التراث الثقافي اللامادي في قطر.. أسئلة التصنيف والتدوين
- الجزيرة نت الأحد, 10 نوفمبر, 2019 - 06:08 مساءً
التراث الثقافي اللامادي في قطر.. أسئلة التصنيف والتدوين

[ حماية التراث اللامادي ينسجم مع عدد من الاتفاقيات التي انضمت إليها قطر في السنوات الأخيرة (الجزيرة) ]

هو كامن في الهويات، في اللغات واللهجات مهما تعددت، في الإيقاعات الموسيقية والفنون والحكايات الشعبية والسير والملاحم، وقصائد الرحل وألوان الموروث الشفهي، وفي المهارات والحرف، كما يسكن الأذواق والمتخيل الشعبي والذاكرة الجماعية، هو ما يطلق عليه التراث الثقافي اللامادي، أو ما يسميه بعض علماء الأنثروبولوجيا "حساسيتنا الثقافية".

 

خلال السنوات الأخيرة، استأثرت أسئلة هذا التراث وسبل تصنيفه وحمايته بساحة النقاش الثقافي في كثير من دول العالم، وذلك على وقع ما يعيشه العالم من تحديات العولمة ومغرياتها، التي تهدف إلى نشر أنماط جديدة من الثقافة والتفكير على الدول والمجموعات والأفراد، بفعل ما توظفه من تقنيات ووسائل جاذبة ومؤثرة، لها القدرة على التأثير في الهويات الثقافية المحلية، وما تمثله من رمزيات متعددة الأبعاد والامتدادات.

 

بمتحف قطر الوطني، حاولت جلسة نقاشية -ضمت خبراء قطريين ودوليين وممثلين عن منظمة اليونسكو الثلاثاء الماضي- بحث جهود حماية التراث الثقافي غير المادي في قطر، وخلالها جرى تبادل أفكار متعددة حول تصنيف هذا التراث واستثماره، ودور قطر في تعزيز الحقل الثقافي ضمن رؤيتها الوطنية 2030، وانسجام ذلك مع عدد من الاتفاقيات التي انضمت إليها في السنوات الأخيرة، بما فيها المواثيق والعهود الدولية في مجال حقوق الإنسان.

 

وكأي مخزون ثقافي تقليدي، فلا يمكن صونه بعيدا عن حمَلَته الحقيقيين من الجماعات والمجموعات، ومن هنا ظهرت الحاجة الماسة لخلق ديناميكية مجتمعية ترعى عناصر هذا التراث ضمن مقاربة مشتركة وشاملة، تنخرط فيها المؤسسات الرسمية والخاصة، وجهود الأفراد.

 

ولعل هذا ما عبر عنه البروفيسور بجامعة سيينا بإيطاليا فيديريكو لينزيريني، بقوله إن من واجب الدولة أن تحمي هذا النوع من التراث الذي تتوارثه الأجيال ويتطور مع المجتمعات وبيئاتها وظروفها التاريخية، لأنه جزء أصيل من هوية البلد ويعكس ثراء رصيده الثقافي.

 

تراث حي

 

ورغم تصديق قطر على اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي مع منظمة اليونسكو عام 2008، وتبنيها جهودا حكومية وخاصة من أجل حصره وتصنيفه، فإن هناك آراء عديدة ترى أن تثمينه وصونه لا يتحققان بمجرد توثيقه وأرشفته فقط، بل من خلال جعله مدار البحث العلمي والأكاديمي، ومادة أساسية ضمن المناهج التربوية، فضلا عن تعزيز استثماره في المعاش اليومي، وإبقائه حيا ضمن الفعاليات والمناسبات المختلفة، وتوظيفه في حملات الترويج للنشاط السياحي.

 

ومنذ ذلك العهد، لم يخرج بعد إلى الوجود، قانون ينظم عملية حصر وتدوين التراث اللامادي في قطر، مثلما نصت على ذلك وثيقة انضمام قطر إلى اتفاقية حماية التراث العالمي الموقعة من منظمة اليونسكو، الأمر الذي يثير تساؤلات لدى مكونات الوسط الثقافي، التي ترى أن الجدل حول تصنيف التراث وحصره، لا يجب أن يقف عائقا أمام صدور هذا القانون واللحاق بركب الدول التي خطت بثبات في هذا المجال.

 

إلا أن مستشار التراث الثقافي في وزارة الثقافة والرياضة حمد المهندي طمأن -في تصريح للجزيرة نت- كافة الأطراف المعنية بجمع وحماية التراث الثقافي، وبشّر بقرب صدور القانون الجامع في المدى القريب، باعتبار دقة عمل الخبراء والباحثين الذين يعكفون على إخراجه في أفضل صيغة، وملاءمة آليات العمل بخصوصه لطبيعة الحقل محل الاشتغال، والحرص على استجابته للمعايير التي تخدم التعاون الدولي في المجال الثقافي.

 

حفظ الذاكرة

 

من خلال النظر إلى المشتغلين بالحقول الثقافية التي تعنى بالبحث في الرصيد اللامادي لقطر، يتبين أن عامل الوقت لا يصب في صالح إطالة زمن حصر بعض جوانب هذا المشروع الحيوي، خاصة ما يتعلق بحفظ التراث الشفهي، بحكم تقدم كثير من رواته في السن، واحتمال تعذر نقل هذا الموروث إلى الأجيال الصاعدة.

 

وبالتالي، فإن دور هذه الذاكرة الجماعية يقع عليها سرد ذلك التواتر وضمان انتقاله السلس إلى الأجيال، بفعل ما تحفل به من سرديات ورموز، تمثل مدونة كاملة من السير والأذكار والملاحم الشعبية وأخبار من سبقوا.

 

وإن كانت الأصول التاريخية للرموز تقفز فوق أي قطيعة محتملة، ولها قابلية اختراق "التحقيب الزمني"، لما تحمله من صور ونماذج عابرة للتنوعات البشرية، إلا أنها تتميز بالرسوخ والمرونة اللذين يسمحان لها بتحدي الاندثار، لتبقى إحدى السمات الجوهرية للتراث الثقافي اللامادي على اختلاف مصادره وتمظهراته.


التعليقات