[ عبدالفتاح السيسي خلال لقائه السلطان قابوس في مسقط ]
بعد ركود ملف السلام في اليمن منذ أكثر من عام، برزت جمهورية مصر العربية هذه المرة، كطرف يحث على تحريك المياه الراكدة ووقف القتال في البلاد.
وطرحت مصر مبادرة ناقشها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مع سلطان سلطنة عمان قابوس بن سعيد خلال زيارته الأخيرة للسلطنة، تمهد لإنهاء الصراع في اليمن، والدخول في هدنة يعقبها السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، ثم الجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشة القضايا الخلافية.
وتتضمن كذلك التزام الحوثيين بوقف إطلاق الصواريخ البالستية على المملكة العربية السعودية، وعدم التعرض للملاحة في مضيق باب المندب، والابتعاد عن إيران بما يسمح باستقلالية قرارهم، واقتراحها تخلي الحوثيين عن سلاحهم، لدمجهم تدريجيا في الجيش، بحسب صحيفة الجريدة الكويتية.
وبدت تلك المبادرة شبيهة إلى حد ما بالمبادرات التي كان يقدمها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وأظهرت تساهل مصر مع مليشيات الحوثي، التي يقاتلها التحالف العربي الذي تعد مصر أحد أعضائه.
وكان ولد الشيخ، كشف اليوم عن قيام المبعوث الأممي الجديد لليمن مارتن جريفيث، بالتحضير لجولة جديدة من المشاورات ستستضيفها عُمان.
كما جاءت تلك المبادرة في ظل توتر العلاقة بين القاهرة والرياض، ووجود نوع من التقارب بين نظام السيسي والإمارات.
محاولة الظهور
وخلال السنوات الأخيرة تراجع كثيرا دور جمهورية مصر العربية، نتيجة للصراعات الداخلية التي تعيشها، وأدى ذلك إلى غياب فاعليتها بالمنطقة كما كان في السابق.
ورأى المحلل السياسي محمد الغابري، أن دوافع النظام المصري لتقديم مبادرة في الأزمة اليمنية، هي محاولة لتسجيل حضور في الشئون الإقليمية، خاصة وأن السياسة الخارجية المصرية تبدو بلا رؤية وفي حالة إخفاق.
وذكر لـ"الموقع بوست" أن المبادرة تلك، تركز على نقاط قد طرحت من قبل، وتعطي قوة دفع للحوثيين بالشعور أنهم قادرون على تهديد الملاحة في البحر الأحمر، الذي له صلة بأمن مصر القومي.
وتوقع أن تكون تلك المبادرة بإيعاز من إيران، للمحافظة على ما أمكن من قوة الحوثيين، وحضورهم في الحياة السياسية اليمنية.
بعيدا عن الواقع
وتوقفت مشاورات السلام في اليمن منذ أكثر من عام، نتيجة لعدم قبول مليشيات الحوثي الانقلابية، بالالتزام بمرجعيات السلام أبرزها قرار 2216. في الوقت ذاته هناك مساعٍ لإنعاش المفاوضات، إذ يتواجد وفد الحوثيين حاليا في سلطنة عُمان.
في هذا الصعيد يعتقد الكاتب الصحافي محمد اللطيفي، أنه لا معني لأية مبادرات أو اقتراحات تتعلق بالسلام في اليمن، في هذه اللحظة، نتيجة لانتهاء مهمة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
وبيَّن لـ"الموقع بوست" أن كل حديث عن مبادرة في هذا التوقيت، هو مجرد تغطية إعلامية، ولن يكون مهما ما هي الدولة التي ستقدمها.
وتعليقا على اختيار مصر لعُمان لعرض المبادرة عليها، قال إن عمان هي الدولة الوحيدة التي لها علاقات مع مليشيات الحوثي، وأصبحت تشكل وسيطا لدى تلك الجماعة، في الوقت ذاته ظلت في موقع غير معادٍ للشرعية.
وذكر اللطيفي أن المباحثات الثنائية التي جرت بمسقط بين ممثل الأمم المتحدة لدى اليمن المنتهية ولاياته إسماعيل ولد الشيخ، وممثلي الحوثيين، قد تهدف إلى محاولة وضع ترتيبات معينة، تضمن بقاء مليشيات الحوثي ككيان سياسي حتى يستمر التفاوض معه، في ظل قلة فرص الأمل بشأن التفاوض مع الانقلابيين.
وعن سبب تقديم مصر تلك المبادرة، أفاد بأنها محاولة من قِبل القاهرة لتحسين صورة مصر السياسية المتدهورة، على حد تعبيره.
مصير الحوثيين
ويتساءل اليمنيون عما إذا كان يمكن أن يكون هناك حلا سياسيا، يجعل الحوثيين طرفا في حكومة قادمة، بعد كل التضحيات التي قدموها من أجل التخلص من تلك المليشيات العنصرية.
ويفيد الغابري أن أي حلول تفاوضية ستمنح الحوثيين المشاركة في حكومة تأتي بعد التفاوض، في حين أن الحسم العسكري يجردهم من كل شيء باعتبارهم متمردين.
ولفت إلى أن الحوثيين قد يستجيبوا في حالة فقدان الحديدة والصليف والشريط الساحلي الغربي، في المقابل قد تستجيب السلطة الشرعية للضغوط، في حالة إخفاقها في السيطرة على محافظات صعدة وعمران وتأخر الحسم في تعز.
وأكد أن التفاوض سيُرحل المشكلات التي تواجهها اليمن، ولن يكون ممكنا نزع السلاح بالتفاوض. مشيرا إلى أن الحوثيين قد يقبلون بالمحافظة على ما أمكن، ويناورون في مسألة تسليم السلاح، ويقوا أنفسهم من ثورة انتقامية يشعرون بأنها كامنة.
وحتى اللحظة فكل المؤشرات –بحسب اللطيفي- تدلل على عدم وجود مسار سياسي واضح، يمكن البناء عليه لخلق مفاوضات سياسية حقيقية، بسبب أن مليشيا الحوثي والتحالف العربي، غير جادين في حسم عمليتي الحرب أو السلام في اليمن.
فشل
أمّا الدكتور نبيل الشرجبي فاستبعد نجاح المبادرة المصرية، مشيراً أنه لا يوجد أي إمكانية لنجاح مثل ذلك الطرح لأسباب منها أن الرئاسة المصرية مشغولة جدا بملف الانتخابات المصرية حتى وإن كانت أقرب للاستفتاء وهو ما يعنى إعطاء الاولوية للداخل المصري، على حد قوله.
ويضيف الشرجبي لـ"الموقع بوست"، "أغلب بنود المبادرة قد صيغت في تحركات سابقة سوءاَ من الامم المتحدة أو اللجنة الرباعية، كما أن المبادرة لم تعرض على الطرف الفاعل وهي السعودية،" على حد تعبيره.
وتابع "هناك بنود تتعذر عمليا التحقق منها وخاصة بند أن تبتعد جماعة الحوثي عن إيران كيف سيتم التحقيق من ذلك، مؤكداَ أنه لن يكون هناك أي صدى لهكذا تحرك وسينتهي الامر عند ذلك الحد".
وتشهد اليمن حربا شرسة منذ مارس/آذار 2015، أدت إلى مقتل وجرح آلاف اليمنيين، في مختلف محافظات الجمهورية.