بعد ملاحقة فيلم “جنين جنين” لعقدين.. المخرج محمد بكري: أفلامي فلسطينية وإسرائيل ترصدتني لأنني عربي
- نوال العلي - الجزيرة نت السبت, 13 مارس, 2021 - 08:30 صباحاً
بعد ملاحقة فيلم “جنين جنين” لعقدين.. المخرج محمد بكري: أفلامي فلسطينية وإسرائيل ترصدتني لأنني عربي

[ لاحقت السلطات الإسرائيلية فيلم "جنين جنين" ومخرجه على مدى عقدين (مواقع التواصل الاجتماعي) ]

يبدأ فيلم "جنين جنين" للمخرج الفلسطيني محمد بكري بشاب أبكم يشرح ما شهده في اجتياح مخيم جنين (2002) بجسده كاملاً، يقلّد الشاب إطلاق الرصاص بيديه، وقتل القناصة بتوجيه إصبعه على رأسه، والخوف بالاختباء والركض من زاوية إلى أخرى، بينما كاميرا بكري تلاحقه لتقول إن من لا يستطيع حتى النطق بكلمة سيروي هول ما رأى!

 

في حديث مفتوح مع بكري (1953)، أقيم الثلاثاء الماضي افتراضيا، بتنظيم من "مركز خليل السكاكيني" في رام الله حاورته خلالها الصحفية سماح بصول، تحدث المخرج الفلسطيني عن قصة "جنين جنين" الفيلم الذي لاحقه القضاء الإسرائيلي قرابة عقدين من الزمن، والذي صدر قرار بمنعه في يناير/كانون الثاني الماضي، كما غُرّم المخرج 70 ألف دولار تعويضا لأحد الجنود الإسرائيليين، مؤكدا لـ"الجزيرة نت" أنه رفع القضية إلى محكمة الاستئناف.

 

"جنين جنين" ليس الوثائقي الأول ولن يكون الأخير الذي تناول فظائع جيش الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، قدّم مخرجون من مثل رام ليفي في "خربة خزعة" أو آري فولمان الذي صوّر مذبحة صبرا وشاتيلا في فيلمه "فالس مع بشير" فظائع هذا الجيش، فلماذا لم يلاحق القضاء الإسرائيلي مثل هذه الأفلام، يقول بكري "لو كان اسمي رام ليفي وأخرجت "جنين جنين" لما تجرأ أحد على مقاضاتي، البقرة المقدسة (الجيش الإسرائيلي) من الممكن لهم أن يذبحوها لو شاؤوا في السينما، ولكن أنا ممنوع لأنني عربي وهذا هو السبب الأول".

 

كشف الزيف

 

يقول بكري "السبب الثاني هو أن إسرائيل منذ 67 تخلق صورة ومصداقية وتبريرات لوجودها في الضفة الغربية وغزة، بوصف هذه الأراضي جزءا من الدولة اليهودية الموعودة، وبنوا حول أنفسهم جدارا من هذه التبريرات تجسد لاحقًا في جدار حقيقي بُني بعد الانتفاضة الثانية، فيأتي "جنين جنين" ليحكي عن بشاعة الاحتلال وكونه غير أخلاقي وغير قانوني، أنا لم أتكلم عن الجيش بشكل مباشر لكن شهادات الناس التي لم تكن "ممكيجة" ولا معدّة سلفا بما شعروا خلال الاجتياح، هي التي تتكلم".

 

أما الدافع الثالث، بحسب بكري، لترصد ملاحقة فيلم "جنين جنين" فيتعلق بخسارة إسرائيل لـ23 جنديا في المعركة، فـ"كانت العملية الإسرائيلية نوعا من الانتقام"، وكشف حجم الاجتياح من طائرات أباتشي ودبابات ومشاة وقناصة وجرافات لهدم البيوت هاجمت المخيم لـ8 أيام وحولته إلى غبار، وهذا يظهر في شهادات الفيلم ويكشف البعد الانتقامي للعملية.

 

اجتمع ذلك، كما يروي بكري "مع الرغبة في احتكار الألم، وقصره على الإسرائيليين، ألم الفقدان والأم الثكلى ودماء الجنود كلها لا بد أن تظهر وكأنها تقتصر على الإسرائيليين"، غير أن الفيلم سعى إلى أن يواجه المتفرج الإسرائيلي والعالمي بوجه آخر لم يره أو أنه لم يرد أن يراه.

 

يصف بكري المحاكمة أيضا بأنها رسالة لتجعل منه "عبرة لمن اعتبر"، توجه إلى أي مخرج الآن عبر ما جرى بحسب بكري، "هذا مصير من يقوم بما قام به بكري الذي قضى 20 عاما مطاردا"، فتقديم الرواية الفلسطينية بالنسبة إلى إسرائيل هو مثل تنفيذ عملية، فقد وصفت إحدى الصحف في تل أبيب العمل بالقول "فيلم (جنين جنين) أقوى من ألف عملية استشهادية".

 

يطلب بكري صاحب فيلمي "زهرة"، و"1948" بمرح من حضور أمسيته بأن يسكتوه لأنه سيتحدث كثيرا إذا ترك من دون أن يوقفه أحد، لكن المخرج ينتقل من فكرة إلى أخرى ومن سؤال فلسطيني إلى سؤال سينمائي وآخر فني وتقني، يبيّن "إننا لا نجيد حكاية روايتنا كما يجيدونها، حين نفعل سيكون لنا دولة، لا بد أن نجيد اللعبة السينمائية فنيا، وهذا يحتاج إلى علم وليس إلى اجتهاد فقط، لا بد أن نقدم الإنسان وليس المقولة السياسية، لأن هذه ينبغي أن تكون نتيجة الفيلم وليس غايته".

 

ويتابع لكي يقدم الفلسطيني روايته كما ينبغي لا بد "إن كنت شاعرا فكن شاعرا، وإن كن ممثلا فكن كذلك، وإن كنت مصورا فكن مصورا، لا تحاول أن تكون كل هؤلاء في شخص واحد، حان الوقت الذي لا بد فيه للإنسان الفلسطيني أن يكون إنسانا وليس مؤسسة كاملة".

 

ويرى أن "تغيير الصورة النمطية عن فلسطين والفلسطينيين في أذهان العالم عامة والإسرائيليين خاصة، دور لا بد للسينما أن تقوم به، كما أن هناك أفكارا مسبقة حول الفلسطيني من أنه عنيف وغير مثقف وبدائي، ومن واجب السينما أن تعكس هذه الصورة، لا أن تقدمنا ملائكة ولا أبطالًا ولكن أن تصورنا كما نحن".

 

فلسطين المحتلة بلد الإنتاج

 

يرفض مخرج فيلم "من يوم ما رحت" أن يضع على أفلامه "إسرائيل" كبلد إنتاج، يقول "حتى لو عايش هون (كنت أعيش هنا) وجوازي إسرائيلي المفروض يكون بلد الإنتاج فلسطين المحتلة، لأتحايل على الموضوع بحط بلد الإنتاج البعنة قريتي أو حيفا".

 

قليلة هي أعمال بكري كمخرج، 4 أفلام وثائقية ومسرحيتان، وهاهي 10 أعوام تمضي لم يصنع فيها فيلما، يقول "آخر فيلم عملته في 2010، ومش (غير) قادر أعمل فيلم (فيلما)، معيش (ليس لدي) مصاري (مال)".

 

ومن الصعب على مخرج إشكالي وملاحق من محاكم الاحتلال أن يجد تمويلاً، ولا يبدو أن هناك نية لدى أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين الكبار، وهم كثر، لدعم السينما الفلسطينية، وهي مسألة لفت إليها بكري في حديثه.

 

يقول بكري "زعلت لأنهم منعوا الفيلم عشان كان بدي (كنت أريد) الإسرائيلي يشوفه (يشاهده)، قوتي في صدقي وهذا يظهر في الأفلام"، مؤكدا "كنت مؤمنا أن الفيلم صادق ويمكن أن يؤثر ولو بدرجة قليلة على الرأي العام الإسرائيلي، أنا حالم نعم، ولا أعرف كيف أعيش من دون حلم، حتى لو كان حلمي غير معقول".


التعليقات