يفترشن الرمل ويلتحفن السماء.. مهاجرات أفريقيات وضع بائس وسط الصحراء في اليمن (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الإثنين, 21 ديسمبر, 2020 - 10:25 صباحاً
يفترشن الرمل ويلتحفن السماء.. مهاجرات أفريقيات وضع بائس وسط الصحراء في اليمن (تقرير)

[ معاناة المهاجرات الأفريقيات في اليمن ]

استقبلتهم رمالها الذهبية وكهوف جبالها الخاوية وطبيعتها القاسية على أطراف الربع الخالي، بعد أن قطعت الطريق أمام المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في اليمن إثر اندلاع المواجهات في المناطق الشرقية لليمن (مأرب والجوف) بين القوات الحكومة وجماعة الحوثي منذ سبعة أشهر.

 

انقطعت خطوط الهجرة وتوقفت المهاجرات الأفريقيات وحيدات في منطقة "الرويك" على أطراف صحراء الربع الخالي، ولا زلن بانتظار افتتاح الطريق إلى المملكة السعودية، لكن الانتظار طال وطالت معه المعاناة التي يتجرعنها وبعد أن نجين من الموت في البحار ها هن اليوم في الصحراء وسط العراء يواجهن الجوع وبرد الشتاء.

 

تمكن "الموقع بوست" من تنفيذ زيارة ميدانية للاطلاع على أوضاع المهاجرات الأفريقيات في منطقة "الرويك" حيث تجمعهن الوحيد في البلد منذ، ورصد حال معيشتهن اليومية في مخيم السيدات الصغار في تلك الصحراء.

 

 

سارة، شابة في مقتبل عمرها لم تكمل العشرين عاما بعد، تجيد بصعوبة اللغة العربية أفضل من رفيقاتها بكثير وذلك بفعل هجرتها للمرة الثانية من أثيوبيا عبر البحر إلى اليمن، اختارت لنفسها الاسم داخل اليمن بدلا عن اسمها الإثيوبي غير المفهوم، وهو أمر معتاد في أوساط المهاجرات فكل منهن تختار لها اسما عربيا بدلا عن اسمها الأصلي وسيرافقها طوال رحلتها وعملها في أحد منازل أو مزارع المملكة حسب قول المهاجرات اللاتي التقاهن معد التقرير في مخيم المهاجرات بالصحراء.

 

حُلم محفوف بالمخاطر

 

في حديثها لـ"الموقع بوست" تقول سارة التي تحل في مخيم المهاجرات في منطقة الرويك الواقعة على أطراف الربع الخالي وتحد أربع محافظات يمنية وعلى الحدود السعودية الجنوبية: "إن معاناة الفتيات المهاجرات في الصحراء كبيرة ومتعددة وتختلف عن معاناة الذكور وأكثر تعقيدا في منطقة صحراوية قاحلة لا ماء فيها ولا دواء، إلا ما يجود به المارة من المسافرين عبر الخط الدولي بين محافظة مأرب وحضرموت أو ما يقدمه المعلم عبد الفتاح الحميدي الذي قام بإنشاء المخيم البسيط للمهاجرات في تلك المنطقة".

 

 

لا يزال حلم سارة الوحيد أن تواصل مسيرتها المحفوفة بالمخاطر نحو السعودية للعمل كما فعلت سابقا لكسب المال وإعالة أسرتها التي اضطرت على الموافقة على هجرة ابنتهم أكبر أخواتها الأربع الأخريات، لكن الحرب لم تتح لسارة مواصلة حلمها وقطعته بقطع طريق هجرتها في حدود محافظة الجوف ومأرب بعد اندلاعها دون توقف حتى اليوم.

 

وصلت سارة ورفيقاتها (40 مهاجرة) برفقة 20 مهاجرا من الذكور، لكنهم تركوا الإناث في كهوف الصحراء وواصلوا مسيرتهم نحو الجوف ومأرب للبحث عن معيشة، بينما الإناث المهاجرات توقفن في الصحراء بانتظار باب رحلتهن الموصد أن يفتح أو يمتن جوعا ومعاناة في كهوف الجبال ورمل الصحراء.

 

تقول سارة إنهن تجمعن وتوزعن في كهوف صغيرة بنتها الطبيعة في جبل "الرويك" بعد توقف هجرتهن مع اندلاع الحرب وإغلاق المملكة ممرات المهاجرين بسبب جائحة الوباء العالمي (كوفيد-19)، إذ أقمن جدارا كل مجموعة من المهاجرات على فوهات كهفهن وصنعن من الأحجار والأقمشة المهترئة أبوابا على كل كهف للمنام أثناء الليل، وفي النهار يهبطن من المرتفع الجبلي إلى الطريق الدولي للتسول للحصول على لقمة عيش من المسافرين.

 

 

وبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة على موقعها الإلكتروني، فإن عدد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين القادمين إلى اليمن عبر خليج عدن 11500 مهاجر شهريا، بإجمالي أكثر من 138 ألف مهاجر خلال العام الماضي 2019، مقارنة بـ150 ألف مهاجر أفريقي وصلوا إلى البلاد في عام 2018.

 

وللوصول إلى السعودية، يمكنهم المشي لمسافة تقدر بنحو 860 كيلومترًا سيرًا على الأقدام. تقريبًا، فقط حوالي 10% إلى 20% من المهاجرين يصلون إلى المملكة حيث يحصلون عادةً على وظائف وفقًا لشهادات المهاجرين الذين نجوا من الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

 

معيشة قاسية

 

استمرت المهاجرات على حالهن في المعيشة القاسية ثلاثة أشهر عجاف في كهوف الجبل بنصف شبع ونصف جوع ونصف دفء ونصف حياة، وتقول سارة ذو الديانة المسيحية بكلمات مختلطة بين العربية والإثيوبية إن "انعدام توفر المياه في المخيم وسط الصحراء يمثل أبرز صعوبات حياة المهاجرات، بالإضافة إلى انعدام دورات المياه".

 

 

سارة التي يتدلى على صدرها "صليب ذهبي صغير" هي شابة في  مطلع العشرينيات ومهاجرة في مخيم الرويك منذ ثمانية أشهر، عانت كثيرا من مرض المرارة وأسعفت إلى مدينة مأرب مرتين بمساعدة فاعلي خير يمنيين وبعض المهاجرين الآخرين وتحتاج إلى عملية لاستئصال المرارة، لكنها غير قادرة على دفع تكاليف تلك العملية، لذلك عادت إلى مخيمها حاملة آلامها وأوجاعها، بالإضافة إلى نصيبها من معاناتها اليومية بفعل ظروف في الصحراء القاسية تضاريسها.

 

معاناة المهاجرات الأفريقيات في العراء دون طعام ولا ماء حرك ضمير إنساني لاحتواء بشر من الجنس اللطيف كنّ في شتات الصحراء يفترشن الأرض ويلتحفن السماء، فبذلت جهود معلم يمني لمساعدة جزء من احتياجات المهاجرات في تلك الصحراء.

 

حاول المعلم اليمني الحميدي التخفيف من معاناة المهاجرات بجهود ذاتية  ليحول بعدها صحراء "الرويك" الذهبية الخاوية من البشر إلى ديار يضرب مثلا نموذجيا في الترابط الإنساني بين شعوب وديانات مختلفة جمعها بجهود ذاتية لمساعدة المهاجرات الأفريقيات اللاتي تقطعت بهن السبل وأعاقت طريقهن إلى الحياة السعيدة بتهربهن إلى السعودية، واختتمتها حرب اليمن في محافظة الجوف التي منعت عنهن الوصول إلى مبتغاهن الوحيد.

 

 

وتحولت حياة المهاجرات الأفريقيات إلى جحيم، فلا طريق للعودة إلى ديارهن ولا سبيل إلى الحلم، فحطت بهن الرحال والأقدار في تلك الصحراء التي حولتها مبادرة إنسانية للمعلم إلى مخيم تعايش وعيش رغم الصعاب والإمكانيات وجمع فيها هلال وصليب حول سفرة طعام وخيمة إنسانية.

 

اتخذن من كهوف جبل الرويك منازل كمستقر لهن حتى يحين موعد سفرهن عبر الصحراء بمركبات المهربين إلى حدود السعودية، لكن لا زال للانتظار بقية، وليست قصيرة على ما يبدو لاستمرار حشد أدوات القتال على طريق تهربهن المعتادة.

 

إغاثة وإيواء بجهود فردية

 

وعن المبادرة التي أخرجت المهاجرات من كهوف الجبال إلى خيام متعددة وإيجاد بدائل للطعام ، يقول المعلم اليمني إن المهاجرات تجمعن قبل أربعة أشهر في كهوف الجبل وكان وضعهن قاسٍ ومعيشتهن لا تقوى على الاستمرار.

 

بجهود فردية تمكن المعلم الحميدي من توفير 15 خيمة إيواء ومطبخ لطهي وجبات الطعام للمهاجرين وكذا مواد غذائية لمدة شهر كامل.

 

وقال الحميدي إن ذلك كان بمعية كبيرة من إدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب التي تحتضن أيضا حوالي 4 ملايين نازح، فروا جراء القتال من مختلف المحافظات، لافتا إلى أن إدارة مخيمات النازحين بمأرب تفاعلت مع مشروعه.

 

 

وأشار إلى أن الاحتياجات كثيرة لتوفير احتياجات المهاجرات الأفريقيات في الرويك ولا زالت الأساسيات لم تتوفر بعد، حيث إن المهاجرين بحاجة إلى مياه شرب وخزانات للمياه وعيادة طبية وطبيب صحي وكذا دورات مياه متنقلة وتوفير مواد غذائية لمدة أطول من شهر، كما يقول.

 

لم تلمس المهاجرات أي مساعدات إغاثية قدمتها منظمات محلية أو دولية أو جهات حكومية لهن في مخيمهن المعزول عن البشر رغم احتياجهن للكثير من أساسات المعيشة اليومية بخلاف وجبات الطعام والشراب المنعدمة، حسب حديث المهاجرات في المخيم.

 

وخلال فترة البرد الشديد الذي تشهده منطقة الرويك الصحراوية في ليالي الشتاء، تعاني المهاجرات من شح الفراش وملابس الشتاء، فتعمد المهاجرات إلى إحراق أجزاء من خيامهن لتدفئة أجسادهن النحيلة خلال الليل وطهو بعض الشراب الساخن في ظل عدم توفر الحطب أو مواد لإحراقها.

 

 

وتواجه الفتيات الصغيرات من المهاجرات مخاطر جمة بسبب خروجهن للخط الدولي للتسول على قارعة الطريق بسبب الجوع وعدم القدرة على توفير وجبات الطعام المكتملة، وذلك يؤدي إلى تعرض الفتيات لمخاطر صحية ونفسية كبيرة.

 

تقول سارة إن مياه الشرب منعدمة في منطقة مخيمهن ويذهبن سيرا على الأقدام لمسافات بعيدة غرب الصحراء لجلب المياه بقنانٍ بلاستيكية من حوض إسمنتي صغير وسط الصحراء يملؤه راعي إبل لري حيواناته كل أسبوع.

 

طقوس مسيحية

 

ولم تغب الأفراح والمناسبات في حياة المهاجرات الأفريقيات في صحراء اليمن حيث يقمن طقوسهن الدينية والمناسبات الاجتماعية التي كنّ يحيينها في بلدانهن ويعملن على إحيائها في مخيمهنّ الحالي من رقصات وأهازيج رغم الشتات والصعاب التي يواجهنها، ويحرصن على إحيائها بشكل مستمر.

 

 

تضيف سارة مبتسمة أنها ورفيقاتها يقمن طقوسهن المسيحية الأسبوعية والشهرية بالرقص وإيقاد الشموع وسط تجمع جماهيري من اليمنيين المسافرين وعابري الطريق والمحليين والبدو القريبين من تلك المنطقة، لافتة إلى أن ذلك يعيد للمهاجرات الأمل بالحياة والاستمرار في العيش رغم الصعوبات ومنغصات الحياة وينسيهن بعض الأحزان وفراق الديار.

 

وصباح كل يوم تتنقل سارة وزميلاتها من المهاجرات على الخط الدولي الرابط بين اليمن والسعودية لتمد يدها للمساعدة من المارة والمسافرين لعلهن يحصلن على ما يسد رمقهن مما تجود به صدقات الناس، رغم المخاطر الكثيرة التي يتعرضن لها.

 

وذكرت سارة أن إحدى صديقاتها في المخيم سحبتها إحدى المركبات بعد أن ألحت على السائق بأن يساعدها وتعلقت على باب السائق، وسار بها مسافة وهو يسحلها على الإسفلت، مما أدى إلى كسور في ساقها وجروح كبيرة ثم تركها وغادر دون إسعافها.


التعليقات