اعتبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الرياض يمكن أن تكون وراء اختفاء الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول، متوعدا إياها بـ"عقاب قاس" إذا صحّ ذلك، في حين تنفي السعودية أن تكون أمرت بقتل الصحفي المعارض.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض: "كان أملنا الأول ألاّ يكون قد قتل، لكن ربما الأمور لا تبدو جيدة... بحسب ما نسمعه".
وأضاف: "قد لا نتمكن من رؤيته مجددا، هذا أمر محزن جدا"، مشيرا إلى أنه سيجري مساء السبت أو الأحد اتصالا بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وأمس، قال ترامب في مقابلة مع قناة سي بي أس سجلت الخميس وبثت السبت: "حتى الآن هم (السعوديون) ينفون (تورطهم) بشدّة. هل يمكن أن يكونوا هم؟ نعم".
وأضاف أنّه إذا تبيّن فعلا أنّ المملكة مسؤولة عن اختفاء الصحفي المعارض، فسيكون هناك "عقاب قاس".
من جهته، دعا وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، الرياض إلى إفساح المجال لدخول محقّقين أتراك إلى مبنى قنصليتها في اسطنبول.
وقال الوزير، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول الرسمية: "لم نر حتى الآن تعاونا لإجراء تحقيق سلس وكشف كل الحقائق"، مضيفا أنّ على الرياض أن "تسمح للمحققين والخبراء الأتراك بدخول القنصلية".
في الأثناء، أكد وزير الداخلية السعودي، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فجر السبت، أنّ "ما تمّ تداوله بوجود أوامر بقتله (خاشقجي) هي أكاذيب ومزاعم لا أساس لها من الصحة تجاه حكومة المملكة المتمسّكة بثوابتها وتقاليدها والمراعية للأنظمة والأعراف والمواثيق الدولية".
وأعرب الوزير السعودي عن "شجب المملكة واستنكارها لما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من اتهامات زائفة وتهجّم على المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا، على خلفية قضية اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي".
وخاشقجي الذي أصبح معارضا منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في حزيران/ يونيو 2017، فُقد أثره بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي لإتمام معاملات إدارية، استعدادا لزواجه من خطيبته التركية خديجة جنكيز.
وبعد أربعة أيام، أعلن مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية أن خاشقجي قتل داخل مبنى القنصلية.
لكن الرياض وصفت على الفور هذه المزاعم بأنّها "لا أساس لها" من الصحّة. والقضية مزعجة للسلطات السعودية التي تستعد لاستضافة قمة اقتصادية كبيرة من 23 إلى 25 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
-وفد سعودي في أنقرة
وأوفدت الرياض إلى أنقرة فريق عمل وصل الجمعة، ويفترض أن يجري محادثات مع مسؤولين أتراك، بحسب ما أورد الإعلام التركي الرسمي.
ويتألف الوفد من 11 شخصا، وقد تولّى الجمعة تفتيش القنصلية السعودية في اسطنبول، بحسب قناة "أن تي في" التركية، لكن هويات أعضائه لا تزال غير معروفة.
وقبل كلام وزير الخارجية التركي عن عدم تعاون السلطات السعودية مع التحقيقات، كان وزير الداخلية السعودي قد نوّه بـ"التعاون مع الأشقّاء في تركيا من خلال لجنة التحقيق المشتركة وغيرها من القنوات الرسمية"، مشدّدا -بحسب "واس"- على "دور وسائل الإعلام في نقل الحقائق، وعدم التأثير على مسارات التحقيق والإجراءات العدلية".
وكانت وكالة الأنباء السعودية نقلت الجمعة عن مصدر سعودي مسؤول أنّه يرحب بـ"تجاوب" تركيا "مع طلب السعودية "تشكيل فريق عمل مشترك يجمع المختصّين في البلدين الشقيقين؛ للكشف عن ملابسات اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي".
"ساعة ذكية"
وأوردت صحيفتا "ميلييت" و"سوزجو" التركيّتان أنّ خاشقجي كان يضع عند دخوله القنصلية ساعة ذكية موصولة بهاتف نقّال أعطاه لخطيبته التي كانت تنتظره في الخارج.
وذكرت صحيفة "ميلييت" التركية أنّ ضبّاطا أتراكا اطّلعوا على تسجيلات صوتية مرسلة من الساعة الذكية، وأنه أمكن سماع "الجدال والصراخ" في التسجيلات. وقالت صحيفة سوزجو إنّه يمكن فقط الاستماع إلى "بعض الأحاديث" في التسجيل الذي مدّته "بضع دقائق".
وتعذّر الحصول على أي تأكيد رسمي لهذه المعطيات.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإنّ تركيا أبلغت الولايات المتّحدة أنّها تملك تسجيلات مسموعة ومرئية تظهر كيف تم "استجواب (خاشقجي) وتعذيبه وقتله" داخل القنصلية قبل تقطيع جسده.
وأكّدت الرياض أنّ كاميرات المبنى لم تكن تعمل في ذلك اليوم.
وبحسب الشرطة التركية، فإنّ مجموعة من 15 سعوديا وصلوا جوّا في 2 تشرين الأول/ أكتوبر إلى اسطنبول، وتقول وسائل إعلام تركية إنّهم قتلوا الصحافي قبل أن يغادروا تركيا.
وتأتي تطورات هذه القضية فيما تنظّم الرياض مؤتمرا اقتصاديا كبيرا تحت عنوان "مبادرة مستقبل الاستثمار" للعام 2018 من 23 إلى 25 تشرين الأول الجاري، وأطلقت عليه تسمية "دافوس في الصحراء" تيّمنا بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
وفيما تتزايد التساؤلات حول مصير خاشقجي، قرّرت مؤسسات كبرى في مجال الأعمال وأخرى إعلامية الانسحاب من المؤتمر.
لكن وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشين أكّد، السبت، على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي السنوية في بالي بإندونيسيا أنّه سيحضر الاجتماع مع متابعة تطوّرات التحقيق.
وقال: "بالطبع أودّ أن أعبّر عن قلقي إزاء مصير خاشقجي"، مضيفا: "نتطلّع لمعرفة نتائج التحقيق". لكنه أكّد أنّ "الجواب في الوقت الراهن هو أنني سأشارك (...) لكن إذا ظهرت معلومات في الأسبوع المقبل، سآخذها بالتأكيد في الاعتبار".
من جهتها، اعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، السبت، أنّ قضية اختفاء الصحافي السعودي "مروّعة" لكنّها لا تزال تعتزم الذهاب إلى السعودية للمشاركة في المؤتمر.
وقالت لاغارد في بالي إنّ "حقوق الإنسان وحرية الإعلام هما أمران أساسيان، لقد تمّ التداول بأمور مروعة، لكن يجب أن أتابع أعمال صندوق النقد الدولي في كل أنحاء العالم".
وتابعت: "حين أزور دولة ما، أقول على الدوام ما أفكّر به"، وفي "هذه المرحلة، لا أنوي تغيير خططي مع التنبّه الشديد لما سيرد في الأيام القليلة المقبلة".
وكانت وكالة "بلومبرغ" وصحيفتا "فايننشال تايمز" و"نيويورك تايمز" قررت الانسحاب من مهمة رعاية المؤتمر، وسط التساؤلات عن مصير الصحفي السعودي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" لخدمات النقل، دارا خوسروشاهي، إنّه لن يشارك في المؤتمر "إلاّ بعد أن تظهر مجموعة مختلفة تماما من الحقائق"، مؤكداً أنّه "منزعج للغاية من التقارير".
كما أعلن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، مؤسّس مجموعة فيرجين، أنّه علّق اتصالات ترتبط بمشاريع سياحية في منطقة البحر الأحمر بالسعودية بسبب اختفاء خاشقجي.