[ تعددت الأعمال الانتاجية من قناة لأخرى ]
يكثر الحديث عن الدراما اليمنية مع كل رمضان؛ حيث تتكثف الإنتاجات وتبدأ القنوات سباق الحصول على أكبر عدد من المشاهدين. وفي كل مرة يدخل الناس (الجمهور) في النقاشات ذاتها التي تبدأ من خيبة أمل متكررة وتنتهي بدعوات للمقاطعة، ونقاشات أخرى تدعو للتعامل بواقعية وللتشجيع والدعم ومنح مزيد من الوقت حتى تتحقق الأمنيات بالحصول على دراما يمنية تسر الناظرين.
لكن الجديد هذه المرة هو وجود متغير طارئ على الحالة اليمنية والذي يتمثل في عدد المسلسلات والوقت الطويل نسبيا ما بين عملية إنتاج أبرز مسلسلات هذا العام وبين تاريخ عرضها وارتفاع الميزانيات المخصصة للإنتاجات الفنية كما هو واضح، بالإضافة إلى رفع سقف الزخم التنافسي بين القنوات اليمنية على إنتاج هذه المسلسلات.
سنحاول في هذه المادة التعمق قدر المستطاع في موضوع الإنتاج الدرامي في اليمن آخذين بعين الاعتبار اتباع منهجية موضوعية في رصد الجدل المستمر والنقاشات الدائرة حوله بعيداً عن المواقف المسبقة والانحيازات المبكرة.
في البداية يود كاتبا هذه المادة التأكيد على أن موضوع الدراما اليمنية واسع ولا يمكن الإمساك بتلابيبه في هذه المساحة؛ ولكنها محاولة للملمة النقاش وتجميعه وتهذيبه للمشاركة في تصويب البحث والنقد في إطارعملية كبيرة للتطوير عموما ربما يبنى عليها يوما ما.
وفي إطار سعينا للوصول إلى مقاربات موضوعية حول الموضوع استطعنا الحصول على مقابلات حصرية وتحدثنا مع العديد من مدراء القنوات اليمنية والعاملين في مجال الدراما، والذين كانوا -وفق ما أظهرته إجاباتهم على تساؤلاتنا- على وعي نسبي بمكامن الخلل، ولا ندري هنا هل نعد ذلك أمراً إيجابياً أم لا؟ كما حرصنا في هذه المادة التحدث إلى أشخاص مختلفين بإمكانهم إثراء القارىء بوجهات نظر من زوايا مختلفة.
كورونا والهجرة سبب أول
ألقى انتشار وباء كورونا بظلاله على الموسم السابق من إنتاج دراما رمضان على معظم القنوات اليمنية، وحاول بعضها "طباخة" أعمال سريعة حينها لسد مساحة الشاشة والخروج بأقل قدر من سخط الجمهور، الأمر الذي أدى إلى حالة تعطش كبيرة لدى اليمنيين لمشاهدة أعمالة درامية ممتعة في هذا العام؛ لا سيما بعد تخفيف القيود التي كانت قد فرضت بشدة للحد من انتشار الوباء.
انعدام الوقت الكافي لإنتاج الأعمال الدرامية وشحة التمويل كانا أبرز الصعوبات التي يبرر بها المنتجون عدم ارتقاء المسلسلات اليمنية لمستوى الجودة المطلوب؛ غير أن هذه التبريرات والتي كانت صحيحة ومقبولة في حينها لم تعد كافية -بحسب الكثير من المراقبين- لا سيما أن المنتجين في هذا العام كان لديهم وقت كاف منذ العام السابق وحتى الموسم الجديد ليعدوا عدتهم لدخول سباق الإنتاج الرمضاني ما يجعل عامل الوقت الذي كان العذر الدائم لمعظم المنتجين عذرا غير مقنع -على الأقل هذه المرة- وهو ما لم يتفق معه الدكتور "وسيم القرشي" رئيس قناة "يمن شباب" منتجة مسلسل "ليالي الجحملية" الأكثر مشاهدة و"جدلا".
يقول القرشي ردا على هذه النقطة: "على الرغم من أن إنتاج المسلسل امتد إلى سنة وشهرين تقريبا لكن طول فترة إنتاج "ليالي الجحملية" لم يكن لتجويد العمل بل تخلله توقف إجباري أكثر من مرة بسبب كورونا وحصلت تقطعات سلبية بالتصوير وهذا ليس إيجابياً"، ويستدل القرشي ببعض الانتقادات التي طالت ليالي الجحملية مفيداً أن "بعض الملاحظات التي وصلتنا تشير إلى أن الكومبارس محدودين في المشاهد العامة وهذا دليل إضافي على المعوقات التي واجهتنا حيث كان ممنوع التجمع لأكثر من 40 شخصاً في الموقع شاملة الممثلين والطواقم مما يقيد حركة الإنتاج واستقدام عدد كاف من الممثلين الثانويين"، ويختم القرشي حديثه في هذه النقطة: "هذا توضيح وليس تبريرا".
أما عن مستوى رضاه عن المسلسل وكثرة الانتقادات التي وجهت إليه منذ حلقاته الأولى فيقول: "أنا راضٍ عن ليالي الجحملية بنسبة 70% لأني ما زلت أراهن عليه وعلى جهدنا فيه إلى آخر حلقة وستبقى ثقتي به أنه عمل محترم".
المبرر الآخر الذي لطالما تم تداوله على أساس أنه العامل الأهم والأكثر تأثيراً في وضع الدراما اليمنية كان مسألة شحة الإمكانات التي كان يرددها القائمون على المؤسسات الإعلامية اليمنية، أي "الميزانيات المالية" المرصودة للإنتاج التلفزيوني، وهو ما لم يعد مبررا مقبولا في ظل الزخم التنافسي الملحوظ من قبل القنوات بغرض شراء المسلسلات وإنتاجها، الأمر الذي وصل ببعضها إلى عرض أكثر من مسلسل، وهو ما دعى الكثيرين للتساؤل الجاد حول ماهية الإشكاليات الحقيقية التي يعاني منها العمل الدرامي في اليمن فعلا.
المنتج الفني "عمر مجيد" ذهب أبعد من ذلك حيث قال لنا تعليقاً على مشكلات الدراما اليمنية من وجهة نظره: "ونحن بصدد تقييم تطور الدراما اليمنية لا يجب أن نغفل وضع الدراما العربية والتي تعاني -من وجهة نظري- انتكاسة على مستوى القصة والإخراج، يقابل هذه الانتكاسة طفرة مذهلة من الناحية البصرية، وهذا ما يجعل الدراما العربية وكذلك اليمنية أشبه بقالب مبهر من الخارج وفارغ من الداخل".
أسلوب قديم وغياب التأثيرات
اتسمت الأعمال الدرامية في هذا العام بطريقة عرضٍ جافة نسبياً مفتقرةٍ إلى الرموز والصور السينمائية التي كان مسلسل سد الغريب قد خاض غمار استخدامها بنجاح في العام الماضي حيث تلعب هذه الرموز والصور دوراً كبيراً في خلق جوٍ تفاعلي بين المشاهد الدرامية ونفسية المشاهد وفي رفع الجودة البصرية للأعمال المُنتَجة، كما أنها تعطي تكثيفا للحظات الحالة المراد توصيلها مُغنيةً عن كثير من الكلمات المحشوة في حوارات الممثلين".
فكما يبدو أن كل شئ في هذه الأعمال مبني على الحوار المجرد، حتى نفسية الممثلين ما زال المنتجون يعتمدون على الأسلوب الذي عفى عليه الزمن من الاتكاء على الحورات الداخلية المسموعة لإيضاحها للمشاهدين، الأمر الذي يفقدها معناها السينمائي ويحولها إلى نصوص مسرحية قابلة للعرض في المحطات الإذاعية دون أن يتأثر فهم المشاهد لمجريات قصصها بشكل سلبي، زاد كل ذلك سوءا أداء بعض الممثلين الذي يبدو عليه رفضه للتطور والتخلي عن المبالغة والتحلي بطبيعية التمثيل كما هي المقولة المشهورة في عالم التمثيل "التمثيل هو ألَّا تمثل".
وفيما قد يعتبر البعض أن مطالبة المنتجين اليمنيين بإضفاء التأثيرات السينمائية على قصصهم نوعاً من البذخ المبالغ والتعقيد الذي قد ينعكس سلباً على فهم المشاهد اليمني البسيط للقصة إلا أن المتابع للدراما اليمنية يدرك خطأ هذه المقاربة؛ فقد أثبت الواقع أن ذائقة الجمهور اليمني وقدرته على الفهم وتقييم الأعمال والتقاط الرموز ناضجة بشكل كبير، يدل على هذا تفاعله الذكي مع ما يتم عرضه على الشاشة وانتقاؤه للأعمال التي يشاهدها وردود فعله على وسائل التواصل الاجتماعي التي تنبئ عن مجتمع مطلع على الإنتاج الدرامي عالي الجودة -بصرياً- على الأقل، لا سيما مع تطور متابعة الكثير من اليمنيين لمنصات الأفلام والمسلسلات العالمية وبالتالي رفع سقف قبوله وتوقعاته لما يثير إعجابه.
والحقيقة أن ذكر هذه الإشكالية في المقام الأول ليست إلا مدخلاً للإشكاليات التي تعانيها الدراما اليمنية في ندرة المخرجين المؤهلين وكاتبي السيناريو الدرامي المحترفين لصالح الهُواة، وهي إشكالية يتفق معها تقريبا جميع من تحدثنا معهم في هذا الصدد؛ والتي عبر عنها المنتج الفني "عمر مجيد" قائلاً: "لو أخذنا على سبيل المثال كتابة السيناريو فبالرغم من وجود آلاف القصص اليمنية والتي تصلح لأن تكون أساساً لملاحم درامية إلا أن كتابات السيناريو تتصف بالهشاشة والضعف والتقليد، وهنا ينبغي التفريق بين من يمتلك رؤية وموهبة في كتابة السيناريو -وهم كثيرون- وبين من يمتلك الحرفية في تحويل القصص والأفكار إلى سيناريو متماسك مبني على الأسس والمنهجيات الصحيحة في كتابة السيناريو"، إذ تعتبر هذه الإشكالية أساساً للكثير من إشكاليات الدراما في اليمن كالحشو المبالغ وإطالة مشاهد الأعراس والغناء لتعبئة الوقت والنكت غير المضحكة التي تعتمد على إعاقات الممثلين أوالتلاعب بالكلمات بالإضافة إلى ما تم ذكره سابقاً من مشاكل سينمائية.
غياب التخصص
الصحفي "أحمد شوقي أحمد" كان أكثر من رصدنا مواقفهم وضوحا في هذا الإطار حيث كتب على صفحته في فيسوك: "فلاح الجبوري هذا العام كان سبباً في تدمير مسلسلين: "كابتشينو" و"ليالي الجحملية" ولو كان هذا المسلسل سلم لمخرج محترف ربما لأصر على إقامة ورشة عمل لتجويد القصة وصياغة السيناريو والحوار".
الممثل والمنتج "مروان المخلافي" يرد بشكل غير مباشر رغم اتفاقه مع معظم ماورد هنا قائلا: "يشكل غياب التخصصات الإعلامية والدورات التأهيلية مشكلة تحسب على عاتق الإعلام اليمني إذ إن بمقدوره تأهيل كوادر قادرة على رفع المستوى الفني، ففي هذا البلد يولد الشخص موهوباً بالفطرة، ويمضي بخبرته وفطرته دون جهة تؤهله وتدربه لتستمر الدراما بشكلها ووجوهها المالوفة دون تجديد يذكر سوى بالمسميات".
ويضيف المخلافي: "بالنظر إلى معظم المشاكل المذكورة بإمكان منتجي الدراما اليمنية تدريب كوادر قوية متمكنة من الكتابة والأداء والتمثيل والإخراج. كما يجب أن تبحث عن وجوه جديدة كإضافات"، ولا شك أن الحديث عن أسباب عدم قدرة الدراما اليمنية على تجاوز هذه الإشكالية المتجذرة تحتاج إلى متخصصين والمزيد من البحث وورش النقاش المستمرة للتعامل بشكل أكثر جدية مع الموضوع، وهو ما نأمل أن يستمر ويُثرى بالنقاش الدائم والنقد الجاد الهادف.
غياب الاستقرار
ولا تنحصر إشكاليات الدراما اليمنية في ضعف السيناريوهات المطروحة أو الحبكة الدرامية والحوارات التي يلمسها المشاهد بشكل مباشر؛ وهي الاختلالات التي ترافق معظم إنتاجات الجهات غير الحكومية؛ إذ إن كل هذه الإشكاليات في الحقيقة ليست سوى انعكاس لغياب اهتمام الجهات الرسمية في الدولة بهذا الجانب، فلا وجود فعلي لدور السينما التي ترفع الذائقة وتحفز المشهد الثقافي للإنتاج ولا لمعاهدها التي تؤهل الممثلين وتصقل مهاراتهم ولا يكاد يكون لتخصص السينما وجود في جامعات الدولة اليمنية الحديثة.
كما أن هذه الإشكاليات بلا شك تعد انعكاسا لغياب أو ندرة رأس المال المهتم بهذه الصناعة أيضاً والمتمثل في شركات الإنتاج المعنية بتحويل الدراما اليمنية إلى مجال تنافسي يعتمد على قاعدة العرض والطلب ويساهم في زيادة ربح الأعمال المعروضة؛ الأمر الذي ينعكس بلا شك على جودتها وكسر احتكارها على القنوات والمواسم الرمضانية التي غالباً ما تؤثر سلباً على أداء المنتجين وتقيدهم باشتراطات زمنية وموضوعية عديدة، وهو ما أشار اليه "أحمد الزرقة" مديرعام" قناة بلقيس" في حديثه إلينا مُضيفاً أن "غياب التمويل والإعلانات وعوامل أخرى ترتبط بالاستقرار السياسي والعمل المؤسسي الهادف للربحية مع تغليب فكرة الجودة، والاستفادة من تجارب الآخرين، ومحاولة الاقتراب من الإنتاج العربي على الأقل".
وعندما سألناه: لماذا برغم مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق قناة بلقيس لم تدخل القناة سوق المنافسة وتنتج عملا دراميا (مسلسلاً) إلى الآن؟ أجاب: "قناة بلقيس قناة إخبارية متخصصة وهذا قد يكون السبب الرئيسي في عدم خوض مغامرة الإنتاج الدرامي، ونحن ندرك انعدام عناصر الإنتاج الدرامي في الوقت الراهن، وربما مستقبلا قد يكون هناك مجال للتفكير بهذا الشأن لكن وفق معايير وشروط مختلفة تماما عن السائد، وإلى ذلك الحين سيكون لكل حدث حديث". وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوسط الإعلامي كان قد تداول أخباراً مفادها أن "بلقيس" كانت تستعد لبث عمل درامي في الموسم الحالي عن طريق شراء مسلسل جاهز أو المشاركة في البث مع قناة أخرى وهو ما لم يتم بطبيعة الحال ولا يعلم السبب إلى الآن.
الحاجة لمزيد من التجارب
بحسب "أمين بارفيد" مدير البرامج في قناة "المهرية" فإن "الدراما اليمنية هي انعكاس لواقع اليمن اليوم للأسف، لا تزال أدنى من المستوى المطلوب، نحن بحاجة لمزيد من التجارب الإنتاجية في مختلف المجالات أما عن إنتاجات هذا العام فأعتقد أنه العام الأكثر إيجابية من حيث كمية الأعمال التي أنتجت وأنواعها والمعايير الفنية والكلفة الإنتاجية، وهو مؤشر على أن المؤسسات الإعلامية بدأت تعي أهمية الدراما لتلبية تطلعات وذائقة الجمهور".
"بارفيد" أجابنا أيضا عن: لماذا يبدو وكأن مسلسل "عيال قحطان" الذي تبثه "المهرية" مر بهدوءٍ فلا انتقادات ولا إشادات؟ موضحا أن "طبيعة المسلسل بدويٌ جاد وهناك بعض الإشادات التي يبدو أنها لم تمر عليكم وهناك أيضا بعض الانتقادات وجهت للمسلسل لكن إجمالا مستوى رضانا عن المسلسل جيد".
وبالحديث عن واقع الدراما اليمنية لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نغفل التأثير الواضح والسلبي للحرب والأوضاع السياسية في اليمن والتي ألقت بظلالها على كل قطاعات الحياة بما فيها الدراما.
يقول "أحمد الزرقة" إن استمرار الحرب والانقسام وارتفاع وتيرة الصراع لا يخدم الدراما بسبب ارتباط عدد كبير من المنتجين والممثلين بالسكن في مناطق سيطرة المليشيا، وهذا أيضا سبب يجعل من الإنتاج الدرامي يذهب باتجاه الفانتازيا أو التهريج، جميع تلك العوامل ينتج عنها عمل هزيل، نظرا لعدم وجود تراكم أو وجود منتج يشترط الجودة في اختيار النصوص والممثلين... إلخ. فيما يسهب الدكتور "وسيم القرشي" في هذه النقطة منطلقا من تجربتهم الخاصهم في إنتاج مسلسل "ليالي الجحملية" صاحب أكبر عدد مشاهدات في منصة "يوتيوب" من بين كل المسلسلات اليمنية لهذا العام والذي اضطرت القناة لإنتاجه في الأردن.
يقول القرشي: "عندما تكون ممنوعا من الإنتاج في بلدك وبيئتك وتضطر تشتغل خارج بلدك فميزانية إنتاجك بدلا من أن تذهب لإنجاز نوعي يتم صرفها لصناعة بيئة تشبه بيئتك وتكاليف سفر ومصاريف طواقم اليمنيين الذين تستقدمهم من اليمن".
صعوبة العمل من الداخل
فما بين صعوبة التصوير في الداخل اليمني نتيجة للحرب وللضغوط السياسية التي تمارسها المليشيا الحوثية على المنتجين والفنانين والتي تجلّت مؤخراً في منع شركات الإنتاج التي تقع في مناطق سيطرتها من التعامل مع أيٍّ من القنوات اليمنية المعارضة لها، بالإضافة إلى ما تمارسه هي وغيرها من المليشيا في بقية المناطق من إرهاب للممثلين والمنتجين ما يضيف أعباء ثقيلة أخرى على الدراما اليمنية التي تظهر في نتيجتها الأخيرة باهظة التكاليف نتيجة التصوير في الخارج من جهة، وخالية من التأثير السياسي والوطني وانعاكسات الواقع من جهة أخرى، وهو ما أشار إليه بوضوح "أمين بارفيد" قائلا: "واجهتنا مشكلات أمنية خلال تصوير البرامج الميدانية، منعنا من التصوير وتم احتجاز بعض الفرق في الميدان في بعض مناطق سيطرة الحوثي كما واجهتنا مشاكل في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي".
الجدير بالذكر هنا أن سلطات الحوثي أنتجت أيضا دراما موجهة في مجملها لحشد الناس وتعبئتهم للمشاركة في حروبها ولكن يبدو أن هذه المسلسلات لم تلق الاهتمام الكافي لا إشادةً ولا نقداً يرقى إلى مستوى التداول والنقاش والأخذ بجدية.
وعلى الرغم من أن البعض قد يقلل من تأثير الحرب والواقع السياسي على جودة الدراما إلا أن الأعمال التي ظهرت خلال العام 2013 - 2014 والتي كانت تعد فترة حرية واستقرار سياسي نسبي كان يمكن البناء عليها لتطوير عمل السينما والدراما اليمنية؛ حيث أقيمت حينها مسابقة للأفلام القصيرة لأول مرة على مستوى اليمن شارك فيها الشباب بأعمال مميزة وشهد الواقع اليمني حينها حراكاً أدبياً ودرامياً كبيراً.
وفيما قد يبدو حديثنا هذا عن واقع الدراما اليمنية حادا أو سوداوياً للبعض أو متحاملاً على العاملين في هذا المجال ومثبطاً لهم؛ إلا أننا نؤكد هنا على أن للدولة بالدرجة الأولى دور فيما وصل إليه هذا الواقع؛ لدورها الهام في بناء دور سينما ومعاهد لتأهيل الموهوبين في هذا المجال، ويأتي بعد ذلك دور رؤوس الأموال في الاستثمار بهذه الصناعة والثقة بروادها وإعطائها حقها من الاهتمام، أضف إلى ذلك أن ندرة كاتبي السيناريو الدرامي والمخرجين الإبداعيين بالإضافة إلى عوامل أخرى كانت أبرز الإشكاليات التي استطعنا تلخيصها من خلال هذه المادة.
دور الجمهور
ارتفعت حدة الانتقادات الموجهة للأعمال الدرامية هذا العام واحتوى بعضها على لغة حادة ومهاجمة، لكن الصحفي والمراسل التلفزيوني "عبدالكريم الخياطي" كان له رأي آخر حيث قال لنا ساخرا مما سماه "التحول الموسمي" للكثيرين إلى نقاد سينما ودراما: "ما يصحب عرض هذه المسلسلات من نقد لاذع، يمكن تصنيفه أو تأطيره في عدة قوالب منها الإيجابي والهادف ومنها النقد العدمي أو المنتقم إن صح التعبير فقد لاحظنا هذا الموسم بالذات و بعد يوم فقط من بدء عرض معظم المسلسلات"، معتبراً أن ما يحدث من ضجةٍ سنوية حول البرامجِ التلفزيونية والمسلسلات اليمنية غالبا ليس مرده نقداً فنيا موضوعياً في معظم حالاته وإن وجدت قلة قليلة تنتقد بهدف التصويب وإخلاصا للأفكار الواعية كما وصفها.
ويشير "الخياطي" أيضا إلى أن ما سمّاه "موجة التنمر" لها عدة أسبابٍ معظمها غير مستند إلى معايير منطقية كأن يحتكم رأي النقاد إلى القناة التي تبث المسلسل بعيداً عن الموضوعية، كما أن بعض الانتقادات كان دافعها -بحسب "الخياطي"- علاقة المنتقد بصاحب العمل سواء المنتج أو الممثل الرئيسي في المسلسل أو مقدم البرنامج، و السبب غالبا إما "أيدلوجي" أو "حزبي"، فعدد لا بأس به من النخب يعتبرون تلك الأعمال وأصحابها محسوبة على طرف حزبي مهما قدم هؤلاء أنفسهم مشابهين لتلك النخب.
ويختتم الخياطي حديثه قائلا إن "مجموعة من الذين يحملون راية النقد السنوي تبحث عن دور تنويري وتبحث عن دورها الأبوي نحو مايجب أن يقرأه أو يشاهده أو يعتقده الناس".
ختاما، ينبغي الإشارة هنا إلى أنه يبقى الهدف العام -المعلن- من وراء الإنتاج التلفزيوني هو الاستحواذ على الجمهور والحصول على أكبر عدد مشاهدات وهو ما أسرعت قناة "يمن شباب" للإعلان عنه في أول 48 ساعة حيث أعلنت القناة أن عدد مشاهداتها حينها حقق مليون مشاهدة.
"بارفيد" مدير البرامج في قناة "المهرية" أيضا أراد لفت الانتباه حول موضوع زيادة عدد المتابعين لا سيما على منصة يوتيوب قائلا إن "جمهور القناة تضاعف عن العام السابق ونحن لا زلنا فقط في العام الثاني من عمر القناة".
وبالتالي فإن دور الجمهور أيضا في نقد وتقييم الأعمال الدرامية مهم وينبغي أخذه بجدية وهذا ما يختم به "عمر مجيد" حديثه معنا قائلا إن "الدور الذي يجب أن يلعبه المشاهدون في تطوير الدراما اليمنية، هو اختيار ما يستحق مشاهدته والمساهمة في دعمه ونشره، وألا يقتصر دور المشاهد على استهلاك كل ما يتم عرضه سواء كان جيداً أم سيئاً، فلو شعرت القنوات بأنها لم تحقق نسب مشاهدة جيدة فستعيد التفكير حتماً في ما تعرضه العام المقبل، وهكذا يكون للمجتمع إسهام فاعل في التطوير".
توصيات
تشابهت تقريبا معظم إجابات من سألناهم حول ما يعتقدون عن كيفية حل الإشكاليات محل الحديث هنا التي تشوب الدراما اليمنية ما بين إنشاء معهد سينما واستقدام مدربين غير يمنيين والبحث عن مخرجين أكثر صرامة ودقة، بالإضافة إلى أهمية الجهد الشعبي عبر إقامة حلقات نقاشية وورش دعم مستمر للنقد والتصويب.
وقد لخص"عمر مجيد" ذلك بقوله: "أول طريق للتحول نحو دراما يمنية محترفة هو في أن تخرج الدراما من قالب الدراما الرمضانية إلى باقي شهور السنة وأن تخرج من قالب "30 حلقة" إلى قوالب عدد حلقات أقل مثل "6 " أو "10"حلقات، مما سيساعد في تركيز التكاليف والوقت على عدد حلقات أقل، كما أعتقد أن الاعتماد على فكرة الفريق الهجين (يمني عربي) قد تكون فكرة جيدة لتناقل وتبادل المعلومات والخبرات، وتعطي مساحة لإدخال تقنيات جديدة للدراما اليمنية مع الحفاظ على الهوية اليمنية. ومن الممكن أيضاً أن يبدأ كتّاب السيناريو والمخرجين والمنتجين الشباب بمحاولة العمل على مشاريع وحلقات نموذجية ويقوموا بتسويقها بعد ذلك للمنتجين الكبار أو القنوات أو حتى شركات الإعلان".
كما أن هناك دوراً مهماً يجب أن يقوم به الجمهور في كسر الاحتكار بين القنوات والمنتجين، عبر تفعيله آليات تمويل مباشر للمحتوى الذي يرتقي إلى ذائقته.
ملاحظة: العنوان الأصلي للمادة "نظـرة على الـدرامـا الـيـمنـيـة (دراسة حالة عن بعض إنتاجات الموسم 2021)"، وهي عبارة عن جهد استقصائي بحثي للمعدين.