تتعاظم المخاوف لدى المحللين في العلاقات الدولية والشأن السياسي في الشرق الأوسط أن تقود روسيا نفسها للتدخل في اليمن، بشكل أو بآخر دعماً للحوثيين، لعدة أهداف تتعلق معظمها بتقليص خسائرها في سوريا.
كانت الازدواجية الروسية ماثلة لمعظم المحللين السياسيين في جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي حيث طالب السفير الروسي فيتالي تشوركين، بأن يتضمن مشروع بريطانيا بشأن اليمن قراراً بفرض حظر جوي في اليمن كما فعلت القوى الغربية بمشروع قرار مماثل بشأن سوريا، استخدم خلاله الفيتو الروسي.
لم تكن هذه الكلمات، الاثنين الماضي، إلا ضمن سلسلة طويلة تُبنى على أساسها توقعات بدور أكبر لروسيا في اليمن، في وقت يتواجد المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في موسكو، الأربعاء، لبحث موقف روسي داعم لهدنة ستبدأ منتصف الليل، وتعود تلك التلميحات الروسية إلى عرض على لسان رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح متحدثاً إلى قناة "روسيا 24" التابعة لدولة روسيا قائلاً إن اليمن مستعدة لمنح موسكو أحقية الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.
وما جعله عرضاً مهماً أن علي صالح الذي أطاحت به ثورة 2011 كان من أكبر الحلفاء للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.
وفي حين أن هذا الرجل القوي سابقاً ربما يفتقر إلى النفوذ لتنفيذ مثل هذا العرض، تذكر "رويترز" بأن مسؤولين من الحزب الذي يرأسه الآن يقودون المجلس السياسي الذي يسيطر على معظم المحافظات الشمالية جنباً إلى جنب مع المتمردين الحوثيين الموالين لإيران".
بيّد أنه من الصعب الحديث عن تحرك عسكري واسع يقوم به الكرميلن في اليمن، فهو بذلك يهدد بعلاقته مع المملكة العربية السعودية، إلا أن روسيا قد تتحرك فعلاً إما بتعزيز تحركات أكثر من عملية ضغط في مجلس الأمن.
فعلى سبيل المثال قد تفكر روسيا بتحويل الحرب في اليمن إلى تدويل واسع تناقشه مع الولايات المتحدة وعلى اثره يتم الحديث عن هدنة كما يحدث في سوريا، ويبدو أن إيران ترغب بهذا النوع من التدويل في الأزمة اليمنية، فتسريبات نشرتها وكالة فارس شبه الرسمية عن دبلوماسيين في طهران، بأن واشنطن بعثت برسالة إليها تقترح بموجبها إجراء مفاوضات إيرانية ــ روسية ــ أميركية على مستوى الخبراء بداية، لتقرير مصير الحرب في اليمن، دون وجود المملكة العربية السعودية، تعطي مفهوماً واضحاً لما تريد طهران من روسيا عمله في اليمن.
الأمر الذي يدور في الكرميلن ذا معنى آخر بالفعل ويبدو أنها بدأت بممارسته، كما يشير تصريح تشوركين، أن الدخول بشكل مفرط في اليمن قد يسهل عملية تمرير الرؤية الروسية في حل الأزمة السورية، فستكون المملكة العربية السعودية وقطر وحتى تركيا، أمام خيار سهل تجنب المزيد من الصراع في اليمن الذي يؤدي إلى استنزاف أكبر، مقابل الملف السوري الذي يقع ثانياً بعد الملف اليمني بالنسبة للرياض.
حسب مركز ستراتفور الاستراتجي -المخابراتي- الأمريكي فإن احتمالات تدخل روسيا في اليمن ضئيلة، فلا يمكن -حسب المركز- من تضحية موسكو بعلاقتها مع الرياض وواشنطن من أجل تدخل في اليمن قد لا يعنيها بشكل محوري رغم التوقعات الكثيرة بأن تدخل موسكو يأتي من أجل الضغط على السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.
وأشار السفير الأمريكي لدى اليمن في مقابلة صحافية أغسطس/آب الفائت أن التدخل الروسي في اليمن مستبعد، مستنداً إلى بيان لسفراء من 18 دولة من بينها روسيا التي ساندت محادثات الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية بياناً يدين "الإجراءات غير الدستورية من جانب واحد في صنعاء".
تعي موسكو أن الصراع اليمني يشكل تحدياً غربياً وإقليميا أكبر من الجدل حول إمكانية تحويله إلى سوريا أخرى، أو بالضغط عمن يكون الطرف المذنب بارتكاب انتهاكات حقوقية، فقرب اليمن من الشرايين التجارية الحيوية في الخليج لا يعني فقط استمرار حالة عدم الاستقرار بقدر ما هو تهديد للأمن الغربي كما هي الحال في بقية المنطقة.
وهو ما تمثل فعلياً باستهداف الملاحة الدولية بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فهذا النمط الحروب المتداخلة لن يقدم موسكو إلا بشكل متوحش يستهدف اقتصاد البلدان ويؤثر على سوق النفط، وبذلك ستستمر موسكو بسياسة شد الحبل مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على أن طرفي الحبل اليمن وسوريا.