يمتلكون إذاعة وجلبوا من عدة محافظات.. السلفيون.. أداة السعودية لاختراق مجتمع المهرة (دراسة)
- عامر الدميني الأحد, 13 ديسمبر, 2020 - 03:27 مساءً
يمتلكون إذاعة وجلبوا من عدة محافظات..  السلفيون.. أداة السعودية لاختراق مجتمع المهرة (دراسة)

[ قصر سلطنة آل عفرار في قشن - الموقع بوست ]

لم تعرف محافظة المهرة التيار السلفي في تاريخها، وما كان قائما فيها من تواجد لهذا التيار كان محصورا ببضع طلاب التحقوا خلال فترات متفاوتة بالمدرسة السلفية الدينية التي أسسها الشيخ مقبل هادي الوادعي في منطقة دماج بمحافظة صعدة شمالي اليمن في ثمانينيات القرن الماضي.

 

ومع التحولات التي شهدتها المهرة منذ مجيء القوات السعودية إليها في نوفمبر من العام 2017، ازدهر نشاط هذا التيار في المحافظة بشكل غير مسبوق، وتواجد في عدة مديريات، حتى أصبح ظاهرة مقلقة استدعت خروج مواطنين للتظاهر مطالبين بوقف جماح هذا التيار المتصاعد، والدخيل على محافظتهم.

 

بدايات التيار السلفي في اليمن

 

تعد السلفية واحدة من التيارات الدينية التي ازدهرت في اليمن منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وهي امتداد للحركة الوهابية التي نشأت وانتشرت في المملكة العربية السعودية بفعل زواج الدين بالسياسة، وهي النظرية السياسية التي تأسست عليها الدولة السعودية منذ قرون، بامتزاج ديني بين الوهابية نسبة للشيخ محمد عبد الوهاب، مع آل سعود حكام السعودية.

 

تسللت السلفية إلى اليمن بفعل الدعم والرعاية السعودية المقدمة لهذا التيار، والأموال الكبيرة التي أغدقتها الرياض على المعتنقين له، مما أدى إلى انتشاره بسرعة كبيرة في عدة بلدان عربية وإسلامية، بما في ذلك اليمن، الذي تشكلت فيه أولى طلائع التيار السلفي على يد مجموعة من الطلاب الذين تلقوا تعليمهم في السعودية، وأبرزهم الشيخ مقبل الوادعي (1937م – 2001م).

 

درس الشيخ الوادعي أصول السلفية وأفكارها في الممكلة العربية السعودية، على يد مجموعة من مشايخها، ثم تأثرت علاقته بالسعودية أثناء دراسته للماجستير بعد اتهامه بكتابة خطابات جيهمان العتيبي الذي قاد حركة تمرد داخل الحرم المكي عام 1979، وسجن بسبب ذلك لمدة ثلاثة أشهر، وجرى ترحيله إلى اليمن، فأسس مدرسة للسلفية في صعدة مسقط رأسه وأطلق عليها دار الحديث، واستقطب إليها الطلاب من عدة محافظات يمنية، ثم عادت علاقته بالجانب السعودي، الذي كان له دور كبير ومؤثر في دعم الوادعي وحركته السلفية، وتوفي في مكة المكرمة، ودفن في مقبرة العدل.

 

مثلت مدرسة دار الحديث في صعدة في عهد الوادعي مركزا لاستقطاب العشرات من الطلاب اليمنيين الذين قدموا إليها من عدة محافظات يمنية، وتخرج من تلك المدرسة العديد من القيادات السلفية التي حملت راية التيار، وتولت الترويج له في المدن اليمنية، حتى غدا منتشرا في مختلف المحافظات.

 

تقوم فلسفة التوسع لدى هذا التيار في أوساط المجتمع من خلال إلزام الطلاب المتخرجين من دار الحديث بفتح فروع للدار في المناطق التي قدموا منها، وبسبب العدد الكبير للطلاب المتخرجين من تلك الدار، فقد عاد العديد من أولئك الطلاب وأسسوا فروعا في مناطقهم، وساهم هذا في توسع تلك الفروع، وامتدادها للمدن والأرياف، وبالتالي انتشار الفكر السلفي في أنحاء واسعة من اليمن، مستغلا حماس المنخرطين فيه، وتشجيع النظام السياسي إبان حكم علي عبد الله صالح، الذي حكم على طريقة دفع الجماعات الإسلامية للصراع مع بعضها، معتبرا ذلك حالة من التوزان، بينما اتضح لاحقا سوء تلك التقديرات والموازين.

 

لكن محافظة المهرة الواقعة في أطراف اليمن ظلت بعيدة عن هذا التيار، وانخرط عدد بسيط من شبابها بما يقارب الخمسة أشخاص في التيار السلفي في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنهم مثلوا لاحقا النواة الأولى التي تسلل منها هذا التيار لمحافظتهم.

 

وأدت التحولات التي شهدها اليمن منذ ثورة فبراير 2011، وما أعقبها من أحداث إلى تأثر هذا التيار، فقد أعلنت جماعة الحوثي حربها في صعدة مستهدفة هؤلاء، وشنت حربا ضروسا في معقلهم بدماج منذ العام 2012، وأدت تلك الحرب إلى تهجيرهم من مدينة صعدة مطلع العام 2014 تحت نظر وسمع الحكومة اليمنية التي لم تحرك ساكنا، بل إن سياستها الباردة مثلت عاملا مؤثرا في إغراء الحوثيين بشن حربهم، وخذلان السلفيين.

 

كانت تلك الحادثة سببا من أسباب هجرة السلفيين إلى عدة مدن يمنية، بحثا عن مكان آمن، ومع سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين في سبتمبر من العام 2014، تدافع هؤلاء إلى محافظات أبعد علهم يجدون الملاذ الآمن، وكانت المهرة واحدة من تلك المحافظات التي وصلوها.

 

الوصول السلفي إلى المهرة

 

وصل أول المنتمين للتيار السلفي إلى محافظة المهرة في العام 2014، وهو العام الذي شهد ذروة التصعيد ضد السلفيين في محافظة صعدة، وانتهى بسقوط العاصمة صنعاء بيدهم، وخلال تلك الحرب التي اشتد لظاها في محافظة صعدة مستهدفا مركز الحديث وصل مجموعة من الطلاب إلى المهرة بصحبة منتمين من التيار ينحدرون من محافظات أخرى، وسعوا لتأسيس مركز سلفي في مديرية حصوين، لكن أبناء المنطقة تصدوا لهم، ومنعوهم من تأسيس المركز، وجرى طردهم، وإرغامهم على مغادرة المنطقة.

 

لا يبدو واضحا كيف جرى اختيار هؤلاء وتسهيل تدفقهم إلى محافظة المهرة، غير أن المحاولات السلفية في التمركز بمحافظة المهرة استمرت بالوصول إليها، وسعت الجماعة السلفية لاستغلال أمرين: الأول وجود طلاب من أبناء المحافظة ملتحقين بالتيار السلفي، مما يجعل الأمر صعبا في التصدي لهم بحكم الأعراف القبلية المتوارثة في المهرة، والأمر الثاني الحضور السعودي في المهرة، ولذلك تزامن الحضور السلفي بالمهرة مع بدايات التواجد السعودي، حيث كرر السلفيون المحاولة مرة أخرى، ووصلوا مديرية قشن عاصمة المهرة التاريخية في شهر نوفمبر من العام 2017، وهو الشهر ذاته الذي وصلت فيه القوات السعودية للمحافظة.

 

كانت تلك الدفعة قليلة العدد، وتم التغاضي عنهم لقلة عددها، ولوجود أحد الطلاب المنتمين للتيار من أبناء المنطقة ويدعى عبد الله محمد المهري الذي استضافهم في منزله، ولم ينتفض الناس في وجوههم استنادا لعرف قبلي يقضي بعدم التعرض لأي شخص ما دام أحد أبناء القبيلة والمنطقة قد رحب به ودخل في حمايته.

 

ظلت تلك الطليعة الأولى تعمل بهدوء في مديرية قشن، ووفقا لشخصيات اجتماعية تحدث للموقع بوست، فقد تمركزت تلك الجماعات في وحَوْل مسجد الفرقان، ومع مطلع العام 2018 الذي شهد ذروة التوسع السعودي، ووصول محافظ المهرة السابق للمحافظة راجح باكريت بعد تعيينه قادما من الرياض ارتفع عدد السلفيين في مديرية قشن، وباتوا يتدفقون بأعداد أكثر تحت مسمى نازحين، وبدأ عددهم يرتفع حتى وصل إلى مستوى كبير لفت انتباه السكان هناك، خاصة مع قيامهم باستحداثات إنشائية بجوار جامع الفرقان، بعد تبرع السلفي المنتمي للمنطقة عبد الله محمد المهري المعروف بعلاقته بالشيخ يحيى الحجوري وريث الوادعي بقطعة أرض لبناء موقع تخييم لهؤلاء تحت مبرر أنهم نازحين.

 

بدايات التململ

 

كان واضحا وجود دعم سعودي لتمكين السلفيين من البقاء في قشن، وإدماجهم في المجتمع، بما يفضي لإيجاد تركيبة سكانية دخيلة، وتعزز هذا بزيارة محافظ المهرة السابق راجح باكريت برفقة قيادات عسكرية سعودية إلى مديرية قشن ولقائهم بجموع السلفيين هناك، وقدم باكريت وعودا بتقديم الإغاثة والسلال الغذائية لهم من مركز الملك سلمان للإغاثة الذي ينشط في محافظة المهرة بدعم من القوات المتواجدة هناك، وبالفعل جرى توزيع مساعدات إغاثية في أوساط هؤلاء بقشن في الثامن من يناير 2018.

 

مع هذا الحضور الذي لفت انتباه السكان، خاصة بعد إدراكهم أن ذلك النمو السريع للسلفيين يجري بدعم وتمويل سعودي بدأت المدينة بالانتفاض والتململ والمطالبة برحيلهم من المنطقة، وانطلقت الدعوات وسط المجتمع لتنظيم عمل جماهيري يرفض بقاء السلفيين بمديرية قشن، وإنشاء مركز ديني لهم، ونظم الأهالي وقفات احتجاجية اثنتان منها أمام ديوان المحافظ في مدينة الغيضة عاصمة المحافظة، معتبرين ما حدث "تهديداً للسلم الأهلي وضرباً للتعايش الذي تعرف به المحافظة".

           

وذكر بيان صدر عن مسيرة نسائية خرجت في المدينة، أن "توطين الغرباء بأعداد كبيرة ليس لأهداف إنسانيةٍ، وإنما لأبعاد أخرى سينتج لها نتائج سلبيةً على مستقبلنا ومجتمعنا"، وطالب البيان محافظ المحافظة والسلطة المحلية بـ"عدم السماح ببناء مراكز للجماعات الدينية المتطرفة في المديرية ومحافظة المهرة عموماً"، داعياً زعماء القبائل والفعاليات المجتمعية إلى "التحرك لوقف الأعمال غير المقبولة التي تمس خصوصية المهرة".

 

لقي ذلك التفاعل والدعوات ترحيبا شعبيا واسعا، وتصدرت فاطمة سعيد سعدان، وهي مدرسة للغة الإنجليزية في إحدى المدارس، تلك الاحتجاجات المناوئة للوجود السلفي، والتحقت بها نساء أخريات، ووصل عددهن أكثر من 100 امرأة، ونظمن مسيرة في السابع من يناير 2018 من مدرسة سعدان بالمديرية إلى مبنى السلطة المحلية، رافعات مطلبهن القاضي بمنع بناء المركز السلفي، وكان من نتاج ذلك تجاوب مدير عام المديرية مع مطلبهن، بعد مقابلته لهن، ووعده برفع مطلبهن للسلطة المحلية، وتوجيهه بنفس الوقت بوقف أنشطة البناء قرب المسجد.

 

جرى الاتفاق ذاك اليوم على تشكيل لجنة من النساء ترأستها فاطمة سعدان، وهي شقيقة وكيل المحافظة سعيد سعدان لمقابلة المحافظ باكريت في الغيضة، لكن المحافظ حينها لم يتجاوب، ولم يحدد وقتا لمقابلتهن، وفي اليوم التالي الثامن من يناير 2018 اجتمعت اللجنة النسوية برئاسة فاطمة سعدان مع مسؤولين محليين وشيوخ قبائل، وطالبن بترتيب لقاء شخصي مع المحافظ باكريت، وكانت الأصوات مرتفعة متهمة السعودية بالوقوف خلف تلك الأعمال، وعملية التفويج المستمرة للسلفين نحو المهرة، وتقديم كل التسهيلات لهم، وتمكينهم بسرعة كبيرة، ليصبحوا جزءا من واقع المحافظة، وتركيبتها السكانية والاجتماعية.

 

في اليوم نفسه تطورت الأوضاع بشكل أكبر، فقد اعترضت تلك النساء مع العديد من الرجال الذين آمنوا بأهمية مطالبهن موكب محافظ المهرة أثناء عودته من مديرية المسيلة باتجاه الغيضة، وأوقفوا سيارته وطالبوا بتحديد موعد للقاء به، وضرورة وضع حل عاجل لبقاء السلفيين في مديريتهم، وتزامن ذلك مع مظاهرة احتجاجية أخرى في مديرية حصوين المجاورة.

 

 

محافظ المهرة يطلع على احتياجات حصوين ويعد بحل مشكلة نازحي قشن . ناصر الساكت - عيسى بن نهل المهرة 11 يناير 2018م أطلع...

Posted by ‎مركز المهرة الإعلامي‎ on Thursday, January 11, 2018

 

وفي الرابع عشر من يناير 2018، استقبل المحافظ راجح باكريت اللجنة النسوية التي قدمت من قشن، والتقى بها بحضور ممثل عن القوات السعودية المتواجدة في المحافظة، وشخصيات قبلية وإجتماعية وحكومية، وتطرق اللقاء لمطالب النساء وباقي الأهالي في مديرية قشن.

 

وعد المحافظ بقديم الحلول وحسم البقاء السلفي في المديرية، وقال إن السلطة المحلية ستتخذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الجانب السعودي، وكان كلام المحافظ وفقا لما نشره المركز الإعلامي التابع للمحافظة في مسارين، الأول تأكيده على الاهتمام بتلك الشريحة من السلفيين الذين وصفهم بالنازحين من جماعة الحوثي، والثاني إشارته إلى أنهم لن يسمحوا بأي اختلالات أمنية، وسيعمل على إجراء ترتيب أمني يتناسب ووضع المحافظة لحفظ الأمن والاستقرار وتعزيزه في كل مديريات المحافظة دون استثناء.

 

ما كان ملفتا في ذلك الاجتماع هو نفى مسؤول القوات السعودية في المهرة أن يكون لديه أدنى معلومة عن سعي أي جهة لتأسيس مراكز دينية في محافظة المهرة، معبرا في ذات الجلسة عن أمله بحل إشكالية الوجود السلفي في قشن بصورة توافقية تجتث أي نوع من أنواع الصدام والتظاهر الذي يؤدي إلى دخول المحافظة في الصراعات السياسية والمذهبية، وفق المركز الإعلامي للسلطة المحلية في المهرة.

 

 

في لقاءه بالسلطة المحلية والأعيان والشباب والمرأة في قشن .. محافظ المهرة : قشن كغيرها من المديريات .. وهناك حلول...

Posted by ‎الشيخ راجح سعيد باكريت‎ on Sunday, January 14, 2018

 

كانت تصريحات المحافظ باكريت ونفي المسؤول السعودي صادمة بالنسبة لأولئك المحتجين الذين كانوا يرون تنامي الاهتمام الملحوظ بالوجود السلفي، ولم تمض سوى أيام معدودة حتى جرى إقالة وكيل المحافظة سعيد سعدان من منصبه، بعد الدور الذي اضطلعت به شقيقته في التصدي للحضور السلفي المدعوم من السلطة المحلية والمملكة العربية السعودية.

 

أدت تلك الاحتجاجات والتطورات إلى تخفيف وجود التيار السلفي في مديرية قشن، وتحجيم دوره، ووقف أنشطته، ودفعه نحو مغادرة المديرية، فاتجه إلى مديرية حصوين المجاورة، التي كانت هي الأخرى مكانا لمجموعة من السلفيين الذين تمركزوا هناك.

 

ما الذي فعله السلفيون في المهرة؟

 

تواجد الحضور السلفي في محافظة المهرة كان بعدة أماكن، أبرزها العاصمة الغيضة، ومديريات قشن وحصوين، وهذه الأخيرة كانت ملحقة بمديرية قشن، وجرى إعلانها كمديرية بعد حرب 1994، وباتت اليوم حاضنة رئيسية للسلفيين أكثر من أي مكان آخر، ولعبت عدة عوامل وراء هذا التواجد، منها التركيبة القبلية التي تفتقد لنزعة الصدام قياسا بما هو عليه الحال لدى السكان في مديرية قشن المتأثرة بالنزعة الرادايكالية، حيث كانت قشن مركزا رئيسيا للمهرة بشكل عام، ومختلف الحركات السياسية السابقة، إضافة لانتشار الدين والثقافة الدينية المحافظة فيها بشكل أكبر (على سبيل المثال لا تزال كثير من الأسر تحرم الأطباق الهوائية "الستلايات" في المنازل خاصة من التيار الصوفي)، إضافة لهجرات سكان المديرية المستمرة، واحتكاكهم بدول أخرى يتواجدون فيها بشكل مستمر، كتنزانيا، ودول أخرى في القرن الأفريقي، والأمر الآخر وجود تأثير ديني سابق لشخصيات من أبناء المديرية كانوا على ارتباط بجماعة دينية متشددة، وكرسوا تعاليمها في المجتمع، الأمر الذي أوجد بيئة خصبة لنمو تلك الأفكار المتقبلة لمثل هؤلاء.

 

وفي حصوين يوجد شباب من المهرة معتنقين للفكر السلفي، وانخرطوا في وقت سابق مع السلفية في دماج بصعدة وعدن أيضا، وتتحدث شخصيات اجتماعية هناك عن آخرين قتلوا وهم يقاتلون مع السلفيين في صعدة، ومثّل وجود هؤلاء عاملا رئيسيا في تحول مركز مديرية حصوين لحاضنة جديدة للتيار السلفي، الذي استفاد كما أسلفنا من الوجود السعودي في المهرة، والذي مكن له في البقاء، والتجذر داخل المجتمع المهري الذي لم يعرف مثل هذه التيارات من قبل.

 

يتواجد في حصوين ما يصل إلى 300 فرد من السلفيين مع عوائلهم، ويسكنون في عدة مواقع أبرزها عمارة كبيرة تتبع أحد المنتمين لهم من أبناء المنطقة، وعملوا على استحداث غرف إضافية في حوش ذات العمارة، ويحمل أغلب المتواجدين منهم جنسيات أجنبية، وهم ممن فروا من الحرب التي شنها الحوثيون في صعدة، وبعضهم يمنيون يتوزعون على عدة محافظات يمنية كصعدة وشبوة وإب وصنعاء وعدن.

 

ولدى تلك المجموعة السلفية شيخ محلي يعد بمثابة القائد والمشرف على شؤونها، وتنظيم مختلف الأنشطة والأدوار، سواء في إطار تواجدهم بالمهرة، أو التنسيق مع الشخصيات السلفية الأخرى التي تفد إليهم من المحافظات المجاورة، وترتبط معهم بالقناعات والأفكار التي يؤمن بها الجميع.

 

المفارقة هنا أن تلك المجموعة من السلفيين منقسمة على نفسها إلى فرقتين، الأولى من أتباع الحجوري نسبة للشيخ يحيى الحجوري وهم الأكثر، والثاني أتباع التيار العدني، نسبة للشيخ عبد الرحمن العدني في عدن وهم الأقل وأبناء المهرة من السلفيين من أتباع التيار العدني، وكلا التيارين مختلفين بشكل كبير فيما بينهما، وأنصار كل تيار لا يدخلون مساجد التيار الثاني.

 

تعود تلك الفوارق لطبيعة النظرية التي يستند لها كل تيار في نظرته للمفهوم الديني بشكل عام، فتيار الحجوري الذي يبدو أكثر تشددا يتهم التيار العدني بأنهم انخرطوا في العمل السياسي، وشكلوا حزبا سياسيا خاصا بهم، وهو حزب الرشاد الذي تأسس في العام 2012، ويرأسه القيادي السلفي محمد العامري، وللمفارقة هنا فالعامري متزوج ابنة الشيخ مقبل الوادعي الذي يتأثر به التيار الحجوري.

 

النساء أيضا وأغلبهن زوجات الشخصيات المتواجدة منخرطات في أجندة التيارين، ويقمن بتدريس نساء المنطقة التعاليم السلفية، بينما يعمل الرجال في تدريس الكبار وصغار السن داخل المساجد التي تم الاستيلاء عليها بمساعدة شخصيات من أبناء المديرية، وجعلوا من تلك المساجد مراكز للتأثير على الناس، وتصدير أفكارهم للمجتمع، ونظموا العديد من اللقاءات العامة مع الناس الذين طالبوهم في الخروج معهم لممارسة طقوسهم الدينية، التي تعد الزيارات الميدانية واحدة منها.

 

وبدأ هؤلاء في انتقاد طريقة ومعيشة وسلوك السكان، ويوجهون لهم التهم بعدم الالتزام باللباس الشرعي، والابتعاد عن تعاليم الدين، وكثفوا من دعوتهم للناس في الخروج من خلال المحاضرات والأنشطة التي ينفذونها، واختلط الناس بهم، ويصلون خلفهم في الجوامع التي استولوا عليها، ومع ذلك لا يزال الاحتكاك قائما والاستياء الشعبي منهم يتزايد، وأدت عملية طرد السلفيين من قشن لتشجيع الناس في المناطق الأخرى لنقد تواجدهم والمطالبة بإخراجهم من مناطقهم، وتنامى بسرعة التذمر منهم، وشهدت مساجد في حصوين حالة صدام معهم، وانتقادات لسلوكهم.

 

الحضور السلفي في حصوين كنموذج لتواجده في محافظة المهرة لا يقتصر على تلك الأعمال الدينية التقليدية التي يقومون بها، بل إن ذلك بات ملفتا للانتباه بشكل أكبر، من خلال السلوك الذي جرى رصده بالنسبة لتحركاتهم، ووفقا لمواطنين في حصوين فقد بدأ هؤلاء بشراء أراضٍ عبر زملاء لهم من أبناء المديرية يعتنقون ذات الفكر، وسهلوا عملية شرائهم للأرض، فالعادات المهرية المتوارثة تمنع بيع الأرض للغرباء، لكن هؤلاء حصلوا عليها من خلال تلك التسهيلات التي قدمها لهم رفقاؤهم في الفكر الديني.

 

تلك الخطوة التي ينظر لها أبناء المنطقة باعتبارها مريبة، وتعكس التغلغل بعيد المدى في مناطقهم تزامنت أيضا مع إطلاق السلفيين لإذاعة محلية جرى تأسيسها في المنطقة، وتغطي لمسافة 15 كيلومترا من مكان تمركزهم، وتحمل اسم المديرية (إذاعة حصوين) وتبث المحاضرات الدينية التي تنطلق من صميم فكر الجماعة، إضافة لدروس في الوعظ والإرشاد والفتاوى، وفقا للمدرسة الدينية التي ينحدرون منها.

 

الارتباط بالسعودية والعمل في دائرتها

 

يتحرك أغلب هؤلاء في المنطقة وهم يرتدون السلاح الشخصي، وساهم هذا الأمر بالإضافة للأموال التي ينفقونها، ويمولون بها أنشطتهم المتزايدة، خاصة مع عدم التحاقهم بأي أعمال تجارية أو خاصة تدر عليهم دخلا ماديا يوميا في تعزيز ارتباطهم بالأجندة السعودية، وتلقي الدعم المالي منها، ويتحدث أبناء المنطقة عن دعم مالي قدمه لهم المحافظ السابق راجح باكريت باعتبارهم نازحين، الأمر الذي سهل تواجدهم وتحركهم وتنقلهم داخل المحافظة.

 

عملية الارتباط بالسعودية وقواتها اتضحت أكثر من طبيعة الخطاب الذي يقدمه هؤلاء، والطرح الذي يروجون له في أنشطتهم، ومحاضراتهم، وخطب الجمعة التي يلقونها من أسبوع لآخر. ففي حين يرددون أنهم لا يتدخلون في السياسية، وليسوا مؤيدين لأي طرف سياسي، يرحبون بالقوات السعودية وتواجدها في المهرة، وأصبحوا عاملا مساعدا للترويج للقوات السعودية من خلال الدعوة للالتفاف معها، وعدم معارضتها، معتبرين ذلك خروجا على ولي الأمر، كون تلك القوات جاءت للمهرة عبر دعوة من الحكومة الشرعية.

 

الخطاب السلفي الصادر من هؤلاء والمتماهي مع الأجندة السعودية تبين أكثر من خلال الفتاوى التي يطلقونها في أوساط الناس بأن الاعتصامات التي ينفذها أبناء المهرة احتجاجا على الوجود السعودي، وما نتج عنه من تداعيات، تعتبر حراما، ويحرم الانخراط فيها أو المشاركة في أي مظاهرات، كما يبغضون الشخصيات المناوئة للقوات السعودية، أو من يتعرض لها بالنقد ويطالب برحيلها، خاصة جموع المؤيدين للجنة الاعتصام السلمي التي تتزعم الاحتجاجات الرافضة بقيادة الشيخ علي الحريزي منذ أعوام.

 

وهذا الموقف الذي يأتي رغم تكرار هؤلاء أنهم لا يتدخلون في العمل السياسي يتطابق تماما مع المدرسة السلفية التي توصف بالجامية، وتعمل في المملكة العربية السعودية، وتحظى بالدعم منها، وتتسق مع أهداف القوات السعودية في المهرة التي ترى أن لجنة الاعتصام والمنخرطين فيها من القيادات والمشايخ والمواطنين أمرا مزعجا لها، ويؤثر على بقائها.

 

يعتبر السلفيون في المهرة أنهم واحدة من الحركات الدينية المتواجدة في المحافظة كالصوفية والإخوان المسلمين، متسائلين عن أسباب التذمر من وجودهم وبقائهم، وهذا التساؤل الذي يبدو مقبولا في ظاهره العام، يرفضه أبناء المهرة، ويرون أنهم دخلاء على محافظتهم، خاصة مع الأفكار التي يروجون لها، والأنشطة التي ينفذونها، والتطابق الكبير بين ما يفعلونه مع المدرسة السلفية السعودية، والخدمات التي يقدمونها للرياض التي تتواجد في المهرة، مما جعلهم يبدون كامتداد طبيعي للقوات السعودية، ويعملون ضمن أدواتها الناعمة في مجتمع المهرة.

 

الأبعاد السعودية في استخدام التيار السلفي

 

يتمركز الحضور السلفي المدعوم سعوديا في محافظة المهرة بذات النطاق الجغرافي الذي تسعى السعودية عبر قواتها لتعزيز تواجدها فيه، وهي الأماكن المطلة على السواحل بشكل أكبر، كقشن وحصوين والغيضة، والأمر الأكثر أهمية يتعلق بمدينة قشن التي لا يبدو أن اختيارها لإقامة مركز سلفي كان من قبيل المصادفة، فإلى جانب رمزيتها التاريخية والتراثية لدى المهريين، تقع المدينة على طريق مهم في خارطة الملاحة البحرية الدولية بين شرق القارة الآسيوية وغربها، فضلاً عن إحاطتها بسلاسل جبلية، تشكل نموذجاً لأن تصبح مقراً لعمليات عسكرية مستقبلاً.

 

تدرك السعودية أن التماسك القبلي والاجتماعي في محافظة المهرة يمثل أبرز الحصون التي تقف في وجهها، ولقيت صعوبة كبيرة في اختراق المجتمع المهري، ولذلك كان اختيار السلفيين كأداة لاختراق ذلك المجتمع هو الطريقة المثلى التي ستؤتي ثمارها على المدى البعيد، خاصة مع قابلية هذا التيار للعمل ضمن أجندة السعودية، وارتباطه الديني والروحي معها.

 

كان واضحا من خلال ممارسات السلفيين في المهرة خدمتهم للأجندة السعودية، خصوصا فيما يتعلق بالتأثير على الخيار الشعبي المنخرط في الاعتصامات المناوئة للسعودية، والتي تتوسع دائرتها يوما بعد آخر، وبالذات في مديريات حصوين وقشن التي التحق الكثير من أبنائها في تلك الاعتصامات، وسقط شابان من كلا المديريتين في الهجوم الذي استهدف محتجين في حادثة الأنفاق الشهيرة التي وقعت في الـ13 من نوفمبر 2018 كأول جريمة دموية يتعرض لها أبناء المهرة في محافظتهم منذ عقود.

 

وثمة فائدة أخرى أرادت السعودية تحقيقها من خلال دعم التيار السلفي وتمكينه في محافظة المهرة، فهي إلى جانب استغلاها للدين في تنفيذ أهدافها، سعت من وراء ذلك للإضرار بسلطنة عمان المجاورة للمهرة والمناصرة لقضاياها، والمرتبطة بعلاقات تاريخية مع سكانها، من خلال تقديم السلفية كتيار ديني في المجتمع المهري للتأثير على سلطنة عمان التي تتخذ من المنهج الإباضي مذهبا رسميا، وهو المنهج المناقض كليا للوهابية السلفية، وذلك ردا على مواقف سلطنة عمان التي تعمل بعيدا عن السياسة السعودية في عدة قضايا بالمنطقة من بينها اليمن.

 

وسلط هذا الاهتمام السعودي بالسلفيين في المهرة، والمساعي الحثيثة لدمجهم بالمجتمع هناك، الضوء على استخدام السعودية للسلفيين كورقة في اليمن بشكل عام، وكيف صدرت الرياض هذا التيار إلى الواجهة في البلد الذي يعيش حربا قادتها الرياض منذ ستة أعوام، رغم خذلانها لهم في صعدة عندما اشتدت مطاردة الحوثيين لهم واجتثاثهم هناك.

 

ففي تعز جرى تقديم القيادي بالتيار السلفي أبو العباس باعتباره يد السعودية الأولى في المحافظة، ومثله الحال في عدن حيث تولى هاني بن بريك ذات المسؤولية، وجميعها قيادات أثارت الكثير من اللغط، ومارست أدوارا لصالح الرياض، أكثر من كونها تخدم القضية اليمنية، رغم وجود قيادات سلفية تحظى بالتقدير، وأقل حدة في ارتباطها بأجندة الرياض.

 

ملاحظة المحرر:

 

هذه المادة جرى إعدادها وفق نزول ميداني إلى مديريات الغيضة وقشن وحصوين في محافظة المهرة، وتعذر لقاء شخصيات من السلفيين لدواع أمنية، وجرى توجيه استفسارات للسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ومحافظ المهرة السابق راجح باكريت حول الموضوع، ولم يتم الرد على تلك الأسئلة الموجهة لهما.


التعليقات