[ معالم أثرية في تعز ]
ليست الحرب الدائرة وحدها التي ألقت بمئات المخطوطات والتحف الأثرية في اليمن إلى قارعة الضياع، وأيدي تجار الآثار الذين يحظون بالحماية من أطراف الصراع المحتدم.
فالمعلمان الأثريان اللذان كان لـ"الموقع بوست" السبق في الكشف عنهما هنا يظهران حجم العبث والدمار الذي طال نقوشا ومعالم أثرية عمرها مئات السنين في بلد يمكن وصفه بالمتحف المفتوح لثراء إرثه التاريخي.
حصن السافع
هذا الحصن المعلق في السماء كما تشاهدونه في الصورة، ليس مسجلاً في قائمة الحصون والآثار اليمنية، ولا تعلم عنه الحكومة اليمنية ووزارة الثقافة شيئاً حتى تاريخ هذه الزيارة صبيحة السبت 26يونيو/حزيران الجاري التي قام بها "الموقع بوست" للحصن في عزلة المساحين النائية في ريف محافظة تعز الجنوبي.
ولأنه أشبه بعش طائر اكتسب اسم "حصن السافع"، والسافع نوع من الطيور الجارحة من فصيلة الحدأة يعرف لدى أهالي المنطقة بهذا الاسم.
في جوف هذا الجبل الوعر وعلى ارتفاع ما يزيد على 150 متراً عن الأرض يربض هذا الحصن الذي لا يعرف أحداً من الذين قابلناهم من أبناء المنطقة وخاصة كبار السن التاريخ الحقيقي لبنائه، لكنه بحسب بعض الروايات يرجع إلى حقبة الحكم العثماني لليمن (1872--1911)، وهي الحقبة التي اشتهرت ببناء القلاع والحصون كوسيلة حربية.
يقول المسن سعيد حسن (80 عاماً) من أبناء قرية الموهين التي يطل عليها الحصن، إنه منذ صغره عرف الحصن كما هو عليه الآن، إلا أن أباءه واجداده يرجعون بناء الحصن لجدهم الأول الذي سكن وادي "الموهين" وهو وادٍ خصيب أسفل الحصن، واتخذ من ذلك المكان الشاهق سكناً ليحتمي من الوحوش وقطعان القرود التي كانت تهاجم محاصيله الزراعية ومواشيه.
يظهر بقايا البناء المتداعي أسفل الحصن، والمشيد على جبل منحدر زلق وبارتفاع يزيد عن 100 متر، العمل الجبار الذي بذله بناة الحصن بدءًا من نقل الأحجار من أسفل الحصن صعوداً حتى تمكنوا من الوصول إلى مكان الحصن المعلق في الهواء كما تظهر الصورة، المرحلة الأكثر خطورة وإدهاشاً هي مرحلة نقل الأحجار التي بني بها الحصن وطريقة بنائه.
سمعنا حكايات كثيرة حول حصن السافع من الأهالي، كوجود كنز بداخله ودواعي بنائه وقدرات صاحبه الخارقة، تبدأ الحكاية الأجمل عن الحصن في كونه تحفة أثرية تروي قدرات اليمني الخارقة في تطويع الطبيعة، ومواجهة الأخطار المحدقة والوصول إليه بات مستحيلاً الآن ويحتاج لطائرة هيلوكبتر "مروحية".
نقوش قتبانية
في منطقة "حشيفين" الداخل من عزلة "الزعازع" بمديرية الشمايتين من ريف تعز الجنوبي، عثرنا على هذه النقوش داخل كهف تحت صخرة ضخمة يطلق عليها صخرة "المصاعد".
ووفقاً لخبير الآثار اليمني بلال شائف، فإن هذه النقوش المكتشفة بعد إخضاعها للفحص والتدقيق والرموز المستخدمة فيها يرجح أنها لرعاة سكنوا الكهف في عهد الدولة القتبانية أو بعدها، فالوعل المنقوش يؤكد نسبتها تاريخياً للدولة القتبانية التي حكمت الحجرية في القرن السابع قبل الميلاد، فالوعل بحسب المراجع التاريخية كان رمزاً للإله "عثتر" إله الدولة القتبانية.
عند تساؤلنا عن قيام أي بعثة أثرية أو جهة حكومية متخصصة بزيارة للمكان، ومشاهدة النقوش، نفى عبده محمد الحسري (65 عاماً) من أهالي قرية حشيفين القريبة من المكان حدوث أي زيارة للنقوش من أي جهة للكهف.
في حديثه قال الحسري إن "الموقع بوست" أول وسيلة إعلامية تصل للمكان، ولجهلهم لا يدركون ما تعنيه تلك النقوش أو أهميتها.
وكأي آثار مهملة تمتد إليها أيادي العبث، تعرضت هذه النقوش للتشويه، ونسجت حولها أساطير كثيرة، وجرت عمليات حفر عشوائية حول الصخرة التي توجد بها النقوش وداخلها بحثاً عن كنوز مفترضة.
مع نشر "الموقع بوست" لهذا التقرير تغدوا الجهات الحكومية في محافظة تعز، وخاصة مكتبي الثقافة والسياحة وفرع الهيئة العامة للآثار والمخطوطات، ملزمة بالقيام بمسؤوليتها والحفاظ على ما تبقى من هذين المعلمين الأثريين، كونهما ثروة تاريخية لليمنيين جميعاً.