوله.

 

صراع على النفوذ

 

وفي الشأن ذاته يقول عدنان العديني نائب رئيس الدائرة الإعلامية والثقافية لحزب الإصلاح، إن قضية حضرموت وإعلان الاستقلال تضع المجلس الرئاسي أمام تحدٍ جديد.

 

وأضاف "الظهور الكثيف للمسألة الحضرمية التي عبرت عن نفسها بطريقة تضع المجلس الرئاسي والصيغة التي تشكل وفقا لها أمام تحدٍ جديد تتعامل بطريقة التعامل مع التعبيرات السياسية المحلية".

 

واستدرك "ليس المطلوب مناقشة الحدث الحضرمي من زاوية الصواب والخطأ بقدر ما أدعوا للنقاش الهادئ لأي قضية بمعزل عن المواقف الحادة وضغوط اكراهات الصراع، يأتي على رأس قضايا النقاش مسألة التمثيل الجغرافي نفسه، وما إذا كان مفيدا الاعتماد على السلاح والقوة  في تحديد أوزان القوى السياسية".

 

 

 وأردف العديني بالقول "لطالما كانت مسألة التمثيل السياسي مثار جدل ونقاش واسعين ضمن حقل الفكر والثقافة ودراسات الجامعات ومراكز الأبحاث، وعوضا عن ذلك يجري تحويلها إلى مُسلّمة كلية يمنع الاقتراب منها ليصبح أي حديث عنها مهما كان مستواه موقفا سياسيا مهددا للصيغة القائمة، في حين أن الصمت الفكري هو ما يفضي الى جمود الواقع السياسي، وتخشب النظام، أي نظام، وفقدانه المرونة اللازمة لاستيعاب حركة المجتمع ومطالبه التي لا تنتهي".

 

وأكد أن "الحدث الحضرمي جدير بالنقاش من خارج المنطق الذي يفرز العالم إلى نصفين  مع / ضد ومن زوايا أخرى تحرص على فهم المعطى المحلي والتأثير المتبادل بينه وبين الوضع العام الوطني عليه".


التعليقات