تحدث عن لقائه برئيس اللجنة الخاصة في الرياض والسي دي الذي رفعه في وجهه
وزير الدولة محمد عبد الله كدة في حوار مع "الموقع بوست": هذه تفاصيل إقالتي ومنعي من السفر
- عامر الدميني الإثنين, 01 يوليو, 2019 - 07:00 مساءً
وزير الدولة محمد عبد الله كدة في حوار مع

[ وزير الدولة محمد عبدالله كدة - الموقع بوست ]

في السابع عشر من مايو الماضي، وصل وزير الدولة عضو مجلس الوزراء محمد عبد الله كدة إلى مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة، وهو يشعر بالزهو والانتصار، بعد تمكنه من تجاوز القرار السعودي الذي منعه من السفر خارج المملكة العربية السعودية.

 

وصل الرجل إلى محافظته ليلا، وكان المئات من أبناء قبائل المهرة في انتظاره، وهم يشاطرونه مشاعر النصر، بعد سلسلة من الأعمال التصعيدية التي نظموها لإجبار السعودية على الرضوخ لمطالبهم، ورفع الحظر عن الوزير كدة الذي ينتمي لواحدة من أشهر قبائل المهرة.

 

تجمع الكثير منهم في ساحة مفتوحة، واحتشدوا للسلام عليه. أما هو فقد نهض من وسط الصفوف، وخطب فيهم موضحا خلفيات منعه من السفر، شاكرا لهم مساندتهم له، واصفا ما فعلوه بالموقف الرجولي والأخوي والتلاحمي. وفي غمرة الاحتفال انطلقت أصوات الرصاص من البنادق كتحية قبلية عُرفية، وهتف الجميع: "بالروح بالدم نفديك يا يمن".

 

"كدة" الذي يقول إنه من مواليد العام 1954م تقديريا، يتذكر أدق اللحظات التي عاشها في حياته، خاصة تلك التي تتعلق بصعوده السياسي، ووصوله إلى منصب حاكم المهرة التي ولد فيها، وتلقى تعليمه الأولي، وكانت الساحة التي انصهرت فيها حياته حتى اللحظة، وجعلت منه شخصية مخضرمة في السياسة والإدارة.

 

في هذا الحوار تحدث الوزير محمد عبد الله بن كدة بشفافية مطلقة، مقدما تلخيصا وتفسيرا للعديد من القضايا الراهنة على مستوى اليمن بشكل عام، وما يجري في محافظة المهرة بشكل خاص، وعن تفاصيل تتصل بإبعاده من منصبه كمحافظ للمهرة، ودوافع منعه من السفر في الرياض، وكيف تتعامل السلطات السعودية مع المسؤولين اليمنيين.

 

نص الحوار:

 

* لماذا احتجزتك الحكومة السعودية في الرياض؟

 

** لم يكن احتجازا بما يوحيه مدلول هذا اللفظ، لكنه كان منعا لي من السفر، وكنت أمارس حياتي ولقاءاتي بالأصدقاء والمسؤولين داخل السعودية بشكل طبيعي، وراودني شعور في البداية أن السعودية ستفعل ذلك، وكلما تحدثت حول هذا الأمر مع أصدقاء كانوا يستبعدون أن يصل الأمر بالجانب السعودي لهذا الحد، لكن بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر بدأت استشعر تحقق ذلك.

 

أنا تلقيتُ دعوة لزيارة السعودية من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأبلغني بها رئيس الوزراء معين عبد الملك، وبعد تنسيق إجراءات السفر التقيتُ بالرئيس هادي في الرياض، وشرحت له الوضع في محافظة المهرة، وما يجري فيها الآن.

 

* ما الوضع العام للمهرة الذي نقلته للرئيس هادي؟

 

** شرحت له حالة الاحتقان، وتفكك النسيج المجتمعي، وشق الصف الوطني، وحالة الانقسام التي تعيشها المهرة حتى على مستوى الأسرة الواحدة في البيت الواحد، وهي ظواهر لم تعشها المهرة منذ الاستقلال وحتى اليوم، وتبديد المال العام، وكذلك ما يمكن تسميته بالضحك على الذقون من الوعود بتنفيذ المشاريع الوهمية سواء تلك التي تطلقها السلطة المحلية أو التحالف العربي، وأن أحجار الأساس التي وضعها في المهرة غير أحجار الأساس التي كانت توضع من قبل سواء في عهد الحزب الاشتراكي أو خلال فترة حكم علي عبد الله صالح، فالمشاريع التي كان هادي قد دشنها في المهرة جاء إعصار لبان وجرف أحجار الأساس لها، وتسبب بالعديد من الكوارث، بما في ذلك الطرقات، والتي تمت إعادتها بجهود من الشيخ عبد الله بن عفرار والشيخ علي الحريزي، ومقاول من المهرة تبرع بتقديم المعدات الثقيلة لإصلاح الطرق مقابل حصوله على مادة الديزل لتلك الآليات، وناشدته التدخل لإنقاذ المهرة، وعرضت عليه إذا أراد معرفة الوضع بالمحافظة أن يشكل لجنة محايدة تذهب للمهرة، وتطلع على الوضع فيها، وتتدارسه مع كل الأطراف.

 

* وكيف وجدت تفاعل الرئيس هادي؟

 

**أولا أود أن أوضح بعض القضايا، فعندما بدأت الاعتصامات في المهرة ومطالبة المعتصمين للقوات السعودية بالرحيل، تواصل بي الرئيس هادي وطلب مني التواصل مع المعتصمين، وأخبرته بأنهم ليسوا من صنع يدي ولا فكرتي، وأن ذلك حراك شعبي شامل يعترض على ممارسات موجودة، وخرج الناس يعبرون عن رأيهم ومطالبهم، ولولا هذا الحراك الشعبي كان من الممكن أن يتحول الناس في المهرة نحو العنف المسلح مثلا، ثم كلف الرئيس هادي اللواء قحطان -مدير الأمن حينها- بالتواصل مع الجميع في المهرة، وتم الاتفاق على النقاط الست المعروفة، ووقع عليها جميع الأطراف.

 

ومرت أيام على ذلك الاتفاق ولم يتم الالتزام به من قبل الجانب السعودي، فعادت الاعتصامات من جديد وفقا للمحضر الموقع بين الجانبين والذي نص على تعليق الاعتصام لتنفيذ الاتفاق، ما لم فستعود الاعتصامات.

 

وعندما ذهبتُ للسعودية بناء على دعوة الرئيس كان هناك تقريبا وشاية عني من محافظ المهرة الحالي راجح باكريت بأني من يقف خلف الحراك الشعبي المناوئ للسعودية في المهرة، وأن كل الشخصيات التي تقود الاعتصام ليست سوى واجهة فقط، وأن الأمر كله بيدي أنا، حتى وإن كنتُ غير متواجد في المهرة.

 

جلستُ مع الرئيس هادي، وأبلغته بأهمية إرسال لجنة محايدة للمهرة، ثم يطلع على التقرير الذي سترفعه، ويتخاطب مع الجانب السعودي حول المهرة بناء على ما سيتضمنه التقرير من شرح للوضع في المحافظة، ورد الرئيس على طلبي بأنه سيكلف مكتبه بتنسيق موعد لي مع رئيس الإستخبارات السعودية، وعليَّ أن أخبرهم بنفس الكلام الذي طرحته عليه فيما يتعلق بالوضع في المهرة.

 

بعد ثلاثة أيام استددعاني رئيس اللجنة الخاصة محمد عبيد القحطاني لاجتماع معه، وجلسنا سويا لمناقشة الوضع في المهرة بناء على المقترح الذي طرحه الرئيس هادي، وفي بداية اللقاء سألني القحطاني عن الوضع في المهرة، وأخبرته بأن الأوضاع هناك لا بأس، فقاطعني القحطاني بالقول: "ليش لا بأس، وما فيش هناك لا بأس، والسبب أنت".

                                                                                                 

وعندما سألته: لماذا أنا السبب؟ رد بالقول إني من أدير الجماعة (المعتصمين) وإنهم ليسوا سوى واجهة، وقال بأني أسب السعودية، وأسب راجح باكريت (محافظ المحافظة الحالي)، وأخرج قرص "سي دي"، وقال بأنه يحتوي على تسجيلات لي وأنا أسب السعودية والمحافظ في عدة مدن، في مدينة عدن، وفي مأرب، وفي الرياض، وفي مسقط، وفي الغيضة بالمهرة.

 

كان ردي عليه بأني لا أسب السعودية ولا غيرها، ولكني أنتقد، فأنا ابن البلد، وأعرف أوضاع المحافظة، وما يجري فيها، وتقدمت منذ البداية بالنصح للجميع، بما فيهم قيادة التحالف الذين وصلوا المهرة أول مرة، وأبلغتهم حينها بنصيحة مجانية بأن أهل المهرة طيبون لكنهم يحتاجون من يتعامل معهم بالطيب واللين والاحترام على الأقل.

 

وأوضحت بعض النقاط لرئيس الاستخبارات السعودية، على سبيل المثال التعامل مع القبائل وتجنيدها، وأنا اعتبر هذا الأمر فتنة، ولا تستطيع القبيلة أن تقوم بدور الدولة، وغدا القبائل ممكن أن تتقاتل مع بعضها، بسبب الحساسية بينها الناتجة عن ممارستها لأعمال أمنية هي من صميم مهمة الحكومة، واقترحتُ عليهم منذ البداية أن يكون التجنيد عبر المؤسسات الرسمية سواء الجيش أو الأمن، بحيث يمثل الجميع الدولة ويعملون باسمها.

 

والجانب الثاني الذي تحدثتُ به معه هو حاجة المهرة للخدمات العامة وتنمية المحافظة، وإذا كان للسعودية مصلحة من التواجد في المهرة، فنحن كأبناء المهرة لدينا مصلحة أيضا، لكن نحن نريد منهم أن يدخلوا للمحافظة من أبوابها الصحيحة والرئيسية.

 

* إذن، كيف جاء قرار منعك من السفر؟

 

** بعد الحديث مع رئيس الاستخبارات السعودية، مرت ثلاثة أشهر، وشعرت حينها بالإهمال لي، وذهبتُ للمطار بغرض السفر من السعودية، وهناك سألني الموظف فيما إذا كنتُ أعرف أني ممنوع من السفر، فرديت عليه: "لا"، ثم سألني إن كان أحد أبلغني من قبل بهذا المنع، وقلتُ له: "لا"، فقال بأن لديهم أوامر بمنعي من السفر، وطلب مني كتابة ورقة بأنه لم يتم إبلاغي من قبل بقرار منعي من السفر، والتوقيع عليها، وفعلتُ ذلك، وطلبوا مني العودة من المطار لتعذر سفري بسبب قرار المنع.

 

تواصلتُ بعدها مع المسؤولين في الدولة، ومنهم نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر، وأبلغته بقرار منعي من السفر، وقال لي بأنه هو الآخر متفاجئ من هذا القرار، وعرض عليّ استقدام أولادي إلى السعودية بدلا من السفر منها، لكني رفضت الأمر، وأخبرته بأني لن أجلس موقوفا داخل السعودية، وطلبتُ منه موقفا واضحا هو والأخ الرئيس، خاصة بعد تعذر الوصول للرئيس بسبب عدم الرد من قبل الموظفين في مكتبه، ووعدني النائب بعمل حل، ومرت عدة أيام دون فائدة، ثم وجهتُ رسائل للمعنيين في مكتب الرئيس، ولكن دون رد أيضا.

 

في الأخير تواصل معي الأخوة في المهرة، ورفضت تدخلهم وإقحام المحافظة وأبنائها في موضوع يخصني أنا شخصيا، ويكفي ما تعيشه المهرة من مشاكل، وانقطع التواصل معهم، فقاموا بالاحتجاجات التي تطالب بالسماح لي بالسفر، وأصدروا عدة بيانات، وبدؤوا في التحرك الميداني لقطع تحركات التحالف داخل المهرة كورقة ضغط على السعودية لرفع قيود منع السفر.

 

وبعد ذلك بأيام أبلغتُ من قبل نجل الرئيس هادي بأن الجانب السعودي رفع قيود منع السفر، وإذا أرغب بالسفر فلا يوجد أي مانع، ثم تواصل معي مدير مكتب الرئيس وطلب مني سرعة السفر إلى المهرة بتوجيه من الرئيس هادي بسبب التصعيد الذي كان حاصلا في المهرة تضامنا معي، فسافرت ووصلت المهرة والتقيت بأبنائها، وشكرتهم على ذلك، وطالبت بتطبيع الأوضاع فيها.

 

* بماذا تفسر هذه الطريقة من التعامل معك من قبل الجانب السعودي؟

 

** ما فهمته من هذا الأمر هو أن السعوديين لا يريدون أحدا ينتقدهم، أو ينتقد الشخص الذي عينوه محافظا للمهرة، لأنه أصلا يعمل وفق أجندتهم، وأنا -كما سبق الحديث- نصحتهم بالتعامل الصحيح مع المهرة وأبنائها، فمحافظة المهرة سلمية ومسالمة وبعيدة عن الحرب الجارية منذ اليوم الأول لاندلاعها في اليمن، وطرحتُ أنا هذا الكلام منذ كنتُ محافظا للمهرة، لكن يبدو أنهم وصلوا لقناعة بأنهم لن يستطيعوا العمل وفق أجندتهم في ظل بقائي محافظا للمحافظة، وبالتالي سعوا لإقالتي، والإتيان بشخص آخر ينفذ لهم ما يريدون.

    

* هل ترى أن ما فعلته السعودية معك هو ذاته ما تفعله ربما مع مسؤولين آخرين في الحكومة الشرعية بما في ذلك الرئيس هادي؟

 

** ربما، فهناك وزراء ممنوعون من السفر إلى عدن على سبيل المثال منذ بداية الحرب وحتى اليوم، وهناك أيضا قادة عسكريون ومدنيون جرى استدعاؤهم وإبلاغهم بأنهم ممنوعون من السفر ومغادرة السعودية، ولم يكن قرار منعي من السفر يستهدفني أنا فقط.

 

* هل لأنهم بلا قبيلة تؤازرهم مثلك لم يستطيعوا الضغط للسماح لهم بالسفر ورفع القيود عنهم؟

 

** لا ندري ماذا يجري بالضبط، لكن نحن لا ننتقص من قدر أحد، وبالنسبة لي ما كنا نحب أن نستعرض العضلات في هذا الجانب، لكني كنت واثقا أن أبناء المهرة لن يتركوني وحيدا في هذا الموقف، وسيكونون بجانبي في أي موقف، وقد وقفوا جميعا معي موقف عام من كل قبائل المحافظة ورجالها وليس قبيلتي فقط، وهذا شيء أتشرف به وأفخر، وأتوجه بالشكر لهم جميعا.

 

* كانت بدايات الاهتمام السعودي بالمهرة إبان توليك العمل كمحافظ للمحافظة.. ما هي المبررات التي تم طرحها للتواجد في المهرة؟

 

** في البداية استدعاني الجانب السعودي، وأبلغوني أن هناك تهريبا للسلاح في منافذ المهرة الرسمية، وكان المبرر بأنه ما دام أن المهرة فيها تهريب يذهب باتجاه السعودية وإلى الحوثيين، فإن السعودية تريد التواجد في المهرة لمواجهة هذه الظاهرة، وقال السعوديون إن هذا التهريب يخدم الحوثيين، ويشكل قلقا لأمنهم الداخلي.                   

 

* لكن الكثير يرددون نفس الطرح بأن التهريب منتعش في المهرة، وأن كميات من السلاح تصل للحوثيين من منافذ المهرة؟

 

** هذا الكلام غير صحيح، وغير موجود إطلاقا، وجاء من حملات إعلامية شعواء تستهدف المهرة باعتبارها وكر وطريق لتهريب السلاح القادم من سلطنة عمان، فسلطنة عمان التي يقحمونها في هذا الأمر لا تستطيع أن تغامر بسمعتها وتمد الحوثيين بالسلاح، كما أن المهرة لا تمثل سوى نسبة بسيطة من السواحل اليمنية الأخرى، ومن الموانئ التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وهناك مساحة طويلة بعد محافظة المهرة تقع تحت سيطرة الشرعية، وأتحدى أي شخص أن يثبت أن هناك تهريبا، ففي فترة إدارتي للمحافظة ركزت اهتمامي على المنافذ، وكان هناك تهرب ضريبي في إطار الجمارك أو بعيد عنها في السواحل، وكانت هذه الظاهرة موجودة، وهذا حدث بحكم أن الإجراءات الجمركية كانت تعسفية ويطلبون مبالغ كبيرة، إضافة لوجود قائمة من المواد الممنوع جمركتها، وطرحتُ أنا حلا بأن أي شيء ليس فيه مخاطر على الأمن القومي للبلد أو صحة الإنسان فليس هناك مانع من جمركته، خاصة مع الوضع الذي كانت تعيشه اليمن، كتوقف المصانع عن الإنتاج، والحاجة لاستيراد العديد من المواد لتعويض النقص بسبب ذلك التوقف، وقدمتُ تسهيلات لاستيراد البضائع، وإعفاء بعضها من الجمارك بنسب متفاوتة في إطار تلك التسهيلات، والأمر الثاني كان الإنجاز، فقد كنتُ أداوم أحيانا في منفذ شحن يوميا لمدة عشرة أيام حتى رتبتُ الأمور وضبطتها، وكان ذلك التهرب الضريبي يتم من قبل بعض الموظفين، وأحيانا من العسكر المتواجدين في المنفذ.

 

أما تهريب السلاح من منافذ المهرة الرسمية فهذا مستحيل إطلاقا، وأتحدى أن يثبتوا دخول رصاصة واحدة بأنها دخلت تهريبا من منافذ المهرة، وما يشاع من قصص في ضبط سيارات أو شحنات سلاح بأنها دخلت من منافذ المهرة، فهذا غير صحيح، فعندما تدخل شاحنة معينة ويتم التأكد من حمولتها في المنافذ وفحصها وإعطائها تصريحا بالعبور لليمن، ثم تظهر لاحقا بأنها كانت محملة بالسلاح، فهذا شيء آخر، فمن الممكن أن تلك الشاحنة حُملت بسلاح من مكان آخر، ويتم استغلال التصريح الممنوح لها بالمرور في نقل تلك الأسلحة، وعندما يلقون القبض عليها يزعمون بأنها جاءت من منفذ شحن بالمهرة.

 

وأنا طلبتُ من الأخ الرئيس تشكيل لجنة تحقيق تشترك فيها عدة جهات لمعرفة من الذي يقوم بعملية التهريب أو يسهلها في المهرة، لكني واثق تماما بأن السلاح المهرب الذي يتحدثون عنه لا يدخل من المنافذ الرسمية الرئيسية، وقد يكون هُرب من أماكن أخرى، فهناك محافظات يمنية تعرضت معسكرات فيها للسطو على أسلحتها من قبل جماعات مسلحة كتنظيم القاعدة مثلا، وتم تهريب تلك الأسلحة وبيعها، ورد عليّ الرئيس بالقول: "مالك ومال هذا الكلام"، لكني أرى بأن مثل هذا الكلام كان يشوه أدائي أولا، ويسيء للمهرة ثانيا، ويحتاج للحل أيضا، وأبلغته بأنه هو من عينني محافظا للمهرة، ومثل هذا الاتهام يعتبر خيانة للأمانة، وتمسكت بمطلبي في التحقيق، وانتهى الأمر حينها.

 

لكن منذ تواجد السعودية وقواتها في المهرة حتى اليوم لم يضبطوا أي عملية تهريب سواء للسلاح أو المخدرات، وسواء كانت العملية في السواحل أو المنافذ، وفي إحدى المرات اصطنعوا تمثيلية داخل المحافظة نفسها، وأدخلوا سيارة إلى داخل المنفذ، وادعوا ضبطها وأنها كانت محملة بالسلاح وقادمة من سلطنة عمان لشخص يحمل الجنسية العمانية، ثم ظهر سائق تلك السيارة وكشف ما يجري وأوضح الموقف، وفند دعاويهم، وكانت حركة تمثيلية لإثبات وجود تهريب.

 

* كان أول قرار اتخذه المحافظ الذي خلفك هو إلغاء المؤتمر الاستثماري الأول الذي عملت على تنظيمه لعدة شهور.. ما طبيعة ذلك المؤتمر؟

 

** هذا المؤتمر جرى التحضير له بحدود سنة كاملة، وكنا محددين الاستكمال منه في نهاية العام 2017م، وقبل انطلاق المؤتمر بحوالي 20 يوما استدعوني للرياض، ثم جرى نقلي كمحافظ للمهرة، وتعييني في مجلس الوزراء، رغم أن اللجنة التحضيرية جاهزة، والدعوات أيضا جاهزة، وكان هناك كتيبات أعددناها عن الفرص الاستثمارية في محافظة المهرة والتي كنا سنعرضها في المؤتمر، ودعونا شركات يمنية وأخرى من دول الخليج ودول العالم، وكان هناك تحضير جيد جدا، وكان من المقرر أن ينعقد المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية الذي وافق عليه من قبل، وكان سيحضر المؤتمر شخصيا لافتتاحه، وسيحضره أيضا رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وكان هذا هو الاتفاق بيننا وبين الرئاسة والحكومة.

 

بقيتُ أنا في الرياض، وعندما تم تعيين راجح باكريت محافظا للمهرة كان أول قرار اتخذه هو تأجيل انعقاد المؤتمر إلى إشعار آخر، وكان ذاك القرار بمثابة إلغاء.

 

*هل تعتقد أن تحمسك لذلك المؤتمر أزعج السعودية، فسعت للإطاحة بك، والحيلولة دون انعقاده؟

 

** كنا نعتبر أن المؤتمر لا يستهدف أحدا، ولا يهدف للإضرار بأي طرف، وكنا مرحبين بكل المشاركين من الشركات اليمنية والخارجية في المؤتمر، بحيث سنعرض عليهم فرص الاستثمار، وهناك اتفاق بيننا وبين الحكومة بأن يكون هناك وزراء متخصصون سيتواجدون في المهرة، وعندما نوقع أي اتفاقيات مع أي شركة توقع في المهرة، بحيث نبتعد عن المركزية التي سادت من قبل، وأبلغت الحكومة بهذا الأمر، تجنبا لحصول أي لعب أو سمسرة عندما يتم التوقيع على المشاريع خارج المهرة، على أن يكون للحكومة بوزاراتها المختلفة حق الإشراف والاعتماد للمشاريع، لكن الإجراءات تكون مسهلة في المحافظة.

 

* ماذا عن قرار إقالتك من المحافظة، لماذا أقلت من منصبك رغم أنك لم تعمل فيه لفترة كافية؟

 

** أولا أنا لا أعتبرها إقالة، بل اعتبرها إحالة ونقل من عمل لآخر، وللإجابة على سؤالك أقول بأني لن أتعامل بسوء النية للحديث عن دوافع ومبررات القرار، ولكن يبدو أن الأمر يعود لعدة مسببات، أولا انعقاد المؤتمر الاستثماري الأول والتحضير له من قبلنا، ثم المساعي التي قطعناها لاعتماد المحافظة على نفسها، ومحاولة تقوية السلطة المحلية في المهرة، وما نستطيع الجزم عمن يقف خلف القرار سواء كان في الداخل أو الخارج، لكن في الغالب الأخوة السعوديون يبدو أنهم توجسوا من هذه الإجراءات التي بدأتها، خاصة أن لديهم توجه معين، ويرون بأن بقائي في المحافظة واستمراري في العمل على النهج الذي بدأته ونجاح المؤتمر الاستثماري قد لا يمكنهم مما كان يدور في أذهانهم، ولكن في نفس الوقت رئيس الجمهورية ما قصر معي، ووأصدر قرارا بتعييني وزيرا، ومنحني رتبة لواء.

 

وفي كل الأحوال لم يكن لدي أي مانع بإبعادي من المحافظة، لكن كنت أتمنى أن يأتوا بشخص يخدم المحافظة فعليا، ويعمل على تصحيح أي أخطاء سابقة إن وجدت، مع الحفاظ على أي خطوة صحيحة تم اتخاذها، فخلال عملي في المحافظة كنا قد هيأنا قاعدة مؤسسة كان ممكن العمل عليها بأريحية والاستمرار فيها، ولكن للأسف تم تعطيل تلك القاعدة وتهميشها وكل المؤسسات المحلية الأخرى في المحافظة كالمجلس المحلي والهيئة الإدارية واللجنة الأمنية، بما في ذلك وكلاء المحافظة الذين حرصت على تشغيلهم وتوزيع المهام عليهم، ويعودون لي في الحالات الصعبة فقط، لكن المحافظ الجديد عمل على توقيف صلاحيات جميع الوكلاء والهيئة الإدارية للمجلس المحلي، والمستشارين تم إلغاؤهم أيضا، رغم أننا كنا قد حرصنا على عمل المستشارين وتحويلهم لمركز استشاري، له مكتبه وسكرتارية ونظام أساسي وميزانية بحيث تتولى بعض القضايا التي تحال للمستشارين، لأنهم يتشكلون من مختلف مديريات وقبائل المحافظة، واللافت أنه ألغى المستشارين وقام بتوظيف آخرين في ذات المهام.

 

* اليوم تتواجد السعودية في المهرة رغم بعدها عن الحرب الدائرة في اليمن، ما هي أهداف السعودية من التواجد في المحافظة؟

 

** تحدثتُ في جواب سابق بأن الدافع الأول للتواجد السعودي في المهرة كان بحجة مكافحة التهريب، لكن منذ تواجدهم حتى اللحظة لم يحققوا شيئا في مكافحة ومواجهة التهريب، وسؤالك هذا أنا شخصيا أبحث له عن إجابة، سواء من القيادة في الحكومة الشرعية، أو السعودية نفسها، فالحرب في اليمن مشتعلة في محافظات بعيدة، والحضور العسكري المكثف للسعودية هنا في المهرة، والمهرة لم تكن بحاجة لكل هذا، وتحتاج بشكل أساسي للدعم في مجال التنمية والخدمات وفي مجال تأهيل المؤسسات الحكومية، لكي تعمل وفق أداء صحيح، وتكون مخرجاتها سليمة.

 

* هل حقا تسعى السعودية لمد أنبوب نفطي من أراضيها إلى ساحل المهرة للاستعاضة عن خليج هرمز؟

 

** ليس هناك أي حديث رسمي عن هذا الأمر، ولم يتم فتح هذا الموضوع معي عندما كنت محافظا للمحافظة، ولم يناقش أيضا في جلسات الحكومة بعد تعييني عضوا فيها، ولم يطرح علينا أي كلام رسمي من القيادات سواء في الحكومة الشرعية أو الحكومة السعودية، وحتى الرئيس هادي سألته أنا شخصيا عن هذا الموضوع، وقال بأنه لم يطرح عليه نهائيا، لكن الضباط السعوديين الذين جاؤوا إلى المهرة والمحافظ باكريت يرددون بأنه سيتم مد الأنبوب، وإنشاء ميناء نفطي، وشق طريق من منطقة الخرخير التابعة للسعودية إلى المهرة، لخدمة الأنبوب نفسه، وأن المحافظة ستنتعش، وغيره من الحديث الذي يروجونه في هذا الموضوع، ونحن نقول بأنه لا خلاف حول الأمر، لكن "لازم" يأتي عبر المداخل الرسمية، ومثل هذه المشاريع تفوق صلاحيات المحافظة.

 

* لماذا تعارضون مد هذا الأنبوب، كما نلمس من تصريحات بعض القيادات في المهرة؟

 

** نحن لا نعارض مد الأنبوب، بل نعارض الطريقة والآلية التي يتم من خلالها تنفيذ مد هذا الأنبوب.

 

* ما هي هذه الطريقة؟

 

** تتمثل هذه الطريقة والآلية بعدم الرجوع للدولة أو الحكومة الشرعية بدون أي اتفاقية واضحة ومعلنة، ومثل هذه الأعمال الكبيرة والعملاقة تتم باتفاقيات وتعمد دوليا في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وتصبح الحقوق مضمونة ومحفوظة، بحيث مهما يحصل من خلاف لاحقا تظل الاتفاقيات مستمرة ومحكومة بقانون ونظام وحماية دولية ومحلية وإقليمية، هذا الذي نريده، حتى تتضح الصورة أكثر، ونعرف ما الذي تستفيده المهرة، وما الذي سيعود على الحكومة والبلد برمته، وما الذي سيكون للسعودية وعليها أيضا.

 

أما ما يجري حاليا فهي أحلام يروجها البعض بأنه سيفعل وسيقدم، بدون أن يكون هناك شيء مضمون، وبدون أي ضمانات، وبدون حفظ الحقوق لأبناء البلد، سواء من الناحية السيادية أو الحقوقية أو التنموية.

 

* لكن القوات السعودية بمساعدة المحافظ قامت بوضع علامات على الأرض كمقدمات لتنفيذ مشروع الأنبوب؟

 

** هم وضعوا علامات في الأرض فعلا، وجاء المحتجون على الوجود السعودي وانتزعوها.

 

* أنشأت القوات السعودية قاعدة عسكرية لها في مطار الغيضة وكذلك معسكرات في أكثر من مديرية ومنطقة.. لماذا تقدم على مثل هذه الأفعال؟

 

** شخصيا ما استطعت أن أوجد مبررا لهذا الأمر سوى أنه محاولة لاستغلال الضعف الحاصل في اليمن، سواء في ضعف الدولة اليمنية وانشغالها في الحرب والأزمات الاقتصادية والمالية، وحاجة الناس، وهذا هو التفسير، وفي الحقيقة لا يوجد شيء ثانٍ يمكن تقديمه كتفسير.

 

* ولكن السعودية تفسر هذا الأمر بأنه يهدف لتطويق تهريب السلاح؟

 

** حتى اللحظة لم يتم ضبط أي شيء جرى تهريبه عبر المهرة، أو ضبط مهرب يقوم بالتهريب في محافظة المهرة، بل إن التهريب نفسه زاد بعد وصول القوات السعودية خاصة في الفترة الأخيرة، وهناك ثلاث حالات تهريب أبلغ عنهن في المحافظات الأخرى وتم ضبطها من المهرة.

    

وإذا كان مبرر التواجد العسكري في المهرة للقوات السعودية هو التهريب، فأبناء المحافظة يمكن تجنيدهم وتشكل منهم قوات خفر السواحل، وكنا قد شكلنا نواة لدائرة خفر السواحل في الشرطة، وأهلنا مجموعة من المجندين من أبناء المهرة يبلغ عددهم حوالي 120 جنديا بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم تخصيص قيادة للجنود ومقر رسمي، ثم جاءت هذه المعسكرات التي أنشأتها السعودية ولا ندري ماذا يجري داخلها.

 

واليوم أصبحت السواحل في المهرة مكانا عسكريا بعد التمركز فيها من قبل القوات السعودية، وحرم المواطنون وعوائلهم في المهرة من تلك السواحل، والآن أي عائلة أو مواطن ينزل في الساحل تأتيه الأطقم العسكرية التابعة للسعودية، وتسأل عن أسباب تواجده هناك، وتمنعهم من البقاء، ولم يعد أحد من أبناء المحافظة يتجرأ على الذهاب للسواحل مخافة أن يتم تلفيق التهم لهم.

 

وكذلك الصيادون الذين يتعرضون للمضايقات من تلك القوات، والأوامر التي توجهها لهم، ومنعهم من الاصطياد في أماكن، أو الصيد في أوقات زمنية معينة، ويتعرضون للمساءلة أثناء ممارسة أعمالهم في الذهاب والإياب.

 

* لماذا تستميت القوات السعودية في السيطرة على المنافذ البرية والبحرية كصرفيت وشحن وميناء نشطون؟

 

** في هذه المنافذ تتواجد الأجهزة الحكومية من مختلف الجهات كالجمارك والأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها ووظائفها، كالأمن القومي والسياسي والجنائي والاستخبارات العسكرية، ويقومون بمهمة التفتيش والرقابة والفحص، وأي شيء يشتبه فيه يقومون بفحصه بدقة والتأكد منه وإعداد تقرير موقع من كل تلك الجهات المتواجدة في المنفذ.

 

الآن هذا كله جرى استبداله، وفرضوا شخصيات عسكرية سعودية تقوم بمهمة كل تلك الجهات الحكومية، وهذا كلام غير صحيح، ويدعو للغرابة، ولا يوجد ما يبرره، بل وقامت القوات السعودية في منفذ شحن على سبيل المثال باتخاذ إجراءات جديدة لا تخدم العمل في المنفذ بقدر ما عرقلت الحركة فيه، ففي المنفذ يوجد جهاز فحص أمريكي يعتبر من أضخم وأفضل أجهزة الفحص في المنفذ، ويستوعب الشاحنات الكبيرة، ويكشف حمولتها بدقة، قامت تلك القوات بإلغاء ذلك الجهاز، وركبت جهازا جديدا ليس بكفاءة الجهاز الأول، وبالكاد يقوم بفحص عشر قاطرات محملة بالبضائع في اليوم الواحد، بعد أن كان الجهاز السابق يفحص أكثر من ذلك بكثير، ويصل إلى ستين قاطرة، مما أدى إلى تدني العمل في المنفذ وتراجع مستوى أدائه.

 

وإضافة إلى ذلك منعوا دخول العديد من الأصناف إلى اليمن عبر منفذ شحن، لكن في المقابل قاموا بإصدار تراخيص خاصة للبعض بآلاف الأطنان من تلك الأصناف التي منعوا دخولها.

 

* أين دور السلطة المحلية هنا لتمارس الرقابة؟

 

** السلطة المحلية تتمثل بالمحافظ الذي يرأسها، والمحافظ الحالي يمتثل لأي كلام أو توجيهات تأتيه من الجانب السعودي، وما عليه سوى التوقيع، ثم لاحقا يتبادلون الأدوار، وإذا حصلت مشكلة التحالف يحملها المحافظ، والمحافظ يرميها على التحالف.

 

* تقول السعودية إنها تنفذ وترعى مشاريع متنوعة في عدة قطاعات بالمهرة عبر البرنامج الذي خصصته لإعادة الإعمار، ما حقيقة هذه المشاريع؟

 

** منذ إعلان تلك المشاريع السعودية حتى اليوم لم ينفذ منها شيء، وإذا أنجز مشروع ما يتحدثون عنه يكون إنجازا شكليا، ففي مستشفى الغيضة كان من المفترض وفق إعلانهم أن يتم تأهيله، ولم يتم شيء، وفي الطرق هناك طريق الغيضة - تريم، عبر وادي الجزع، وهي طريق مخططة من قبل واعتمدتها الحكومة ووضعت حجر الأساس لها، والميزانية الخاصة بها المقدرة بخمسمئة مليون ريال يمني، وأعلن السعوديون عن تبنيهم هذا المشروع ولم يفعلوا شيئا، وكذلك المشروع الذي أعلنوه في تأهيل المطار، فنحن في السابق كنا قد رممنا المطار وأجرينا إصلاحات فيه، ولم يفعلوا هم أي شيء في المطار.

 

الوعود كثيرة من السعوديين، والتبشير بمشاريع جديدة يزداد، لكن على الأرض لا يوجد أي جديد حتى اللحظة، بل إن المشاريع السابقة التي كنا قد اعتمدناها ووقعنا عليها، وكان العمل جارٍ فيها تم توقيفها.

 

* من أوقفها؟

 

** المحافظ، وتم التعامل معها بطريقة غير صحيحة، كالصرفيات المالية والهبات للشعراء والمداحين وشراء السيارات وغيره.

 

* ما مبرر الاعتصامات التي ينظمها أبناء المهرة من وقت لآخر منذ أكثر من عام؟

 

** الاعتصامات جاءت لتحقيق المطالب التي يرفعها أبناء المهرة، وفي مقدمتها المطالب الستة التي تم الاتفاق عليها بينهم وبين الجانب السعودي، لكن لم يتم تنفيذ تلك المطالب، بل جرى مضاعفة التجاوزات من قبل السعوديين في المهرة، واضطر ذلك المعتصمين لمواصلة الاعتصامات للمطالبة بتحقيق المطالب.

 

* هل تعتقد أن الاعتصامات كوسيلة للمطالبة بخروج السعودية من المهرة ستجدي نفعا؟

 

** هذا المفترض، وأنا من خلال موقعكم أطالب القيادة السعودية أن تراجع سياستها بشكل عام من التحالف الذي تقوده في اليمن، سواء السعودية أو الإمارات في التعامل مع الحكومة الشرعية، واليمن بشكل عام، والمحافظات التي تتواجد فيها الدولتان بشكل خاص.

 

وإذا تحدثنا عن محافظة المهرة التي ننتمي لها فنحن ندعو للمراجعة وتصحيح الوضع، واذا كانت هناك أي مشاريع خدمية أو تنموية ستنفذها السعودية لصالح المحافظة فنحن لا نرفضها، لكن بشرط أن لا تكون مبطنة بأطماع أخرى.

 

* السعودية لها مؤيدون ومناصرون من أبناء المهرة ويعملون معها كالمشايخ مثلا، وهذا يعني أن هناك من يعمل لصالحها ويتقبل وجودها؟

 

** أغلب هؤلاء المشايخ العاملين معها هم أساسا سعوديون، ويحملون الجنسية السعودية، واستقدمتهم السعودية من أماكن تواجدهم في مدنها عندما جاءت إلى المهرة في البداية، ونصبتهم مشايخ على أبناء قبائلهم من اليمنيين المتواجدين في المهرة، رغم وجود مشايخ لتلك القبائل في المحافظة ولا يحملون الجنسية السعودية، لكن السعوديين تعاملوا مع المشايخ الذين استقدموهم وانضم لهم البعض من داخل المحافظة ممن حصلوا على بعض التسهيلات والامتيازات والرواتب والتجنيد لأتباعهم، وهذا الأمر أدى إلى التشظي والشروخ داخل النسيج الاجتماعي الواحد لأبناء المهرة، وهو تطور خطير، قد يؤدي إلى الصراع البيني في المحافظة، وهذا أمر لا يخدم المهرة وأبنائها، ولا يخدم السعودية أيضا.

 

* ماذا عن موقف الشرعية مما يجري في المهرة سواء الرئيس هادي أو الحكومة، وهم من باركوا دخول وتمكين القوات السعودية من المحافظة؟

 

 ** حتى الآن لم يتم تحديد موقف واضح للشرعية، لكنها توصي دائما بالاستقرار والهدوء ونبذ الفوضى والمشاكل والمظاهرات والاعتصامات لأنها تضر بالمحافظة المعروف عنها بأنها هادئة ومتماسكة، لكن هناك أسبابا للوضع الذي تعيشه المهرة اليوم، وإذا لم تُزَل هذه الأسباب فمن الممكن أن يتطور الوضع فيها، لذلك ظاهريا نحن لم نلمس أي موقف من الحكومة الشرعية، والرئيس هادي دائما يوصينا بالتهدئة، ونحن نقول له كيف نهدئ الأوضاع وهناك تصرفات هي السبب لما يجري اليوم في المهرة، ويجب أولاً إيقاف تلك الأسباب، ومتى ما توقفت فستتوقف المظاهرات والاعتصامات.

                                      

لذلك لا بد على الحكومة الشرعية والسلطات السعودية باعتبارهم شركاء في هذا الوضع أن يراجعوا بعضهم البعض، بما يخدم تلاحم أبناء المحافظة، وأن تكون المحافظة رقما لصالح الشرعية ودرعا لها وللتحالف في نفس الوقت.

 

* هناك مليشيا جرى تشكيلها في المهرة خارج سياق الأجهزة الحكومية المختصة.. ما طبيعة هذه المليشيا ومهمتها؟ وكيف تنظرون إليها؟

 

** ما عرفناه أنهم في البداية استقدموا كتيبتين، الأولى بمبرر حماية المحافظ، والثانية أطلق عليها التدخل السريع، وتتواجد في مطار الغيضة، وكلها ترتبط بالمحافظ والتحالف بقيادة السعودية وتعمل بشكل مباشر معهم، وليس لها أي ارتباط بالشرطة أو الجيش.

 

كما تم تشكيل ما يسمى بالشرطة العسكرية، وهذه هناك أشياء تتعلق بها، فالمعروف أن الشرطة العسكرية وفقا لقانون هذا البلد تتبع وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، ومهمتها مراقبة تصرفات وحركة الجيش وآلياته وأفراده وتعامله مع الناس، لكن هذه الشرطة التي شُكلت هنا يقولون أحيانا إنها تتبع قوات الشرطة في وزارة الداخلية، لكن هذا ليس صحيحا، فلم يحدث من قبل أن الشرطة العسكرية تتبع وزارة الداخلية.

 

هذه تسميات وتوصيفات غريبة، وبالنسبة لنا وللآخرين صنفت هذه الكتائب المسلحة بأنها شكل من أشكال الأحزمة والنخب التي جرى تكوينها في المحافظات الأخرى كعدن وأبين وشبوة وحضرموت، لكن تحت مسمى شرطة عسكرية، وقوات التدخل السريع.

 

* يتردد أن ما يجري في المهرة هو صراع بين دولتين، هما سلطنة عمان والسعودية، وأبناء المحافظة هم وكلاء وأدوات.. ما مدى صحة هذا الطرح؟

 

** سلطنة عمان والسعودية هما دولتان شقيقتان وجارتان وتشتركان في العضوية بمجلس التعاون الخليجي، وترتبطان بعلاقات ثنائية جيدة، وفي تقديري أن سلطنة عمان انتهت منذ وقت مبكر في قضاياها مع الجمهورية اليمنية كقضية الحدود، وليس لها أي أطماع أو أجندة جديدة للتوسع في اليمن أو المهرة، ولديها الهاجس الأمني باعتبار أن المهرة منطقة حدودية ويهمها الاستقرار فيها وسيادة الأمن حتى لا تتأثر بأي اضطراب في المهرة التي تشترك معها بحدود برية وبحرية، فإذا حصلت مشاكل مثلا في المهرة فالوجهة المفضلة والأقرب لمن يريد النجاة والهروب هي سلطنة عمان، وهذا سيسبب لها مشاكل فوق ما تعانيه حاليا من اليمنيين في المهرة الذين نزحوا إلى أراضيها، ومن الانقسامات الموجودة على مستوى كل اليمن.

 

*إذا عقدنا مقارنة بين الدور السعودية والدور العماني في المهرة، فما هي الفروق بين دور وحضور الدولتين؟

 

** بالطبع هناك فرق كبير بين الدولتين وحضورهما في المهرة، فسلطنة عمان بشكل عام تدعم خدمات عديدة في المهرة، كالمياه والكهرباء والصحة بدون شروط مسبقة أو أجندة، ولم تحضر جيشها إلى المهرة، ولم تأت بأحد من مواطنيها ليدير المحافظة ويستخدم سلطتها ونفوذها، وإذا جاء فريق عماني برفقة المساعدات التي تقدمها للمحافظة يحضر معه رسالة رسمية من الجهة المختصة توضح طبيعة المساعدة ومن قدمها، وحجمها، ويقوم بتسليم تلك المساعدات للسلطة المحلية، ويعودون من حيث أتوا، كما أنها لا تتدخل في عمل المنافذ اليمنية بشكل مطلق.

 

لكن السعودية حضورها مختلف في المهرة، فعلى سبيل المثال مطار الغيضة، بدلا من العمل فيه وتشغيله أمام المدنيين تحول إلى ثكنة عسكرية، ومارست القوات السعودية التدخل في المنافذ الخاصة بالمحافظة، وعندما تقدم أي مساعدات للمحافظة يحضرون كل شيء بأنفسهم، ولا أحد يعلم ما الذي أحضروه، ولا ما الذي غادروا به من المهرة.

 

* هناك أصوات جنوبية تتبنى اليوم خيار الانفصال والعودة لوضع التشطير، كما هو الحال مع المجلس الانتقالي الجنوبي، هل هم صائبون أم مخطئون في رفع هذا المطلب؟

 

** الجنوب تعرض للظلم، بالذات بعد حرب 1994م، وجرى تهميشه ونهب أراضيه وإقصاء أبنائه من مواقع السلطة في المدن الجنوبية، وكان هذا خلال فترة من الفترات، لكن الآن نحن في ظرف آخر، بدأ أولا مع مؤتمر الحوار الوطني وشاركت فيه كل المحافظات، بما في ذلك الجنوبيون الذين كانوا يدعون للانفصال، وتم الاتفاق في المؤتمر على مخرجات للوضع في الجنوب، كخيار الأقاليم على أساس الدولة الاتحادية، وكان هذا الخيار الأول، أما الخيار الثاني فيمكن بعد نهاية الحرب الأساسية الجارية اليوم للقضاء على الحوثيين الذين يمثلون الذراع الضارب لإيران في اليمن، ويشكلون خطورة على المنطقة كلها، أن تعود القضية الجنوبية إلى السطح من جديد، ويتم المطالبة بحقوق اليمنيين، وممكن حتى الاستفتاء على الانفصال.

 

أما الآن فأنا أرى بأن معركتنا الأساسية هي مع جماعة الحوثي وإنهاء دورها، وقطع يد إيران في اليمن، وهذا تأمين لليمن والخليج والمنطقة كلها، ونحن في النهاية جسد واحد في الجزيرة العربية، ولا أرى الآن أن الوقت مناسب للدخول في القضية الجنوبية، ومحاولة فصل الجنوب عن الشمال.

 

غير أن الأغرب من هذا كله أن دولة الإمارات العربية المتحدة العضو الثاني في التحالف العربي الذي تدخل في اليمن لدعم الشرعية هي المتبنية للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، وتبنت أيضا دعم ورعاية المليشيات الضاربة في مدن الجنوب، ومدها بالأسلحة والإمكانيات أكثر من دعمها للجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية التي جاءت الإمارات لدعمها في اليمن، وحتى المليشيا التي تم استقدامها إلى المهرة جرى تجنيدها في المناطق الجنوبية التي تتواجد فيها الإمارات، وأنشأت فيها مليشيا مماثلة، وهنا الخطورة.

 

* لماذا تفعل الإمارات ذلك؟

 

** نحن نستغرب من هذه الأفعال الصادرة من الإمارات، فهي أولا لا تشترك بحدود مباشرة مع اليمن، ثانيا التحالف العربي في اليمن مهامه واضحة، كتحالف مع الشرعية اليمنية وداعم لها وله أهداف معلنة في تدخله باليمن، فكيف مثل هذه الأمور تجري، وبصمت أيضا من الشرعية نفسها للأسف، وبصمت أيضا من الشريك الآخر في التحالف وهي المملكة العربية السعودية.

 

الحراك الجنوبي متعدد الكيانات، ولديه مطالب أصبحت واضحة ومستوعبة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وممكن تجاوز تلك المخرجات حتى يتم تطبيع الوضع في اليمن عقب الانتهاء من الحرب الجارية مع الحوثيين، وعلى أبناء الجنوب أن يتوحدوا على رأي واحد، إما الدخول في خيار الأقاليم وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار، أو يطالبوا باستفتاء لتقرير خيار الانفصال كما أسلفت، لكن أن تثار المطالب بالانفصال في هذه المرحلة الصعبة والعصيبة التي يعيشها اليمن، فهذا أمر مستغرب، خاصة مع تبني دولة جاءت لدعم الشرعية لتلك الأصوات.

 

* الإمارات صعدت عسكريا عبر أدواتها مؤخرا في سقطرى وشبوة ضد الحكومة اليمنية.. ما قراءتك لهذا التصعيد؟

 

** هذا التصعيد هو ما يضاعف حيرتنا من الدور الإماراتي في اليمن، ولا نعرف كيف يمكن قراءته أو استيعابه، فكيف لتحالف جاء لدعم الشرعية يقوم بتشكيل مليشيا مسلحة تعمل ضد الشرعية، ومواجهتها، وتقييد حركتها، ومنع قيادتها من العمل انطلاقا من العاصمة التي أعلنتها مؤقتة للبلد، بل ومنعها من التواجد في أي منطقة من مناطق الجنوب.                                                                                

 

* لكن الشرعية نفسها سواء رئاسة الجمهورية أو الحكومة صامتة عن كل هذا الذي تتعرض له من قبل الإمارات وأدواتها؟

 

** استبعد وجود صمت، أعتقد أن هناك معالجات داخلية لا زالت صامتة، فالقيادة في الشرعية لا ترغب بتفجير موقف مع التحالف، أو خلق مشاكل معه، فهي بحاجة إليه، لكن إذا استمر الوضع بهذا الشكل فلا بد على الحكومة الشرعية في الأخير أن تحدد موقفا.

 

* الصمت الراهن للشرعية يراه البعض بأنه ضعف واضح أمام التحالف أنه يتحكم في الشرعية كلها؟

 

** الشرعية في الوقت الراهن أمامها مهمة أساسية ورئيسية، وهي مواجهة جماعة الحوثي، ولا تريد أن تفجر جبهات داخلية، ومعارك جانبية تؤثر على حربها ضد الحوثيين، وحسب تقديري لا زالت الشرعية تستخدم الصبر والمعالجة الداخلية مع التحالف للوصول إلى نتيجة.

 

* هناك أصوات يمنية ترتفع وتدعو لطرد الإمارات من التحالف في اليمن بما في ذلك مسؤولون في الحكومة المقيمة في الرياض، هل تتفق مع هذه الأصوات؟

 

** أنا أضم صوتي للصوت العقلاني الذي لا يفتح لنا جبهات إضافية، ويتجنب أي معارك داخلية وجانبية في ظل وجود الحوثي الذي يستفيد من هذه المعارك، وكان من المفترض خلال الأربع السنوات المنصرمة منذ بدء الحرب أن يكون الحوثي بسبب الحرب ضده والحصار الجوي والبحري والبري المفروض عليه من التحالف في حالة ضعف، ولكن للأسف الشديد ما نراه أن الحوثي يصبح أقوى، ويحاول العودة إلى المناطق التي دُحر منها، أو التمدد إلى المناطق التي لم يصلها.

 

ومع ذلك أنا أدعو وأطالب بإعادة تنظيم العلاقة بين الشرعية والتحالف، وأن تجلس الشرعية بقياداتها مع قادة التحالف لإعادة صيغة التحالف نفسه بين الطرفين، وأضم صوتي لكل الأصوات التي ترفع نفس هذا المطلب، وينبغي أن توضع النقاط على الحروف بين الجانبين، وتبرير ما يجري، وما الذي أوصلنا إلى هذه النتيجة وهذا الحال، الذي لا يخدم اليوم سوى الحوثيين شئنا أم أبينا، وهم وحدهم من يستغل هذا الخلاف بين الشرعية والتحالف، وكذلك أوجه الخلاف الأخرى كالنزاع الجنوبي الجنوبي، والخلاف الشمالي الجنوبي، والخلاف بين الشرعية والحراك.

 

ونتساءل هنا إلى متى سيتم إضاعة الوقت في هذه النزاعات والخلافات، وآن الأوان أن نرص الصفوف جميعا لمواجهة العدو الأساسي، وكل القضايا التي يمكن معالجتها بعد الحرب الراهنة يتم تأجيلها، أما بهذا الشكل فما يجري هو إضعاف للشرعية، وللتحالف أيضا.

 

* الزائر لمحافظة المهرة، يرى فيها كل مقومات النهوض، ومع ذلك يشعر الزائر لها أنه في قرية وليس في مدينة.. لماذا هذا الحال؟ ومن المتسبب والجاني؟

 

** كانت المحافظة بدأت تتعافى إلى حد ما، وفي الوقت الراهن بدأت تعود للأسوأ خاصة بعد الكارثة التي تعرضت لها من إعصار لبان الذي أثر عليها كثيرا، وتسبب في تغيير ملامح الوديان، وأثر على السواحل جراء كمية المخلفات التي جلبتها السيول، وهذا الوضع الراهن في الشواطئ يحتاج لحملة كبيرة تتظافر فيها جهود الجميع سواء الحكومة أو السلطة المحلية والتحالف والمجتمع للتخلص من تلك المخلفات.

 

ومن المؤسف هنا أنه عقب نهاية الإعصار جاء الإعلام التابع للتحالف وقالوا بأنهم سينفذون عملية إزالة المخلفات، ولكن ذلك كان لمدة عشر دقائق، ثم غادروا، وظل الوضع كما هو عليه، وهذا الحال نفسه ينطبق على برنامج الإعمار والوعود التي قالوا بأنهم سينفذونها في المحافظة، ويضاف له أيضا مشاريع السلطة المحلية التي تتحدث عنها، وهذا الأمر هو انعكاس للتعامل ما بين الشرعية والتحالف في إدارة المحافظات المحررة، التي من المفترض أن تكون نموذجا لتنميتها وإعمارها بشكل جدي ومسؤول، بحيث يشعر المواطن في تلك المحافظات بأنه يعيش حالة أفضل.

 

والنقص الحاصل في الخدمات بالمهرة كالصحة والكهرباء والطرق والمياه هو ذاته ما تعانيه بقية المحافظات المحررة، ومنها على سبيل المثال العاصمة المؤقتة "عدن" التي من المفترض أن تكون نموذجية، وهذا كله بسبب الخلل في التعامل الذي أشرتُ إليه، وفي غياب التكامل الإجرائي بين الشرعية والتحالف، وهذا يستدعي وقفة ومراجعة من قبل الجانبين لإعادة صيغة التعامل بينهما.

 

* هل فعلا توجد في المهرة جماعات إرهابية كالقاعدة وداعش؟

 

** لا.

 

* كيف تنظر لأداء المحافظ الحالي راجح باكريت؟

 

** قد تكون شهادتي في هذا الجانب مردودة عليّ، وفقا لفهم الناس غير الصحيح، باعتبار المحافظ كان خلفا لي في المحافظة، ولكن يشهد الله بأن كنت أتمنى من أخونا راجح أن يتعامل مع المؤسسات، وأن يتعامل مع أبناء المحافظة بشكل أفضل، بدلا من الوعود والهبات والإغراءات لكسب الأصوات ونيل المديح، وأن يركز على الخدمات التي يمكن تقديمها للمحافظة بإمكانياتها، خاصة أن الحكومة غضت عنه النظر فيما يتعلق بالإيرادات المالية، وأصبحت كلها تذهب للصندوق المحلي للمحافظة، وهذا ما لم يكن موجودا في السابق، حيث كان يتم توريد المبالغ للبنك المركزي وفق التعامل الذي كان سائدا من قبل، لكن الآن فُصل فرع البنك المركزي في المحافظة عن المقر الرئيسي في عدن.

 

إضافة إلى ذلك تجميد وإماتة عمل المؤسسات المحلية كالمكتب التنفيذي، والمجلس المحلي، والهيئة الإدارية للمجلس، والمجالس المحلية في المديريات، واللجنة الأمنية، وكان من المفترض التعامل معها وأن تشتغل عبرها، وتستمد قوتك منها لتحقيق الكثير.

 

لكن للأسف الذي حاصل هو التعامل ما بين التحالف وشخص المحافظ، وهذا أحدث فجوة كبيرة في العمل المؤسسي، وأدى لإجراءات غير سليمة وخلل في كيفية إدارة المال العام لصالح المحافظة وتنميتها.

 

* إذا عينت من جديد محافظا للمهرة مرة أخرى.. هل ستقبل؟

 

** لا، لن أقبل.

 

* لماذا لا تقبل، وأنت عينت محافظا للمهرة ثلاث مرات؟

 

** المحافظة اليوم منهكة، وعليها ديون كثيرة، والتزامات مالية لوعود واهية، وإذا مثلا عدتُ أنا للعمل فيها كمحافظ، وأمارس عمل مؤسسي، فلن أتمكن، وسيلومني الناس، فالدين المالي المسجل على المحافظة اليوم يحتاج مني 20 سنة لتسديده، وكثير من الأعمال التي تم الشروع فيها، يُصرف للعاملين عليها مبالغ مالية بسيطة ويبدأ العمل، وغدا هؤلاء سيأتونك ولديهم اتفاقات وعقود، ولا تستطيع أن تفي بتلك الوعود والعقود جراء ذلك الدين، ولهذا عمليا أن تحولت للعمل في الحكومة، ومتى ما رغبت الحكومة الشرعية في العمل معها فلدي الاستعداد للعمل اليوم أو غدا، واليوم الذي يبلغوني فيه أنهم لا يريدوني فسأجلس ببيتي.

 

* من المتسبب بهذه الديون؟

 

** السلطة المحلية الحالية التي تقود المحافظة، ولم يكن من قبل على المهرة أي التزامات مالية، وكنا نشتغل وفق الإمكانيات المتاحة لنا، وكان عملنا ملموسا ومحسوسا عند الناس في مختلف الجوانب، لكن الآن وعود وهمية وصرف مبالغ، والنتيجة صفر على الشمال.

 

* ما هدف اللقاءات المكثفة التي تعقدها هذه الأيام مع الشخصيات القبلية والاجتماعية؟

 

* نحن نسعى لتفنيد وتشخيص الحالة الراهنة في المهرة وكيفية معالجتها، والتقيت بأعضاء مجلسي النواب والشورى في المحافظة، وكذلك الكوادر المهمة في محاولة لتشخيص الوضع في المهرة، ثم سنعرض النتيجة على السلطة المحلية لوضع المعالجات، وإنهاء حالة الاحتقان والاعتصامات والمشاكل والخلاف القائم الآن، وإزالة الأسباب التي أدت لهذا كله، ولدي إشارة من رئيس الوزراء ونائبه وزير الداخلية على أساس أقدم لمجلس الوزراء في نهاية هذه اللقاءات تقريرا يتضمن النتائج التي وصلنا لها.

 

* لو أتيحت لك الفرصة لتقديم نصيحة لأي محافظ جديد للمهرة، فبماذا ستنصحه؟

 

** سأنصحه بالتعامل مع المؤسسات الرسمية، ويعمل على إحيائها وإنعاشها وتأهيلها، وأن يتعامل مع المجتمع وأبناء المحافظة ليساعدونه، سواء في الجانب الأمني أو المجتمعي أو التنموي، وهذا الذي يدوم، أما الاجتهادات الفردية، فنتيجتها تكون لفترة مؤقتة، والخسائر الناجمة عنها تكون أكثر من الفائدة.

 

ونحن لن نبخل في عطائنا وتجربتنا على أحد، بما في ذلك السطلة المحلية الحالية في المهرة، والتي عرضت عليها أكثر من مرة، ولكن للأسف المحافظ ما تقبل أن أجلس معه، وأنا في الأساس ما سلمت له العمل بعد تعييني في الحكومة، فقد كنتُ حينها في الرياض، ولما عدتُ للمهرة حاولت أنسق مع المحافظ، وأعطاني موعدا، ثم أخلفه، وانقطع الاتصال معي حتى اللحظة، ورغم هذا أنا جاهز ومستعد للم الشمل، واستعادة لحمة أبناء المحافظة ووحدتهم.

 

* ما هو القرار الذي تشعر أنك سعيدا لاتخاذه وأنت محافظا للمهرة؟

 

** كان القرار الجيد الذي اتخذته أثناء عملي في المحافظة هو إنشاء صندوق التنمية البشرية، والذي يعتني بطلاب المحافظة الدارسين في الخارج، أو في المحافظات الأخرى داخل البلد، وكذلك مركز الدراسات الذي تم إنشاؤه في المحافظة، وتأسيس مركز اللغة المهرية، والتحضير لانعقاد المؤتمر الاستثماري في المهرة، وهذه الأعمال لو تم الاستمرار عليها وتطويرها كان من الممكن أن تعطي نتيجة جيدة لصالح المحافظة.

 

* وهل هناك قرار يشعرك بالندم اليوم لعدم اتخاذه أو لاتخاذه وأنت محافظا للمهرة؟

 

** نحن كنا نبذل جهدنا بكل ما استطعنا من قوة، وأشعر بشكل شخصي أني بذلت جهدا مع كل الأجهزة والمؤسسات المحلية في المحافظة، والوكلاء والهيئة الإدارية والمديريات، ومع القبائل والمجتمع، لإنجاز عمل مؤسسي وجماعي متكامل، وكذلك العمل مع فروع الأحزاب في المحافظة، وعملنا لتشكيل مجلس تنسيقي يضم تلك الأحزاب، ولا أشعر أني قصرت في شيء كان ممكن أعمله، ولم أفعله.

 

وكان هناك حركات شبابية ونسوية، عملنا ونسقنا معهم، إضافة للعمل مع المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، والكل كان يبذل جهده نحو أمن المحافظة واستقرارها.

 

* من هو محمد عبد الله كدة؟

 

** أنا من مواليد العام 1954م، وهذا تاريخ تقديري، وولدتُ في مديرية حوف بالمهرة، ونشأت في البادية أولا، وتعلمت الابتدائية هنا في الغيضة، والإعدادية في غيل باوزير، ولم أكمل الثانوية، وعندما وجدتُ في نفسي الفرصة والفراغ أكملت الثانوية العامة، ثم التحقتُ بالجامعة، وتخرجت منها بشهادة بكالوريوس شريعة وقانون في العام 2014م بتقدير جيد.

 

عودت نفسي على تعويض ما فاتني في المرحلة السابقة، وسعيتُ لتعويضه لاحقا، وكنتُ من مؤسسي الاتحاد الوطني العام لطلبة اليمن، ومن مؤسسي اتحاد شباب اليمن، وعملت مسؤولا لدائرة المنظمات الجماهيرية في المهرة لفترة طويلة، وعملت في كل دوائر سكرتارية الحزب الاشتراكي اليمني، بما فيها سكرتير ثانٍ لفترة، ثم عينتُ مأمور مديرية الغيضة (مدير عام) في العام 1985م، وكانت حينها كبيرة المساحة، وتم تقسيمها لاحقا إلى أربع مديريات، ثم تم نقلي إلى مديرية قشن لأعمل فيها كمأمور، ثم انتخبتُ في المجلس المحلي ورئيس للمكتب التنفيذي ومحافظا للمحافظة في العام 1990م قبل تحقيق الوحدة.

 

وفي نهاية العام 1991م خلال دولة الوحدة تم تعييني محافظا لمحافظة الجوف، ثم تم إعادة تعييني محافظا للمهرة للمرة الثانية في العام 1993م حتى شهر يوليو من العام 1994م، وعند نهاية الحرب غادرت المحافظة، ونزحتُ إلى سلطنة عمان، وعدتُ مرة أخرى لليمن في العام 2000م، وبدأت التحرك في المحافظة واليمن. وفي منتصف نوفمبر من العام 2015م تم تعييني محافظا للمرة الثالثة في المهرة، رغم أني شعرت أن المهمة صعبة وحاولت أعتذر لكن الرئيس هادي ألزمني وطلب مني تولي العمل، وبذلت جهدي في ظروف صعبة، وما حاولت أحرج الشرعية بمشاكلي ومشاكل المحافظة، واعتمدت على المحافظة ومقدراتها، واستغليناها لتحسين الخدمات وبالذات الجانب التعليمي والصحي، ومن ذلك اعتماد كلية التربية في المحافظة بدلا عن تبعيتها لجامعة حضرموت، وكذلك تأسيس صندوق التنمية البشرية، الذي أعمل حاليا على متابعته واستصدار موافقة من الحكومة لاعتماده بشكل رسمي.

 

وفي السابع والعشرين من نوفمبر 2017 تم تعييني عضوا في الحكومة الشرعية بقرار من رئيس الجمهورية، ونعمل حاليا مع الحكومة، ولو بشكل متقطع، ونحن لسنا ضد الشرعية، ولا ضد السعودية أو الإمارات، والحكومة الشرعية أصبحتُ جزءا منها، ولا يمكن لي إلا أن أعمل معها بكل جهدي لصالح المهرة أولا، ثم لصالح اليمن، ونحن رهن إشارة القيادة ممثلة بالرئيس هادي.


التعليقات